عبد العزيز التميمي
إن هذه الأمة أمة منصورة من ربها، موعودة بالتمكين والاستخلاف في الارض بوعد الحق الذي لا يخلف، في آيات كثيرة من القرآن، كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] . وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173] . وقال: {إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] . وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55] .
ومهما تكالب أعداؤها، وأحكموا كيدهم، وأجمعوا أمرهم؛ لإطفاء نور الحق والهدى فلن يحظوا بذلك، وهيهات وقد قال الله: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 32 - 33] .
وقد بشرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن هذا الدين سينتشر في أنحاء الأرض قاطبة حتى يدخل كل بيت في المعمورة كما في حديث تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيزاً أو بذل ذليلاً، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر» (?) .
إن هذه النصوص المبشرة جزء من عقيدتنا التي يجب أن نؤمن بها إيماناً تاماً لا تخالطه الشكوك ولا تساوره الظنون مهما طال ليل المحنة؛ فإن وعد الله آتٍ عما قريب {أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] . بل إن هذا اليقين الكامل بنصر الله هو أحد عوامل النصر المهمة، ولذا ترى النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما تشتد الكروب وتلم الخطوب يُذكِّر بهذه الحقيقة؛ فذلك يبعث الأمل ويحيى الهمم، ويجدد العزم على العمل، كما فعل في غزوة الأحزاب وقد رمتهم العرب عن قوس واحدة؛ فقد بشر أصحابه بفتح بلاد فارس والروم، كما بشر في حادثة الهجرة وهو مطارد خائف بفتح بلاد فارس، وكما طمأن صاحبه الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ وهما في الغار بقوله: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] .
إن المؤمنين حينما تحيط بهم الملمات لا تزيدهم إلا ثباتاً ويقيناً وتسليماً: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] . أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فما أسرع ما يتزلزلون ويشكون بصدق وعد الله عند أدنى محنة أو نازلة: « {وَإذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12] . غير أن النصر الذي وعدت به هذه الأمة لا يناله إلا من أدى ثمنه وقام بأعبائه؛ فإذا وجدت أسبابه وانتفت موانعه تحقق النصر بإذن الله، وإن تخلف منها شيء فربما تخلف النصر، ولله عاقبة الأمور.
وقد تتبعت عوامل النصر في القرأن الكريم ـ حسب استطاعتي ـ المبثوثة في مواضع كثيرة، لا سيما في سورة آل عمران والأنفال، وسلكت فيها مسلك التفسير الموضوعي، مذكراً بها نفسي وإخواني في هذه المرحلة التي نتلمس فيها طريق النصر مع اشتداد ظلمة الليل وتوالي الكروب وتكالب الأعداء {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21] .
_ العامل الأول: تقوى الله والإحسان في عبادته؛ وذلك بطاعته وترك معصيته:
وعد الله من اتقاه بأن ينصره على عدوه وتكون معية الله له الخاصة المقتضية للنصر والتأييد كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36] . وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} .
[التوبة: 123] .
فلما أمرهم بقتال المشركين جميعاً (?) وقتال من يليهم من الكفار وكان في ذلك من المشقة والتعب وبذل المال وتعريض النفس للتلف ما لا يخفى، مع احتمال غلبة جند الباطل وانتصارهم عليهم، أرشدهم إلى أنه معهم بنصره وتأييده وتوفيقه، يسددهم.. إذا هم اتقوه حق التقوى؛ فشرط النصر والتأييد هو التقوى، وقد صرح الله به في موضع آخر فقال: {إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 124 - 125] . فالملائكة ستنزل لنتنصرهم إذا هم حققوا الشرط: الصبر والتقوى.
