د. بسطامي محمد سعيد خير
لعل فكرة التعددية من أكثر المقولات تداولاً في عالم اليوم؛ إذ نالت شيوعاً وصيتاً في كل مجال من المجالات، من علم وفكر ودين، إلى اجتماع وثقافة وسياسة واقتصاد، وأصبحت من أكثر شعارات العصر الرنانة البراقة المستحسنة التي يلهج بها كل أحد ويتزين بها، وباتت دليلاً على الانفتاح والسماحة والتمدين. ومع هذا الشيوع والذيوع لا يماري أحد من المختصين بتعريف هذا المصطلح أنه من الصعب تحديد معنى دقيق له أكثر من المعنى اللغوي المتفق عليه، وهو أن التعدد يعني أكثر من الواحد. أما ما وراء هذا المعنى البسيط فإن المصطلح غامض غائم (?) ، ويستعمل في معان شتى حسب السياق الذي يرد فيه، حتى لقد وصل الأمر ببعض الدارسين للقول بأنه ينبغي لنا أن نسلِّم بتعددية التعددية (?) .
وقبل الاسترسال في بحث الموضوع من المهم التفريق بين أمرين أساسيين. فمما لا شك فيه أن التعددية وصف لظاهرةٍ مشاهَدةٍ محسوسة، ألا وهي التنوع والتباين والاختلاف بين البشر في ألوانهم وجنسياتهم وآرائهم ومعتقداتهم وقيمهم وثقافاتهم وأديانهم ومناهج حياتهم؛ هذه حقيقة واضحة جلية قد لا يتجادل حولها اثنان. لكن التعددية أصبحت اليوم مصطلحاً للمبادئ والمفاهيم التي تتناول أمراً آخر، ألا وهو منهج التعامل مع ظاهرة التباين والتنوع في حياة الناس. فالتعددية بوجهها الأول وصف لظاهرة طبيعية قائمة وواقعة في كل المجتمعات، والتعددية بوجهها الثاني نظرية وتصور لحقيقة حدود التباين والتنوع، وضوابط الاتفاق والافتراق وكيفية تنظيم المجتمع على أساس ذلك.
وعلى هذا فإن مصطلح التعددية السائد المتداول اليوم يُقصد به تلك التصورات والمناهج الغربية المعاصرة لتفسير وتنظيم مشكلة التنوع والتباين في المجتمعات البشرية، وقد نشأت هذه المبادئ والمفاهيم الغربية للتعددية خلال تطور طويل في الغرب، وكانت مرآة لفلسفته ونظرته للحياة في ميادينها المختلفة، ويريد الغرب الآن جعلها أنموذجاً يحتذيه العالم كله، بل فرضها في كثير من الأحيان ومع أن استعلاء ثقافة على ثقافة أخرى هو في حد ذاته يناقض مبدأ التعددية التى ينادي الغرب بها؛ إلا أن ازدواج المعايير أمر لا غبار عليه عند القوم في التعامل مع غير بني جنسهم.
ومقصود هذا البحث الموجز التأمل في قضية التعددية الغربية المعاصرة باعتبارها تصوراً ومنهجاً لحل مشكلات التنوع والاختلاف؛ مع محاولة تقديم رؤية إسلامية لها، ومن ثَم تقويمها وبيان المقبول منها والمرفوض، وسيقتصر البحث على أهم الميادين التي تطرح من خلالها مسألة التعددية؛ إذ الإلمام بأطرافها كلها لا سبيل إليه في هذا المختصر.
- تاريخ التعددية في الغرب والإسلام:
قد يكون من المناسب في البداية تقديم ملامح عن تاريخ فكرة التعددية ونشأتها في الغرب (?) مع بعض الملامح أيضاً عما يقابل الفكرة في الإسلام.
ترجع أصول التعددية في الغرب إلى بعض الفلسفة اليونانية؛ حيث ظهرت الفكرة لمناهضة فلسفة وحدة الوجود ونقضها لها؛ ومضمونها أن الوجود ليس واحداً، بل متعدداً، وحيث بدأ الغرب يحاول النهوض بإحياء مخلفات التفكير اليوناني، بعثت فكرة التعددية الفلسفية من جديد في القرن السابع عشر الميلادي، وظلت حبيسة في الإطار الفلسفي دون أن تجد لها سوقاً نافقاً حتى بداية القرن العشرين، ثم تنامت من جديد على يد المفكرين الإنجليز مثل (وليام جيمس) و (برتراند رسل) اللذيْن وجدت آراؤهما قبولاً فائقاً في مناخ من اليأس السائد بين العلماء آنذاك بسبب إخفاق العلوم التجريبية في حل كثير من معضلات الكون حتى لقد أعلن أحدهم انتصاره قائلاً: «لقد تكسرت هيمنة الحقيقة المطلقة على أيدينا» .
