التحرير
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد كشفت أحداث الأسابيع الأخيرة في العراق، عن حقائق جديدة على ساحة الصراع هناك، كان من أهمها، ذلك الانكشاف الشيعي محلياً وإقليمياً وعالمياً تجاه أحداث النجف؛ فمع أن تلك المدينة يعدها الشيعة مدينة (مقدسة) ، بل من أقدس أماكن العالم، ويخصونها بأنواع من العبادات والزيارات والطقوس بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؛ فإن المراجع الدينية لتلك الطائفة، قد أبانت عن قدر غير قليل من عدم الأهلية لتحمل المسؤولية تجاه القضايا الكبيرة، عندما تلتهب المواجهة بشأنها، ويحمى الوطيس على أرضها.
وبالرغم من تميز الطائفة الشيعية تاريخياً برفع شعارات الثورة، وإعلان حركات التمرد ضد ما يعدونه ظلماً مستمراً ضدهم، إلا أن هذه الشعارات والحركات قد تبخرت مؤخراً في سماء النجف مع أدخنة النيران الأمريكية، وبردت مع جثث القتلى التي ضحت بها القوات الأمريكية على عتبات النجف (المقدسة) .
ولنا أن نتساءل هنا: أين شعارات الثورات الشيعية في كل من إيران، ولبنان، والعراق وغيرها عن إشعال الأرض تحت أرجل الأمريكيين إذا اقتربوا من الخطوط الشيعية الحمراء؟ وأين الكلام عن المنازلة الكبرى مع (الشيطان الأكبر) ؟ وأين التظاهرات التي كانت تطوف مدناً كثيرة ـ بما فيها مكة والمدينة ـ صارخة بهتاف (الموت لأمريكا ... الموت لإسرائيل) ؟ لقد سمعنا فقط، ومنذ أن أقبل الأمريكيون على غزو العراق، عن تسابق محموم لمساعدتهم على إنجاح ذلك الغزو، ثم تنافس أكثر حميمية على الاشتراك في ظل الاحتلال في مجالس ومقاعد الحكم. كل ذلك طمعاً في أن تؤول إليهم دفة القيادة على أرض العراق كلها، دون تضحيات أو تكاليف.
إن الوصولية السياسية، والأنانية الطائفية، كانت السمة الأبرز لرموز التشيع في العراق إبان نكبته الأخيرة، ولم يكن هذا خاصاً بالمراجع والآيات ورجال الحوزات، بل امتد أيضاً إلى الزعامات الشيعية العلمانية، وعلى رأسها ذلك المغامر المقامر: أحمد الجلبي، الذي ضحى الأمريكيون به مؤخراً بعد أن ضحى هو بوطنه وقومه، كما فعل سلفه المأفون (ابن العلقمي) . وفي سبيل الرئاسة الدينية أو السلطة الدنيوية؛ هان على هؤلاء تراثهم الاعتقادي الذي تناقلوه عبر القرون، وبخاصة ما يتعلق بمدينة المقامات والكرامات والأضرحة والزيارات التي تقوم عليها الديانة الشيعية، التي تكاد تعد النجف قبلة ثانية، بعد أن عدت مسجدها بالفعل (حرماً مقدساً) . غير أن مدينة النجف ليست مدينة المقدسات فقط عندهم، بل هي أيضاً المدينة الزاخرة بالكنوز والنفائس التي لا تقدر بثمن، فما يطلق عليه الشيعة (المرقد الشريف) أو (الصحن الحيدري) أو (الحرم العلوي) الذي يُعتقد أن جثمان الصحابي الجليل علي ـ رضي الله عنه ـ راقد فيه، يضم بداخله غرفة حصينة، تحتوى على كنوز هائلة من هدايا باهظة الأثمان، كانت تقدمها عبر العصور القديمة والحديثة أجيال من الزائرين، من الملوك والرؤساء والأمراء والأثرياء، الذين كان كل منهم يتباهى في هداياه لذلك الضريح، هذا عدا عن أكداس الأموال التي تقدم في شكل قربات وهبات ونذور، من ملايين (الحجاج) الشيعة، الذين يشدون الرحال إلى هذا القبر في مواسم متعددة. وهذا القبر في اعتقادهم هو قبر الإمام المعصوم الأول من أئمة الشيعة الاثني عشر، ولهذا فإن الشيعة الإثني عشرية، تحرص مرجعياتهم كلها على الاقتراب من مكان أو مكانة ذلك المرقد، لما يضفيه ذلك القرب من وجاهة ومهابة دينية ودنيوية تأسر أفئدة العوام.
