مجله البيان (صفحة 4473)

المكتبات الوقفية الإسلامية ومتغيرات عصر المعلوماتية

قضايا دعوية

المكتبات الوقفية الإسلامية

ومتغيرات عصر المعلوماتية

محمد بن علي شماخ

M.shamak@maktoob.com

* المقدمة:

إن من أعظم ما يتميز به الدين الإسلامي نظرته لمنفعة المجتمع بشكل عام،

فقد تكون هذه المنفعة مقدمة من فرد واحد أو مجموعة أفراد؛ لذلك شجع الإسلام من

منطلق الصدقة الجارية إنشاء مؤسسات ذات نفع عام متعد، ويعتبر هذا العمل من

الطاعات التي تقرب إلى الله عز وجل، فـ «الطاعات ضربان: أحدهما: ما هو

مصلحة في الآخرة كالصوم، والصلاة، والنسك، والاعتكاف. والضرب الثاني:

ما هو مصلحة في الآخرة لباذله، وفي الدنيا لآخذيه كالزكاة، والصدقات،

والضحايا، والهدايا، والأوقاف، والصِّلات» [1] .

وكانت هذه المؤسسات تأخذ أشكالاً عدة؛ فمن خانات لإقامة المسافرين، إلى

المستشفيات لعلاج المرضى، إلى المكتبات للبحث والاطلاع، إلى حفر الآبار،

وبناء المساجد، إلى غير ذلك من أوجه البر والإحسان بما يفيد الأمة.

وقد شهدت القرون الأولى للهجرة قيام حركة علمية كبيرة نشأ عنها ظهور

الكثير من المؤلفات، واكتشاف العديد من العلوم لم تكن معروفة من قبل، ودعت

الحاجة الماسة إلى وجود مكان يحتوي هذه المؤلفات، ويجتمع فيه العلماء وطلبة

العلم للقراءة والبحث، فتم إنشاء دور العلم، وهو ما يطلق عليه في الوقت

المعاصر: (المكتبات العامة) ، ونظراً للحاجة لمثل هذا الدور قام الكثير من

الوزراء والعلماء والميسورين بإنشاء العديد من المكتبات التي أوقفوها لله عز وجل.

لقد برهن قيام العديد من دور العلم على (مدى إدراك الواقفين في ذلك العصر

لأهمية المكتبات، ولا سيما لطلبة العلم، في وقت لم تعرف فيه الطباعة الحديثة،

وكانت الوسيلة الوحيدة للحصول على نسخة من كتاب هي إعادة نسخه بخط اليد؛

مما جعل الكتاب نادر الوجود، وإذا وجد فإنه يكون باهظ الثمن، ومن هنا تبدو

أهمية الأوقاف في تيسير الحصول على الكتاب؛ سواء للاطلاع أو النسخ أو

المقابلة، وهذا ما يفسر أيضاً حرص الواقفين الشديد على هذه الكتب لضمان

استمرار منفعتها، فضلاً عن أن ريع الأوقاف كان هو المصدر الرئيس للصرف

على خزانات الكتب الملحقة بالمدارس وغيرها من المنشآت الدينية، وبذلك تكون

الأوقاف قد ساهمت مساهمة كاملة في خلق أجيال من العلماء « [2] ، ونظراً لعوامل

مختلفة أصابت الدولة الإسلامية، وخصوصاً منذ هجوم التتار على بغداد، شهدت

الحركة العلمية في العالم الإسلامي حالة من الضعف كانت تتسم بالتذبذب من مكان

إلى آخر، وقد انعكست هذه الحالة على الأوقاف بصفة عامة، ومكتبات الأوقاف

بصفة خاصة، فأهملت الكثير من المكتبات الوقفية؛ مما جعلها فريسة سهلة للضياع

والاندثار، ومع أنه قامت في فترات زمنية مختلفة الكثير من هذه المكتبات إلا أنها

تواجه الصعوبات نفسها.

وأمام حالة الضعف هذه التي تعيشها المكتبات تأتي رياح التغيير العاتية لعصر

المعلوماتية، فنجد الكثير من هذه المكتبات الوقفية تقف عاجزة عن اللحاق بركب

هذه المتغيرات، حتى رأى البعض أن هذه المكتبات أصبحت غير نافعة لمثل هذا

العصر.

