وموقف الإسلام منها
أ. د. عبد الفتاح محمود إدريس
في زمن غلبت فيه الماديات، واندثرث فيه القيم الروحية التي تدعو إليها الفطر السليمة والدين الصحيح، وأصبح جمع المال هو ولع الكثيرين وشغلهم الشاغل، سواء كان من حل أو من حرمة، من نفع أو من مضرة، قد يجد بعضهم من أقوات الناس وأغذيتهم الوسيلة المثلى لجمع المال، إما لأن الناس لا يستغنون عن القوت، وإما لأن هذا الغذاء يرتبط بتوقان النفس البشرية إليه، والتي قد يجذبها فيه أمور بعيدة كل البعد عن مواطن النفع، فتنجر لإشباع حاجتها منه، دون اعتبار لأمر آخر؛ ولهذا فقد تفتقت قرائح صانعي الغذاء، في جعل المواد الغذائية أكثر إغراء للنفس البشرية من ذي قبل، واتبعوا في ذلك وسائل شتى، منها خلط هذه المواد بإضافات كيميائية وغيرها، إما لإكسابها طعماً مستساغاً محبباً إلى النفس، أو نكهة طيبة تستريح إليها وتشتهيها، أو لوناً مبهراً يجذب الناظر إلى هذه المواد ويدعوه إلى التزود منها، أو نحو ذلك من إضافات قد يكون لها أثر فى زيادة استهلاك الناس لهذه الأغذية.
ولهذا كان لا بد من إماطة اللثام عن هذه الإضافات في عجالة سريعة، وبيان موقف الشريعة الإسلامية منها في ضوء ما تخلفه من آثار على أجزاء الجسم البشري.
- أولاً: حقيقة الإضافات الغذائية:
صدر التعريف الدولي الأول للمواد المضافة عام 1956م، بأنها: «أية مادة ليست لها قيمة غذائية تضاف بقصد إلى الغذاء، وبكميات قليلة، لتحسين مظهره أو طعمه أو قوامه أو قابليته للتخزين» .
إلا أن هذا التعريف أغفل المواد التي تضاف لرفع القيمة الغذائية، كالفيتامينات والمعادن، في الوقت الذي اعتبر فيه بقايا المبيدات والمواد الكيماوية التي تتسرب إلى الأغذية عن تعبئتها، مواد مضافة.
وقد صدر تعريف دولي حديث يعرِّف المواد المضافة بأنها «مادة لا تُستهلك بذاتها كغذاء، ولا تُستعمل عادة كمكون غذائي، سواء كان لها قيمة غذائية أم لا، وتضاف لتحقيق أغراض تكنولوجية، سواء أثناء التصنيع أو التحضير، أو التعبئة أو التغليف، أو النقل، ويتوقع أن تصبح هذه المواد جزءًا من الغذاء، وتؤثر على خواصه.
وهذا التعريف وإن أخرج من حقيقة المواد المضافة: بقايا المبيدات أو المضادات الحيوية أو الهرمونات والسموم، التي تفرزها البكتريا الممرضة أو الفطريات، أو الكيماويات التي تتسرب إلى الغذاء عن طريق مواد التعبئة، إلا أن هذا التعريف كسابقه لا يشمل المواد التي تضاف إلى الغذاء لرفع قيمته الغذائية.
- ثانياً: تصنيف الإضافات الغذائية:
اقترح المعهد البريطاني لعلوم الأغذية، تصنيف هذه الإضافات إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: المواد المضافة التي تساعد في عمليات التصنيع، وتشمل: مانعات التكتل، والإنزيمات، ومانعات الرغوة، ومانعات الالتصاق، ومساعدات الكبسلة، ومانعات الاسمرار، ومذيبات الاستخلاص، ومساعدات الترطيب، ومحسنات القوام.
المجموعة الثانية: المواد المضافة التي تؤثر على خواص المنتج النهائي، وقد صنفت في أربعة أقسام:
القسم الأول: المواد المضافة التي تؤثر على الصفات الفيزيوكيماوية، والفيزيائية للمنتج.
القسم الثاني: المواد التي تؤثر على الصفات الحسية، وتشمل: المستحلبات، ومثخنات القوام، والمثبتات، والمواد المنظمة ومساعدات الانتفاخ والمركزات البروتينية، ومواد النكهة، والزيوت الطيارة، والبهارات، والمواد الملونة، ونحوها.