إن ما يسميه شيعة العالم بـ (النجف الأشرف) يضم إضافة إلى الصحن العلوي، أكبر مقبرة في العالم بعد مقبرة روما، وهم يطلقون على مقبرتهم تلك (وادي السلام) ، وهم يقولون أيضاً إن النجف مثوى نبيين عظيمين هما: صالح، وهود، عليهما السلام، إضافة إلى العديد من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين. ولهذا فإن مدينة النجف هي مقر المرجعيات الدينية العليا لشيعة العالم الذين تقدرهم بعض الأوساط بـ (300) مليون نسمة، وهو عدد مبالغ فيه إلى حد كبير.
ونحن نذكِّر هنا بأن تقديس أماكن معينة، أو تقرير عبادات معينة بشأنها، أو الحكم لأفراد معينين من الأموات، والأحياء بمرتبة معينة من القربى في الدنيا أو الآخرة، كل ذلك من الأحكام الشرعية التي تفتقر إلى دليل صحيح صريح، وليس أمر ذلك موكولاً إلى أحد من البشر كائناً من كان بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. أما الشيعة فقد تجاوزوا ذلك بمراحل، فعدوا هذا المكان (مقدساً) وهذه الروح (طاهرة) وذاك الرجل (حجة الله) وذاك الآخر (آية الله) ، وهؤلاء الناس (أولياء) عند الله، وأولئك الآخرين (أعداء) لآل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقد احتشدت هذه المعاني الباطلة كلها في مواقف الشيعة الاعتقادية من مدينة النجف، فأصبحت عندهم من أقدس مدن العالم.
إننا ـ معاشرَ أهل السنة ـ نؤمن ـ قبل الشيعة وبعدهم ـ أن علياً ـ رضي الله عنه ـ هو أعظم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منزلة عند الله بعد الشيخين وذي النورين ـ رضي الله عنهم أجمعين؟ فهو ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزوج ابنته، وهو أول من أسلم من الصبيان، وهو الخليفة الراشد الرابع، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، رضي الله عنه وعن بقية آل البيت والأصحاب أجمعين. إلا أن ذلك لا يعني أن نوافق الشيعة على اتخاذ قبره من بعده وثناً يُعبد؛ فإن هذا إن كان لأحد من البشر، لكان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال: «لا تتخذوا قبري عيداً» (1) ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ـ يحذر ما صنعوا» (2) ، ولقد خالف الشيعة في ذلك، فاتخذوا آلاف القبور مساجد، وعلى رأسها قبر علي رضي الله عنه وأرضاه.
إن علماء الشيعة الكبار، قد وجدوا أحد مغامريهم الصغار، وهو (مقتدى الصدر) يحاول أن يحوز تلك الحوزة دونهم، بل دون المرجعية الكبرى لشيعة العراق «آية الله» (علي السيستاني) ؛ فبعدما اشتهر عن تورط مقتدى الصدر في قتل أحد منافسيه على الحوزة الشيعية، وهو (عبد المجيد الخوئي) تبين أن من بين الذين قتلوا مع الخوئي (حيدر الكليدار) ابن عم رضوان الرفيعي، آخر سدنة «الصحن الحيدري» (3) ، والذي كانت عناصر من أنصار مقتدى الصدر قد استولت منه على مفاتيح الضريح قبل عدة شهور، وقد بدأت شهرة الصدر تبرز إعلامياً، بُعيد اتهامه بقتل الخوئي؛ حيث طُلب للمحاكمة على ذلك، وأغلقت صحيفته التي سماها (الحوزة الناطقة) والتي أراد أن يجعلها رداً على ما يصفه بـ (الحوزة الصامتة) للمراجع التقليديين، ثم لم يلبث مقتدى الصدر أن سعى إلى تكوين ما أسماه (جيش المهدي) ليكون ذراعاً عسكرية له ـ كما توهم ـ ضد كل من يقف أمام طموحاته، وحاول أن يجعل من النجف القديمة ومن الضريح القائم بها، ومن المقبرة الكبرى فيها مراكز لنشاطه السياسي والعسكري؛ فكلما ضُيق عليه وعلى أفراد ميليشياته، لجأ هو إلى الصحن، ولجؤوا هم للقبور، فلاحقتهم القوات الأمريكية وقوات الحكومة العميلة فيها، وقد زاد هذا من سخط علماء الشيعة الآخرين عليه، لنقله المعركة إلى تلك الأماكن (المقدسة) لديهم.
