د. الحسين آيت سعيد
بعض المسلمين لَمَّا يسمعون أحاديث الغربة، يتبادر إلى أذهانهم أن هذا الدين قد انحسر بالكلية عن مواقعه، وأنه ضعُف واستكان، ولم يعد له مفعول قوي، وأن عودته للظهور البارز وسرعة الانتشار، بات أمراً بعيد المنال، وهذا الفهم ليس بصحيح ولا سليم، تكذبه النصوص الواردة في الغربة، وفي
أـ الغربة مرحلة، وليست سُنة لا تزول:
القراءةُ الصحيحة لأحاديث الغربة، هي فهمها على أنها مبشرات لعودة هذا الدين لمسرح الحياة كما كان، ومقدماتٌ لانتشاره ودخوله كل بيت من مدَر أو وبَر، ولا ينبغي أن نُؤيِّس المسلمين ونشل حركتهم، ونُفقدهم الأمل في دينهم بما يُفهم أولَ وهلة من بعض هذه النصوص؛ فهذه النصوص إذا ضمت لأشباهها، وفُهمت في سياقها، فإنها تفيد أن غربة الدين ما هي إلا مرحلة عارضة، تمر منها الأمة، ولا تستقر فيها ولا تدوم عليها، ثم تعود إلى المرحلة الطبيعية التي هي انتشار هذا الدين بين العالمين، وبلوغُه ما بلغ الليل والنهار؛ ففي حديث ثوبان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون» (?) . فهذا الحديث من أعظم الأحاديث الدالة على أن الله تكفل باستمرار هذا الدين، وأنه يبعث له في كل زمان حماة يحمونه ويلتزمون به، ويدافعون عنه إلى يوم القيامة، وهذه الطائفة ما انقطعت ولن تنقطع بضمان الله ـ عز وجل ـ لاستمرارها، وذاك يشجع المسلم أن يكون من جنود هذا الدين، ويدفعُه أن ينخرط في سلك هذه الطائفة المنصورة، حتى تتحقق له بشارة الثبات على الحق والدفاع عنه، والانتظام في جماعة أهله، فيضاعف المسلم جَهده ليكون على الحق، ويكون ممن يظاهر الحق ويناصره. وفي حديث تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر» (?) . وكان تميم الداري يقول: قد عرفتُ ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرُ والشرفُ والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذلُّ والصَّغار والجزية. ففي هذا الحديث بشارة صريحة أن هذا الدين سيعم الكرة الأرضية، وأنه لا يبقى بيت إلا دخله، أبى ذلك من أباه أو قَبِله من قبله، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن غربة الدين وغربة أهله لا تستمر، وأنها ليست قانوناً حتمياً؛ كما يفيد الحديث أن العزة ستعود للمؤمنين، وأن الذلة ستلحق الكافرين، ولو عَلوا وطغوا وتجبروا بما أتوا من قوة وجبروت، لكن يبقى أن يتحرك المسلمون وأن يعملوا جميعاً لتحقيق هذا الوعد والتعجيل به، فالله ـ تعالى ـ قد تكفَّل لدينه بالظهور، ويبقى تنفيد الوعد بأيدي المسلمين حتى لا يفهم أحد من هذه البشارات التواكل، والاسترخاء، وعدم العمل، وترك التبليغ، والركون إلى الدَّعة، بحجة أن الله سينصر دينه لا محالة؛ فهذا الفهم ليس بسليم، فالله ـ تعالى ـ سينصر هذا الدين بنا، وإن تخلينا فسينصره بغيرنا. قال ـ تعالى ـ: {وَإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38] ، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة: 54] فما أحوجنا إلى رجال يحققون وعد الله، ويستنزلون نصر الله، ويكونون رحماء بإخوانهم المؤمنين، ويوم تتحقق فينا هذه الأوصاف، فإننا سنخرج من دائرة الغربة إلى دائرة الكثرة والشمولية. وفي حديث ثوبان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله زوى ـ ضم وجمع ـ لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ مُلكها ما زُوي لي منها» (?) فهذا الحديث علم من أعلام النبوة، وإخبار صادق بأن ملك هذه الأمة سيبلغ المشرق والمغرب، وأن الخلافة على منهاج النبوة ستعود، وفيه تحفيز للعاملين للإسلام وتثبيت لهم، وشحذ لعزائمهم إلى العمل البنَّاء الذي تسود فيه الرحمة والمحبة، كما فيه إيقاظ الغافلين، وتحميس المتواكلين، وبعث الأمل في نفوس اليائسين، وقطع الطريق على المتربصين. وفي إطار هذه البشارات الثلاث التي تدل عليها هذه الأحاديث، يمكن أن تُفهم أحاديث الغربة، التي يستعملها أعداء هذا الدين سلاحاً للتأييس، وتثبيط الهمم؛ فعن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ؛ فطوبى للغرباء. قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس» (?) .
