مجله البيان (صفحة 4561)

بدأت الملحمة.. فماذا عن (إسرائيل الكبرى) ؟

المسلمون والعالم

بدأت الملحمة..

فماذا عن (إسرائيل الكبرى) ؟

هكذا تحكم الرؤية التوراتية الحرب مع العراق

أمير سعيد

amirsaid@hotmail.com

نعم! مؤرخنا العظيم ابن الأثير.. أنت تملك ما لا نملك معشاره؛ من صدق

الشعور، ورقة القلب، وحرارة الانفعال؛ حين خططت بيراع الألم مأساة الهجوم

التتري الوحشي ومجازره: «لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة

استعظاماً لها كارهاً لذكرها، فأنا أُقَدّم إليه رجلاً وأؤخر أخرى؛ فمن الذي يسهل

عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟! ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟! فيا ليت

أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ... ثم رأيت أن ترك ذلك

لا يجدي نفعاً» ، وهو كذلك لا يجدي نفعاً؛ فتشخيص الداء خير من التعامي عنه،

غير أنها المرارة تغص بها الحلوق، والمآقي تفيض منها الدموع، والقلوب

يعتصرها الألم.

التاريخ إذن يعيد نفسه؛ الجثث المتناثرة هي الجثث، الهجمة البربرية التترية

هي أيضاً القصف السجادي «الذكي» .

* الصور جد متشابهة في بشاعتها:

ربما كان التدمير الذي يكابده العراق اليوم مقارباً للتدمير الذي أحدثته الهجمة

البربرية التترية قبل ثمانية قرون؛ من حيث بشاعته لا من حيث دوافعه وخلفياته؛

إذ إن هذه الدوافع ترتكن إلى حيثيات إيديولوجية عميقة الجذور، وتقفز فوق كل

أطماع اقتصادية نفطية، ورؤى استراتيجية تتناول ضرورة تدمير أسلحة الدمار

الشامل المفترض حيازة العراق لها؛ إلى تحقيق الحلم (الديني) للكيان الصهيوني؛

بإنشاء ما يُسَمَّى بـ (دولة إسرائيل الكبرى) أو (مملكة الرب) ، أو على الأقل

اجتياز إحدى المحطات بسبيل تحقيقها، وهو ما لم يكن يمثل حافزاً للتتر على غزو

ديار الإسلام من جهة الحيثيات الإيديولوجية [1] .

قبل أقل من شهر، تحديداً في 11/2/2003م، نشرت أسبوعية نيوزويك

تحقيقاً استحوذ على غلافها بعنوان (بوش والرب) !! تناول الخلفية الدينية لزعيم

حملة اليمين الأمريكي على العراق، وجددت ما تردد عن محافظة الرئيس الأمريكي

على الاستيقاظ قبل انبلاج الفجر، ومطالعته كتاب عظات إنجيلية قصيرة بعنوان

(أعظم ما يمكنني لعظم العظماء) ، لـ (أوزوالد تشيمبرز) ، وهو قس بروتستانتي

وافاه الأجل في مصر وهو يقوم بدعوته بين الجنود الاستراليين والنيوزيلنديين،

والذين كانوا في مصر في عام 1917م قبل شهور من قيامهم بانتزاع القدس من

أيدي المسلمين العثمانيين.

