الافتتاحية
رسالة مفتوحة للدعاة في السودان..
«أما آن الأوان لوحدة الكلمة..؟!»
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.. وبعد:
فإنَّ السودان يمر بمرحلةٍ غاية في الحساسية والحرج، فقد أجلبت الولايات
المتحدة الأمريكية بكل طاقاتها لممارسة أقسى الضغوط لاختراق السودان، وإملاء
كل الشروط عليه لإسقاطه في الحظيرة الأمريكية.
واستثمرت أمريكا طائفتين من المجتمع لتحقيق مشروعها التغريبي في
السودان:
الطائفة الأولى: مجموعة الأحزاب العلمانية التي تصطاد عادة في الماء العكر،
وتستغل الحملة الأمريكية لتحقيق مآربها المنحرفة، فَهُم طلائع التغريب، وحُداته
لاختراق المنطقة، ويده الملوثة التي يعبث بها، ويستخدمها لزعزعة الاستقرار.
الطائفة الثانية: مجموعة الميلشيات الجنوبية التي صنعها الغربيون لتهديد أمن
السودان منذ عهد الاستعمار، وأخذوا يغذونهم بالمال، ويدعمونهم بالسلاح،
ويؤزونهم على المسلمين أزّاً؛ لاستنزاف الاقتصاد السوداني، وتشتيت قدراته.
وها هو ذا السودان يشهد أخيراً مستنقعاً جديداً من الكيد في غرب السودان في
دارفور وما حولها، وتتواطأ الدول أيضاً على تغذيته وتصعيده، وتضرب المسلمين
بعضهم ببعض لتزيد جراحهم وآلامهم..!
وقد تمخضت هذه الضغوط عن واقعٍ غاية في التعقيد، أنتم أعرف بتفاصيله
وتداعياته، لكننا نلحظ بجلاء تواطؤ الدول النصرانية، والأحزاب العلمانية،
والإرساليات الكنسية، والميلشيات النصرانية والوثنية، لمسخ الهوية الإسلامية،
وتجريد السودان من خصوصيته العقدية والثقافية. وبمقدار ما يكون التنازل تزداد
الضغوط، ويرتفع سقف المطالب، وصَدَقَ المولى جل وعلا: [وَلَن تَرْضَى عَنكَ
اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم] (البقرة: 120) .
إزاء هذا الواقع المحزن يلتفت المشفقون على السودان ذات اليمين وذات
الشمال؛ يبحثون في داخله عن دور التجمعات الإسلامية والمنظمات الدعوية،
ويفتشون عن حضور أهل العلم والدعوة في الأحداث الأخيرة، فيألمون أشد الألم
من ذلك الغياب المذهل..!
إننا نلمس جهوداً مشكورة محمودة على المستوى الجماعي والفردي، ونرى
أفذاذاً من الدعاة والمصلحين يبذلون الغالي والنفيس في بذل المعروف، ونشر الخير،
وإنكار المنكر.. لكن هل التجمعات الإسلامية بمختلف فصائلها ودعاتها قادرة
على مواجهة المشروع الأمريكي في المنطقة، وإحباط تطلعاته..؟!
هل يستطيع العلماء مواجهة التيارات العلمانية، وهل لديهم القدرة على تأهيل
طلبة العلم والمفكرين القادرين على درء شبهات القوم وكشف زيوفهم..؟!
هل تملك التجمعات الإسلامية رؤية علمية وعملية لمواجهة الزحف
التنصيري..؟!
هل أعد المصلحون خطة دعوية لمرحلة ما بعد السلام..؟! وهل العلماء
والدعاة على مستوى التحدي الذي يحيط بالسودان من كل مكان..؟!
نحسب أن الجميع يتفق معنا على أنها دون ذلك بكثير، على الرغم من
الأعمال المباركة التي نرى آثارها هنا وهناك، والشاعر العربي يقول:
ولَمْ أَرَ في عيوب النَّاس عيباً ... كنقص القادرين على التمام
والمتابع للمشهد الدعوي في السودان لا يخطئه على الإطلاق النظر إلى
الشرخ الغائر الذي يزداد تجذراً وعمقاً في المحاضن الدعوية، ولا يعجزه إدراك
حجم الفُرقة والتشتت الذي يفري في صفوف الدعاة فرياً..!
تعددت الفصائل والتجمعات الإسلامية، وتمزَّق الفصيل الواحد إلى فصيلين
أو أكثر، وكثر التهارش والتحاسد، والقيل والقال، وتجاوز ثلبُ الصالحين الحد،
وطفح في كثير من القواعد الدعوية، وأصبحت اللغة الحزبية الضيقة هي اللغة
السائدة عند بعض الناس، وارتفعت حمّى التصنيف عند بعض الشباب التي تؤدي
إلى الازدراء والتنقيص وشحن النفوس. وإذا كان الإمام مالك بن أنس يقول: «ما
في زماننا شيء أقلّ من الإنصاف» [1] ، فماذا نقول نحن في زماننا..؟!