إن مؤامرات الأعداء ومكائدهم ومكرهم مهما كثرت وتنوعت ومهما بلغت من الإتقان لن تضر المسلمين ولا المجاهدين شيئاً إذا هم صبروا واتقوا (?) ، كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَإن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120] . فيتقي المسلمون كل ما حرم الله عليهم ومنه موالاة الكفار والركون إليهم والله كافيهم وهو حسبهم. وتجدر الإشارة هنا إلى آية قد تشكل على هذا المعنى وهي قوله ـ تعالى ـ: {لَن يَضُرُّوكُمْ إلاَّ أَذًى وَإن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ} [آل عمران: 111] . حيث أثبت الضرر بالأذى ونفاه هناك؛ فكيف الجمع بينهما؟ قال الطاهر ابن عاشور: «وقوله: {لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} ، أي بذلك ينتفي الضر كله؛ لأنه أثبت في أول الآيات أنهم لا يضرون المؤمنين إلا أذى؛ فالأذى ضر خفيف، فلما انتفى الضر الأعظم الذي يحتاج في دفعه إلى شديد مقاومة من قتال وحراسة وإنفاق، كان انتفاء ما بقي من الضر هيّناً؛ وذلك بالصبر على الأذى وقلة الاكتراث به مع الحذر منهم أن يتوسلوا بذلك الأذى إلى ما يوصل ضراً عظيماً» (?) .
وقد ختم الله الآية بقوله: {إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} ليبين ـ والله أعلم ـ للمؤمنين أن كيد الاعداء مهما خفي ولطف فإن الله به محيط، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا به؛ فتوكلوا عليه (?) ، واستعينوا به؛ فسوف يكفيكم كيدهم. وقد أعقب الله هذه الآية بقصة غزوة أحد وما جرى فيها للمسلمين من وقوع المصيبة بهم لما ترك الرماة الصبر والتقوى، وذكَّر أنه نصرهم يوم بدر؛ فكأنه تذكير بأن وعده صادق؛ لما صبروا واتقوا نصرهم ببدر وهم أذلة، ولما خالف الرماة ذلك في أحد وقعت بهم المصيبة (?) ؛ فالمشروط معلق بالشرط.
وحينما تصاب الأمة المسلمة بهزيمة فتتلمس طريق النصر كي تستعيد مجدها المفقود فإن من أهم مقومات النصر تقوى الله ـ تعالى ـ والإحسان في عبادته. وقد حكى الله ـ في وسط آيات غزوة أحد ـ قصة تلك الجماعة التي منيت بهزيمة على أيدي أعدائها فأخذت بأسباب (?) النصر فنصرها الله، وختم الآيات بقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] . ليبين أن من أحسن في عبادته أحسن الله إليه ونصره وجعل له من أمره مخرجاً، قال الله ـ تعالى ـ: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَومِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146 - 148] .
_ العامل الثاني: الصبر والثبات:
وذلك بالثبات على التقوى، والثبات على القتال، وقد جعل الله الصبر والتقوى شرطاً للنصر كما سبق، وأثنى الله على الصابرين في الآيات الآنفة الذكر {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146] . وأخبر أنه معهم بنصره وتأييده، وأن الفئة المؤمنة تغلب مثليها من الكفار إذا كانت صابرة فقال: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] .
وقد يلقى المسلم عدواً يصبر كما يصبر؛ فهو مأمور حينئذ بالمصابرة وهي (الصبر في وجه الصابر، وهذا أشد الصبر ثباتاً في النفس وأقربه إلى التزلزل؛ ذلك أن الصبر في وجه صابر آخر شديدٌ على نفس الصابر لما يلاقيه من مقاومة وقِرْن له قد يساويه أو يفوقه، ثم إن هذا المصابر إن لم يثبت على صبره حتى يملَّ قِرْنُه، فإنه لا يجتني من صبره شيئاً؛ لأن نتيجة الصبر تكون لأطول الصابرين صبراً وهي سبب نجاح الحرب (?) ، قال الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] .
وقد ذكر الله في سورة آل عمران أسباباً كثيرة للنصر ثم ختمها بهذه الأية التي تأمر بالصبر والمصابرة والمرابطة ليبين ـ والله أعلم ـ أن كل الأسباب المذكورة ما لم تقترن بصبر ومصابرة فإن النصر قد يتخلف. وإذا لم يكن ثَمَّ قتال مع الأعداء؛ فعليهم بالمرابطة وهي (ربط الخيل للحراسة في غير الجهاد وخشية أن يفجأهم العدو) (?) . فهم بين حالتين: إما حرب فعليهم بالصبر والمصابرة، وإما في غير جهاد قائم فعليهم بأخذ الحذر والمرابطة.