الذي يظهر أن الأمريكيين قد فهموا جيداً شخصية مقتدى الصدر، وأنه قليل التجربة، وخبروا أبعاد جيشه عديم الخبرة، فجعلوا منه ومن جنوده أحجاراً للعب، وبالونات للاختبار، بل ورقات يستفاد بها إعلامياً وانتخابياً كلما أراد بوش وفريقه المأزوم، تحقيق نصر غير مكلف، عسكرياً أو سياسياً أو إعلامياً.
إن أحداث النجف الأخيرة قد كشف عن عدد من الحقائق المثيرة، المتعلقة بالعديد من الأطراف المشاركة فيما يمكن أن يسمى بـ (الاختبار المصيري) بـ (شيعة العالم) ، ونجمل أهم هذه الحقائق فيما يلي:
أولاً: حدوث هروب جماعي أو شبه جماعي لرموز الشيعة من العراق أثناء أحداث النجف، يدل على نكوص واضح، تمثل في الضن على الأرض الأقدس عندهم، بأي نوع من التضحية والافتداء، فلأجل التشفي في الصدر وتياره، تركوا الأمريكيين يدكون المنازل ويحرقون القُرى والمساجد، دون أن تصدر عن غالبيتهم بيانات أو فتاوى تدين تلك الأعمال من المحتل، ودون أن يوجهوا أتباعهم بالمشاركة في الدفاع عن مدينتهم (المقدسة) ، وقد سوغ كثير من علماء الشيعة هروبهم من النجف أثناء الأزمة، بأنهم شعروا بالحرج من البقاء فيها وهي تُضرب وتُمتهن، مع أنهم لم يشعروا بالحرج عندما شارك كل من (حزب الدعوة الإسلامي) وما يسمى بـ (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) و (فيالق بدر) وغيرها من الأحزاب والفصائل الشيعية، في تسويغ وتسهيل عملية اجتياح الأمريكيين لأرض العراق كلها.
وقد كشفت الأحداث أيضاً، أن تلك المرجعيات والزعامات، ليست لها (أجندة) سياسية واضحة، برغم تورطها في شؤون الساسة، بينما كانت الأطراف الأخرى تنفذ أجنداتها باستغلال مواقفهم المتواطئة مع قوى الاحتلال من جهة، والمناوئة لقوى المقاومة من جهة أخرى.
