مجله البيان (صفحة 5163)

بشائر على طريق العودة إلى الله

رشيد كهوس

قال الباري ـ جل وعلا ـ في كتابه العزيز: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] .

- أولاً: بداية الوهن:

ابتليت الأمة الإسلامية بـ «الوهن» الذي ما يزال يدب في جسمها، وكان سبباً في انتقاض عروة الحكم، وتحول ذلك البناء الشامخ والحصن المنيع من خلافة راشدة إلى حكومات ضعيفة متعددة؛ وهذا أصل البلاء، وما الأزمات التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم إلا أعراض لهذا المرض الدفين؛ فأول انكسار حدث في تاريخ المسلمين كان على مستوى الوضع السياسي؛ حيث افترق القرآن والسلطان، والدعوة والدولة، ومن ثم سرى المرض في جميع المجالات (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) ولا يزال، ونتج عن ذلك تفرق الأمة إلى شيع وطوائف، وعملت العصبيات، وظهرت حمية الجاهلية. يقول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «من قاتل تحت راية عمِّيّة يغضب لعصبة، أو ينصر عصبة فقُتل فقتلة جاهلية» (?) ، ونسي المسلمون، وتناسوا تعاليم الإسلام التي تدعو إلى الوحدة وترك الخلاف المذموم الذي يؤدي إلى التمزق والتشرذم. يقول الباري ـ جل وعلا ـ: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] ؛ فالتنازع سبب الفشل. وقال ـ تعالى ـ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] ، وقوله ـ سبحانه ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] ؛ فالتفرقة والتشرذم والطائفية والعرقية والعصبية والقومية والطبقية كلها شعارات تشتت وحدة الأمة، وتنخر كيانها، وتكون سبباً للهلاك والخراب والدمار الذي ما زلنا نكتوي بناره.

وبهذه التجزئة في أرض المسلمين، وهذا التفرق المذهبي، وهذه العصبيات المنتنة وجد الاستعمار الغربي الحاقد طريقاً نفذ من خلاله إلى جسم الأمة، وأخذ بعد ذلك يعمل على تقويض أركانها وتوسيع الخلافات بين أبنائها؛ ليحافظ بذلك على وجوده داخل المجتمع المسلم، بل الأشد من ذلك والأنكى أنه بعدما غرس أقدامه في أرض الإسلام واستحوذ على خيراتها واستغل طاقاتها بدأ يرسل جحافله الملوثة وأفكاره المسمومة إلى صدور المسلمين لزعزعة الإيمان في القلوب، وحوّل الغزو بالجيوش الوحشية الجرارة إلى غزو من نوع آخر بإرسال الإرساليات إلى المجتمع المسلم، وزرع بذرة المستشرقين والمنصِّرين والمغربين في وسط هذا المجتمع؛ فأينعت فساداً وإلحاداً وتفسخاً؛ من أجل قتل الأخلاق الإسلامية والقيم الدينية؛ لتصبح الأمة الإسلامية أمة غريبة في أخلاقها بعيدة عن دينها، لا تتحرك إلا وفق مصالح القارونية العالمية طاحنة الشعوب المستضعفة في العالم.

وفي مطلع هذا القرن الجديد «ق 21» جاءت جيوش التتار الجدد يجوسون خلال الديار من الغرب الحاقد، يأتون على الأخضر واليابس، يعيثون في الأرض الفساد، بدءاً من أفغانستان ومروراً بالعراق وقدوماً إلى البلدان المسلمة الأخرى، وما فلسطين بالتي تُنسى. هكذا دب الأمريكان والإنجليز تحت قيادة الصهيونية العالمية إلى العالم الإسلامي، وحل «الخطر الأزرق» محل «الخطر الأحمر» . وفي هذا الصدد تحضرني قولة «الدب الأليف» جورباتشوف، قال: «إن من الخطأ أن نتوهم أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل العدو الأول للاتحاد السوفييتي. إن عدونا الأول في الحقيقة هو الإسلام» . هكذا يعبرون بهذه الجرأة وبهذه الغطرسة والحقد الذي ملأ صدورهم منذ قرون، وهاهم يُخرجون ما كان تحت الأنقاض وما واراه الركام، وما أخفته النفوس منذ زمان.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور «عماد الدين خليل» في مقال نشر له في مجلة البيان: «يدور الزمان دورته، ثم ما يلبث أن يرجع إلى هيئته الأولى.. فإذا بديار الإسلام تتلقى دفعة أشد ضراوة وهولاً من تلك التي تلقتها زمن الاستعمار القديم، وها هو ذا الإعصار الأمريكي المبطن بالمكر اليهودي، يدوِّم فوق رؤوسنا، ولا ندري إلى أين سيمضي؟ وما الذي يريد بعد أن وضع العراق ونفط العراق في جيبه، وضمن خزيناً احتياطياً هو الأكبر من نوعه في العالم كله؟» {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إنَّهُم مُّنتَظِرُونَ} [السجدة: 30] .