ومن الفلسفة انتقلت الفكرة إلى ميدان السياسة؛ حيث دعا العلماء في أوروبا وأمريكا ـ ومن أبرزهم هارولد لاسكي ـ إلى تحطيم سلطان الدولة المطلق. وفي الفترة التي تلت انهيار الاستعمار للبلاد الآسيوية والأفريقية ظهرت كثير من النزاعات والحروب الإقليمية والعرقية والدينية بسبب عوامل داخلية ومكائد، مما أبرز تفكيراً جديداً في العلوم الاجتماعية عن التعددية وتعايش الجنسيات والثقافات والديانات، ثم انتقل داء النزاع والصراع إلى عقر ديار الغرب وخاصة في عواصمه ومدنه الكبرى؛ إذ هاجرت وهُجِّرت أعداد كبيرة من سكان آسيا وأفريقيا واستوطنت هنالك، ووجدت بين الغربيين سحنات غريبة وثقافات وديانات غير مألوفة، فكانت التعددية محاولات لحل المعضلات التي نشأت من جراء هذه الهجرات، ولاستيعاب هذا التنوع والتباين في البرامج التعليمية والمؤسسات الاجتماعية.
وخلاصة الأمر: أحسب أن التعددية بمبادئها المعاصرة الرائجة ليست إلا حلولاً أبدعها الفكر الغربي لمشكلات مختلفة أحدثها تطوره التاريخي الخاص ونظرته للحياة ومناهجها ونظمها.
ويبقى السؤال: ما المقبول والملائم لظرف بلادنا من ذلك كله، وما المرفوض؟
- التعددية في الإسلام:
وإذا توجه المرء بنظره إلى الإسلام فالأمر جد مختلف؛ إذ إن أصول أي فكرة ترجع إلى الوحي ونصوصه في القرآن والسنة، اللذين يخضعان في التوثيق والتفسير لمنهج علمي معين واللذين يوجهان العقل والتجربة البشرية، والتطور التاريخى في أطر محدودة. ومما لا شك فيه ان كلمة التعددية لا توجد في قاموس مصطلحات العلوم الإسلامية، ولكن لا يمكن لعاقل أن يدعي أن الإسلام ليس له تصور ولا منهج لمسألة التنوع والتباين والاختلاف، بل من يراجع القرآن والسنة وكتب الأقدمين والمعاصرين يجدها ملأى بالحديث عن كثير من المبادئ والقيم والتوجيهات الخاصة بذلك، ويقوم التاريخ الإسلامي شاهداً على تنزيل هذه المبادئ والقيم إلى واقع ملموس؛ إذ ضم العالم الإسلامي في أراضيه على امتدادها وفساحتها، كمّاً هائلاً من الجنسيات والأعراق واللغات والمذاهب والآراء والمعتقدات والأديان، وتفاعلت فيما بينها وتلاحقت وتجاورت وتجادلت، وشاركت كلها في صنع الحضارة الإسلامية في علومها وفنونها ونظمها ومؤسساتها المختلفة، وإن ظهرت فيما بينها بين الحين والآخر نزاعات وصراعات وحروب فهي استثناء لا أصل.
ولكن هذا التاريخ الماضي والمجد التليد للمسلمين السالفين لا يوجد إلا في أضابير الكتب وبطون النظريات، ويحتاج إصلاح العالم الإسلامي اليوم إلى إحياء ذلك التراث وبعثه وتجديده، وتنزيله في الواقع؛ مع الاستفادة من معارف الغرب وعلومه ونظمه فيما يتفق مع مقاصد الإسلام والمصالح العامة بضوابطها المعروفة، جمعاً بين الاصالة والمعاصرة.
ووفق هذا المنهاج يتجه هذا المقال في قضية التعددية المعاصرة إلى التفصيل والتخصيص، وسوف يشمل النظر مجالات: تعددية الحقيقة، والتعددية الخلقية والدينية والعرقية والسياسية.
- تعددية الحقيقة والقيم (مدرسة التعددية الفلسفية) :
إن النظرة الفلسفية للتعددية الغربية المعاصرة هو المدخل لفهمها، وهي العمود الفقري لاستيعاب وجوهها وتطبيقاتها المختلفة في شتى الميادين. وتزعم هذه النظرية (?) أن الحقيقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالظرف الذي تنشأ فيه، أياً كان هذا الظرف من شخصية المرء أو نظامه المعرفي أو ثقافته أو لغته أو زمانه أو مكانه. وبما أن الظروف تتعدد وتتغير فإن الحقيقة تبعاً لذاك متعددة؛ ذلك أن الحقيقة ليست إلا تصوراً جزئياً للأشياء، يعتمد في الأساس على الزاوية التي يُنظر منها للشيء. وبما أن زوايا النظر تتفاوت؛ فالحقيقة كذلك متفاوتة ومتعددة، وعليه لا توجد حقيقة مطلقة يمكن أن يُحكَم بها على صحة أو بطلان الآراء، وأحسب كل الحقائق نسبية بحسب الظرف الذي تنسب إليه، ومن نتائج ذلك القول بتعدد قيم الخير والشر أو ما يطلق عليه بالتعددية الخُلقية.
