دور الشركات الأمريكية في انتخابات الرئاسة
من المتوقع أن يصل حجم الإنفاق المالي على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لهذا العام أكثر من مليار دولار. وهذا الرقم يمثل قفزة كبيرة في الإنفاق المالي لانتخاب الرئيس الأمريكي. وتلعب الشركات الأمريكية دوراً مؤثراً في الانتخابات الأمريكية من خلال الإغداق على المرشحين بالتبرعات في مقابل التزام المرشحين بوعود انتخابية تخدم مصالح هذه الشركات.
ويهدف هذا المقال إلى توضيح حجم الإنفاق المالي على سباق الرئاسة، ودور الشركات الأمريكية المباشر وغير المباشر في توفير المبالغ المالية اللازمة لنجاح المرشح الذي تميل له هذه الشركات.
- الإنفاق على سباق الرئاسة:
وصل الإنفاق المالي على سباق الرئاسة إلى أكثر من نصف مليار دولار مع نهاية السباق الماضي بزيادة تصل إلى أكثر من 300% بالمقارنة مع انتخابات عام 1976م. أما انتخابات هذا العام، فمن المتوقع أن تزيد تكلفتها الإجمالية عن مليار دولار.
وبما أن الحكومة الفيدرالية بالولايات المتحدة لا تعطي المرشحين أكثر من 70 مليون دولار للمرشح الواحد خلال الحملة الانتخابية، فإن الفارق بين المبالغ المطلوبة، وبين ما توفره الحكومة الفيدرالية يتم توفيره من خلال تبرعات الأشخاص والجهات ذات المصالح المرتبطة بنتيجة الانتخابات، ومن أهم هذه الجهات الشركات الأمريكية الكبرى.
- الشركات والانتخابات الرئاسية:
تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والذي تجري كل أربع سنوات فرصة للتغيير في الحياة الأمريكية. وتحاول الشركات الأمريكية انتهاز هذه الفرصة للحفاظ على مكاسبها المالية، والضغط على الإدارة الجديدة من أجل المزيد من المكاسب والمنافع. ولذلك تهتم الشركات الأمريكية والعالمية بالانتخابات الرئاسية، وتسعى هذه الشركات إلى دعم انتخاب المرشحين الذين يقدمون أفضل العروض إلى هذه الشركات، أو يعرف عنهم الاهتمام بمصالح الشركات الكبرى.
وتنفق الشركات الأمريكية مبالغ مالية ضخمة للتأكد من أن التشريعات التي تصدر عن الحكومة الأمريكية تخدم مصالحها. فقد قامت على سبيل المثال شركات الأدوية الأمريكية في العام الماضي بإنفاق أكثر من 109 ملايين دولار للتأكد من أن مشروع قانون إدارة الرئيس بوش حول التأمين الصحي سيتم إقراره من قِبَل الكونجرس. واستخدمت هذه الشركات أكثر من 800 موظف من المختصين في الضغط السياسي والذين يسمون Lobbyists، لتحقيق ذلك. والمقابل أن القيمة المالية لهذا القانون بعد إقراره تزيد عن 550 مليار دولار (1) ، ولذلك فإن الشركات الأمريكية تنفق الملايين في الضغط السياسي من أجل ضمان صفقات كبرى تصل قيمتها إلى المليارات.
- تكاليف الانتخابات الرئاسية:
تتزايد تكاليف الحملات الرئاسية الأمريكية بمعدلات سريعة بسبب ارتفاع تكاليف الإعلانات التلفزيونية للوصول إلى الناخبين، وارتفاع أسعار الموظفين المتخصصين في إدارة هذه الحملات. كما أن هذه الانتخابات تتحول إلى تظاهرات سياسية من أجل إبراز القوة المالية للأحزاب المختلفة وقوة المرشحين وقدرتهم على الوصول إلى المتبرع الأمريكي. ويكفي أن تكلفة مؤتمر الحزب الديمقراطي هذا العام قد فاقت 95 مليون دولار، بينما وصلت تكلفة مؤتمر الحزب الجمهوري إلى أكثر من 160 مليون دولار، وهي تكلفة لم يصل إليها أي مؤتمر سياسي من قبل في أي مكان في العالم (2) .