- ثانياً: ناموس الله في الكون:

لكن رغم هذه الابتلاءات وتلك الخطوب يجب أن لا يدعونا هذا إلى اليأس والقنوط، والاستسلام للواقع المرير، وما نراه اليوم ونشاهده على شاشات التلفاز من حرب معلنة على الإسلام وأهله سواء في العراق أم فلسطين أم ... أم ... حيث يُشَرَّدُ المسلمون، ويقتلون، ويُعذب الأطفال وييتمون، ويُحرق الشيوخ ويذبحون، وتنتهك حرمات النساء ويرمّلن، و.. و.. هل نتحسر، ونقتل أنفسنا حزناً؟ أم نفهم هذه الرسالات الإلهية في الكون؟

لا يستفزنا كل هذا؛ نرضى بقدر الله جل وعلا. هذا حظ الحقيقة. أما حظ الشريعة فهو أن ننهض من كبوتنا وسباتنا، ونغير ما بأنفسنا بداية من التوبة إلى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} [التحريم: 8] ، والفرار إليه ـ سبحانه ـ: {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ إنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: 50] ، واللجوء إليه جلت عظمته {وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلاَّ إلَيْهِ} [التوبة: 118] ، ونهاية بإعداد القوة لتنهض الأمة من كبوتها: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] . من هنا لا بد لنا من جهود، ولا بد أن نجتهد ونجاهد لنغير ما بالأمة، ونأخذ بأسباب النصر، ولا نستعجل قطف الثمار، ولا بد أن نأخذ ما عند الأمم وما طوروه من العلوم «التكنولوجيا» لأن النصر رهين بشروط مذكورة في كتاب الله ـ جل وعلا ـ من إعداد كامل وشامل ـ قوة الإيمان إضافة إلى القوة العسكرية ـ لجميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالمقاومة والاستشهاد في سبيل الله، والصبر الطويل حتى يحل النصر والتمكين والاستخلاف؛ فوعد الله آت، والله لا يخلف الميعاد {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55] ، وفي الحديث يقول النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين» (?) .

ومن سنن الله ـ جل وعلا ـ أن النصر للمسلمين والمستقبل لهذا الدين. قال الله ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] ، وقال ـ سبحانه وتعالى ـ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173] ، وبشائر النصر كثيرة، وأمارات الفتح جلية ولاحبة (*) ، {إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] .

- ثالثاً: سنة التمحيص والاختبار:

لكن لا بد من أداء الثمن، ولا بد من تمحيص واختبار، ولا بد للأمة من سياط لتستيقظ من سباتها العميق؛ لأنها أمة مرحومة رغم ما نراه من السياط التي تلهب ظهورها، قال الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: «أمتي أمة مرحومة، ليس عليها في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل» (?) ؛ فالمحن والمصائب قد تكون سبباً في الفتح المبين والنصر العظيم، فلا نيأس؛ فالعدو مهما طغى وتجبر فنهايته تعسة، وفي كتاب الله ـ جل وعلا ـ أمثلة كثيرة لأمم وأقوام كثيرة تجبرت وطغت؛ فكانت نهايتها الدمار والخسف والعذاب في الدنيا والآخرة؛ فمنهم من أرسل عليه الريح، ومنهم من أغرق في اليم، ومنهم من خسفت به الأرض ومنهم ومنهم..؛ فالخاتمة للمسلمين، والنصر لعباد الله الصالحين، رغم اليأس الذي أصاب بعض ضعاف النفوس الذين يظنون أن لا طاقة لنا اليوم بأمريكا وحليفتها الصهيونية؛ فسلموا للواقع، وانساقوا خلف التيار، وأغرقوا أنفسهم في الأوهام والأحلام، وعلى مثل هؤلاء فلتبك النساء! لعلهم ينهضون من كبوتهم وسباتهم؛ فالقعود والانتظار لا يمنحان النصر، والأماني والأحلام لا يخرجان من الأزمة. قال الباري ـ سبحانه وتعالى ـ في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 139 - 142] .