ولهذه المقولة ثلاثة عناصر أساسية:
الأول: أن تعريفات الخير والشر في الحياة الإنسانية متعددة، وكل له أحقيته في القبول دون أن يكون هنالك أي قسم مشترك أو معيار لقبول تعريف دون تعريف آخر.
الثاني: من الممكن إذن أن تتعارض قيم الخير والشر ولا تتفق، وليس في ذلك من بأس، بل كل حسب ما يراه صاحبه.
الثالث: ليس هنالك من منهج عقلي أو نظام معرفي يمكن له أن يزيل التعارض في قيم الخير بين مختلف الثقافات؛ ولهذا فكلها خير (?) .
- التعددية بين القبول والرد:
ومما لا شك فيه أن مدرسة التعددية الفلسفية تواجه نقداً عنيفاً من جهات عديدة، ولكنها أيضاً تلقى قبولاً متزايداً في كثير من الدوائر، ولا يسمح المجال هنا بذكر هذه الاعتراضات وردودها، ويكفي الإشارة إلى أن قبول فكرة تعددية الحقيقة والخُلق تعني في النهاية العدم المحض لكل من الحق والخير.
ومنهج الإسلام لإثبات الحقيقة يقوم على الدليل من العقل أو النص في القرآن أو السنة، ونصوص القرآن والسنة هي أيضاً مملوءة بالأدلة العقلية لإثبات ما فيهما من حق وخير (?) كما قال ـ تعالى ـ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [الأنعام: 115] .
واحتمال الخطأ في الاجتهاد يعني أن الحق واحد؛ وهذا رأي عامة علماء الإسلام، إلا المعتزلة؛ فقد ذهبوا إلى أن الحق يتعدد، وأن كل مجتهد مصيب للحق. قال القرطبي: «وقد اختلف الناس في المجتهدين في الفروع إذا اختلفوا، فقالت فرقة: الحق في طرف واحد عند الله، قد نصب على ذلك أدلة، حمل المجتهدين على البحث عنها، والنظر فيها؛ فمن صادف العين المطلوبة في المسألة فهو المصيب على الإطلاق، وله أجران: أجر في الاجتهاد وأجر في الإصابة. ومن لم يصادفها فهو مصيب في اجتهاده مخطئ في أنه لم يصب العين؛ فله أجر» (?) . والأدلة على أن الحق واحد لا يتعدد كثيرة، منها أدلة في القرآن والسنة، ومنها أدلة عقلية؛ وتفصيل المسألة مبسوط في كتب أصول الفقه (?) . فمما استُدل به قول الله ـ تعالى ـ عن اجتهاد داوود وسليمان في القضية التي عُرضت عليهما {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] ، فأثنى عليهما بالعلم واصابة القول والعمل عموماً، وخص سليمان بإصابته الحق في القضية المعينة المعروضة. وقد ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» (?) . ومن الأدلة العقلية أن تصويب رأيين متناقضين مثل «كون الفعل محظوراً ومباحاً، أو صحيحاً وفاسداً؟ أو واجباً وغير واجب ممتنع لاستلزامه اتصاف الشيء بالنقيضين.
ومما يجدر ذكره في سياق تعددية الحقيقة ما قد شاع من فهم خاطئ عند بعض المعاصرين لقاعدة تغيُّر الفتوى بتغير الزمان، واعتبار ذلك مظهراً من تغيُّر أحكام الإسلام حسب الظروف. ولقد حصل خلط كبير في فهم هذه القاعدة، ولعل ذلك تأثُّرٌ بما شاع في الغرب من أن الفكر يتغير بتغير الظرف، ولكن قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان التي أسسها الفقهاء تقتصر على الأحكام التي مصدرها مصلحة لم يعتبرها أو يُلْغِها نص، أو مصدرها عرف لم تنشئه الشريعة أصلاً، ولم تتعرض له لا بمدح ولا بذم؛ فالأحكام المبنية على هذين الأساسين هي التي تتغير إذا تغيرت المصلحة، أو تغير العرف. أما الأحكام التي تؤسسها النصوص فلا أثر لتبدل الزمان أو المكان أو تغير الأحوال والظروف؛ فما ثبت بالنص فهو ثابت أبداً في كل زمان ومكان وفي كل حال إلا أن يكون هناك نص آخر ينقله عن حكمه في زمان آخر أو مكان آخر أو حال أخرى، وبيان هذا بتفصيل مبسوط في مواضعه (?) .