* تعريف الوقف والمكتبة الوقفية:

روي في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله

عليه وسلم قال:» إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية،

وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له « [3] ، ومن خلال هذا الحديث؛ سعى

المسلمون على مر العصور والأزمان إلى إقامة المشاريع الخدمية؛ سعياً وراء

الحصول على المثوبة والأجر من الله عز وجل؛ لذلك تم إنشاء العديد من الأوقاف

التي تحقق الفائدة للأمة، فتم إنشاء المدارس والبارمستانات والمكتبات والخانات،

وتم حفر الآبار وشق الطرق.. إلى غير ذلك من الخدمات التي تصب جميعها في

تيسير الخدمات على المسلمين.

ويعرِّف الفقهاء الوقف بأنه:» هو الحبس، وهما لفظان مترادفان يعبر بهما

الفقهاء عن مدلول واحد، وإن كان الرصاع يرى أن الوقف أقوى في التحبيس،

ويطلق على ما وقف فيقال: هذا وقف فلان؛ أي الذوات الموقوفة، فيكون فعلاً

بمعنى مفعول؛ كنسج بمعنى منسوج. ويطلق على المصدر وهو الإعطاء، وَحَدَّه

ابن عرفة بأنه: «إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو

تقديراً» ، وحدَّه ابن عبد السلام بأنه إعطاء منافع على سبيل التأبيد، وهو «جعل

منفعة مملوكة بأجرة، أو غلته لمستحق بصيغة مدة ما يراها المحبس» وعند أبي

حنيفة: «حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدق بالمنفعة» وعند ابن

قدامة: «ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة» [4] .

ومن خلال التعريف السابق يمكن الخلوص بتعريف للمكتبات الوقفية بأنها:

«دار تحتوي على مجموعة من أوعية المعلومات؛ تم تحبيسها لتقديم خدماتها

للمستفيدين الراغبين في الاطلاع والبحث؛ راجين في هذا العمل المثوبة والأجر من

الله عز وجل» .

* نبذة تاريخية عن المكتبات الوقفية:

أجمل ما يمكن أن نصف به ما تمثله المكتبات الوقفية في حياة الأمة الإسلامية

أنها كالعين التي تفيض بالماء، فهذه العين تفيض بماء الحياة من العلوم والمعارف،

تجري منه أودية الثقافة تسقي مختلف العقول، فينتج منها مختلف الثمار تؤتي أكلها

كل حين بإذن ربها، تكون هذه الصورة لحقل باهي الجمال، متناسق الأركان من

الحضارة الإسلامية، قطفت البشرية من ثمار هذه العين حضارة بلغت أوج عزها

ومنعتها، هذه العين مع مرور الزمان تقادمت أدوات الاستفادة من معينها فأصبحت

في حاجة ملحة إلى إدخال الوسائل الحديثة؛ حتى تعود إلى سابق عهدها، وتعيد

مجدها التليد.

فـ «بالنسبة للمكتبات في الإسلام، فهي نتاج طبيعي للحضارة العربية

الإسلامية، وانعكاس واضح لها، وقد ساهمت هذه المكتبات في توسيع نطاق هذه

الحضارة، وفي الحفاظ عليها ونقلها سليمة إلى الأجيال المسلمة المتعاقبة، وعندما

اتسع أفق المسلمين الثقافي وازدهرت حضارتهم، وتنوعت اهتماماتهم الفكرية

والعلمية؛ ازداد عدد المكتبات وتنوعت أغراضها حتى شملت جميع أنواع

المكتبات» [5] .