والله! إن القلب ليتقطع ألماً وحزناً على طاقات الشباب المهدرة في تلك
الصوارف التي تُذهب حلاوة الدعوة، وتُفسد على المرء دينه. قال الفضيل بن
عياض: «تكلمتَ فيما لا يعنيك فشغلك عمّا يعنيك، ولو شغلك ما يعنيك تركتَ ما
لا يعنيك» [2] .
وأخشى ما نخشاه أن يؤدي ذهاب الشيوخ - أمدَّ الله في أعمارهم - على
طاعته إلى مزيد من الشتات والتنابذ، نسأل الله العافية..!!
نعلم يقيناً أنَّ هناك اختلافات منهجية وجوهرية، ولا نطالب بتجاهلها وغضِّ
الطرف عنها، لكننا نؤكد ضرورة تقديرها بقدرها الصحيح، دون تهويل أو تهوين،
كما نؤكد ضرورة دراستها بتجرد وموضوعية، وإبراز القواعد الشرعية التي
تدرأ النزاع، وتجمع الصفوف، وتؤلف القلوب، قال ابن تيمية: «متى ترك
الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا
وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب» [3] .
ومع علمنا بتلك الاختلافات المنهجية؛ إلا أننا نرى أحياناً أن حدوث بعض
الاختلافات قد يُفسر بتكلف واضح على أنها خلافات منهجية أو جوهرية، مع أنها
في الحقيقة ليست كذلك؛ بل بعضها خلافات اجتهادية يسوغ فيها الاختلاف، ويُعذر
فيها المجتهد المخطئ، وبعضها خلافات شخصية أو حزبية تلبس لبوس الخلافات
المنهجية. وقد أشار علماؤنا إلى أن أكثر الاختلاف الحاصل في هذه الأمة إنما هو
من البغي، نسأل الله العافية [4] ..!
وأحسب أننا لسنا في حاجة إلى التذكير بالنصوص الشرعية المتواترة التي
تدعو إلى الاعتصام بحبل الله المتين، ونبذ الفرقة والاختلاف؛ لأنها لا تخفى على
طلبة العلم المبتدئين، فضلاً عن العلماء والدعاة الراسخين، وما جلسنا في مجلس،
أو تذاكرنا مع أحد؛ إلا اتفق الجميع عليها، لكن! المشلكة المزمنة هي في تنزيل
تلك النصوص إلى ممارسة عملية جادة، يُطامن فيها المرء من كبريائه، ويتجرد
فيها من حظوظه، ويلين مع إخوانه، مهتدياً بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«تطاوعَا ولا تختلفَا» [5] ، ويجعل النص الشرعي حكماً يستسلم لحدوده، ولن
يتحقق ذلك إلا بالتربية الربانية التي أساسها: ابتغاء وجه الله تعالى في السرِّ والعلن،
وحفظه في القول والعمل، وعمودها: العزيمة في الرشد، والقوة في الحق. وما
أجمل قول الإمام ابن القيم: «عادتنا في مسائل الدين كلها، دقها وجلها، أن نقول
بموجبها، ولا نضرب بعضها ببعض، ولا نتعصب لطائفة على طائفة، بل نوافق
كل طائفة على ما معها من الحق، ونخالفها فيما معها من خلاف الحق، لا نستثني
من ذلك طائفة ولا مقالة، ونرجو من الله أن نحيا على ذلك ونموت عليه، ونلقى
الله به، ولا قوة إلا بالله» [6] .
نعم.. نرى أن الفرقة بلغت حداً غير مقبول شرعاً ولا عقلاً، والتنازع مهما
كان صغيراً فهو من أبواب ضعف الأمة، فكيف إذا كان هذا التنازع كبيراً؟! وكنا
نظن أن الفتن والتحديات ربما توحِّد الصالحين، وتجعلهم صفاً واحداً أمام أعدائهم،
لكننا فوجئنا بعكس ذلك في مواقف عديدة لا تخفى عليكم.
إنَّ ضعف الأمة، وذهاب ريحها، وهوانها على الناس؛ إنما يكون بتنازعها
وشقاقها، قال الله تعالى: [وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ
مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال: 46) ، وهلاك مَنْ هلك ممن كان قبلنا إنما كان بسبب
اختلافهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تختلفوا؛ فإن مَنْ كان قبلكم
اختلفوا فهلكوا» [7] .
وصدق الأستاذ العقاد عندما قال: «كثيراً ما يكون الباطل أهلاً للهزيمة،
ولكنه لا يجد مَنْ هو أهل للانتصار عليه» [8] !!