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم ـ ونحن عنده ـ: «طوبى للغرباء! فقيل: مَنِ الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناسِ سوءٍ كثيرٍ، من يَعصيهم أكثر ممن يطيعهم» (?) . فهذان الحديثان، فيهما وصف أهل الغربة بأنهم قلة، وأنهم صالحون مصلحون، وأنهم بين كثرة فاسدة، لذلك يعملون للإصلاح، ويحاولون إزالة الفساد؛ وهذا يدل على غيرتهم وتمام قيامهم بواجبهم، فليسوا يائسين مستسلمين، ولا قابعين في بيوتهم، يتأوهون على ما صار إليه الحال من غربة الدين، مسَلِّمين بالأمر الواقع، بل هم على العكس، متحركون، فاعلون، إيجابيون، مواصلون، متشبثون بالدين، منافحون عنه، موسعون لدائرته، متحدُّون لكل العراقيل الموضوعة في طريقهم. قال ابن تيمية ـ شارحاً لهذا الحديث ـ: وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام، جزِع، وكلَّ، وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر، والتوكل، والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ... وهذا الحديث يفيد المسلم أنه لا يغتر بقلة من يعرف حقيقة الإسلام، ولا يضيق صدره بذلك، ولا يكون في شك من دين الإسلام كما كان الأمر حين بدأ، وقد تكون الغربة في بعض شرائعه، وقد يكون في بعض الأمكنة يخفى عليهم من شرائعه ما يصير به غريباً (?) ، وقال ابن القيم: «فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جداً، سُمّوا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع، فيهم غرباء، والداعون إليها، الصابرون على أذى المخالفين، أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم … وغربتهم بين الأكثرين الذين قال الله فيهم: {وَإن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116] وهذه الغربة قد تكون في مكان دون مكان، ووقت دون وقت، وبين قوم دون قوم» (?) . وهذا هو الفهم السليم لأحاديث الغربة، لا ما جنح إليه من لم يفقه عن الله ورسوله مرادهما.
ب ـ ما الواجب على العلماء في زمن الغربة أن يفعلوه؟
الواجب على العلماء مما ألزمهم الله به وفرضه عليهم، هو وظيفة الدعوة إلى الله تعالى، والأمرِ بالمعروف بالمعروف، والنهي عن المنكر بلا منكر. قال ـ تعالى ـ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] .
فهذه الآية تقرر فضيلة الدعوة والدعاة، وأنه لا أحد أفضل عملاً، وأكثر أثراً، وأنفع خلقاً من الدعاة إلى الله، العاملين بالصالحات، المصلحين بالآيات البينات، وهل من فضيلة فوق فضيلة تربية الخلق، ودلهم على الله، وإيصالهم به، وحثهم على ملازمة هديه، وتبصيرهم بطريقه ومنهجه؟ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حمر النعم» (?) فهذه الفضيلة قد يستقلها من لا يزن الأمور بميزان الشرع، ولا يعقلها بهديه، ويعدُّها مبالغة وترغيباً، لكن لو أمعن النظر لعلم أن كل مهدي ومتعلمِ خيرٍ على يد رجل، فإنه يكتب له أجره في كل ما عمله من خير، دون أن ينقص ذلك من أجره شيئاً، وإذا هُدي أو تَعلَّم على يد ذلك المهدي الأول أحدٌ آخر، فإن أجره يكتب للهادي الأول والثاني، دون أن ينقص ذلك من أجر العامل شيئاً، وهكذا ما استمرت عملية الهداية تتعاقب في الأجيال.