«إن على أمريكا أن ترى أنها تواجه الشر المتجسد في صورة صدام

حسين.... إن كان للمرء أن يرتاح ضميره؛ فأنا مرتاح الضمير بهذا الشأن» ،

مقولة بوش التي نقلتها نيوزويك تدفعنا إلى التساؤل: كيف يرتاح ضميرك يا بوش

وأنت تقتل وتحرض وتعربد؟! الإجابة سهلة جداً ... بوش لا ينظر لنفسه إلا على

كونه «متديناً» ينفذ تعاليم الرب، ومن ثم فهو لا يرى نفسه هولاكو جديداً؛

وإنما مؤمناً مخلصاً لمعتقداته (الرئيس الأمريكي ضاعف عدد ساعات عمله اليومية

وفاء لمخطط نظامه) .. ولكي يتضح الأمر أكثر نعود سنوات إلى الوراء.. أسرة

بوش انتقلت في عام 1948م من ولاية كناتيكت إلى مناطق النفط بولاية

تكساس (للمفارقة هو العام الذي أُعلنت فيه الدولة اللقيطة في فلسطين) ، وهناك

انضمت العائلة إلى الكنيسة المشيخية (من أكثر الكنائس التصاقاً بيهود) ، وقد

انتظم بوش الثاني في شبابه في مجموعة غير طائفية لدراسة (الكتاب المقدس) ،

وتدرب على الجانب التطبيقي لما يقرأه بنهم (أسلوب التعاطي المباشر مع

العهدين القديم والحديث؛ من دون أي تدخل من قِبَل القساوسة هو نمط بروتستانتي

أصولي؛ يسمح بمزيد من الإملاء اليهودي على معتنقي هذا المذهب) .

أصولية بوش الثاني جعلته يتجرأ على زيارة جامعة بوب جونز في ساوث

كارولينا، وهي الجامعة المعروفة بأصوليتها المتطرفة، وبمعاداتها الرسمية للكنيسة

الكاثوليكية أثناء حملته الانتخابية.

«بوسع ملاك أن يركب الزوبعة (أداة تسمع صوت الرب!!) ، وأن يوجه

هذه العاصفة» (21/1/2001م) [2] .

«الحرية التي تناضل من أجلها ليست هدية أمريكا إلى العالم، بل هي هدية

الرب إلى البشرية» (29/1/2003م) .

«نحن في صراع بين الخير والشر، وستسمي أمريكا الشر باسمه» (1/6/

2002م) [3] .

كلمات بوش السابقة، ومثلها طلبه من رامسفيلد خلال الشهر الماضي في

سهرة «بيضاوية» خاصة؛ تلاوة صلاة شكر: «هل بوسعكم مساعدتنا على ذلك

يا معالي الوزير!» ، وتربيته الكنسية؛ كلها تؤكد أصولية بوش.

هذا واضح تماماً، لكن تُرى هل ينفرد بوش الثاني في أصوليته من دون

دائرة حكمه وأسلافه؟

الأمر حينئذ يكون هيناً؛ بيد أن الحقيقة ليست كذلك ألبتة، فذات يوم وجه

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق رونالد ريجان كلامه لسياسي صهيوني

قائلاً: «إنني أعود إلى نبوءاتكم القديمة في التوراة؛ حيث تخبرني الإشارات بأن

المعركة بين الخير والشر (ستقع) .. قد لاحظت هذه النبوءات مؤخراً، ولكن

صدِّقني! إنها تصف الأوقات التي نجتازها الآن» .

وحين كشف بوش الأول عما يضمره في نفسه للعراق وأهله إبان حرب

الخليج الثانية: «سأعيد العراق إلى العصر الحجري» ؛ فإنه استند فيما قال إلى

خلفية توراتية سنعرض لها لاحقاً.

كانت إدارات الولايات المتحدة يهيمن عليها دائماً العنصر البروتستانتي، لكنها

هذه المرة تختلف كثيراً، فالإدارة الحالية لم تترك لنا مجالاً للبحث عن أيٍّ من

عناصر هذه الإدارة ليس أصولياً صهيونياً، إذا أردت أن تبحث ستجهد وسترجع

إلينا بقائمة خالية.. أرح نفسك، ستجد زوجة رئيس الموظفين أندرو كارد راهبة

في الكنيسة المنهجية، سترى والد مستشارة الأمن القومي «كونداليزا رايس»

مبشراً أصولياً صهيونياً في آلاباما.. ستجد رامسفيلد «واعظاً» في اجتماعات

المكتب البيضاوي، ستجد «ريتشارد بيرل» الذي خدم من قبل في إدارة ريجان

لمدة 7 سنوات، واستقال إثر فضيحة «بولارد» حين دارت الشبهات حول

تسربيه معلومات خطيرة للكيان الصهيوني.. ستجده كما تظن وفياً لأصوليته

الصهيونية..