هكذا يخبرنا ـ جل وعلا ـ عن سنة الابتلاء، وعن تمحيصه واختباره لعباده؛ ليعلم الصادقين من الكاذبين، والمجاهدين من القاعدين، وقد ابتليت الأمة في مواطن كثيرة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام رضوان الله عليهم، و «غزوة أحد» خير مثل؛ حيث ابتلي فيها المسلمون وزلزلوا، وهذه الآيات التي ذكرتها نزلت يوم أحد تحكي لنا ما وقع في هذه الغزوة، وما لقيه المؤمنون والنبي -صلى الله عليه وسلم- من أنواع الابتلاء: كسرت رباعيته، وجرح وجهه الشريف ... ، كذلك «يوم حنين» ، وغيرها من الأيام، وإذا بحثنا عن أسباب هذا الابتلاء نجد أن سبب الأولى ـ أحد ـ يرجع إلى مخالفة الصحابة لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والثانية ـ حنين ـ اغتر بعض الصحابة بكثرتهم. قال الله ـ جل وعلا ـ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25] ، وهذه الأسباب نجدها في عصرنا هذا في مخالفة أمر الله وأمر رسوله في جميع أمور المسلمين «السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية» حيث تركوا شريعة الله، ونبذوها وراء ظهورهم، واتخذوا أعداء الله ملاذاً وملجأً؛ وهذا هو سبب الشقاء الذي تعيشه أمتنا الإسلامية. كذلك اغتر المسلمون اليوم بكثرتهم التي تزيد عن 1.3 مليار مسلم، فلم تغنِ عنهم شيئاً، نزع الله من صدور عدوهم المهابة منهم، وقذف في قلوبهم الوهن، فأصبحوا عباداً للهوى، يلهثون وراء السراب، ويستنجدون بالعدو الذي يتربص بهم الدوائر، والذي ينهج سياسة «فرق تسد» .

هذا هو مكمن الداء والسبب المباشر لهذه الهزيمة التي حلت بالمسلمين اليوم. وإذا أراد المسلمون أن تعود لهم تلك العزة التي عاشوها في العهد الأول عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ وعهود الازدهار ـ عهد صلاح الدين الأيوبي، وغيره من المجاهدين والمصلحين ـ يجب أن يعود المسلمون إلى ما كان عليه هؤلاء. حين رفعوا رؤوسهم، وأرهبوا عدوهم، كان ولاؤهم لله ـ جل وعلا ـ ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا أشداء على الكفار رحماء بينهم، لا يخافون في الله لومة لائم، فأمدهم الله بجنود من السماء تقاتل معهم العدو. قال الخالق ـ تقدست كلماته ـ: {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 26] ، وقال ـ عز من قائل ـ: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9 - 10] .

- رابعاً: إن وعد الله حق:

وختاماً نستبشر خيراً بغد العزة وفجر الكرامة، بعد التوكل على الله ـ جل وعلا ـ في الأمر كله، والأخذ بأسباب النصر، واستنهاض الهمم، وتوعية الأمة بذاتيتها الضائعة وبوحدتها المتلاشية، والرجوع إلى ذلك النبع الصافي الذي استقى منه ذلك «الجيل القرآني الفريد» النموذج الخالد، جيل الصحابة؛ رضوان الله عليهم جميعاً، {وَمَا النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ} [آل عمران: 126] . قال الباري ـ سبحانه ـ: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] ؛ فهذا كلام الله الحي الذي يصلح للقرن الأول والقرن الثاني والثالث، ويصلح لسائر القرون إلى آخر الزمان، يعد المؤمنين بالعلو والرفعة بعد الهزيمة، وبالعز والتمكين والاستخلاف في الأرض بعد الذل: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 4 - 6] .

هكذا ستعود لنا تلك المكانة الرفيعة بعدما مرت على الأمة سنون عجاف، وأصبحت بضاعة مزجاة، نشم نسائم الصباح، ونستبشر ببشارة خير الأنام ـ عليه وعلى آله الصلاة والسلام ـ أن بعد العض والجبر خلافة ثانية يعيش الناس في ظلها عدلاً وعزاً. يقول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً عضّاً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت» (?) . إنها بشارة عظيمة جاءت على لسان الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر المحجلين، وإخوانه إلى يوم الدين.

وأخيراً: كيف نغير ما بالأمة إذا لم نستطع أن نغير أنفسنا بناءً على القاعدة القرآنية: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11] ؟

اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين، وكفى بالله وكيلاً. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015