_ العامل الثالث: نصرة الله:
إن الله غني عن أن ينصره أحد، أو يطلبه من أحد، وإنما طَلَبَه من عباده ابتلاء وامتحاناً ليتميز الصادق من غيره. (ونصرة الله هي نصرة دينه؛ فهو غني عن النصر في تنفيذ إرادته) (?) ، كما قال: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} [محمد: 4] . فينصر المؤمن دين الله في نفسه ويقيمها على الحق، ويقدم رضى الله على رغباته وشهواته، ويحكّم أمر الله في جميع شؤونه، وينصر دين الله في واقع الحياة فيسعى لتحكيم شرعه في كل مناحي الحياة بلا استثناء (?) ، فإذا فعل المسلم ذلك فليبشر بنصر الله كما وعد الله. قال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: 14] . وقال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] وقال: {وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173] . وجند الله هم أنصار الله الذين نصروا دينه (?) .
وثمة بشارة اخرى لمن نصر الله ذكرها في سورة محمد بقوله: {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] . فوعدهم بالنصر ووعدهم بتثبيت الأقدام، (وتثبيت الأقدام يذهب الظن لأول وهلة أنه يسبق النصر ويكون سبباً فيه، وهذا صحيح، ولكن تأخير ذكره في العبادة يوحي بأن المقصود معنى آخر من معاني التثبيت، معنى التثبيت على النصر وتكاليفه؛ فالنصر ليس نهاية المعركة بين الكفر والإيمان وبين الحق والضلال؛ فللنصر تكاليفه في ذات النفس وفي واقع الحياة، للنصر تكاليفه في عدم الزهو به والبطر، وفي عدم التراخي بعده والتهاون، وكثير من النفوس يثبت على المحنة والبلاء، ولكن القليل هو الذي يثبت على النصر والنعماء. وصلاح القلوب وثباتها على الحق بعد النصر، ولعل هذا هو ما تشير إليه عبارة القرآن. والعلم لله) (?) .
ولما عظم جزاء الناصرين لله كانت نصرة الله مطلباً نفسياً لا يدركه إلا القلة ممن أوقفوا نفوسهم لخدمة دين الله وإقامة شريعته في الحياة، ولذا جيء بالشرط {إن تَنصُرُوا} ، وإنما (جيء في الشرط بحرف (إن) الذي الأصل فيه عدم الجزم بوقوع الشرط للإشارة إلى مشقة الشرط وشدته ليجعل المطلوب به كالذي يشك في وفائه به) (?) .
_ العامل الرابع:
صدق النية في نصرة الله مع القدرة على إقامة دينه بعد النصر. قال الله ـ تعالى ـ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}
[الحج: 40 - 41] .
فسنة الصراع بين الحق والباطل قائمة ولا بد للحق من قوة تدافع عنه وتذود عن حياضه، وقد وعد الله من فعل ذلك بصدق نية أن ينصره الله، وأنّى لقوة مهما بلغت أن تقف في وجه جند الحق ومعهم الله؟ {إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} ، وتأمل كيف أعقب الله هذه الأية بقوله: {الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ} فكأن سؤالاً يتردد عن صفات الطائفة الموعودة بالنصر فكان الجواب: {الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ} وهذه الصفات التي ذكرها الله لهم يتبين منها الآتي:
1 - أنهم قوم صادقون مع الله لم يجاهدوا لطلب منصب ولا غنيمة ولا رياء ولا غيرها من مطامع الدنيا، بل خلصت نياتهم لله؛ ولا أدل على ذلك من إقامتهم شرع الله بعد انتصارهم. إن المرء قد يجاهد في زمن الشدة والمحنة مخلصاً لله؛ حتى إذا فتح الله عليه ونصره واقبلت عليه الدنيا ربما بدّل وغيّر، وطلب المنصب والرئاسة والجاه والشهرة؛ فالإخلاص يسير في زمن الشدة: {وَإذَا مَسَّ الإنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إلَيْهِ} [الزمر: 8] ، {فَإذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65] ، لكنه عزيز في وقت الرخاء؛ حيث تنطلق النفوس على سجاياها فتظن أنها استغنت عن عون الله {كَلاَّ إنَّ الإنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6 - 7] . إن الإخلاص مطلب رئيس لتنزُّل نصر الله {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} ، وتظل على هذا الإخلاص حتى بعد أن ينصرها الله {الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} .