ولهذا فأجور هذه الأمة المحمدية وحسناتها تكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه الهادي الأول لها، ولا ينقص ذلك من أجر العاملين شيئاً، وهذا يستفاد من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده، كُتِب له مثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعُمل بها بعدَه، كُتِب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء» (?) ويزداد الأجر، وتعظم المثوبة في زمن الغربة، الذي يقلُّ فيه النصير، ويندُر فيه المواخي، ويكثر فيه المخالف، ويَنزُر فيه الموافق، ويشتد فيه الابتلاء، وتعظم المحنة، مما يستدعي مضاعفة جهد الداعية، على واجهات عديدة، كلها مشرعة الأبواب، تنتظر من يلجها ليعالج بالإسلام مشاكلها، ويزيلَ بالوحي عقباتها، ويمهد بذلك السبيلَ للمستضعفين، المغلوبين، لينعموا بنعمة الإسلام، ويتفيؤوا ظلاله، ويستنشقوا عبيره، ويشعروا بنسيمه يدب في أوصالهم، ويتواصلوا بروح جديدة تحيي منهم ما اندثر ـ أو أوشك أن يندثر ـ من معالم الفطرة؛ فطرةِ هذا الدين التي قال الله ـ عز وجل ـ فيها: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] .
وهذه الفطرة، هي التي ينبغي للدعاة أن يسعوا لإزاحة ما ران عليها من ركام الذنوب، وأوزار الآثام حتى غلَّفتها، ومنعت الحق أن يصل إليها، فلا بد أن تعود إلى حالتها الأولى نقية صافية، ثم تُملأَ بما ينفع من العلم والعمل الصالح، ولا بد من التخلية أولاً ثم التربية ثانياً، وبهما معاً تصل النفوس إلى كمالها المنشود. وهذه العملية ليست بسهلة وميسورة ينجح فيها كل من ينسب نفسه للدعوة، ويحشر أنفه في صف الدعاة، وإنما ينجح فيها من آنس من نفسه الرشد، واتصف بأوصاف: هي شرائط لهذا الأمر، لا ينفذ ولا يتم إلا بها، وهي كالتالي:
العلم: فالداعية في حاجة إلى أن يكون على دراية تامة بما يدعو إليه وبأصناف المدعوين، حتى تنجح دعوته وتؤتي أكلها، وما يدعو إليه الداعية هو الإسلام، فلا بد أن يصل إلى مستوى البصيرة والرسوخ فيه، قال ـ تعالى ـ مبيناً هذا الشرط: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] . فما لم يصل الداعية إلى مستوى البصيرة فيما يدعو إليه، فإنه ـ بلا ريب ـ سيخفق في دعوته.
والبصيرةُ تعني أن يكون متقناً لأصول هذا الدين وفروعه، وما يُتوصل به إلى ذلك من وسائل، وأن يكون مجتهداً نسبياً في ذلك، قادراً على إلحاق المتجددات بمناطاتها التي ترتبط بها، ولا يكفي الداعيةَ أن يتعلم مقداراً ضئيلاً من أحكام هذا الدين، ويعتقد أنه به ينقذ الحيارى والهلكى؛ فالداعية المؤثِّر المقتدر، هو من يتصرف في العلوم المطلوبة، ويقدر على ذلك، لشدة ممارسته لها، وطول عكوفه عليها، حتى أصبحت مَلَكة وسجية له، يستطيع بها أن يوجد لكل نازلة حكمها الشرعي الملائم. وأما من اقتصر على الضروريات التي لا بد من معرفتها، أو أتقن جوانب دون أخرى، فحسبُه أن يقتصر في دعوته على ما يعلمه ولا يتعداه؛ فإن فعل فهو من جملة الدعاة، لكن ليس بالمعنى الذي تقرره الآية، ولا يمكن أبداً أن تستقيم الدعوة ولا أن تنجح، في غياب دعاة وصلوا إلى مرتبة البصيرة في الدين وأحكامه وواقعِه الذي ينزَّل عليه ويعالَج به؛ فهذه الدرجة، ينبغي للأمة أن تهيئ لها جماعات يصلون لهذا المستوى، وإلا ضاع الدين وضاعت الأمة بضياعه، وكما تنفق الدولُ ميزانيات لتكوين أطر علمية مقتدرة في الاقتصاد، والصناعة، والسياسة، وتعتمد آراءهم وتخطيطاتهم؛ فكذلك يجب عليها أن تنفق بالمقدار نفسه أو أكثر منه على تكوين دعاة بصراء بهذا الدين، قادرين على التجديد فيه، والاجتهاد في مضامينه، وفق القواعد والأصول المقررة المسلَّمة؛ وبذلك يكون التجديد في الخطاب والوسائل، مواكباً للتجديد في الأحكام والاجتهاد في النوازل، حتى يحور بذلك إلى الإسلام من بحث عن حلول لمشاكله في غيره، فيستعيد ثقته بدينه، ويعوَّل عليه في حل طوارئه.