ولقد كان الهدف الذي يسعى إليه منشئ المكتبة هو «تسهيل سبل الدرس

والمطالعة والتأليف والترجمة لمن يرغب في ذلك، فقد كان يتعذر على الناس أن

يقفوا على الكتب العلمية النادرة، والتي ترجمت من اللغات المختلفة إلى اللغة

العربية، فذلل الخلفاء للناس سبل المطالعة والدرس في (بيت الحكمة) الذي أنشئ

لنشر العلوم والمعارف المنقولة عن الأمم الأخرى» [6] ، فتم إنشاء الكثير من

المكتبات في مختلف المدن الإسلامية، فقلما تجد مدينة إلا وفيها مكتبة يستفيد منها

أهلها والزائرون لها، وكانت تلك المكتبات ملحقة في الغالب بالمساجد التي كانت

أشبه بالجامعات في وقتنا المعاصر، فيتحقق لطلاب العلم الفائدة من وجود قاعات

الدرس، وأماكن للبحث والاطلاع والتصنيف.

ولقد مرت المكتبات الإسلامية بشكل عام، ومكتبات المساجد بشكل خاص؛

بأدوار أو مراحل مختلفة عبر تاريخها، تتلخص فيما يأتي:

أولاً: دَوْر الحضانة أو البداية (القرن الأول الهجري) ، وقد انصبَّ الاهتمام

في هذه المرحلة على تدوين القرآن الكريم والحديث الشريف؛ لذا تعد نسخ القرآن

الكريم والحديث الشريف النواة الأولى لمكتبات المساجد في الإسلام.

ثانياً: عصر النمو والتطور والازدهار (القرن الثاني وحتى بداية السابع

الهجري) ، وتبدأ هذه المرحلة بعد تأسيس الدولة العباسية بفترة وجيزة، وكان

أوجها في زمن المأمون الذي شجع العلم والعلماء، وفي هذه المرحلة كانت المكتبات

الإسلامية بشكل عام ومكتبات المساجد بشكل خاص مراكز إشعاع ثقافي.

ثالثاً: النهاية (القرن السابع الهجري حتى بداية العصر الحديث) ، وقد

تقهقرت المكتبات الإسلامية، وانتهت نتيجة عوامل داخلية تعرض لها العالم

الإسلامي، أو عوامل خارجية كالغزو المغولي الذي أحرق مكتبات بغداد، والغزو

الصليبي الذي دمر مكتبات بلاد الشام، وأما الإسبان فقد أحرقوا كثيراً من المكتبات

الإسلامية في الأندلس « [7] .

ويمكننا إضافة المرحلة الرابعة: وهي مرحلة إعادة البناء والنهوض على

قاعدة التنمية الشاملة للوقف الإسلامي من منطلق» أن هذه الصعوبات التي

تعترض وقف الكتب أو الوقف عليها؛ لا ترقى إلى أن تحول دون الاستمرار في

هذا النهج الحضاري المطلوب دائماً في سبيل نشر الكتاب بين مريديه والمستفيدين

منه؛ مما ينعكس إيجاباً على العلم والفكر والثقافة، ويثري الحركة الثقافية بالتأليف

والترجمة والنشر، ولا ينبغي النظر إليها إلا من منطلق أنها بحاجة إلى من ينظر

إليها نظرة جادة؛ تضعها في موقعها اللائق بها، فلا تهمل إهمالاً يضر بحركة

الوقف، ولا توضع على أنها عقبات كأداء تحد من الاستمرار في الدعوة إلى المزيد

من جهود الواقفين؛ ذلك أنه مع الصعوبات التي تعترض وقف الكتب والمكتبات،

يظل هذا الأسلوب الحضاري من أهم الموارد التي تعين على بناء المكتبات في

المجتمع المسلم « [8] .

* بداية الطريق:

لقد خلقت المتغيرات الحديثة ضرورة حتمية على المكتبات للقيام بتعديل

السياسات المعمول بها؛ بحيث تكون هذه السياسة متوافقة مع التقنيات الحديثة،

والكف عن الوسائل اليدوية التقليدية التي أصبحت عاجزة عن الحصول على رضا

المستفيدين،» وعادة ما تكون رؤية الموظف هي أن السماح بالتغيير يتطلب موارد

إضافية، وفي معظم الأحوال لا يتوفر وقت أو مال إضافيان، ويجب أن يكون

هناك قرار واع لتوفير الوقت والأموال اللازمة للتجديد، كما ينبغي أن يكون ماثلاً

في الذهن أن الأخطاء التي ترتكبها لن تكون أرخص مما هي عليه طالما أن النفقات

في ارتفاع مستمر « [9] .