- التعددية الدينية:
يستعمل كثير من الناس التعددية لتعني التعايش السلمي بين الأديان تحت شعار عالم واحد للجميع (?) . ومما يجدر ذكره هنا أن تاريخ أوروبا مثخن بالجراح من النزاعات والحروب الدينية واستضعاف المخالفين؛ ليس فقط من غير النصارى من اليهود أو المسلمين، بل بين طوائف النصرانية نفسها، ولا تزال بعض النيران مشتعلة مثل ما يحدث في إيرلندا وأرض البلقان، ولم يضعف هذا الظلم إلا بعد أن كانت الغلبة للعلمانية التي زحزحت الدين عن موقع الصدارة، وزجت به إلى الأطراف وجعلته محصوراً في المجال الخاص، وحرمت عليه المجال العام وأباحت له في مجاله الضيق حرية المعتقد والعبادة للجميع. وفي ظل العلمانية وتحت كنف حمايتها وجدت التعددية الدينية التي تسمح بالتعايش السلمي بين الأديان أو بين طوائف الديانة الواحدة. ويُقدَّم هذا النموذج (العلمانية) للعالم على أنه الأمثل لحل مشكلة التنوع الديني. ولكن نظرة فاحصة لهذا النموذج تكشف عيوبه؛ فمن ناحية لا توجد مساواة بين الأديان أو طوائف الديانة الواحدة في كثير من بلدان الغرب مع دعواها التعددية الدينية؛ إذ تعطي كثيراً من مؤسساتها وتمولها كلياً أو جزئياً دون الكنائس الأخرى أو الأديان الأخرى مثل الكنيسة الإنجليزية في إنجلترا، أو الكاثوليكية في إيطاليا، أو اللوثرية في بعض البلاد الإسكندنافية. وتتفاوت البلاد الغربية في موقفها من بعض حقوق الأقليات الدينية مثل حق التعليم الديني؛ ففي فرنسا وأمريكا مثلاً المدارس كلها من المؤسسات العامة ولا يسمح فيها بالتعليم الديني؛ بينما تسمح بعض البلدان بالتعليم الديني داخل المدارس لطائفة خاصة دون الطوائف الأخرى مثل الحال في كثير من ولايات ألمانيا. أما الاعتراض الجوهري لجعل العلمانية الحارس للتعايش السلمي بين الأديان وطوائفها، فهو الطعن في الحيادية التي تدعيها؛ ذلك أن أهم مسوِّغ يقدمه المفكرون الأحرار في الغرب لجعل العلمانية في منزلة القوامة على ضمان التعايش السلمي بين الأديان هو حيادها. ولكن هذا الحياد المزعوم للعلمانية لا يسنده دليل نظري ولا واقعي، بل هو كما يصفه أحد الكتّاب الغربيين ليس إلا أسطورة، ويمضي للقول إن العلمانية لها تصورها للحقيقة وللقيم الأخلاقية ولمناهج الحياة مثل كل تصور ومنهج آخر تقدمه الأديان، وإعطاء العلمانية سلطة الهيمنة على غيرها من المناهج هو نوع من الاستبداد على غيرها والظلم له (?) وكثيراً ما يحتدم النزاع والصراع بين العلمانية والدين في بعض السياسات وبخاصة في المسائل التى تمس الأخلاق، ولكن الدين في الغالب مسلوب الحقوق والإرادة وما عليه إلا أن يسلِّم بالأمر الواقع.
والحوار الديني مظهر آخر من مظاهر التعددية الدينية التي يشيعها الغرب، وقد ابتدرته الكنائس النصرانية، ثم انضمت إليهم الأديان الأخرى، حتى أصبح حركة عالمية نشطة خلال مائة سنة من تاريخه (?) لها مجالسها ومؤتمراتها العلمية ومراكزها الدراسية في الجامعات، ويحظى بأهتمام رسمي وشعبي. ومن ثمرات هذا الحوار كسر الحواجز بين القادة الدينيين، وإتاحة منبر اللقاءات والتشاور، وإسماع العالم رأي الدين في بعض المشكلات العالمية. ولكن كثيراً من المشاركين فيه يلاحظون أنه قليل الأثر؛ إذ لا يتعدى دائرة الأقوال والبيانات والتصريحات، ومحصور في النخبة وليس له أي امتداد في القواعد، ويتحاشى الدخول في مواجهة جادة حول الأسباب الحقيقية للكراهية والعداء المتأصل في النفوس، ويكتفي بالمجاملات والمظاهر.