وإن لتأكيد القرآن على هذا المطلب أهدافاً في غاية الأهمية منها: أن الاخلاص حين يتمكن في النفوس فإن شؤون الجهاد تُدار وفق المصلحة الشرعية فقط بقطع النظر عن أي مصالح أخرى قد تُلبس لباس النصح لدين الله. ومنها أن الإخلاص حين يتمكن في النفوس فإن دائرة الخلاف بين النافرين لنصرة دين الله تتقلص إلى أدنى الدرجات الممكنة. وإن مما يندى له الجبين أن يرى المرء مشاريع خيرية ودعوية استهلكت منها الطاقات، وبذلت لها الأموال، وصرفت فيها الأوقات تذهب كثير من ثمراتها أدراج الرياح نتيجة نقص الإخلاص أو تلاشيه. والله المستعان.
2 - أن هؤلاء بعد نصرهم {أَقَامُوا الصَّلاةَ} فوثقوا صلتهم بالله، واستمر تعلقهم بربهم الذي نصرهم، {وَآتَوُا الزَّكَاةَ} . فتعاونوا على سد خلة المحتاج وتفريج كربة المعوز فتحقق تكافلهم الاجتماعي {وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} وهذا يشمل المعروف العام الذي يعرفه كل أحد؛ كما يشمل المعروف الخاص من دقائق الأحكام ونحوها الذي يعرفه العلماء على اختلاف مراتبهم (?) ، وهذا يعني انتشار التعليم وتسهيل طرقه للناس، {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ} بكل اشكاله وصوره سواء كانت هذه المنكرات من قبيل الشهوات أو من قبيل الشبهات كالمقولات والكتابات الفكرية المنحرفة.
وهذه الصفات تفيد استطاعتهم على المحافظة على النصر والقدرة على إقامة شرع الله في الأرض بما يملكون من مقومات تؤهلهم للاستمرار في التمكين في الأرض؛ وذلك يشمل الإيمان والعلم النافع والعمل الصالح.
إن استعلاء هؤلاء على شهواتهم وأهوائهم؛ حيث شكروا نعمة الله فأقاموا شرعه مع قدرتهم على مخالفة أمر الله من غير خوف من أحد من البشر؛ حيث إنهم ممكنون في الأرض ليدل دلالة واضحة على أن نفوسهم بلغت من الصلاح والتقوى مبلغاً عظيماً جعلهم ذلك ينشطون في نصرة دين الله أولاً، ويتحملون أعباء النصر وتكاليفه ثانياً، وهذا لا شك في أنه لا بد أن يسبقه تربية طويلة ومرور على أحوال من الدهر وصروف تظهر الصادق الصابر من غيره، ولعل هذا ما يلمح من قول الله ـ تعالى ـ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] . فابتلوا من قبل أن يمكنوا، فمسهم الفقر والشدة والمرض (?) ، وزلزلوا بما تفيده هذه الكلمة من شدة التحريك والاضطراب؛ فهم قد خُوِّفوا وأزعجوا إزعاجاً شديداً (?) ، وقلبوا من كل جانب، وطالت عليهم هذه الأيام حتى بلغ بهم الحال أن قال الرسول والذين آمنوا معه: {مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} ؟ فأخبرهم أن نصره قريب من هذه الفئة التى ثبتت على الشدائد والمحن، وهي التي تَقْدُر للنصر قَدْرَه بعد أن يمكنها الله في الأرض لا من يأتيه النصر وهو متكئ على أريكته لم يبذل من أجله شيئاً، أو بذل شيئاً يسيراً؛ فما أسرع ما يفرط فيه. وإذا استمر المسلمون على إقامة دين الله بعد النصر فإن الله يكفيهم أعداءهم ويظهرهم عليهم فما هم بمعجزين؛ وهذا ما يدل عليه ترتيب الأيات في سورة النور (?) . قال الله ـ تعالى ـ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النور: 55 - 57] . فإن تكاسل المسلمون عن إقامة الدين وفرطوا وأهملوا التكاليف فإن {لِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} يصرِّفها كيف يشاء، فيبدل النصر هزيمة (?) ، والأمن خوفاً، والعز ذلاً.