سيقرع «بول ولفوفيتز» أذنك وهو يصرخ: «الوقت قد حان لتغيير

موازيين القوى في منطقة الشرق الأوسط ... لأن شعوب العالم العربي إذا لم تكن

قادرة على تغيير الحكومات المستبدة في المنطقة؛ فإن الولايات المتحدة التزاماً

بمهمتها» الرسالية «ستقوم بذلك نيابة عنهم» .

ليس فلتة اصطباغ الإدارة الأمريكية ووجوه المجتمع الأمريكي بالصبغة

الأصولية اليمينية؛ بل هي ثمرة جهد حثيث بذله اليهود منذ أكثر من ثلاثة قرون؛

حين قادهم خبثهم إلى زرع اليهودي ألمستتر مارتن لوثر في قلب ألمانيا لـ «يبشر»

بضرورة العودة إلى الأصول مباشرة دون وسطاء كنسيين؛ ليفسح المجال

لاختراق يهودي شامل على خلفية مرجعية الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل معاً) ،

بل التوراة بالأساس (العهد القديم) هي المرجع الأعلى لدى البروتستانت، وهكذا

قامت البروتستانتية، وانتشرت حتى صارت تشكل تحالفاً أنجلوساكسونياً يضم

(الولايات المتحدة - كندا - بريطانيا - أستراليا - نيوزيلندا) ، وحتى صار لأهلها

الغلبة في الدولة العظمى، فهم يسيطرون على مفردات القوة الأمريكية: عسكرية

واقتصادية وسياسية، ومن ورائهم أكثر من 150 مليون بروتستانتي أمريكي

يدعمونهم بكل قوة، تتلاقى مصالحهم مع مصالح الصهيونية اليهودية في ضرورة

إقامة «مملكة الرب» .

هل من سر وراء تولي كبر العدوان على العراق دولتين هما الولايات المتحدة

وبريطانيا؛ إضافة على الكيان الصهيوني السرطاني؟ الأمر ليس سراً، فحتى غير

المهتمين بالشؤون السياسية يمكنهم أن يلحظوا مئات من الأفلام والروايات الأمريكية

الصادرة منذ إعلان استقلال «الدولة» اللقيطة وحتى اليوم، والتي تصور بابل

[4] على أنها «مدينة الشيطان» ، وعشتار «إله الشر» الذي تتماهى تسميته مع

تسمية «محور الشر» التي أطلقها بوش الثاني، فأمريكا البروتستانتية،

وبريطانيا الدولة الأم «بريطانيا بلفور» ، والكيان الصهيوني، كل أولئك معنى

واحد تجسده هوليود يهود، كما يجسده الكونجرس ومجلس العموم. ويمكنهم أن

يتحولوا من قناة تليفزيونية إلى أخرى، ومن محطة إذاعية إلى أخرى ليفجأهم

الشكل نفسه والصوت نفسه للقس البروتستانتي الأمريكي «جيري فالويل» ليشدد

بكل وضوح: «لا أعتقد أن بوسع أمريكا أن تدير ظهرها لشعب إسرائيل وتبقى

في عالم الوجود، والرب يتعامل مع الشعوب بقدر ما تتعامل هذه الشعوب مع

اليهود» [5] .

* «مملكة الرب» إرادة بروتستانتية صهيونية:

ثمة رأيان يستقطبان المحللين بشأن مسألة «مملكة الرب» أو «دولة

إسرائيل الكبرى» ؛ هل نسيت الصهيونية هذا الحلم، أو ما تزال تحفره في

ذاكرتها، وتظل مستمسكة بتنفيذه بوصفه عقيدة لا مناص من التسليم لها؟

الأول: رأى أصحابه أن الانتفاضة الفلسطينية العظيمة قد نجحت إضافة إلى

عوامل أخرى نشير إليها لاحقاً في حرف اليهود عن التطلع إلى هذا الحلم؛ بوصفه

وهماً لا أثر له الآن إلا في عقول صهيونية متعفنة؛ تجاوزها التاريخ والجغرافيا

والسياسة، ففي ديسمبر 2001م صرح «أريح ناعور» أمين عام في حكومة

بيجين السابقة: «إن على الإسرائيليين نسيان حلم إسرائيل الكبرى ... إيديولوجية

(إسرائيل الكبرى) لم يعد يدافع عنها إلا المستوطنون المتدينون» . ويستبعد

حسين عطوى الخبير في الشؤون الصهيونية شن الكيان الصهيوني لحرب توسعية

الآن للخروج من مأزقها الاقتصادي الحالي كما كانت تفعل في السابق «فالحروب

التوسعية لم تعد ممكنة بعد هزيمة الكيان الصهيوني في لبنان، ونشوء توازن رعب

بين لبنان - سوريا من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، فيما هي اليوم تواجه