إن العمل على توجيه السياسات المالية للمكتبة، والعمل على إدخال النظم

الحديثة من ضمن الأوليات؛ يحتم على المكتبة تخصيص بند في الميزانية العامة

للمكتبة لشراء الأجهزة والحواسيب للسنة الأولى، ولصيانة الأجهزة وتطوير

برامجها في السنوات التالية؛ كل ذلك بقدر ما سيكون مكلفاً في بداية الأمر، ولكنه

سينعكس إيجابياً في مستوى الخدمات، وتوفير الكثير من المخصصات الأخرى فيما

بعد؛ فالوسائل الحديثة سوف توفر الكثير من المخصصات الموجهة للاقتناء،

وتخفض الحيز المكاني وشراء الأرفف لوضع الكتب ومبنى المكتبة، كذلك فإن تلك

الوسائل لها أثر على السياسة العامة للتوظيف في المكتبة، وإجمالاً يمكننا مشاهدة

أثر هذه المتغيرات على المكتبات من خلال محاور عدة؛ منها:

1 - مقتنيات المكتبة:

إننا» في ظل تأثير التطورات التكنولوجية والإلكترونية على المكتبات؛ لم

تعد مجموعاتها تعرف بأنها تلك المقتناة بين جدرانها، ولكن المعلومات التي تستطيع

الوصول إليها عن طريق مراصد البيانات « [10] ؛ لذلك لا بد للمكتبات الوقفية من

مواكبة تطورات العصر والعمل على تحقيق نقلة نوعية؛ من مكتبة تحتوي على

الكتب إلى مركز للمعلومات يكون قادراً على أن يجعل» كل وثيقة في عالم الإنتاج

الفكري المتوافر، أو أية بيانات تشتمل عليها الوثائق في متناول أي عضو في

مجتمع المستفيدين، ويعني ذلك أن يكون عالم المصادر الوثائقية في متناول مجتمع

المستفيدين على درجات متفاوتة من السرعة واليسر، ونظراً لأنه لا يمكن لأي

مركز للمعلومات أن يقتني كل شيء؛ فإنه من المهم أن يقتني أنسب الوثائق

وأكثرها أهمية بالنسبة للمستفيدين من خدماته، ومن المهم أيضاً أن يكون مركز

المعلومات قادراً على أن يقتني بسرعة أي وثيقة أخرى تدعو الحاجة إليها في

مجتمع المستفيدين؛ سواء عن طريق الشراء أو التصوير الضوئي، أو تبادل

الإعارة بين المكتبات، هذا بالإضافة إلى حاجة ما تضمه مقتنيات المركز من

وثائق « [11] ؛ وعليه فلا بد للمكتبات من تعديل سياسة بناء المجموعات لديها؛ من

الاقتناء إلى الوصول إلى المعلومة.

ولذلك تعد قضية العمل بهذه الفكرة أمراً لا مفر منه، فيجب على الجهات

المشرفة على المكتبات الوقفية، ونظام الأوقاف أن تضع البرامج العملية لتحقيق

هذه النقلة النوعية؛ خصوصاً أنه ليس هناك ما يمنع ذلك من الناحية الشرعية؛ من

استثمار خدمات المكتبات وتثميرها، وذلك» أن تثمير الوقف أغبط للمنتفع،

وأنمى لأجر الواقف؛ لهذه الاعتبارات متضامنة، والتي تدور على محور المصلحة؛

نرى أنه لا حرج إن شاء الله في استثمار غلات الأوقاف التي نص الواقف على

صرفها على جهة، بعد تغطية حاجة الجهة المذكورة، وحتى قبل ذلك إن لم توجد

ضرورة شديدة تدعو إلى الإنفاق، ومع ذلك ينبغي أن تكون الأفضلية للاستثمار في

عقارات من جنس الوقف، بالإضافة إلى التوثيق الأكيد، ووضوح الجدوى، وعدم

المضاربة في حرام ولا في شبهة؛ لأن ذلك مخالف لقصد الوقف « [12] .