القسم الثالث: المواد المساعدة على تخزين الأغذية، وتشمل: المواد الحافظة ومانعات الأكسدة، ومانعات التلون والمواد التي تساعد على الإنضاج، والمحلِّيات.
القسم الرابع: المواد التي تساعد على تحسين القيمة الغذائية لما تضاف إليه من غذاء وتشمل: الفيتامينات، والمعادن، والأحماض الأمينية0
- ثالثاً: أسباب استخدام الإضافات الغذائية:
يمكن إجمال الدوافع لاستخدام الإضافات الغذائية في: رفع جودة الغذاء أو نوعيته، وتحسين القيمة الغذائية له، والمحافظة عليه من الفساد أو التلف، وزيادة تقبُّل المستهلك للغذاء، وتيسير تحضيره، وتوفيره بصورة أفضل وأسرع، وتقليل الفاقد أو التالف منه بقدر الاستطاعة، هذا بالإضافة إلى العامل الاقتصادي المتمثل في زيادة تصريف المنتج من المواد الغذائية وتحقيق زيادة في عائد تسويقه.
- رابعاً: الأضرار الناجمة عن هذه الإضافات:
لم يكن يهتم بهذه الإضافات الغذائية منذ نصف قرن تقريباً، إلا من يقومون بالصناعات الغذائية، إلى أن صدر عام 1958م، مادة في شكل قاعدة قانونية، تسمى (قاعدة ديلاني) تمنع استخدام المواد المضافة في الغذاء؛ إذ ثبت أنها تسبب حدوث الأورام السرطانية لحيوانات التجارب، وعلى إثر ذلك زاد الاهتمام بهذه الإضافات الغذائية، وأثارت جدلاً حاداً بين العلماء ما بين مؤيد لإضافتها إلى الغذاء وبين معارض لذلك، إلى أن أعلن مختبر كيميائي بكندا عام 1969م، أن مادة «السيكلاميت» التي تضاف إلى بعض أنواع المرطبات، مادة مسرطنة، وذلك بعد مضي عشرين عاماً على استخدامها في هذه الصناعة، وكان من نتيجة ذلك زيادة السُّعار المحموم بين الناس، ضد كل مادة كيميائية تضاف إلى الأغذية التي يتناولها الإنسان، ثم أعلن بعد ذلك (د. فينجولد) ، العامل في إحدى مستشفيات فرانسيسكو، عن ملاحظاته عن المواد المنكِّهة والملوِّنة الصناعية، المضافة إلى الآيس كريم، وما لحق الأطفال الذين كان يعالجهم من أضرار بسبب تناولهم له؛ ونتيجة لذلك أخضعت الإضافات الغذائية لإعادة الفحص والتقويم، وكان من نتائج ذلك أن توصل العلماء إلى أن بعضها ضار، ويشكل خطورة على صحة الإنسان، ولهذا صدرت الأوامر في العديد من الدول بمنع استخدامها، لما تشتمل عليه من أضرار شديدة، وبلغت المواد الممنوعة منها حتى عام 1976م، خمساً وعشرين مادة، وعدد هذه المواد الممنوعة في تزايد مستمر، نظراً لما تسفر عنه البحوث العلمية من اكتشاف المزيد من أضرار هذه المواد.