لا تقل لنا - أيها الموفق - إنك تُقبل على إخوانك، ولكنهم يعرضون عنك،
وإنك تحسن إليهم، ويسيئون إليك؛ لأنَّ مَنْ أراد الآخرة وسعى لها سعيها احتسب
ذلك عند الله.. [يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ]
(الشعراء: 88-89) . والرائد في أهله لا بد أن يُروِّض نفسه على الصبر،
والإقبال على الناس حتى لو أعرضوا عنه، أو جهلوا عليه، وهذا من أعظم
المجاهدات المأمور بها، وها هنا يتميَّز الربانيون، أصحاب المبادئ النقية، الذين
ينحتون في الصخر بكل جَلَد وأناة، لبناء مناخ صحي يجمع ولا يفرِّق، يؤلِّف ولا
يشتت، يؤسس ولا يهدم.
ومَنْ استوحش المضي في هذا السبيل بسبب قلَّة الناصر أو المعين، أو
استثقل مطارق الأذى؛ فليس له في الريادة نصيب، قال الله عز وجل: [وَجَعَلْنَا
مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ] (السجدة: 24) . وقال
الله عز وجل: [وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو
حَظٍّ عَظِيمٍ] (فصلت: 34-35) ، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في
تفسير هذه الآية: «ادفع بحلمك جهل مَنْ يجهل عليك» [9] . وعنه أيضاً: «هو
الرجل يسبُّ الرجل، فيقول الآخر: إنْ كنتَ صادقاً فغفر الله لي، وإنْ كنتَ كاذباً
فغفر الله لك» [10] .
* أيها العلماء والدعاة:
دعونا نتحدث بمكاشفة ووضوح، فالمقام مقام مناصحة. ولنقدم حسن الظن
سلفاً قبل أن يقذف الشيطان في قلوب بعض الناس بأن المعنى من هذا الكلام أو ذاك
الداعية الفلاني أو الجماعة الفلانية.
أيرضيكم أن تُكْتَسَحَ الخرطوم بالكنائس وأنشطة التنصير.. وبعض طلابكم لا
يزال يلوك خلافات حزبية، يبدأ بها ويعيد، وغاب عنهم قول النبي صلى الله عليه
وسلم: «ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» [11] ..؟!
أيسركم - بالله عليكم -! رؤية ذلك الطوفان الجارف من التغريب والإفساد
والتحلل الأخلاقي، وبعض طلابكم غفل عن ذلك، وسَلَّ لسانه للوقوع في أعراض
إخوانه، وتسفيه أعمالهم وإنجازاتهم..؟! أين أنتم من تكالب الأمم عليكم،
وتواطئهم على حربكم..؟!
يا الله! .. من يُبصِّر العوام والبسطاء بخطورة الشرك والتمسح بالمزارات
والأضرحة..؟!
مَنْ لتلك الصحف التي أسرفت في جرأتها، وراحت تهزأ بثوابت الأمة بأسفِّ
العبارات وأرخصها..؟!
مَنْ لأولئك الفتيان والفتيات المتشوقين لمن يربيهم ويرعاهم رعاية كريمة..؟!
مَنْ ذا الذي يطمئن منكم وهو يرى أن خروق السفينة تزداد تصدُّعاً يوماً بعد
يوم، وأواصر الأخوُّة تتآكل شيئاً فشيئاً.
إننا لا ندعوكم إلى ترك جمعياتكم وجماعاتكم، ولكن نطالبكم بأن تتقوا الله
تعالى في طلابكم.. أن تتقوا الله في المسلمين.. وتستشعروا ضرورة التلاحم،
وتنسيق الجهود.
لقد تربَّى بعض أبنائنا على ترديد الشعارات الحزبية، وأصبحت تلك
الشعارات من معاقد الولاء والبراء، وهذه آفة خطرة تصيب الأمة في مَقَاتِلها، ولا
تبني إلا جموعاً هزيلة هشَّة لا تفقه دينها، تجيد بكل إتقان فنَّ المحاكاة والتقليد،
ولا تقوى على العطاء والعمل ومدافعة المبطلين..!
نسألكم بالله العلي العظيم! أما آن الوقت بعدُ لرسم خطة شاملة بعيدة المدى
لاستنقاذ الأمة من براثن التجهيل والتغريب، وحمايتها من مستنقعات الرذيلة
والأمركة..؟!
أما آن الأوان لاستنهاض الهمم كافة، وتوظيف شتى الطاقات لتربية الأمة
على منابعها الكريمة وأصولها الشريفة التي لم تكدّرها شوائب البدعة وأهواء
الضلالة..؟!