استنزافاً حقيقياً من الداخل لأول مرة منذ نشأتها بفعل الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية

المستمرة منذ أكثر من سنتين ونصف؛ الأمر الذي يشل قدرتها ويُصَعِّب عليها

الدخول في حرب ثانية على جبهة أخرى، وهي التي تتردد في اقتحام غزة (ربما

يعني بالكامل، وإلا فالاقتحامات الجزئية مستمرة حتى كتابة هذه السطور) ؛ خوفاً

من الخسائر الكبيرة التي ستتكبدها» ، ولكن لا يُستبعد محاولة القيام بعملية تهجير

أكبر عدد من الفلسطينيين إلى الأردن تحت غطاء الحرب [6] .

وأصحاب هذا الرأي يستندون إلى رؤية رئيس وزراء الكيان الصهيوني

الأسبق شيمعون بيريز، والذي حاول الترويج لفكرة السيطرة الاقتصادية الصهيونية

على الشرق الأوسط بديلاً عن احتلاله، والتي جرى تنفيذ أجزاء منها حتى الآن.

الثاني: رأى أصحابه أن تدمير العراق الآن يُعَدُّ إيذاناً بإنشاء كيان «مملكة

الرب» استناداً إلى كثير من المعطيات:

1 - الكيان الصهيوني منذ نشأته لم يرد أن يضع حدوداً ثابتة لدولته

المزعومة، وبن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي يرى «حدوداً مرنة»

لـ «إسرائيل» ؛ إذ إن حدود كيانها عنده تفرضها حاجتها الوقتية والمناخ

السياسي الذي قد يسمح أو لا يسمح لها بذلك (وهو الآن يسمح بالتأكيد) .

بن جوريون نفسه لما التقى سراً قُبيل حرب السويس 1956م رئيس وزراء فرنسا

«سيفرس» ؛ قدم له ورقته لـ «تغيير خريطة الشرق الأوسط» (يلاحظ أنها

العبارة نفسها التي يستخدمها رؤوس النظام الأمريكي اليوم) ، والتي تتضمن اجتياحاً

لمعظم أراضي ما يسمى بـ (إسرائيل الكبرى) ، وعقد اتفاق سلام مع العراق

«الملكي» على اقتسام الأردن! (يلاحظ أن إعادة الملكية إلى العراق ظلت أحد

خيارات القوم) .

2 - حكام الكيان الصهيوني الآن من اليمينيين يؤمنون تماماً بالسياسة

التوسعية، وبـ (إسرائيل الكبرى) ، وفي مقدمة «المؤمنين» الراديكاليين يقف

حزب ليكود، وتحيا، وكاخ، وتوسميت.

وفي 15/11/1998م ألقى شارون خطبة أذاعها راديو «إسرائيل» ،

خاطب فيها المستوطنين واليمينيين قائلاً: «على الجميع أن يفعل شيئاً ما، أن

يجري وأن يسيطر على المزيد من التلال (في الضفة الغربية، ربما مرحلياً) .

فلنوسع المنطقة.. كل ما نستولي عليه يصبح ملكنا، وكل ما نخفق في الاستيلاء

عليه يبقى في يد العرب.. هذا هو ما ينبغي فعله» .

«تدمير جنين يمهد الطريق لضرب العراق» ؛ هكذا علق أحد الخبراء

الصهاينة على مذبحة جنين التي جرت منذ عام، تحديداً في أبريل 2002م.