ثانياً: تيار الصدر، تمدد في الفراغ الذي تركه أولئك الهاربون، فبينما فضل هؤلاء ممارسة الوصولية بطرق سياسية ودبلوماسية، حاول الصدر أن يجسد (أصولية) شيعية يرى الأمريكيون في ضربها وقهرها عزاءً وعوضاً عن العجز في ضرب ما يسمونه (الأصولية) السنية؛ فقد أبانت الأحداث الأخيرة عن خفة أحلام الرجل، وعن رهق في طموحاته، فتشكيله لما أسماه (جيش المهدي) من عوام الشارع الشيعي البسطاء، دفع بهؤلاء إلى مواجهات عسكرية لم يخبروها، ومنازلات لم يحسنوا التعامل معها بعد أقل من عام على تشكيل هذا (الجيش) ، فأصبحوا بسبب ذلك فرائس سهلة لكلاب الصيد الأمريكية، جلب خروجها باسم (المهدي) من المهانة والهوان أكثر مما حقق من نكاية في العدو أو تصدٍ للعدوان؛ فكيف ساغ لمقتدى الصدر أن يحول اسم (المهدي) إمام الفاتحين المنتصرين للدين في آخر الزمان إلى مهزلة سياسية، وأضحوكة عسكرية، وهو الذي ستسقط أمامه المدن وتفتح له البلدان في المشارق والمغارب، حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل؟
لقد توعد مقتدى الصدر بأن يُخرج الأمريكيين من العراق بجيشه الموهوم، وقد كان بوسع مقتدى أن يكتسب مصداقية في دعوى المقاومة، مهما كانت ضعيفة وقليلة الفاعلية، لولا أنه أسقط تلك المصداقية باشتراكه من خلال عناصر جيشه، وباعتراف المتحدث باسمه (رائد الحائري) في التعاون مع قوات الحكومة المؤقتة في التصدي لما أسموه (الجماعات الإرهابية) السنية التي تناهض الاحتلال وحكومة الاحتلال، وهو ما جعل ذلك القيادي الصدري يتعجب من انقلاب الحكومة المؤقتة على التيار الصدري رغم ذلك التعاون.
ثالثاً: تصدير الثورة إلى دول الجوار، كان شعار الثوريين الإيرانيين، نكاية في أمريكا أو (الشيطان الأكبر) كما سمتها الثورة الإيرانية، وقد كان العراق أول البلدان المرشحة للتثوير طوال العقدين الماضيين، ولكن عندما بسط هذا الشيطان الأكبر أجنحته على أرض العراق؛ وجد من الثوريين الإيرانيين من يجهز باحته ويهيئ ساحته لاستضافة طويلة، وقد كنا نظن أن ذلك لم يكن كذلك، إلا من باب الانتقام والثأر من عدو زعماء الشيعة اللدود (صدام حسين) ، ولكن تبين بعد سقوط النجف، واستيلاء الشيطان الأكبر على العتبات «المقدسة» أن «ثورة المستضعفين» قد رفعت يدها عن نصرة الضعفاء، ولو كانوا فقراء وضعفاء النجف، حتى إنها لم تأمر ولو (بمظاهرة) كتلك التي كانت تزعج الحجاج في مكة والمدينة، لتنادي بـ (البراءة من المشركين) ، والمناداة بـ (الموت لأمريكا) .
رابعاً: سمعنا كثيراً عن صولات وبطولات ما يسمى بـ (حزب الله) اللبناني، وتوعد زعيم هذا الحزب بإحباط المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، ولكن المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي شارك الشيعة في نجاحه في العراق كله، لم يفلح حزب الشيعة اللبناني في تفسير تورطهم فيه، ثم جاء اجتياح النجف بعتباتها في ظل صمت الخطيب المصقع (نصر الله) ، ليشهد بأن صرخاته عن تحرير القدس، والجولان، ومزارع شبعا، ما هي إلا مفرقعات خطابية. لقد أظهرت مواقف ما يسمى بـ (حزب الله) أن السقوط الشيعي في النجف امتد من العراق وإيران، إلى سوريا ولبنان؛ حيث لم نسمع عن خطب عصماء ولا تظاهرات تحت رايات سوداء أو صفراء.
خامساً: في ضوء كل ما سبق تبرز حقائق أخرى على الجانب الأمريكي، لعل من أهمها أن الأمريكان الذين جعلوا من الشيعة وغيرهم (حصان طروادة) لغزو كل من أفغانستان والعراق، يريدون اليوم أن يقتلوا هذا الحصان، أو ـ على الأقل ـ يحولوه إلى دابة أخرى لا تقوى على الحمل أو الجري، إلا بقدر ما يخدم المصالح الأمريكية؛ فإيران الآن في دائرة الاستهداف، عَلِمَ الآيات أو لم يعلموا؛ وكما لم تشفع مواقف التواطؤ مع عدوان الأمريكيين علي المسلمين السنة، فلن تشفع مواقف التباطؤ عن نصرة إخوانهم من الشيعة.