ومن الإضافات الغذائية التي منع استخدامها في الصناعات الغذائية، لما تسببه من أضرار شديدة: المادة الصناعية الملونة المسماة (رضي الله عنهutterYellow) ، التي تحدث سرطان الكبد، والمادة الملونة المسماة (Fعز وجل & C Yellow) ، التي تتلف القلب، وحامض الخليك أحادي الكلور، الذي يستخدم كمادة حافظة، وهي شديدة السمية، ومادة الدولسين عز وجلulcin (P-ethoty Phengl Urea) ، التي تستخدم في تحلية بعض المنتجات الغذائية، وهي مادة محدثة لسرطان الكبد، ومادة 8- سيتاريب بولي أوكس الإيثيلين (Poly oxy ethylene - 8-terabe) التي تستخدم كمادة مستحلبة لمنتجات المخابز، وهي مادة محدثة لأورام وحصوات في المرارة، ومادة كومارين (Comarin) وهي مادة منكهة، وتحدث تسمماً بالكبد، والمادتان الملونتان للأغذية (Fعز وجل & C orange 8 2) اللتان تسببان تلف الأعضاء، وكذلك المادة الملونة (Fعز وجل & C Red 1) المسببة لسرطان الكبد، ومادة (Fعز وجل & C Red 4) الملونة، المحدثة لتلف الغشاء الكظري والمادة الملونة (Fعز وجل & C Red 32) ، التي تسبب تلف الأعضاء، والمادة الملونة (Sudan 1) المسرطنة، والمادة الملونة (Fعز وجل & C Yellow 1.2) ، التي تحدث أضراراً معوية، والمادة المنكهة (Safrole) التي تحدث سرطان الكبد، وزيت الكالاموس (Oil of Calamus) الذي يستخدم كمادة منكهة، وهو يسبب سرطان المعدة، وحمض (Nعز وجلGصلى الله عليه وسلم) المانع للأكسدة، والذي يسبب تلف الكلية، والمادة الحافظة للمرطبات، المسماة (عز وجلصلى الله عليه وسلمPC) عز وجلeithyl Pyrocarbonate) ، التي تتحد مع الأمونيا وتكون اليوريات، والمادة الملونة (Fعز وجل & C Violet 1) ، المسببة للسرطان، إلى غير ذلك من أمثلة يضيق المقام عن ذكرها (?) .
وقد ترتب على اكتشاف هذه الآثار الضارة بصحة الآدميين في هذه الإضافات أن انقسم المهتمون بها إلى فريقين، قام أحدهما بإعطاء صورة قاتمة لهذه الإضافات وحذر من استخدامها، بحسبانها ضارة ضرراً محضاً؛ فليس فيها نفع البتة لأحد، إلا لأصحاب مصانع الغذاء التي تستخدم هذه الإضافات، لتحقيق ثروات طائلة دون وازع إنساني أو أخلاقي؛ بينما اعتبر الفريق الآخر أن الهجوم على هذه الإضافات الغذائية هجوم على العلم والتكنولوجيا التي أنتجتها في المقام الأول.
وسواء كان الميل إلى الفريق المؤيد أو المعارض لاستخدام هذه الإضافات، فإنه لا بد أن يؤخذ في الاعتبار، مقدار الضرر الذي يمكن أن يتحمله المستهلك لهذه الأغذية، وحاجات ورغبات المستهلكين، وخاصة الأطفال الذين تغريهم الأغذية المضاف إليها مكسبات الطعم واللون والرائحة أكثر من غيرها، والذين تؤثر فيهم هذه الإضافات أكثر من غيرهم، لضعف مناعاتهم، وقلة مقاومة أجسامهم النحيلة للأمراض، وكثرة استهلاكهم للأغذية المشتملة على هذه الإضافات، والعوامل الاقتصادية، ومدى توافر عوامل السيطرة على مقدار هذه الإضافات، وإجراء التحاليل الدائمة للمنتجات المضاف إليها ذلك، لبيان مدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
ومما ينبغي مراعاته في مثل ذلك، أن إضافة مادة جديدة غير معروفة إلى النظام الغذائي، غالباً ما ينتج عنه ضرر، ومن ثم فإن إضافة مادة كيميائية إلى المواد الغذائية المصنعة، سواء كانت مادة منكهة، أو ملونة، أو حافظة، أو محسنة للقوام أو المذاق، أو نحو ذلك، يزيد من احتمال إصابة متناولها بالضرر، ولو كانت المادة المضافة قليلة؛ ولهذا اقْتُرِحَ وضع معادلة للموازنة بين المضار والمنافع، من تناول الأغذية المشتملة على هذه الإضافات، وفي ضوء ما تسفر عنه هذه المعادلة يتقرر استعمال هذه الإضافات في المواد الغذائية أو منعها.