3 - ذكرت صحيفة «العرب اليوم» الأردنية 5/5/2002م أن مصادر

سياسية رفيعة المستوى قد كشفت النقاب عن تفاصيل مخطط أمريكي إسرائيلي

يقضي بإقامة (إسرائيل الكبرى) في المنطقة خلال الفترة المقبلة؛ مؤكدة في

الوقت نفسه أن الرئيس الأميركي جورج بوش تبنى هذا المخطط، واقتنع بوجهة

نظر رئيس الوزراء الصهيوني الحالي شارون الذي رأى أن تنفيذه لن يتم إلا عبر

القوة العسكرية؛ بحث لا تنتهي الأمور عند حدود إقامة (إسرائيل الكبرى) ، وإنما

لا بد من إعادة رسم المنطقة كلها على أسس جديدة.

وقد تم الاتفاق بين الطرفين الأميركي و «الإسرائيلي» على أن تحقيق ذلك

المخطط يستوجب القيام بعملين عاجلين:

الأول: ضرب العراق عسكرياً، وإسقاط نظام صدام حسين، وهذا العمل

تقوم به الولايات المتحدة.

الثاني: أن تمهد (إسرائيل) لذلك بالقضاء على عناصر ما تسميه

بالجماعات الإرهابية؛ سواء كانت فلسطينية أو غيرها. وهذا هو سيناريو المرحلة

الأولى.

بينما تبدأ المرحلة الثانية التي يطلق عليها اسم «الطوق الأمني

الاستراتيجي» ؛ على الدول العربية والمنطقة كلها بعد إسقاط نظام صدام وبعض

النظم المعادية.

ويتطرق ذلك المخطط إلى البعد الفلسطيني؛ حيث جاء في المخطط على

سبيل المثال: «حتى تكون إسرائيل دولة قوية وذات تأثير قوي في المنطقة؛ فإن

حدودها الجغرافية يجب أن تتسع، وأن يزيد عدد المهاجرين اليهود لديها، وإن

أفضل خيار مرحلي لذلك هو ضم أراضي مناطق الحكم الذاتي إلى إسرائيل، وضم

أجزاء كبيرة منها؛ بحيث يُحشر الفلسطينيون في مدينة أو اثنتين، وأن تكون لهم

دولة في داخل حدود جغرافية ضيقة وقاصرة ليس بمقدورها تهديد الأمن

الإسرائيلي» .

4 - يعرِّف المصطلح الصهيوني الكيان الاحتلالي الحالي بأنه «أرض

إسرائيل الغربية» ؛ ولذا فإن كل معتنق للفكر الصهيوني هو مؤمن بإيديولوجية

(إسرائيل الكبرى) التي يعدُّونها وعداً إلهياً للشعب اليهودي «المختار» .

الأمر بالقطع لا يقتصر على اليهود، فالحدود التوراتية لـ (إسرائيل) من

النيل إلى الفرات يؤمن بها كذلك اليمين البروتستانتي الأمريكي البريطاني

المتطرف، ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نذكر أن كثيراً من المسؤولين في الإدارة

الأمريكية الحالية تتردد على ألسنتهم عبارة أن «الله كلَّف الولايات المتحدة

بمهمة تطهير العالم من الأشرار، وإقامة مملكة الرب» .

لذا فإن إقامة هذه المملكة حلم يراود الأمريكان كما اليهود، لا فارق، ولعل

اختيار الجنرال تومي فرانكس حاكماً للعراق بعد الحرب حسبما تؤكده الدوائر

الأمريكية وهو الصهيوني «كامل الأهلية» تجسيد لهذه الرغبة الأمريكية.

في ظني وربما كان غير مجاف للصواب أن (إسرائيل الكبرى) هي سقف

آمال الصهاينة، وهدفهم الذي يصبون إليه؛ غير أنهم اعتمدوا مستويين لتحقيق

استراتيجيتهم تلك:

- مستوى أعلى وهو المعني بتأسيس «مملكة الرب» ، ويتم تطبيق ذلك

عبر خطط مرحلية عشرية.

- ومستوى أدنى يعنى بحل المعضلات الآنية.

وذاك يعني أن تدمير العراق خطوة واثبة في طريق (إسرائيل الكبرى) ،

لكنها ليست بالضرورة الخطوة الأخيرة، وحال استكماله تكون دنت كثيراً من هدفها.