أما آن الأوان لسلِّ سخيمة النفوس، وإعادة ترتيب الجموع، والوقوف صفاً
واحداً متماسكاً، مَنْ كان في الساقة كان في الساقة، ومَنْ كان في الحراسة كان في
الحراسة..؟!
إنَّ الأمر جدُّ خطير، وليس الوقت وقتَ تحقيق لمكاسب حزبية أو شخصية،
وليس وقت تطلعات أو طموحات مصلحية، وليس وقت علو للفصيل الفلاني، أو
خسارة للفصيل الآخر [12] .
إن الداعية الصادق هُمه نصرة الإسلام سواء كان ذلك على يده أو على يد
غيره. ويفرحه ولا يحزنه أن أخاه قد حقق مكاسب دعوية وحضوراً في الساحة؛
لأنه يعلم أن مردّ ذلك سيعود في نهاية الأمر لخدمة الدين وإعزاز أهله.
إنَّ المرحلة التي يمر بها السودان هي مرحلة أخطر من ذلك وأعمق أثراً،
إنها مرحلة (إسلام أو لا إسلام) .. إي والله!!
وإنَّ النجاح الحقيقي الذي تشرئب له الأعناق، وتتطلع له النفوس الشريفة؛
هو ذلك النجاح الذي يجعل راية الدين الحق عزيزة كريمة على يد أي مسلم كائناً
من كان، وتأمَّلوا قول الإمام الشافعي: «ما كلمتُ أحداً قط إلا أحببتُ أن يوفَّق
ويُسدَّد ويُعان، وما كلمتُ أحداً قط إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه»
[13] .
إننا على يقين جازم أن هناك عدداً كبيراً من إخواننا الدعاة والعلماء قد ملّ
الفرقة والشتات، ونفسه تتوق إلى التئام الصف وجمع الكلمة والتعاون مع بقية
إخوانه الدعاة؛ ولكن ربما يمنعه من ذلك الضغط الذي يلقاه من بعض طلابه ومن
حوله؛ حتى إنه ربما بدتْ منه بعض المواقف التي ليست من محض قناعاته!! إنما
دفعه إليها المجاملة وخوف الانتقاد من الوسط الذي يعيش فيه!! ولكن ليعلم أولئك
جيداً أن الله تعالى سائلهم عن ذلك، ولن يغني عنهم أحد من الله شيئاً. ومن
استجلب رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
لقد أسعدنا كثيراً وجود قيادات علمية ودعوية كريمة في السودان، علت على
حظوظها، وبذلت نفوسها بكل صدق وورع لخدمة الدين، وتصدَّرت للذبِّ عن
حياض الأمة، كما أسعدنا رؤية مبادرات عديدة لجمع الكلمة وتوحيد الصف.. لكننا
نتطلع إلى المزيد والمزيد؛ فلدينا يقين راسخ بأن هذا العصر هو عصر الأقوياء،
ولا مكان فيه للضعفاء والمتفرقين.
أتحنو عليك قلوب الورى ... إذا دمع عينيك يوماً جرَا؟!
وهل ترحم الحمَلَ المستضامَ ... ذئابُ الفَلا وأُسود الشّرَا؟!
ولا تتعلل ببغي البغاةِ ... وكُنْ كاسراً قبل أن تُكسرَا
ونحسب أن ضعف أمتنا ليس بسبب قلة أعدادها، أو ضعف طاقاتها المادية،
ولكن بسبب الغثائية التي أنهكتها، وأصبحت تخدعها عند الأزمات؛ ولذا فإن من
أولى الأولويات في المرحلة القادمة العناية بالتربية الجادة وإعداد الرجال الربانيين
إعداداً شاملاً ومتوازناً، فهذه هي مهمة الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى: [هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَة]
(الجمعة: 2) ، وإذا لم يتصدر لذلك العلماء والدعاة فمَنْ يتصدر له..؟!
* ختاماً..
يعلم الله الذي لا إله إلا هو أننا ما أردنا بهذه الرسالة التعالي عليكم، أو
الظهور بمظهر المشيخة أو الأستاذية، معاذ الله! ومثلكم يُحسن الظن، ويلتمس
العذر، وإنما أردنا إخلاص النصيحة لكم، تحقيقاً لقول الله جل وعلا: [وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] (وَالعصر: 3) ، وزادنا إقبالاً على ذلك ما رأيناه منكم
من طيب المعشر، ودماثة الخلق، ولين الجانب، نحسبكم كذلك والله حسيبكم.
وما أوصيناكم به نحن أحوج منكم إليه، ففينا من الخلل والقصور ما الله به
عليم، فنسأل الله أن يغفر لنا ولكم، وأن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يجعلكم
مفاتيح للخير، مغاليق للشر، مباركين أينما كنتم.
وصلى الله على محمد وآله وسلم.