وأهم أوجه التعددية الدينية الغربية ذلك الذي يقوم على الرأي القائل إن جميع الأديان مرآة للحقيقة، وأنها جميعها حق. وهذه النظرة هي التي تتفق تماماً مع مبدأ تعددية الحقيقة، والذي يعد ركناً أساسياً للتعددية الفلسفية الغربية، وتعكس أيضاً النظرة السائدة وسط الحداثة الغربية من أن الدين يمكن إعادة تفسيره وتأويله وتنقيته من موروثات العصور الماضية ليتواءم مع العصر الحاضر (?) . تجد التعددية الدينية بهذا المعنى قبولاً أوسع كل يوم، بل قد أصبحت هدفاً من أهداف الحوار والتقارب الديني. ومن الرواد لهذا الاتجاه المفكر اللاهوتي الإنجليزي (جون هيك) (?) . ولا شك أن كثيراً من المتدينين الملتزمين يرفضون هذه الدعوة باعتبارها متناقضة، وهادمة للدين بالكلية.
- موقف الإسلام من تعدد الأديان:
أما نظرة الاسلام لتعدد الأديان ومنهجه في التعامل معها فيمكن تلخيصه في نقاط قليلة دون إسهاب لكثرة ما كتب فيه. فالدين في نظر الإسلام واحد في أصوله؛ إذ إن مصدره وحي من الله، ولكن الدين يعتريه عبر تاريخه تفسير وتأويل قد ينتهي به إلى التحريف والتبديل؛ وعلى هذا فمن الممكن تقسيم الدين إلى ثلاثة أقسام حسب ما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (?) : شرع منزَّل، وشرع مؤوَّل، وشرع مبدَّل. أما الشرع المنزل فهو ما شرعه الوحي من الله، وأما الشرع المؤول فهو الاجتهاد في فهم الشرع الموحى فيما ساغ فيه الاجتهاد. أما الشرع المبدل فهو الذي دخله التحريف والتغيير ففارق أصول الشرع وخالفها وناقضها.
فالتعددية في الشرع المؤول في الأمور الأجتهادية أمر سائغ، ويدخل في ذلك طوائف المسلمين ومذاهبهم وطرقهم وجماعاتهم، ويسوغ للناس الاجتهاد كما يسوغ اتباع رأي أحد المجتهدين لمن رأى أن حجته قوية، أو لمن ساغ له تقليده. وقد أشير من قبل إلى أن الحق في الأمور المتنازع فيها واحد، والمصيب من المجتهدين واحد، ومن اتبع ما ظن أنه الحق فقد أدى ما عليه. أما الشرع المبدل فيشمل كل دين غير الإسلام، وقد وصف بها ابن تيمية أعراف وتقاليد التتار المجموعة في ما يسمى بـ (الياسا) (?) ، كما يشمل أيضاً التحريفات التي ظنها الناس إسلاماً. وإذا كانت الحقيقة الدينية لا تتعدد؛ لأن تعددها وتناقضها استحالة عقلية؛ فإن الدين الحق هو الإسلام، وما عداه من دين مبدل ليس حقاً، ولكن إذا نفى الإسلام تعدد الحقيقة الدينية؛ فإنه لا ينفي الحوار الديني الذي يكون هدفه تبليغ الرسالة وتاريخ الإسلام شاهد على ذلك.
- التعددية السياسية:
تسعى التعددية في معناها السياسي لتقديم الحلول لمشكلةِ مدى مشاركة فصائل المجتمع المتنوعة المتباينة في القرار السياسي والحكم. وينبغي التنويه هنا أن موضوع هذه المشاركة ليس المقصود منه الخيار بين الديمقراطية وغيرها من النظم؛ فالديمقراطية بأشكالها المختلفة وبخاصة غير المباشرة والتي تأخذ بنظام الانتخاب والتمثيل النيابي، أمر مفروغ منه ومتفق عليه في أوروبا وأمريكا، ولكن موضع النظر وراء ذلك؛ حيث إن المجتمع لا يتكون فقط من حكومة وأفراد يشاركون في السياسة من خلال الانتخاب وعضوية الأحزاب السياسية؛ بل هنالك شرائح أخرى كثيرة في المجتمع مثل الأقليات العرقية والثقافية والدينية والجمعيات العلمية والكنائس واتحادات العمال ومنظمات التجار والزراع وغير ذلك؛ فكيف يشارك هؤلاء في القرار السياسي الذي كثيراً ما يمس مصالحهم مباشرة؟ هذا هو السؤال الصعب الذي تزعم التعددية السياسية أنها الحل الأمثل له.