إلا أنه في جميع الأحوال ينبغي منع استخدام هذه الإضافات في الغذاء، إذا كانت لتغطية الأخطاء أو العيوب في عملية التصنيع، أو لإخفاء فساد المادة الغذائية، أو لخداع المستهلك، أو إذا كانت إضافتها تؤدي إلى فقد مقدار كبير من القيمة الغذائية للغذاء، أو كان بالإمكان الاستعاضة عنها بأساليب التصنيع الجيد، أو اقتضى الحصول على النتيجة المرجوة منها، زيادة نسبة المضاف منها إلى المواد الغذائية.
- خامساً: موقف الشريعة من تناول الأغذية المشتملة على هذه الإضافات:
بينت من قبل مدى الضرر الذي يصيب الإنسان، من تناول المواد الغذائية التي أضيفت إليها مكسبات الطعم واللون والرائحة، والمواد الحافظة، ومساعدات التصنيع، وغيرها من إضافات، والذي قد يصل إلى حد الإصابة بالتسمم، أو الإصابة بالسرطان، أو الفشل الكبدي أو الكلوي، أو تلف الأعضاء، والذي قد ينتهي بالمصاب إلى الوفاة.
ومن ثم فإنه يحرم تناول المنتجات الغذائية التي أضيفت إليها هذه المواد التي ثبت بالتحاليل المعملية أو غيرها إضرارها بالإنسان، سواء على سبيل القطع أو الظن، وسواء كان هذا الإضرار متمثلاً في مجرد اعتلال الصحة، أو الإخلال بوظائف الجسم البشري، أو إحداث أمراض ولو في المستقبل، أو كان هذا الإضرار يصل إلى حد الإصابة بالأمراض المزمنة، أو التي لا يرجى البرء منها، أو مؤدياً إلى ذهاب منفعة عضو أو أكثر من أعضاء البدن، أو الإخلال بأدائه لهذه المنفعة، أو يؤدي إلى هلاك متناول الأغذية المشتملة على هذه الإضافة.
ومما يستدل به على حرمة تناول هذه المنتجات إن ترتب عليها ذلك ما يلي:
- أولاً: الكتاب الكريم:
1 - قال ـ تعالى ـ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] .
2 - قال ـ سبحانه وتعالى ـ: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] .
وجه الدلالة منهما:
نهى الحق ـ سبحانه ـ في الآيتين عن قتل النفس والإلقاء بها إلى ما فيه هلاكها، والنهي يفيد التحريم عند إطلاقه، ولما كان تناول الأغذية المشتملة على إضافات، قد يؤدي إلى الهلاك ولو على المدى البعيد، فإنه يكون محرماً.
3 - قال ـ تعالى ـ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] .
وجه الدلالة من الآية:
حرم الله ـ سبحانه وتعالى ـ كل ضار خبيث، ولما كان من شأن هذه الإضافات الإضرار بصحة من يتناول الغذاء المشتمل عليها، فإنها تكون خبيثة منهياً عنها 0
- ثانياً: السُّنة النبوية المطهرة:
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (?) .
وجه الدلالة منه:
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن كل ما يشتمل على ضرر، وإذا كان في الإضافات الغذائية السابقة إضرار ببدن الآدميين، حرم استعمالها، وحرم تناول المنتجات الغذائية التي أضيفت إليها، إن كانت تؤدي إلى الإضرار بمتناولها، سواء اقتصر الضرر على اعتلال صحة أو بلغ حد إهلاكه.
- ثالثاً: القواعد الشرعية:
من هذه القواعد: قاعدة «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» (?) .
وإذا كانت المحافظة على النفس أحد المقاصد الضرورية للشارع، فإن الحفاظ عليها يكون واجباً، ولا يتأتى الحفاظ عليها في حال الغذاء المشتمل على الإضافات الضارة، إلا بالكف عن تناوله، فيكون الكف عن تناوله واجباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن ثم فإن ما يتيقن أو يغلب على الظن اشتماله على إضرار بأعضاء البدن في الحال أو في المآل، أو يؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة أو لا يرجى البرء منها، أو يودي بحياة متناوله، فإنه لا يباح في حال الاختيار، ولا في حال الضرورة كذلك؛ لأنه لا نفع فيه أصلاً أو هو مما يغلب ضرره على النفع الذي يرجى منه.