إن حرص الإدارة الأمريكية على (تمطيط) وإطالة أمد الأزمة في النجف وغيرها من المدن الدينية الشيعية، لا نجد له تفسيراً إلا المزيد من الاستفزاز للإيرانيين، لاستدراجهم إلى مواقف سياسية، وربما عسكرية، يتم إيداعها في بنك الذرائع الأمريكية للمواجهة القادمة مع إيران؛ والأمريكيون يحاولون الاستفادة من ذلك مستقبلاً، ويستثمرونه الآن في تفريغ شعارات الثورة الإيرانية من مضمونها، عندما يُشهدون العالم على صمتها وهي ترى قبة الضريح الأول تتعرض للنيران، ومقابر الأولياء والأئمة تتعرض للقصف.
لا شك أن الأمريكيين سيتعاملون مع الموقف الإيراني على أنه أصبح في غاية الضعف أو في غاية الخوف؛ فبينما هم يبالغون في استفزاز طهران، إذا بها تبالغ في تجاهل هذا الاستفزاز، وإذا كان هذا هو موقف زعيمة التشيع في العالم؛ فماذا يبقى للبقية؟ وهل نفعت مواقف النفعية والانتهازية والتَّقِيَّة في كَفِّ بأس (الشيطان الأكبر) عن شيعة العراق أو إيران أو لبنان فيما مضى، حتى تنفع في المستقبل؟
سادساً: المواقف التي أظهرتها الحكومة العراقية / الأمريكية المؤقتة، أثبتت صلاحيتها الكاملة للقيام بدور الأحذية الغليظة لقوات الاحتلال؛ فعلاوي الذي لا يكف عن التبشير بعراق الأمن والاستقرار، يستنكف ـ تبعاً للأمريكيين ـ عن مجرد الحوار مع تيار مقتدى الصدر ويلجأ ـ على الطريقة الأمريكية ـ إلى أسلوب (الحرب الاستباقية) ، حتى لا يضطر إلى تفاوض مع التيار الصدري، يعلم هو أن الصدريين سيسلمون في النهاية بكل شروطه وبنوده، كما يحدث في كل مرة. ولكن حرص الأمريكيين وحكومة علاوي معاً، على إحراز انتصارات رخيصة وسريعة، تعوض هزائمهم المنكرة والمتكررة في مناطق (المثلث السني) ، تجعلهم يبالغون في إطالة أمد هذه المعركة المسرحية مع مقتدى الصدر، الذي لا يمكننا أن نتصور عجز الإدارة الأمريكية أو الحكومة العراقية عن القبض بطريقة ما عليه وعلى زملائه إذا ما أرادوا، ولكنه اصطناع البطولات، للمتاجرة بها في إدارة الأزمات.
وأخيراً: تجيء دروس النجف المؤسفة لتضيف أبعاداً أخرى لدروس الفلوجة المشرِّفة؛ فالفلوجة الخالية من العتبات والآيات ودعاوى المقدسات، لم تعرف إلا منهجية الجهاد الحق ضد عدو غاز محتل اتفق الجميع على وجوب التصدي له؛ فنازل مجاهدوها هذا العدو بما أنزله عن كراسي الفخار والاستكبار على المسلمين، وأعلموهم أن قدرة الله الكبير، أكبر من قدرة التحالف الدولي الحقير، الذي أغراه سفاؤه بالدخول إلى عرين الأسود، ليشاكسوا الجنود أولي البأس الشديد في عقر ديارهم، وقد خاب حلف الشيطان وخسر حزبه عندما أعلن حربه على الإسلام باسم الحرب على الإرهاب، مستعيناً بأولياء من الذين في قلوبهم مرض. إن خيبتهم وخسارتهم على أيدي المستقيمين على الشرع والسنة حتم لازم، واعتقاد جازم لا نشك في حصوله؛ لأن كل من يتحدى الإسلام إلى خسار وانحسار: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19] .