فالديمقراطية التي هي الأساس لهذه المشاركة في نظر النقاد لا تتيح مشاركة حقيقية، بل إن فئة قليلة جداً من الناس تشارك في الانتخابات لا تصل إلا إلى نسبة ضئيلة من مجموع الناخبين، وكثير من الناس يصوتون لممثلين وليس لسياسات؛ فاذا كانت الديمقراطية نفسها التى هى أساس مشاركة المجتمع أمراً نظرىاً أكثر مما هو عملي فإن التعددية السياسية ليست إلا حلماً قليلاً ما يتحقق. ويقترح بعض المفكرين حلاً (?) لا يختلف كثيراً عن الحل الإسلامي للتعددية السياسية؛ إذ يدعو للعودة إلى التعددية السياسية التي كانت قائمة في عصور ما قبل الحداثة المعاصرة، ومن ذلك تعددية الحكم العثماني، والتعددية السياسية الإسلامية يوضحها الشرح التالي:
لقد استُورِدَت الحكومة الغربية المعاصرة إلى حوزة ديار المسلمين عن طريق البطش الاستعماري أحياناً أو عن طريق التقليد الأعمى للغرب أحياناً أخرى. وهاهنا وقفة لا بد منها مع الفكر السياسي الإسلامي؛ إذ إن الفكر قد تقمص هذا الشكل للحكومة المعاصرة وألبسها ثوب الإسلام دون روية ودون تفكير في: هل هذا الشكل أمر حتمي لا بد للناس أن يلتزموا به ويأخذوا بقوالبه، أم لا؟ والسؤال الذي كان ينبغي أن يطرح في هذا المجال هو: هل ستضطلع الحكومة الإسلامية في العصر الحاضر بالدور الذي تؤديه المؤسسة الحكومية المعاصرة في الغرب، أم أن لها وظيفة مختلفة؟ وللإجابة عن هذا السؤال يحتاج المرء إلى النظر أولاً لتعريف علماء الإسلام للحكومة وتصورهم لوظيفتها، والبحث ثانية في نماذج الحكم الإسلامي في عصوره السالفة لنتبين من ناحية عملية ما دور الحاكم ودور المجتمع المسلم في التاريخ الإسلامي، ثم نخلص من ذلك إلى: هل الشكل الحالي للحكومة المعاصرة يتلاءم مع ذلك، أم يختلف؟
- وظيفة الحكومة الإسلامية:
تصوُّرُ المفكرين المسلمين للحكومة الإسلامية ووظيفتها أمرٌ يحتاج إلى وقفة متأنية ونظرة فاحصة؛ فقد تكرر في كتب الأولين أن السلطان حارس، وأن مهمته تدبير مهمات الدين والدنيا، كما أشار إلى ذلك الماوردي وإمام الحرمين الجويني (?) مثلاً. فالحكومة ممثلة في الإمام وأعوانه تقوم بدور القيادة والتوجيه والحراسة للمجتمع المسلم ليؤدي دوره بأكمل وجه. وحين ننظر في المسؤوليات التي أنيطت بعاتق الحكومة نجدها لا تتعدى من المهمات أموراً مثل الجيش والقضاء والشرطة والبريد والأموال العامة. وقد كان المجتمع المسلم يقوم بكثير من الوظائف الأخرى مثل التعليم والصحة وغيرها، وقد كانت كثير من المؤسسات غير الحكومية هي التي تشرف على هذه الخدمات وتديرها باستقلالية كبيرة. وقد عدد الدكتور مصطفى السباعي أكثر من ثلاثين نوعاً من هذه المؤسسات في كتابه: (من روائع حضارتنا) نذكر من ذلك على سبيل المثال: عمارة المساجد والمدارس والمستشفيات، وتوفير المياه بحفر الآبار وشق القنوات، وتعبيد الطرق وصيانتها، ورعاية الأيتام والطفولة والأمومة والعجزة والمكفوفين والفقراء، وإقامة مساكن الحجاج والفنادق والتكايا التي تؤوي وتطعم المسافرين والمحتاجين مجاناً، وإعانة المجاهدين بالسلاح والمؤن، والإشراف على المقابر وخدمات الدفن، وعيادات البيطرة وإيواء الحيوانات العليلة والضالة.
باختصار: يمكن القول إن المجتمع كان يقوم بالدور الأكبر في المصالح العامة، وكان دور الحكومة يقتصر على نطاق صغير من هذه المصالح. وقد كانت هذه المؤسسات الطوعية تؤدي دورها رغماً عن فساد الحكومات؛ لأن ذلك الفساد لم يكن ليشمل إلا دائرة ضيقة كأن يكون فساد الحاكم في سلوكه الشخصي أو سلوك حاشيته وأعوانه، ويتمثل في أكثر الأحيان في تعديهم على أموال الدولة أو حقوق الناس الخاصة، وظل المجتمع يضطلع بمهام جسام، وتؤدي مؤسساته دورها إلى أن أصاب الانحطاط المجتمع بكليته. وحين جاء الاستعمار الى أكثر بلاد المسلمين قضى أول ما قضى على مؤسسات المجتمع الوقفية، وألحق خدماتها بما أقامه من حكومة عربية الشكل والقالب، غريبة نافرة عن المجتمع المسلم.