عوض الانخراط الظني في هذه الإشكالية عبر التساؤل: من يمنع الكيان

الصهيوني ومن ورائه الدولة العظمى في استكمال مخطط (إسرائيل الكبرى) فور

تدمير العراق؟

هناك قضية على طاولة البحث الآن لدى دوائر صنع القرار الصهيوني؛

يُخشى أن يجري تنفيذها فعلاً بما ينعكس كثيراً على فاعلية المقاومة الفلسطينية،

وهي قضية الترحيل القسري (التراسنفير) لأعداد غير محددة من الفلسطينيين

بهدف:

1 - تحريك الأوضاع الأمنية والاقتصادية والنفسية شديدة التردي لدى الكيان

الصهيوني؛ على الرغم من خطة «شارون» الطموحة لتصفية المقاومة

الفلسطينية.

2 - الحد من فاعلية «القنبلة الديموجرافية الإسلامية» في فلسطين؛ حيث

نسبة الولادة لدى المسلمين 4.5%، ولدى اليهود 2.5%، مع إخفاق كل

المحاولات الصهيونية للوقوف بوجه فلسطين ذات أغلبية إسلامية، على الرغم من

عدم انقطاع الهجرة اليهودية إلى فلسطين لحد الآن [7] ؛ بما يهدد بتقويض عرى

الكيان الصهيوني من أساسه.

في السياق نفسه؛ تتردد أنباء صحفية كثيرة عن مشروع صهيوني لتوطين

الفلسطينيين في سيناء.

وقبل سيناء هناك الأردن الذي يتردد اسمه اليوم بديلاً لفلسطين، وعن أكبر

عمليات التهجير القسري إليه، وهو ما استدعى سؤالاً من صحفي عربي أجرى

حواراً مع الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس، حول خطة التراسنفير تلك، فكانت

إجابة الشيخ على هذا النحو: «العدو (الإسرائيلي) ليست عليه أمور مستبعدة،

لكن هنا أود أن أنبه أنه لكي يكون هناك ترانسفير لا بد من وجود طرفين؛ طرف

يُبعد، وطرف يستقبل.

وما نخشاه في حالة هزيمة العراق أن تقوم دولة عربية كالأردن مثلاً بفتح

حدودها واستقبال المواطنين الذين يتم ترحيلهم، وهو أمر وارد جداً في ظل الهيمنة

العسكرية الأمريكية المتوقعة في المنطقة بعد نشوب الحرب، وهنا أدعو كافة الدول

العربية إلى إغلاق حدودها في وجه الترانسفير؛ مثلما حدث في قضية مبعدين

» مرج الزهور «على الحدود اللبنانية، عندما أغلق لبنان حدوده ورفض المبعدون

أنفسهم فكرة إبعادهم؛ الأمر الذي أرغم الأمم المتحدة على إرجاعهم.

إذن فالتصدي للترانسفير يتطلب منا رفضاً فلسطينياً وعربياً، وعندئذ

فـ (إسرائيل) لن تستطيع فعل أي شيء؛ فهل يوجد مثل هذا القرار المتمثل

في الرفض العربي؟ أنا شخصياً لا أعوّل على الموقف العربي لبعض دول

الجوار؛ لأن تاريخهم تاريخ سيئ في هذا المجال» .

* تدمير العراق مطلب صهيوني لا حياد عنه:

بيد عمرو لا بيدي.. رغبة صهيونية جموحة في تدمير العراق؛ تسعرها

الأحقاد التلمودية التي تحقن نفوس اليهود على الدوام بانكسارات السبي البابلي، ولا

ينتقص من هذه الرغبة المسعورة ما يظهر من أن (إسرائيل) ما زالت تغل يدها

عن إطلاق رصاصة واحدة حتى الآن ما دامت الولايات المتحدة تدمر «بابل

الجديدة» بدلاً منها، بل تعهد الكيان الصهيوني إبان حرب الخليج الثانية بعدم الرد

على توجيه الجيش العراقي صواريخه إليها؛ لأن الهدف كان وما يزال تدمير

الجيش العراقي بأقل الخسائر الصهيونية، وتلك قمة الخبث اليهودي.

