خواطر في الدعوة
بين يدي الدعوة
محمد العبدة
إن وسائل دعوة غير المسلمين كثيرة، والداعية الموفق يختار من الأساليب ما
يشعر أنه مؤثر وناجح، وبعض الناس قد لا يستجيب للدعوة إلا أن يرى شيئاً
عظيماً يجعله يقف مبهوراً معجباً، شيئاً يشده إلى الإسلام شداً، ويأسره أسراً
ويجعله يعيد حساباته ويفكر بعمق ويقارن بين الماضي والحاضر ثم يتخذ في نفسه
القرار.
لقد قرر أن يستسلم ولكنه استسلام الحازم المطمئن الذي عرف الحقيقة فعلاً
وليس استسلام العاجز أو صاحب غرض.
هكذا وقفت ملكة سبأ التي كانت تعبد الشمس هي وقومها عندما دعاها سليمان
عليه السلام إلى الإسلام أبت أن تنقاد مع اعترافها بضعفها أمام قوة سليمان وجنوده، ولكن عندما دخلت الصرح وحسبته لجة [قَالَتْ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ
مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ] [النحل: 144] لقد عُرضت عليها مظاهر القوة
الخارقة لتؤثر في قلبها وتقودها إلى الإيمان، وفى الإسلام ليس الأصل هو
المعجزات المادية - وإن جاءت عفواً وإكراماً فلا بأس- ولكن أليس التزام المسلم
بدينه وتطبيقه في كل شئون حياته أكبر معجزة.
وفى قصة إسلام خالد بن الوليد رضى الله عنه أنه خرج من مكة ميمماً شطر
المدينة فلقيه في الطريق عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فقال له: إلى أين يا
أبا سليمان؟ قال: لقد استقام الميسم (وضح الطريق) وهاجرا معاً إلى المدينة.
إن خالداً قائد عسكري فذ، ولا يخفى عليه أن انتصارات محمد -صلى الله
عليه وسلم- إنما هي انتصارات دين سماوي، انتصارات نبي يمثل الكمال البشري
مؤيد من الله يسدده ويرشده، وبعد معارك وصراع من بدر إلى الحديبية استسلم خالد
بن الوليد ولكنه استسلام القوي العاقل الذي يعرف مواقع الحزم واتخاذ القرار
المناسب.
وقد سمعنا في العصر الحديث أن بعض الكفار من الأوربيين أسلموا عندما
رأوا صفوف المسلمين في الصلاة، وخشوعهم وإقبالهم على الله. قال الفيلسوف
الفرنسي (رينان) : (كلما رأيت صفوف المسلمين في الصلاة أتأسف أني لست مسلماً) إنها كلمة صدق من كذوب، فما الذي يمنعه عن الإسلام.
إن عرض الإسلام عرضاً جذاباً مع العلم الراسخ قد يكون من المؤثرات
الفعالة في إقبال الناس على هذا الدين، كما وصف ابن عباس -رضي الله عنه-
حين فسّر سورة البقرة في أيام منى من الحج، قال من سمعه: (لو سمع تفسيره
يهود أو نصارى لأسلموا) وإن أعظم دعوة للإسلام هو التزام المسلمين بشريعة الإسلام وشعائره وآدابه وأخلاقه، وإصرارهم على هذا، وتحديهم للمجتمعات المنحرفة.