ومن البدهي أن كثيراً من العورات قد بدأت تظهر في نموذج الحكومة الغربية المعاصرة كما ظهر ذلك في فكر التعددية الغربية، والمفكرون في الشرق بدورهم يشكون مر الشكوى من هذه النقائص.
ولعله من الأوْلى التحول إلى النموذج الإسلامي الذي يجعل المجتمع حاكم نفسه.
ويمكن تلخيص التعددية السياسية الإسلامية في النقاط التالية:
1 - يقوم الحكم على إعطاء الأمة حقها في اختيار الحاكم، وفي الاحتساب على الحكومة (?) .
2 - تعتمد الحكومة الإسلامية النموذج التاريخي الإسلامي من توزيع السلطة على أمصار الدولة وعدم احتكارها في المركز.
3 - تفويض الحكومة لمؤسسات المجتمع الطوعية أو ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني، القيام بأكبر قدر من الخدمات من تعليم وصحة ومواصلات ومياه وغيرها، تموَّل عن طريق أوقاف خيرية. ولا تختص الحكومة إلا بالخدمات العامة الهامة من جيش وقضاء وشرطة وخزانة المال العام.
4 - تتيح الدولة لكل فرد من أفرادها من مسلمين وغير مسلمين، بجميع طوائفهم وهيئاتهم وجمعياتهم الحق في تكوين مؤسسات طوعية وقفية تخدم مصالحهم الخاصة من ثقافية ودينية واقتصادية وفنية وغيرها.
- التعددية الثقافية:
ولعل ما يتصل بهذه القضية هو ذكر حق المواطنة؛ إذ إن الدول المعاصرة تقوم على مبدأ القومية، وتسود ثلاثة اتجاهات في هذا الصدد:
الاتجاه الأول: ومن أمثلته ألمانيا واليابان؛ حيث لا يعترف بحق المواطنة إلا لمن ينتمي بالنسب إلى أصول البلد، فحتى الجيل الثالث من الأتراك المستوطنين في ألمانيا ـ مثلاً ـ لم ينالوا حق المواطنة.
أما الاتجاه الثاني: فتمثله فرنسا التي تفصل فصلاً تاماً بين الحياة العامة والخاصة، فتعطي كل من نال المواطنة حقوقاً متساوية كأفراد وليس كمجموعات محافظةً منها على وحدة الدولة حسب زعمها، ومن ثم تتحاشى الاعتراف بأي انتماء عرقي أو طائفي في مجالات الحياة العامة، وإن كانت تسمح بتنظيم المجموعات لأنفسهم في جمعيات تحافظ على هويتهم الثقافية، ولكن لا يظهر عملياً أن ذلك يحقق التعددية، بل من الواضح أن الذوبان هو الغالب.
والاتجاه الثالث: وتمثله كندا وأستراليا أكثر من غيرها؛ فهو الذي يسمح بالتعددية العرقية والثقافية، ويظهر ذلك في السياسات العامة والتشريعات والتعليم. ومع هذا فإن المساواة من الناحية النظرية لا تتحقق عملياً؛ إذ إن العنصرية أمر مستأصِل في النفوس، ولا تحل بالقوانين ولا التعليم، إن لم يكن ذلك عقيدة راسخة في النفوس. ونضال حركة الحقوق المدنية وإزالة التمييز العنصري في كل من أمريكا وجنوب أفريقيا شاهد على ذلك (?) .
- ما موقف الإسلام من التعددية الثقافية؟
قد لا يكون هنالك حاجة لذكر تفاصيل المبادئ التي أعلنها الإسلام نحو مشكلة الاختلاف العرقي والثقافي، ولكن نشير إلى مجمل ذلك. من المعلوم أن القرآن قد أعلن المبدأ الجامع في ذلك حين نادى في البشرية جمعاء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، فكان بذلك إعلاناً عالمياً للمساواة بين البشر على اختلاف أعراقهم وأصولهم وألوانهم ولغاتهم، واتجه بهذا الإصلاح إلى مداخل النفس البشرية، وكان حرباً على التمييز العنصري بكل أشكاله، ولو كان احتقاراً داخل القلب، أو تغيراً في الوجه، أو همسة بالشفاه، ولم يفرق بينهم إلا على أساس ما كسبته أيديهم. وترجم ذلك إلى تشريعات عملية شهد عليها التاريخ، وقد عاشت أعراق كثيرة وثقافات ولغات جنباً إلى جنب، وإذا كان المجتمع في الدولة المسلمة هو الذي يحافظ على هوية نفسه، كما اتضح ذلك في شرح التعددية السياسية؛ فإن لكل فرد من أفراد الدولة المسلمة، من مسلمين وغير مسلمين، بجميع طوائفهم وهيئاتهم وجمعياتهم الحق في تكوين مؤسسات طوعية وقفية تخدم مصالحهم الخاصة من ثقافية ودينية واقتصادية وفنية وغيرها. أما الإقامة في الدولة الإسلامية فهو حق مكفول لكل مسلم سواء كان مولوداً في البلد أو مهاجراً إليه؛ إذ لا حدود أو قيود على دخول المسلمين إلى أي بلد تحت سلطان الإسلام ما داموا مقرين بالاعتراف بسلطات البلد وتشريعاتها، أو كانوا من المهاجرين إليه مؤقتاً أو دائماً بإذن السلطات، وتعهدوا بالإقرار بسلطات البلد وتشريعاتها (?) .