_ العامل الخامس: حسن التعامل مع الهزيمة يحولها نصراً، ويشمل عدة أسباب:
فقد حكى عن أصحاب ذلك النبي لما قاتل ومن معه فهزموا فكان موقفهم من الحدث موقفاً صحيحاً حوّل هزيمتهم إلى نصر وعزة. قال الله ـ تعالى ـ: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَومِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[آل عمران: 146 - 148] .
إن هذه الأيات ترسم الموقف الشرعي لتعامل المسلم مع الهزيمة حتى تتحول نصراً بإذن الله؛ وذلك لأمور:
1 - أنها موقف رِبيّين وهم المتبعون لشريعة الرب، وهم أتباع الرسل وتلامذة الأنبياء (?) .
2 - أن هذه الأيات ذكرت خلال الحديث عن غزوة أحد وما أصاب المسلمين فيها؛ ففيها إشارة للمسلمين أن يسلكوا مسلكهم حين أصيبوا.
3 - أن الله أثابهم على موقفهم هذا بالنصر والعزة والغنيمة {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} .
4 - أن الله وصف فعلهم بالإحسان {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
أما الموقف الذي اتخذوه فهو من خلال الآيات، ويتمثل فيما يلي:
1 - الحذر من الوهن والضعف والاستكانة (لأن المؤمن يركن إلى من بيده ملكوت السموات والأرض) (?) ، كما قال الله عنهم: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146] . (الوهن قلة القدرة على العمل وعلى النهوض في الأمر، والضعف ضد القوة في البدن وهما هنا مجازان؛ فالأول أقرب إلى خَوَر العزيمة ودبيب اليأس في النفوس والفكر، والثاني أقرب إلى الاستسلام والفشل في المقاومة. وأما الاستكانة فهي الخضوع والمذلة للعدو. ومن اللطائف ترتيبها في الذكر على حسب ترتيبها في الحصول: فإنه إذا خارت العزيمة فشلت الأعضاء وجاء الاستسلام فتبعته المذلة والخضوع للعدو) (?) .
إن المؤمن لا ينبغي أن يَهِن ولا يحزن ولا يضعف ولا يستكين؛ إذ كيف يهن وهو الأعلى بإيمانه وعزته وعون ربه له؟ {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] ، وكيف يهن ويحزن لما أصابه وقد أصاب الكفار في وقائع أخرى مثل ما أصابه أو أكثر؟ {إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} [آل عمران: 140] . {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران: 165] . فقد أصابتهم مثل ما أصابهم أو أزيد، والفرق بين المؤمنين والكافرين فيما أصابهم {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104] . وكيف يهن المسلم ويحزن وهو يعلم أن انتصار الكفار على المؤمنين في بعض الأحيان سُنَّة ماضية، لله فيها حكمة بالغة والعاقبة للمتقين؟ {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 140 - 142] . {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179] . إن الهزيمة النفسية تفعل في الأمة أشد من فعل أعدائها بها، وهو ما تعاني منه الأمة الإسلامية اليوم. نسأل الله أن يهيئ لها من أمرها رشداً.
2 - الصبر الجميل كما قال الله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146] . وقد سبق الكلام عليه.
3 - مراجعة النفس ومحاسبتها على تقصيرها في حق الله ـ تعالى ـ أو في الأخذ بأسباب النصر المادية {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران: 147] . فمع هزيمتهم ومصيبتهم لم يبدر منهم تردد في صدقه وعدالته؛ بل كانوا واثقين به موقنين بتأييده، وإنما تخلف عنهم لعلّة، فاتهموا انفسهم بالتقصير في حق الله {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} (?) [آل عمران: 147] .
إن المعاصي سبب لخذلان الله للعبد أحوج ما يكون إليه {إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران: 155] . وقد عاقبهم الله ببعض ما كسبوا؛ فكيف لو عاقبهم به كله؟ {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
[آل عمران: 165] .