وبما أن القانون الأمريكي الجديد للانتخابات يقلل من الدعم المباشر من قِبَل الشركات للمرشحين، فإن الشركات تتحايل على ذلك بدعم بعض الهيئات السياسية المحلية التي تقوم بدورها بدعم المرشحين. كما تقوم الشركات بإنفاق مبالغ مالية ضخمة من أجل إقامة حفلات للمرشحين يعلن عنها وكأنها حفلات تكريم، ولكنها في حقيقتها تظاهرات لحشد الأصوات والتأييد للمرشح من قِبَل هذه الشركات.
وتتناول الصحف الأمريكية في الآونة الأخيرة ظاهرة هذه الاحتفالات التي تبلغ تكاليفها أرقاماً تزيد كثيراً عن التبرعات التي كانت هذه الشركات تقدمها للأحزاب بشكل مباشر من خلال القانون القدبم. فقد أنفقت شركة واحدة فقط وهي شركة صلى الله عليه وسلمGصلى الله عليه وسلم مبلغ 700 ألف دولار مقابل إقامة حفلتين للتكريم للمرشحين في كل من الحزب الديمقراطي والجمهوري. وهذا مثال واحد من عشرات الأمثلة للإنفاق المالي الضخم من قِبَل الشركات في انتخابات هذا العام.
- من الذي يدعم كلاً من بوش وكيري؟
كانت الشركات الأمريكية في السابق ذات توجه محدد في دعم المرشحين، وكان ذلك التوجه يرتبط في الغالب مع مصالح هذه الشركات، وتوجهاتها السياسية أيضاً. اما السنوات الأخيرة فتشهد تغيراً في تلك السياسة. الشركات الأمريكية الكبيرة تدعم جميع المرشحين المؤهلين للفوز، وتحافظ على علاقات قوية مع كلا المعسكرين الديمقراطي والجمهوري. وهذا التوجه بدأ يظهر واضحاً في الانتخابات الرئاسية لهذا العام.
فبين أكبر 10 متبرعين لكل من الرئيس جورج بوش، ومنافسه جون كيري، توجد أربع شركات مشتركة تدعم الجانبين. ففي دراسة صدرت مؤخراً عن «مركز الاستقامة العامة» Center for Public-Integrity، وهو مركز فكري بواشنطن، ذكر القائم على الدراسة أليكس نوت: «نحن نشهد تغيراً في مواقف الشركات المالية من الانتخابات. فبينما كانت الشركات المالية الكبرى في السابق تفضل الحزب الجمهوري فقط من ناحية التمويل، فإننا نشهد هذا العام اهتماماً أيضاً بجون كيري» (3) .
ومن الملفت للنظر أن أكبر 10 شركات تدعم الرئيس الأمريكي جورج بوش هي جميعها شركات مالية كبرى. ويعلق على ذلك معد الدراسة السابقة قائلاً: «لا بد أن هذه الشركات المالية مهتمة ببعض السياسات التي أقرها الرئيس الأمريكي. ولعل من بعض هذه السياسات التخفيضات المتتالية (3 تخفيضات) في الضرائب على الدخل للشركات، والتي أجراها جورج بوش في الفترة الرئاسية الأولى له» .
ولكن الملاحظ تفاوت قيمة التبرعات بين المعسكرين. فلا تزال الشركات الكبرى تدعم التيار الجمهوري بشكل أكبر مما تدعم التيار الديمقراطي. فالشركات الأربع الكبرى التي تدعم كل من جورج بوش، وجون كيري قد دفعت أكثر للرئيس الأمريكي، ولكنها في المقابل اهتمت أيضاً بمنافسه. والجدول المرفق يبين هذه الشركات وحجم الإنفاق المالي لها على المعسكرين السياسيين حتى الآن.
- مثال: شركات الإعلام والإنفاق على المرشحين:
الانتخابات الأمريكية هي أحد المواسم الكبرى للمؤسسات والشركات الإعلامية في الولايات المتحدة. فقد ذكر أحد المراقبين أن قيمة الإعلانات السياسية لدعم المرشحين التي سيتم بثها في الإعلام الأمريكي لهذا العام ستتجاوز 1.5 مليار دولار أمريكي. فحملة إعلامية واحدة لمدة أسبوعين فقط لشرح سيرة جون كيري العسكرية كلفت أكثر من مليون دولار أمريكي (1) ، ووصلت قيمة الإعلان التلفزيوني الواحد لمرة واحدة ما يقارب من 200 ألف دولار في شبكة واحدة من الشبكات الأمريكية الكبرى.