وأكبرُ مشكلة تعترض الدعوة، ويلمسها كل مخلص، هو قلة المؤطِّرين الإسلاميين المقتدرين على هضم الثقافة الإسلامية وهضم الواقع الذي تنزل عليه تلك الثقافة. وما دمنا لم نقتل الماضي بحثاً، ولم نستوعب الحاضر فقهاً، فإننا سنبقى نجتر ما كان، دون أن نفقه معناه لنأخذ منه ما يلائم أوضاعنا. والحركةُ الإسلامية ـ مع امتدادها وانتشارها ـ لا بد لها أن تستشعر بإحساس بالغ ضرورةَ التمكن من العلوم الشرعية، وأخذ أصحابها زمام الدعوة ومِقْوَدَها. ولغياب العلماء القادرين عن بعض المواقع، اضطربت بعضُ مفاهيم الدعوة، وتخلخلت فتاوى المتولين لها، واعوجَّ علاجهم لواقع الأمة وأزماتها، وإذا كان الغرب الصليبي الحاقد أدرك إدراكاً كاملاً خطورة الأطر المتخصصة والمدرَّبة بشكل كاف وممتاز ـ فهيأ لهم لذلك مدارس متخصصة وخاصةً بهم، ووضع تحت تصرفهم ما يحتاجون إليه من ماديات ومعنويات ومشجعات ـ فإنه لم يفعل ذلك سدى، ولا تبناه بغير دراسة، ولكنه أدرك جيداً أن التأثيرالسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتحولات التي تشهدها المجتمعات، لا تكون إلا برجال أقوياء، تعرَّفوا على سنن الله في خلقه، وبنوا على تلك السنن ما تؤدي إليه من نتائج، فقَلبوا بذلك الدنيا رأساً على عقب، وتحكموا فيها وفي بشرها وخيراتها من المحيط إلى المحيط، فالمأمول في الدول الإسلامية هو التغيير الجذري، ولن يكون ذلك إلا بالإسلام، والإسلام لا بد له من رجال أوفياء، ولن يكونوا إلا العلماء بهذه الشريعة، وبسنن الله في الكون والأنفس والآفاق، وهم الذين تثق فيهم الأمة، وتسلِّم لهم زمام أمرها؛ لأنهم في مستوى الأحداث التي تجري في العالم. فعالميةُ الرسالة المحمدية تستوجب أن يعم نورُها جميع القارات، حتى يخرج الصالحون المصلحون من دائرة الغربة إلى دائرة الكثرة والسعة، وذلك يحتاج إلى العلم بالله، وبشرع الله، وبسنن الله في دينه وخلقه وشرعه وكونه، والبيوتُ تؤتى من أبوابها. قال ـ تعالى ـ: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] الحكمة (?) : والشرع عند تطبيقه وتنزيله على الوقائع وعلى الناس، لا بد أن تصاحبه الحكمة. ونعني بالحكمة السدادَ في القول والتطبيقِ معاً، والصوابَ فيهما؛ والحكمةُ يدور معناها على هذا، وهي هبة من الله ـ عز وجل ـ يمنحها من يشاء من عباده من جهة، ومن جهة أخرى تُصقَل بالمعاناة والتجربة والخبرة. قال ـ تعالى ـ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] ، وهو ما يسمى إتقان العمل. والمراد بالحكمة إصابة الحق بالعلم والعقل، والإتقانُ يستدعي تبصُّراً وعلماً، فيتوقف مفهوم الحكمة على العلم، فالحكمة تمنع صاحبها من الجهل، والحكم يمنع من الظلم. والحَكَمة تمنع الفرس أن يجمح بصاحبه، والإحكام هو الفصل والتمييز، والفرق، والتحديد الذي به يتحقق الشيء ويحصل إتقانه، ولهذا دخل فيه معنى المنع، كما دخل في الحد بالمنع، جزءُ معناه لا جميع معناه (?) .