إن الطاعة سبب لتثبيت الله ـ تعالى ـ لعبده في المواقف الدنيوية والأخروية {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27] . وقال: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66] . إن اصلاح النفس من أهم مقومات النصر، ولذا جاء الحديث عنه في وسط الآيات التي تتحدث عن غزوة بدر؛ فكأنه إشارة إلى أن سبب نصرهم في بدر إنما هو طاعة الله باتباع أمره واجتناب نهيه. قال الله ـ تعالى ـ في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 20 - 30] .
والتقصير الذي اعترف به هؤلاء الربيون يحتمل أنه مع التقصير في حق الله تقصير في شأنهم ونظامهم فيما يرجع إلى أهبة القتال والاستعداد له أو الحذر من العدو، وهذا الظاهر من كلمة أمر في قوله: {وَإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران: 147] . بأن يكونوا شكوا ان يكون ما أصابهم من هزيمتهم في الحرب مع عدوهم ناشئاً عن سببين: باطن، وظاهر. فالباطن هو غضب الله عليهم من جهة الذنوب، والظاهر هو تقصيرهم في الاستعداد والحذر؛ وهذا أوْلى من قصره على السبب الأول فقط) (?) لدلالة الأية على الأمرين لا لنقص أهمية السبب الأول.
4 - الدعاء والالتجاء إلى الله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَومِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 147] . وهذا شأن المؤمنين يلتجئون إلى ربهم، ويتضرعون إليه يستنزلون نصره ومدده؛ فلا حول ولا قوة لهم إلا به ـ تعالى ـ: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإنَّهُ مِنِّي إلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 249 - 250] . وهو ما فعله المؤمنون في بدر فاستجاب لهم {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] . وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- قبيل معركة بدر في العريش يناجي ربه طويلاً حتى أشفق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وما أحوج الأمة اليوم في ظل المحنة التي تعيشها أن تسلك هذا الهدي النبوي؛ فتجأر إلى ربها وتلجأ إليه معلنة فقرها وضعفها بين يديه علّ نظرة رحمة منه تدركنا فترفع غُمّتنا، وتزيل كربتنا.
_ العامل السادس: عدم موالاة الكفار والركون إليهم:
قال الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [آل عمران: 149 - 150] . هاتان الآيتان جاءتا خلال الحديث عن غزوة أحد لتحذر المسلمين من التفكير في موالاة الكفار والركون إليهم سواء كانوا كفاراً مظهرين لكفرهم أو كانوا منافقين (?) ؛ فمهما اشتد الكرب وعظمت المصيبة فلا يجوز للمسلمين أن يمدوا أيديهم إلى الكفار راكنين إليهم؛ فإن العاقبة وخيمة: {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} خسارة الدنيا. وإن بعض النفوس الضعيفة عند الهزيمة قد تتطلع إلى ما عند الكفار تتلمس العزة عندهم؛ فمن كان حاله كذلك فليتذكر: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} ، ولعل في التاريخ خير شاهد فيما جرى لمسلمي الأندلس حين أطاعوا النصارى ووالوهم وركنوا إليهم.
_ العامل السابع: اجتماع الكلمة:
إن تفرق الكلمة سبب للفشل وذهاب القوة والهيبة من نفوس الأعداء {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] . بل قد يحول النصر الى هزيمة {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 151] . إننا اليوم في أشد الحاجة إلى جمع الكلمة ورص الصفوف، واستثمار كافة الطاقات، ونبذ كل فرقة بنيت على خلاف اجتهادي، أو على خلاف قطعي لا يخرج عن ملة الاسلام لدفع عدد أكبر يريد إهلاك الحرث والنسل، ما أحوجنا إلى ترك بُنيات الطريق (*) . والله المستعان.
_ العامل الثامن: الايمان الكامل بالله تعالى:
وهذا هو جماع الأسباب كلها فهو إذا تحقق فلا بد أن تأتي أسباب النصر الأخرى له تبعاً، ولذا وعد الله المؤمنين في أكثر من موضع في كتابه بالنصر والتمكين والاستخلاف {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] . {إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] . {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19] إنه الإيمان المقتضي للعبودية التامة لله ـ تعالى ـ والدخول في السلم كافة. (إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستفرق النشاط الانساني كله، وتوجه النشاط الإنساني كله؛ فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجه كله إلى الله، لا يبغي به صاحبه الا وجه الله تعالى، وهي طاعة الله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى في النفس ولا شهوة في القلب، ولا ميل في الفطرة ألا وهو يستغرق الإنسان كله.. وخلجات قلبه وأشواق روحه وميول فطرته وحركات جسمه ولفتات جوارحه وسلوكه مع ربه في أهله ومع الناس أجمعين.. يتوجه بهذا كله إلى الله) (**) . وحينئذ يتحقق وعد الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النور: 55] .