ومن الإضافات الغذائية السابق الإشارة إليها، ما له أثر مدمر لبعض أعضاء البدن، ومنها ما يسبب السرطان، أو الفشل الكلوي، أو الكبدي، أو يؤدي إلى التسمم، أو نحو ذلك من أضرار؛ فإذا أخذ في الاعتبار أن ما يمنع في بعض البلاد من هذه الإضافات لآثاره الضارة، قد يسمح به في بلاد أخرى لم تصلها نتائج تحاليل هذه الإضافات، أو ليس لديها من الأجهزة ما يمكنها من كشف أضرارها، وفي غيبة الرقابة على المنتجات الغذائية أو ضعفها، يكون ثمة إفراط في استعمال هذه الإضافات، بغية تحقيق الربح، ومن ثم فإن الضرر منها يكون أكثر، ولهذا فإنه ينبغي منع استخدام ما ثبت ضرره من هذه الإضافات في الصناعات الغذائية، وعدم التوسع في استخدام ما لم يتم الكشف عن آثاره منها، لدرء المفسدة التي قد تنجم عنها بقدر الاستطاعة، إذا تبين مستقبلاً أن لها آثاراً ضارة بالجسم؛ إذ درء المفاسد معتبر في الشرع.
وإذا كان هذا هو حكم تناول هذه الأغذية؛ فإن حكم إضافة المواد السابق ذكرها يتبع هذا الحكم؛ بحيث يحرم إضافة ما ثبت ضرره من هذه المواد، وعدم التوسع في إضافة ما لم يكتشف ضرره منها بعد؛ بغية تقليل المفسدة التي قد تنجم عنه، إذا اكتشف أن به ضرراً، يضاف إلى هذا أن من يتولى إنتاج الأغذية فيضيف عند تصنيعها هذه الإضافات التي ثبت ضررها، أو يقوم باستيراد الأغذية التي تشتمل على هذه الإضافات الضارة، يكون آثماً، لتعمده الإضرار بغيره، ويكون ضامناً ما يترتب على هذه الإضافات من أضرار، وفقاً لقواعد الضمان في الشريعة الإسلامية، إذا قامت علاقة السببية بين تناول هذه الأغذية الضارة وبين الضرر الناجم عن التناول، سواء كان اضطراباً معوياً، أو تسمماً، أو إتلاف عضو، أو ذهاب منفعته، أو إتلاف نفس، أو نحو ذلك من وجوه الضرر التي قد تصيب الآدميين.
ومما يدل على حرمة قيامه بذلك ما يلي:
1 - حديث ابن عباس السابق: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» .
وجه الدلالة منه:
ورد في هذا الحديث نفي بمعنى النهي، يقتضي حرمة إضرار الإنسان بغيره، ومن يتولى إضافة هذه المواد الضارة بصحة الآدميين إلى أغذيتهم، أو يقوم باستيراد الأغذية المشتملة على هذه المواد الضارة، يضر بمن يتناولها منهم، فيكون واقعاً فيما نُهي عنه في الحديث.
2 - روي عن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «الدين النصيحة ـ ثلاثاً ـ قلنا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم» (?) .
وجه الدلالة منه:
أفاد هذا الحديث أن عماد الدين الإسلامي هو النصيحة، ومن صنع للمسلمين أغذية، فأضاف إليها مواد ضارة بهم، أو استورد هذه الأغذية، فلم ينصح لهم، ويكون بهذا هدم دعامة من دعامات الإسلام.
3 - روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «من غش فليس منا» (?) .
وجه الدلالة منه:
أفاد هذا الحديث أن من غش المسلمين فلا يكون متخلقاً بأخلاقهم، ولا يكون على طريقتهم وعادتهم، ومن يتولى إنتاج أو استيراد أغذية مشتملة على إضافات ضارة بالناس؛ فإنه يكون غاشّاً لهم ولغيرهم من الناس.
وهذا وغيره دليل على حرمة ما يأتي به من ذلك، يضاف إلى هذا النصوص الشرعية الكثيرة الموجبة للضمان عند تضرُّر الغير به، والتي يكون المنتج أو المستورد للمواد الغذائية المشتملة على هذه الإضافات الضارة، بمقتضاها ضامناً ما يترتب على تناول هذه الأغذية من أضرار؛ وذلك لا ينفي تأثيمه باعتباره قد اقترف أمراً لا يحل من وجهة نظر الشرع.