وهذا المعنى للحكمة، يستمد من الوحي وبه يكون وينمو؛ لأن الوحي كله حكمة، وهو حكمة الله للأولين والآخرين. قال ـ تعالى ـ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة: 2] فوظيفةُ النبوة التعليم والتربية، ولا فلاح إلا بهما، وأي أمة لم تصل مناهجها التعليمية إلى مستوى التزكية، فهي أمة ميتة، ميؤوس منها، والحكمة يتجلى عنصُرها جيداً ويصبح ضرورياً عند التطبيق والتنزيل؛ فكم من قيلٍ هو حق في ذاته، لكنه لما أسيء فهمه عند التطبيق، ووضع غير مواضعه، اشمأز الناس منه ونفَروا، وابتعدوا عنه وتفرقوا، وهو حق يحمل في طياته جميع عناصرالحقيقة، ولهذا المعنى يشير قوله ـ تعالى ـ: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] ؛ فالمَواطن التي تتطَلب فيها الأناة، لا ينبغي فيها العجلة، ومواطن الرفق واللين لا تجوز فيها الخشونة، ومَواطن القوة لا يجوز إظهار الضعف فيها؛ فكل مدعو يعامَل بأسلوب يناسبه، وهذا هو غاية الحكمة التي أمر الله بها في الدعوة.
ولما سوَّى بعض الناس بين المقامات كلها، وخلطوا هذه بتلك، كانت النتائج سيئة أحياناً، ومسيئة للإسلام أحايين، ومدمِّرة تارات أخرى، فانقلبت النتيجة إلى ضدها، وانعكس القصد، وضاعت الجهود، وانحصرت الدعوة في متاهات لا يعلم مداها إلا الله عز وجل؛ فكم من حق أسيء استخدامُه، فأصبح في نظر الناس غُولاً يُتقى ويحارَب؛ فمن المسؤول عن هذه الوضعية المزرية؟ إنه من يتصدى للدعوة، وهو خالٍ من علم الدعوة، ومن انتصب لنشرها، وهو لا يملك من أساليبها وحكمتها شيئاً، ولا يعلم عنهما قطميراً ولا نقيراً؛ ولا ريب أن من كان هكذا، فهو آثم شرعاً، متحمل وزر من تنكروا للحق وجحدوه؛ لأنه هو الذي قدمه لهم في صورة الباطل، فنفروا منه، وكل من كان كذلك، فهو مشمول بقوله ـ تعالى ـ: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] ، وقوله ـ تعالى ـ: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] ، وقوله -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة: «ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» (?) .
فهذه الأدلة مفيدة أن المتسبِّب في الشيء، يؤخذ بمسبَّبه، ويُسأل عنه، وإن كانت نيته صالحة مع الجهل؛ لأن النية الصالحة لا تشفع للجاهل، ولا ترفع عنه حكم ما تسبب فيه، وإنما تخفف عنه الحكم أحياناً، ولكنها لا تدفعه بالكلية. وهذه الحقيقة لا يعيها كثير من الدعاة إلى الإسلام بدون علم ولا حكمة، وإنما يدفعهم الحماسُ الزائد للدعوة، بحجة أن العلماء المكوَّنين ليسوا بموجودين الآن، وإذا وُجدوا لا يتحركون ولا يعملون، فيجب أن نعمل نحن، وننشر ما نعلم، وغاب عن أصحاب هذه المقالة أن المشروط يفقد بفقدان شرطه، فما داموا يعترفون بأنهم ليسوا من أهل العلم؛ فالواجب عليهم أن يتركوا الدعوة لأهل العلم إذا وجدوا، ويحمِّلوهم مسؤوليتهم أمام الله عز وجل، وإذا لم يوجَدوا فعليهم أن يسعوا في إيجادهم وتكوينهم من منطلق فقه: توقُّف المشروط على وجود شرطه.
ثم هم ليسوا كلهم صادقين في أنهم يدعون لما يعلمون فحسب، فجلُّهم يتجاوز ما علمه إلى ما لا يعلمه؛ فكم من واحد نعرفه يدغدغ العواطف في بداية اتصاله بالدعوة بأنه واقف عند ما علمه، ثم لا يلبث أن يتصدر ويُستفتَى، فيستنكف أن يقول: لا أعلم، فيفتي ويقضي فيما أحجم أهل بدر أن يقضوا فيه، وينصب نفسه مصدراً في كل علم، فيَضل بذلك ويُضل، ويدخل في عداد من قال فيهم المعصوم -صلى الله عليه وسلم- من حديث عمرو بن العاص: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (?) .