وعلى الرغم من تهديد صدام حسين قُبيل حرب الخليج الثانية بحرق نصف

(إسرائيل) فإنها أحجمت عن الرد، والاستثناء الوحيد كان في العام 1981م حين

دمرت المفاعل النووي العراقي في عملية أطلقت عليها اسم «بابل» ؛ كنوع من

الانتقام الرمزي على عملية السبي البابلي الأول التي نفذها نبوخذ نصر قبل الميلاد.

تدمير «بابل الجديدة» إذن عقيدة لدى اليهود تتعالى، تحرز لها كل

المكاسب بضربة واحدة: تدمير الخطر الذي تشدد عليه التوراة كأداة «لانتقام

الرب» !! ووجود لقوات قوية أمريكية ظهيرة للأمن الصهيوني بالقرب منها،

تحقيق مآرب اقتصادية (نفط) ، سياسية (توسع، الكومنولث العبري) ،

استخباراتية (أمان من أهل السنة باستخدام غيرهم) !

كتب بن جوريون عام 1954م يقول: «إننا نعيش في محيط سنِّي، ولذلك

على إسرائيل أن تتعاون، بل وتجند الأقليات العرقية والمذهبية في المنطقة

المحيطة لخدمة المصالح الإسرائيلية» . المعنى نفسه تردد على لسان المعلق

العسكري الأشهر في الكيان الصهيوني [8] . عشية الغزو الصهيوني للبنان:

«مصلحة إسرائيل تتطلب تجزئة العراق إلى دولة شيعية وأخرى سنية،

وفصل الجزء الكردي في شمال العراق» .

* العدوان على العراق:

ماذا تقول عنه النصوص التوراتية: تتحدث النصوص التوراتية عن معركة

كبيرة تدمر بابل عن بكرة أبيها جزاء ما فعلته باليهود، الأصوليون البروتستانت

واليهود يؤمنون بها إيماناً جازماً، ويسقطون «مملكة بابل» على دولة العراق

الحالية بزعامة صدام حسين (ملك بابل) .

سنحاول أن نتمثل عقول الأصوليين الصهاينة ونضع أقواساً من عندنا لننظر

كيف يفكرون:

- رؤيا أشعياء: 13: 1 - 8: «انصبوا راية فوق جبل أجرد، اصرخوا

فيهم، ليدخلوا أبواب العتاة.. لأن الرب القدير يستعرض جنود القتال، يقبلون من

أرض بعيدة (الولايات المتحدة) ؛ من أقصى السماوات (بقاذفات بي 52،

وطائرات إف 16 شاهقة الارتفاع) ، هم جنود الرب وأسلحة سخطه لتدمير

الأرض كلها (بأسلحة الدمار الشامل التي تحمل الاسم نفسه) » .

هل يستحق نصف مليون طفل عراقي الموت؟ سؤال شبكة Cرضي الله عنهS يوم

11/5/1996م أجابت عنه مادلين أولبرايت: «نعم أعتقد يستحقون ذلك» ،

وعلى الرغم من بشاعة الإجابة فإن أولبرايت لا تتحدث بلسان جنرال، وإنما

بلسان «قدِّيسة» تؤمن حرفياً بنصوص المزامير التي تنص على: «.. يا بابل

المخربة: طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا، طوبى لمن يمسك أطفالك

ويهشم على الصخرة رؤوسهم» .. أولبرايت ليست وحدها من تؤمن بذلك غير

أنها هي التي صرحت، فكل أصولي بروتستانتي يؤمن بمثل ما تؤمن به.

- رؤيا أشعياء: 13: 9 - 16: «ها هو يوم الرب قادم مفعماً بالقسوة

والسخط والغضب الشديد؛ ليجعل الأرض خراباً ... وأعاقب العالم على شره

(محور الشر) ... ، وأضع حداً لصلف المتغطرسين، وأذل كبرياء العتاة (ديكتاتور

العراق) ... وأزلزل السماوات، فتتزعزع الأرض في موضعها (بفعل القنابل

الذكية) ، وتولي جيوش بابل (منسحبة) حتى ينهكها التعب عائدين إلى

أرضهم ... ، ويمزق أطفالهم على مرأى منهم (بفعل السرطان الناتج عن

اليورانيوم المخصب، أو بفعل القنابل الثقيلة) ، وتنهب بيوتهم (بنهب نفطهم) ،

وتغتصب نساؤهم» .