2 - العمليات الفنية في المكتبات:

ساهمت التقنية الحديثة في الوفرة المعلوماتية، بجانب سهولة الحصول على

هذه المعلومات، كل هذه العوامل ألقت بظلالها على رؤية المجتمع لهذه الوسائل،

وانعكس ذلك بدوره على الكثير من العمليات الفنية التي كانت تعمل بالوسائل اليدوية،

وتستنزف الكثير من الوقت والجهد والمخصصات المالية، فلا عجب» أن

التقنيات التي تؤدي إلى التحول الاجتماعي، ومن ثم تدفع منظمات خدمة المكتبات

والمعلومات إلى التغيير؛ تقدم كثيراً من أدوات هذا التغيير؛ فالحاسوب والفيديو

ووسائل الاتصال عن بُعد، والأجهزة الأخرى التي خلقت الحاجة إلى التغيير؛

توفر أيضاً أساليب للتأثير في ذلك التغيير، وقد استخدم الأدوات المتاحة، وأن

تتعلم كيفية العناية بها، ولم يحدث في وقت من الأوقات أن توفر لأصحاب مهنة

المكتبات والمعلومات مثل هذا التنوع في الأدوات المتاحة لإنجاز الأعمال « [13] ،

ومن هذه العمليات التي تم إدخال التقنيات الحديثة في إجراءاتها العملية ما يلي:

أ - إعداد الفهارس: يعد الفهرس هو المفتاح لأي مكتبة؛ فلا يستطيع أي

مستفيد الحصول على بغيته من المكتبة ما لم يستفد من إمكانيات فهرس المكتبة،

ولقد ظل الفهرس البطائقي فترة من الزمن من أكثر الأشكال استخداماً في الكثير من

المكتبات، وكانت تواجه الباحثين في استخدام الفهرس عدة عقبات؛ منها:

- أن الفهرس البطائقي لا يمكن لأكثر من مستفيد استخدامه في الوقت الواحد.

- لا يمكن استعمال الفهرس البطائقي إلا داخل المكتبة.

- يحتاج إلى بعض الوقت حتى يتم إضافة البطاقات الجديدة إليه.

- يكلف المستفيد بعض الوقت والجهد للحصول على المعلومة.

- يكون الفهرس البطائقي غالباً لشكل واحد من أوعية المعلومات وهو

الكتاب.

ومع ظهور الخدمات المتعددة لتقنية الحاسوب عمد المكتبيون إلى الاستفادة من

الخدمات الكبيرة المتوفرة في الحاسوب؛ في سبيل تحقيق أيسر الطرق لوصول

المستفيد إلى ما يحتاج إليه من محتويات المكتبة، ووجدوا» أن الوضع الأمثل

لإتاحة المعلومات يكون بتوفير إمكانات البحث للمستفيد في الموضوعات التي

يرغب فيها؛ من خلال الفهرس الآلي المباشر OPصلى الله عليه وسلمC للمكتبة المحلية التي

يستخدمها؛ بحيث يمكنه استرجاع المعلومات بالأشكال المختلفة التي يرغب فيها؛

بما في ذلك الأشكال الإلكترونية أيضاً، والتي قد تتوافر على الأقراص المدمجة

Cعز وجل-ROM أو قواعد للبيانات، أو شبكات للمعلومات مثل شبكة الإنترنت « [14] .

ب - عملية التزويد: تعتبر عملية التزويد من أكثر العمليات الداخلية بالمكتبة

مواكبة للتطورات؛ حيث إن الهدف الرئيس لعملية التزويد هو توفير كل ما هو

جديد وما يحتاج إليه المستفيد في المكتبة، ولقد مرت إجراءات التزويد بعدة مراحل

من خلال كل ما هو متاح من التقنية الحديثة؛ فلقد كانت عملية كتابة الطلب تتم

بواسطة اليد، وترسل بواسطة البريد المعتاد في عملية تتسم بالبطء الشديد،

ومتابعة سير العملية بواسطة الهاتف، ثم شهدت تغيراً ملحوظاً، وأصبحت كتابة

الطلب تتم بواسطة الآلة الكاتبة، وترسل بواسطة الفاكس.

