ملفات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد:
فإن الدفاع عن النفس والعرض غريزة جبل الله عليها الإنسان؛ والصراع بين
الحق والباطل سُنَّة من سنن الله في الحياة في كل أمة وجيل، وحتى يتم ذلك وفقاً
للصواب جاء تشريع الجهاد في سبيل الله بشروطه ومتطلباته في الوحيين مما لا
يتسع المقام لعرضه؛ وذلك نشراً للدعوة ورداً للعدوان ودفاعاً عن النفوس،
ولأهمية هذا جاء تشريعه متأخراً (بعد الهجرة) حتى تتربى النفوس وتتأصل
الفضائل وعلى رأسها الصبر، وحتى يتم احتمال المكاره في جنب الله؛ فالجهاد
شعيرة إسلامية باقية حتى قيام الساعة؛ ولذا جاء الأمر الإلهي بالإعداد والاستعداد
بقول الله تعالى: [وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ] (الأنفال: 60) .
وأمتنا الإسلامية وهي تمر بهذه الظروف الحرجة التي تعاني فيها من الفرقة
والتشرذم والانكسارات هي أحوج ما تكون للتذكير بفضل هذه الفريضة التي لم تغب
عن أذهان المسلمين مهما كانت ظروفهم؛ وللتذكيرِ بأن أمة تثأر لدينها وتستبسل
للدفاع عن أرضها وعرضها مستحضرة نية الجهاد في سبيل الله هي أمة لن تموت
ولن تذوب ولن تُستَأصَل هويتها مهما كانت قوة العدو الغاشم، ثم بيانِ أن الجهاد في
سبيل الله ليس دعوى بلا دليل أو نصرة غير منضبطة أو توجهاً تحكمه الأهواء
والنزغات، بل هو شرعة إلهية لها ضوابطها وأسسها المعروفة. ثم إن الهجمة
الغربية على أمتنا وما تعانيه من تدخل في شؤونها واحتلال لبلدانها ومقدراتها يحتاج
إلى وقفة جادة لكشف حقيقة تلك الحملات الصليبية ومن يقفون وراءها ومن يعملون
في ركابها والذين تبين للجميع أن ما جاؤوا به بدعاوى التحرير أصبح احتلالاً تسام
معه شعوبهم سوء العذاب؛ فإلى الله المشتكى.
ومن هنا جاءت قضية هذا الملف لكشف جوانب من الأعمال البطولية لمقاومة
المعتدين التي حث عليها الدين وأيدتها النظم والقوانين الدولية. والتعريف بجهودهم
في فلسطين والعراق، وإيضاح خلفيات مشاريع الهيمنة الغربية على المنطقة مع
حوارات مع بعض الفعاليات الجهادية المعروفة ووقفات مع بعض المحاضن
الجهادية التي أبلت بلاءاً حسناً في مقاومة المعتدين وتأديبهم.
ونحسب أن هذا الجهد الذي شارك فيه نفر من الكتاب المعروفين هو أقل جهد
تستحقه المقاومة الجهادية وأبطالها بالتعريف بهم وبجهودهم وبمعاناتهم وما لاقوه في
ذات الله؛ فقد رفعوا رؤوسنا في زمن الانكسار؛ والعزاء أن تضحياتهم بالنفس
والنفيس هو إحياء لشعيرة الجهاد، ونحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً
في تضحياتهم شهداء في سبيل الله كما وعدهم الصادق المصدوق صلى الله عليه
وسلم: «من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد ومن قُتِلَ دون دينه فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون
دمه فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون أهله فهو شهيد» (رواه الترمذي، 4/30) . والله
من وراء القصد.