- وتخاطب رؤيا أشعياء 14: 4 - 23: ملك بابل (صدام حسين) قائلة:

«أما أنت فقد طرحت بعيداً عن قبرك، كغصنٍ مكسور (بعد أن تقبل بالرحيل

الذي تفرضه عليك أمريكا) ؛ لأنك خربت أرضك، وذبحت شعبك (في مذبحة

حلبجة، وقمع انتفاضة الشيعة، أو بواسطتنا) فذرية فاعل الإثم يبيد ذكرها إلى

الأبد. أعدوا مذبحة لأبنائه جزاء إثم آبائهم» .

- رؤيا يوحنا 16: 12 - 14: «وجمعت الأرواح الشيطانية في

هرمجدون ثم سكب الملاك السابع كأسه على الهواء (بالقنابل الفراغية، والأسلحة

النووية) ، فحدثت بروق وأصوات رعود وزلزال عنيف، فانقسمت المدينة

العظمى (بابل العراق) إلى ثلاثة أقسام (دولة كردية، ودولة سنية، ودولة

شيعية) » .

* صرخة أخيرة:

.. وما زال مراسلونا مشغولين بإحصاء عدد المتظاهرين، وما زال الزعماء

منشغلين بإجراء مشاوراتهم المهمة! .. ما زالت الشعوب غائبة.. ما زلنا نلهو..

إنها معركة بلا ضمير تخوضها دول بلا أخلاق.. معركة تهشيم رؤوس الأطفال..

معركة بلا أسرى كما تقول نصوصهم!

تنفق الولايات المتحدة شهرياً في أفغانستان بليون دولار في المجالات

العسكرية، في مقابل 25 مليون دولار في مجال إعادة البناء، وتقديم المساعدات

الضرورية للمنكوبين من الشعب الأمريكي (للمفارقة هذه نسبة زكاة المال نفسها

عند المسلمين!!) . إنها بلا ريب أمة عدوانية باغية، تكرس كل جهودها لمحونا

من خريطة العالم، إنها أمريكا قد رمتكم بقوس واحدة، جاءت بقضها وقضيضها

وخيلائها.. جاءت تحمل الشر والهلاك.. أتت تحظر أسلحة الدمار بأسلحة الدمار

.. جاءت لتقتل الأمل في نفوس المؤمنين.. وهو أمر يدعو للحزن، بيد أنه لا

يدعو للجزع.. فهذا الدين متين كما قال خير الأنام صلى الله عليه وسلم.

لذا؛ فإننا من قلب المحنة نطلق صرختنا: مهلاً أيها الأمريكان! لكم جولة

ولنا كرة، ليست هذه أول معركة نخسرها ثم نقوم شامخين من جديد.

يقول المؤرخ العظيم محمود شاكر: «ارتبط اسم المغول في أذهاننا

بالبربرية والفظاظة وسفك الدماء ... حتى رفض ابن الأثير كتابة تلك الأحداث؛ إذ

ظن أنها نعي الإسلام وانتهاء أمره على أيدي هؤلاء المخربين، غير أن هذا الشعب

لم يلبث أن بدأ يدخل في الإسلام، ولم ينقض على اجتياحه بلاد الإسلام أكثر من

خمس وثلاثين سنة، كما لم يمض نصف قرن حتى غدا كله مسلماً، وأصبح ينافح

عن الإسلام» [9] ، ونحن نؤمن كذلك أن الروم بعد سيسلمون، لكن حين تنهض

هذه الأمة، وتتحمل المسؤولية، وتواصل مسيرتها الرائدة.. إننا إن تسلل اليأس

إلينا انتهينا وانهزمنا.. ونحن لن نسمح بذلك ما دامت لنا عين تطرف، وقلب

يخفق، ودم يجري في العروق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015