والجدير بالذكر أن غربة الدين، يكون هذا السبب أحدَ أسبابها؛ لأنه يتضمن أن يتكلم في علوم الوحي من لا يحسنها، فيقدمها بذلك في حلة باهتة، لا تجلب رغبة، ولا تثير حماساً، ولا تشحذ عزيمة، ولا تنبه الغافلين، ولا تؤُزُّ المعادين ولا تزعجهم، فينشأ عن ذلك الإعراض الكلي، الذي تنشأ عنه غربةُ الإسلام وأهله المتمسكين به، ويسبب لهم وحشة بين أقوامهم. صحيح أن الإسلام ليس حكراًً على أحد، وليس بمحرم على من لم يتخصص في علومه أن يتكلم فيه؛ لأنه رسالة الله للعالمين من الجن والإنس، ولكن ما ليس بصحيح، هو أن يتكلم الإنسان فيما لا يعلمه من دقائق هذا الدين وعلومه؛ والكلام فيه لا بد أن يكون بعلم؛ فمن تكلم في حدود ما يعلمه، وأحال على غيره فيما لا يعلمه، فلا أحد يلومه؛ فلو كان بعض الناس قد التزم بهذا المبدأ لأراح واستراح، ولم يكن سبباً في ضلال أحد؛ ولا في تحريف فهم أحد؛ فهذا القياس لا اعتراض على أحد أن يتكلم وأن يناقش فيه؛ لأن ضروريات هذا الدين لازمة لكل أحد، مفروض عليه علمها والسؤال عنها، فهي مِلك مشاع لجميع البشر؛ ولهذا لا يفترض أن يوجد في ديار المسلمين من يجهل ضرورياته، ولكن يفترض أن عامة الناس ليسوا في مستوى التنظير والاجتهاد والاستنباط؛ فإذا تكلم هؤلاء في هذه الدقائق، فقد ضلوا وأضلوا، والإسلام لا يرغب في ضلالهم ولا إضلالهم؛ فكما لا يوجد عندنا في الواقع طبيب يتكلم في غوامض الطب دون أن يتخصص في ذلك حتى عُرِف تأهلُه فيه، واشتهر فيه علمُه ومعرفته، فكذلك علوم الدين الدقيقة، لا بد أن يكون من يتكلم فيها عالماً بها، متخصصاً فيها؛ فكما ينكر الناس تلقائياً على الأول ويتنكرون له ولا يتطببون عنده؛ فكذلك ينبغي أن يفعلوه مع هذا الثاني، بأن لا يثقوا في علمه، ولا يعتمدوا فتواه، ولا يُكْبِروا أمره، لكن الذي وقع، هو أن الناس منسجمون مع فطرهم وواقعهم في الأول دون الثاني؛ فلن تجد أحداً يأتي غير الطبيب الحقيقي إلا نادراً، ولكن تجد الناس بالآلاف يستفتون من لم يتأهل للفتوى، ويعتبرون العالم من عَطِلَ عن حلية العلم؛ فنشأ عن ذلك ما نلاحظه من رقة التدين، وقلة الحماس لعلوم الدين.
الحِلْم: ومع العلم والحكمة، فلا بد من الحلم؛ فموقع الحلم من الدعوة، موقع العضد من الكتف. والحِلْم يعني ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب (?) ، وهو صفة كمال، وليس بصفة نقص، ولذا سمى الله ـ تعالى ـ نفسه حليماً، فقال: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] . وحِلمُه ـ تعالى ـ أنه يعفو عن عباده ويصفح عنهم، ويتجاوز عن عصيانهم، ولا يعاجلهم بالعقوبة، وجعَل لكل شيء نهاية وقدراً ينتهي إليه.
والداعيةُ في حاجة لخلُق الحلم والأناة؛ فبالحلم يقبل من الجاهل، ويعذر المخطئ، ويتحمل الإساءة، وهذا يجعل الخلق مقبلين عليه، راغبين في دعوته، لما يرونه في سلوكه من الأناة، وكظم الغيظ، والصبر على الأذى؛ فالحلم للدعوة، كالإدام للطعام؛ فكما لا يستساغ الطعام إلا بتأديمه، فكذلك الدعوة لا تستساغ إلا بحِلم، ولا ينبغي أن يغفل الداعية أن الحلم لا ينبغي أن يزداد عن حده، ولا أن ينقص عنه؛ لأنه خصلة حميدة بين رذيلتين: رذيلةِ الغضب بسرعة والانفعالِ الاندفاعي الذي يستجيب للنزغات بلا تبصر ولا روية، ورذيلةِ الذلة والبلادة والرضا بالظلم وهضم الحقوق.