_ العامل التاسع: العمل بالأسباب المادية:
تأمل معي قول اله ـ تعالى ـ: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 59 - 60] . ففي الأية الأولى توهين بشأن المشركين مهما بلغت قوتهم وإعداداتهم وإمكانياتهم، لكن الله أعقبها بقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} . حتى لا يظن ظان من المسلمن أن الكفار صاروا في قبضتهم من غير عمل ولا أخذ بالأسباب، بل لا بد من ذلك، ويكون هذا العمل وهذا الاحتراس هو سبب جعل الله الكافرين لا يعجزون (?) .
وجاء في لفظ الآية «ما استطعتم» ليشمل كل إعداد مقدور عليه ويلزم منه استفراغ الجهد والطاقة سواء كان جهداً بدنياً أو عقلياً أو غيره في سبيل الإعداد.
كما جاء في لفظ الآية «من قوة» فهي نكرة في سياق الإثبات، فتقيد العموم لتشمل كل قوة نافعة في الجهاد في سبيل الله وإرهاب أعدائه. ومن ذلك القوة العسكرية بكل صورها المعاصرة، والقوة السياسية، وقوة الرأي (?) ، والقوة الإعلامية، والتعليمية، والاقتصادية، والتقنية، وغيرها.
وفي الأية إشارة ـ والله أعلم ـ إلى أن المكانة بين الدول، وهيبة الجانب، واعتبار الرأي في المؤتمرات الدولية؛ لا يكون إلا إذا استندت الدولة الإسلامية إلى القوة في بنائها بكل صورها السابقة كما يفيد ترتيب الآية: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ} وتفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- للقوة بأنها الرمي ثلاثاً كما رواه مسلم (?) معناه: (أكمل أفراد القوة آلة الرمي في ذلك العصر، وليس المراد حصر القوة في آلة الرمي) (?) .
ولما كان هذا الإعداد للقوة يستلزم بذل الجهد والوقت والمال، وبذل المجهود البدنية والعقلية والنفسية وغيرها، وكانت النفوس بطبعها شحيحة مؤثرة لهواها ومصالحها الشخصية ذكّرهم الله بقوله في آخر الآية: {ومَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ} فكل شيء محفوظ وإن صغر ودق، وقوله (شيء) نكرة في سياق الإثبات فتفيد العموم لتشمل كل شيء مالاً كان او وقتاً أو علماً.. صغيراً كان أو كبيراً. نسأل الله أن يجعلنا من أنصار دينه.
ومع بذل المسلم لهذه الأسباب يجب أن يتعلق قلبه بالله تعالى؛ فالأمور بيده يصرِّفها كيف يشاء {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10] . {إن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
[آل عمران: 160] .
إن الاسباب مهما بلغت مكانتها تبقى في دائرة الأسباب فلا يتعلق القلب بها، بل يتعلق بالله ـ تعالى ـ الذي له ملك السموات والأرض، ولقد أكد الله على هذه الحقيقة عند ذكره لإمداد المسلمين في غزوة بدر بالملائكة: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9 - 10] . فالملائكة ما هم إلا سبب، ويجب ألا تتعلق القلوب بهم، بل تتعلق بالناصر الحقيقي وهو الله تعالى. ولعل هذا من حكم مشروعية ذكر الله عند ملاقاة العدو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] .
ولما ركن المسلمون الى بعض الأسباب المادية في غزوة حنين فأعجبوا بكثرتهم خذلهم الله، فلم تغن عنهم كثرتهم شيئاً، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثم ولوا مدبرين حتى تداركهم الله برحمة منه {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}
[التوبة: 26] .
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم اجعلنا ممن نصرك فنصرته، اللهم مكّن لعبادك المؤمنين في الأرض يا قوي يا عزيز!