لذلك فإن الشركات العاملة في مجال الإعلام تجني الكثير من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويوضح الجدول رقم 3 حجم الإنفاق الإعلامي خلال السنوات الماضية. فرغم أن ساعات التغطية الإعلامية قد انخفضت من 180 ساعة تغطية إعلامية في عام 1972م إلى أقل من 20 ساعة في الانتخابات الأخيرة، إلا أنه من المتوقع أن تصل تكلفة الإعلانات إلى أكثر من مليار دولار مقارنة بـ 24 مليون دولار فقط في عام 1972م.
إن من مصالح الشركات الإعلامية الأمريكية أن يبقى الإنفاق السياسي في مجال الإعلام في تزايد مستمر. ولذ تدفع الشركات الإعلامية الأموال للمرشحين من أجل ضمان عدم تغيير سياسات الإعلان المتعلقة بالانتخابات. فقد قامت الجمعية العامة للإعلاميين Nصلى الله عليه وسلمرضي الله عنه بدفع أكثر من 33 ألف دولار في صورة تبرعات لكل من الحزب الجمهوري والحزب الديقرطي لضمان عدم تمرير قانون كان يلزم الشركات الإعلامية بتخفيض أسعار الإعلانات السياسية. وقامت الشركات الإعلامية بضغوط سياسية وتبرعات مالية كبيرة للقضاء على مشروع هذا القانون، وهو ما تم في العام الماضي.
وبلغ إجمالي الإنفاق على الضغط السياسي من قِبَل الشركات الإعلامية الخمس الكبرى (ديزني - نيوز كورب - جي إي - فياكوم - تايم) خلال الفترة الماضية أكثر من 100 مليون دولار. وفي المقابل تحصل هذه الشركات على حصة كبيرة من دخل الإعلانات السياسية في مواسم الانتخابات، ولذلك يعد الإنفاق السياسي لهذه الشركات استثماراً مالياً مربحاً (2) .
- تنافس بين الأغنياء فقط:
إن الشركات الأمريكية ترتبط بمصالح كبيرة مع المرشحين لتولي منصب رئيس أكبر قوة اقتصادية في عالم اليوم. وهؤلاء المرشحون ليسوا غرباء عن الأجواء الاقتصادية لهذه الشركات. فقيمة الثروات التي يمتلكها كل من المرشحين كبيرة، واستثماراتهم المالية ضخمة، ولذلك فلا عجب أن يتفق الجميع على خدمة مصالح هذه الشركات الأمريكية الكبرى. إن العقلية النفعية المسيطرة على المجتمع الأمريكي تحكم كل آليات عمله، وحتى الانتخابات لا تفلت من حصار المنافع الشخصية التي تختلط بالمصالح العامة.
الفقراء في أمريكا يستخدمون من قِبَل الجميع. المرشحون يخاطبونهم بوعود معسولة لا ينفذ منها إلا القليل. والشركات الكبرى تدعي أنها تسعى إلى خدمتهم من خلال برامج اجتماعية لا تكلف إلا الفتات، وتحسم من الضرائب أيضاً. والإعلام لا يتحدث إلا عما يخدم الطبقة العليا من المجتمع الأمريكي التي أصبحت متحكمة في كل شيء بدءاً من المؤسسة السياسية إلى الإعلام ثم المؤسسات المالية والاقتصادية، وأخيراً السياسة الخارجية أيضاً التي تحولت إلى مشروع استثماري أيضاً.
ولذلك فلا عجب أن تهتم الشركات الأمريكية الكبرى بالتأثير على الانتخابات. إنها مشروع تجاري آخر في دولة تحولت إلى شركة كبرى تستغل جميع البشر لتحقيق أهداف اقتصادية لعدد قليل من الأشخاص.
جدول (1) إجمالي التبرعات للحملات الرئاسية (*)
مجموع المبالغ
المجموع
العام