والحِلمُ هو العفو عمن يستحق مع المقدرة، والصبر مع من يعترف به، وليس عجزاً ولا غفلة، ولا غباء كما يعتقد بعض، والأناةُ واجهة من واجهات الحلم، وهو تدبرُ الأمور، والنظرُ في مآلاتها وعواقبها، ثم التحركُ لعلاجها وفق ما تتطلبه عواقبها، من حسم، أو إغضاء. ولو كان الحلم إنساناً يمشي على قدميه، ما كان إلا محبوباً عند الناس كلهم، مرغوباً في مجالسته ومعاشرته؛ فلو لم يكن في الحلم إلا عواقبُه الحميدة، لكان محل إجماع على احتياج الناس إليه؛ فما بالك إذا كانت نتائجه وخصاله عديدة.
وأحق من يحتاج إلى الحِلم، الداعية في دعوته، فلا شك أنه يواجه المشكلات وتواجهه، ويصادف التحديات وتعترضه، فلا أمل في أن يتغلب عليها في جل أحواله إلا بالحلم والأناة؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأشجّ عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة» (?) .
وكثيرٌ من المواقع التي يمارَس فيها التشنج، والغلظة، وعدمُ الأناة، وقلةُ الصبر، تراجعت فيها الدعوة، وهانت فيها كلمة الحق؛ لأن النفوس التي تحملها لم تَتربَّ على هذا الخلق الرفيع، وقد لا تعرف إلا التشدد مسلكاً، والتيئيس شعاراً، والتعنت أسلوباً، والإعجابَ برأيها منهجاً متبعاً، لذلك ترى مثل هذه النفوس الهزائمَ انتصاراً، والانتكاسات تقدماً، فانقلبت حقيقة الدعوة إلى سوق من البغضاء، والفرقة، والجدال حول أمور ما وُضعت مواضعهاالحقة لتظهر نصاعتها وأحقيتها، مع العلم أن الرفق، من أعظم الأعمدة التي بنى عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته، ووصل به إلى الانتصارات الباهرة في فتح مغاليق النفوس، قبل الانتصار على أعداء هذا الدين. قال ـ تعالى ـ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] .
فانظر إلى تقرير القرآن أن خُلُق اللِّين والحِلم، هبة ورحمة من الله لعباده، وأن خلق الفظاظة والغلظة، ينفِّر الناس، ويبعدهم عن الداعية، ويفرقهم من حوله. فما أحوجنا أن نحذو حذو المواقف النبوية في تطبيقات هذا الخُلُق الفريد. عن أنس بن مالك قال: «كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك! فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك، ثم أمر له بعطاء (?) . الله أكبر؛ إنه كمال النفس في كمال خُلُق يتحمل الأذى، ويتجاوز عن المسيء، ولا يقابله بمثل فعله؛ فهذه الأخلاق الرفيعة، هي التي أثرت في الأعراب ذوي الطبائع الشرسة، والأخلاق الشكسة، فأذعنوا للحقيقة وأسلموا وجوههم لله وحده.
فما أحوج الدعاة في زمن الغربة، التي كثر فيها الأذى والقذى، أن يستلهموا مواقف دعوتهم من سيرة سيد العرب والعجم، ولهذا فالقوة لا تقاس بقوة الجسم، وإنما تقاس بقوة النفس على التحمل، وكظم الغيظ، وعدم مقابلة السيئة بمثلها، وشاهد هذا حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (?) . ولما طلب رجل من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يوصيه بأعلى خصلة حسنة يتصف بها المرء، قال له: «لا تغضب» (?) لأن الغضب خلُقٌ مدمر للمروءة، مفسد للعمل، مبعد للناس عن صاحبه، موصِد لأبواب التواصل الذي هو أحوج ما يحتاج إليه في زمن الغربة لإزالة الغربة، وإن لم يكن في الغضب من السوء إلا تغيُّرُ الملامح، وانتفاخ الأوداج، لكان يليق بعاقل عادي أن يتركه، فما بالك إذا كان داعية متصدراً لهداية الناس وإرشادهم. جعلنا الله ـ تعالى ـ ممن تخلَّق وتحمَّل، وعمل لدينه وأمته وما توانى، والحمد لله رب العالمين.