- الخاتمة: التوازن بين الوحدة والتعددية:
من الأمور التي قد تغيب حين الحديث عن التعددية بأنواعها المختلفة، أن التعددية قد اكتسبت القبول. ولكن لا ينبغي أن يُنسى أن التعددية إذا تطرفت فإنها تكون شراً محضاً؛ لأنها من الممكن أن تستأصل وحدة المجتمع وتنزلق به إلى مهاوي الفرقة والانقسام والتناحر. ويسعى كل من ينادي بالتعددية إلى الموازنة بينها وبين الوحدة حتى لا يطغى جانب على جانب. وتسعى الدول التي تسم نفسها بالتحررية أن تفصل بين المجالين العام والخاص في الحياة، فتجعل الاختلاف والتعدد في دائرة الحياة الخاصة؛ أما دائرة الحياة العامة فتستأثر بها الدولة ولا تسمح فيها إلا بأقل ما يمكن من التعددية. ويكاد أن يتبنى هذا الحل أكثر دول الغرب، ومن أحسن الأمثلة على الفصل الصارم بين العام والخاص فرنسا وتركيا، ولكن المغالطة هنا هو الادعاء أن العام محايد لا ينحاز إلى فئة من فئات المجتمع، بل هو يتخذ سبيلاً وسطاً بين تيارات المجتمع المختلفة، وهذا ادعاء غير مسلَّم به، ويواجه نقداً شديداً من الناحية النظرية ومن الناحية العملية (?) ؛ فمما لا شك فيه أن العام يقوم على تصورات وفلسفة ومناهج قد لا تتفق مع كل فئات المجتمع، بل قد توافق بعضاً وتصادم بعضاً آخر. والمحصلة النهائية أن بعض فئات المجتمع ينالها الظلم والتهميش؛ ومن أكبر الشواهد على ذلك الأقليات اليهودية في خلال القرن التاسع عشر في أوروبا، والسود والملونون في أمريكا، والأقليات المسلمة في الغرب في الوقت الحاضر. ثم إن التمييز بين حدود الخاص والعام أمر عسير؛ وكثيراً ما تختلط الأمور.
ومن الواضح أن الإسلام لا ينحو هذا المنحى؛ إذ إنه لم يعرف التفريق بين الحياة العامة والحياة الخاصة، لكنه من أجل المحافظة على الوحدة جمع الناس على مبادئ مشتركة. أما المسلمون فالأمر واضح؛ إذ الخلاف له حدوده وضوابطه وأدبه. وتجمع الناسَ أصول كثيرة مجمَع عليها بين المسلمين، والجماعات التي تخالف في هذه الأصول تجمعهم حقوق مشتركة، ومن المواقف المشهورة في ذلك قول علي بن أبي طالب للخوارج: «لكم علينا أن لا نمنعكم فيئاً ما دامت أيديكم معنا، وأن لا نمنعكم مساجد الله، وأن لا نبدأكم بالقتال حتى تبدؤونا به» (?) . ومن الممكن أيضاً أن تكون هناك ثوابت جامعة بين المسلمين وغيرهم؛ ومن شواهد التاريخ في ذلك وثيقة العهد في المدينة بين الرسول الله -صلى الله عليه وسلم - والأنصار والمهاجرين واليهود الذين كانوا بالمدينة كما ذكر ابن كثير في سيرته؛ حيث قال: وقال محمد بن إسحق: «كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم وشرط لهم» (?) .. وقد قال الرسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن حلف الفضول الذي كان في الجاهلية! لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم» رواه الإمام أحمد بسند صحيح. وجاء في رواية مرسلة: «لو دُعيت به في الإسلام لأجبت» .
هذا ما يسر الله ـ عز وجل ـ جمعه في هذه العجالة؛ فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان. ونسأل الله أن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، ونعوذ بالله من الخذلان والضلال.