وفي عصر الإنترنت تغيرت العملية بشكل كبير؛ فالكثير من دور النشر

تنشئ لها متاجر افتراضية على الشبكة التي تسوّق فيها منتوجاتها، ويقوم القائمون

بعملية التزويد بالمكتبة من خلال الاطلاع على المعروض، اختيار المناسب،

ومعرفة أسعار تلك المواد مباشرة، ووضع تلك المواد في سلة المشتريات،

وتسجيل عنوان المكتبة والبريد الإلكتروني، وتسديد الحساب، ومن ثم تقوم دار

النشر بإرسال المطلوب إلى المكتبة.

» ويلخص ريتشارد بوس الدوافع المحتملة لاستخدام الحاسب الإلكتروني في

أعمال التزويد على النحو التالي:

1 - تحقيق السرعة في إجراءات التزويد، ورفع معدلات إصدار أوامر

التوريد.

2 - خفض تكاليف التزويد.

3 - زيادة سرعة إعداد أوامر التوريد، وتلقِّي الأوعية المطلوبة.

4 - الارتفاع بمستوى إدارة الموارد المالية.

5 - تطوير النظام الآلي الخاص بقطاع معين ليصبح نظاماً متكاملاً.

6 - الارتفاع بمستوى المعلومات الإدارية.

7 - تحقيق التوافق مع الأقران في سياق تقاسم الموارد.

8 - تشجيع المكتبة على الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة « [15] .

ت - القوائم الببليوغرافية: ساهمت تقنية الحاسوب في التعرف على كل

مقتنيات المكتبة من أوعية المعلومات، والتي بدورها تسهِّل الكثير من الأعمال

الخاصة بإعداد قوائم ببليوغرافية للمستفيدين عند الطلب، ومن ذلك:

1 - توفير الكثير من الوقت على الباحث في الوصول إلى مصادر المعلومات

المطلوبة.

2 - تمتاز بالدقة الكبيرة في الوصف الحقيقي لموضوع الوعاء المعلوماتي.

3 - تحقق نسبة عالية للمستفيد تجاه الخدمات التي تقدمها المكتبة.

4 - تكون هذه القوائم الببليوغرافية شاملة لأوعية المعلومات المختلفة.

فعلى سبيل المثال» يحتوي الإنترنت على العديد من قواعد البيانات

الببليوغرافية الخاصة بالعديد من المكتبات على مستوى العالم، والدخول إلى تلك

القواعد عملية من العمليات السهلة والتي لا تحتاج إلى تدريب، ويمكن لأي شخص

ليس لديه إلمام كاف بالحاسب أن يقوم بإجراء البحوث الخاصة به في تلك القواعد؛

إذ يكفي تتبع الأوامر والإشارات الخاصة بكل قائمة تظهر على الشاشة أمام المستفيد «

[16] .

ث - البث الانتقائي للمعلومات: تعمد المكتبة من خلال الحصول على

العناوين الخاصة بالمستفيدين الدائمين في المكتبة، وبالاستعانة بقائمة اهتمامات

المستفيدين من أخبار المستفيد، بل ما هو جديد في المكتبة في مجال اهتمامه، وتتم

عملية الاتصال هذه بواسطة الهاتف أو البريد أو الفاكس أو البريد الإلكتروني أو

غيرها من الوسائل التي تؤدي الغرض نفسه.

ج - خدمة الإحاطة الجارية: من المتعارف عليه أن المكتبة تخصص مكاناً

لعرض مقتنياتها الجديدة من مصادر المعلومات حتى يتمكن الزائر للمكتبة من معرفة

كل ما هو جديد في هذه المكتبة، ونظراً لقيام بعض المكتبات بتطوير خدماتها نحو

وصول المعلومة إلى المستفيد قبل المبادرة إلى البحث عنها، فإن المكتبة تقوم بعمل

الآتي:

1 - الاستفادة من موقع المكتبة على شبكة الإنترنت؛ بتخصيص حيز من

الموقع لتقديم هذه الخدمة؛ من خلال التعريف بالمقتنيات الجديدة في هذه المكتبة.

2 - من خلال معرفة العناوين الخاصة بالمستفيدين والباحثين الدائمين

بالمكتبة ترسل إليهم قائمة بالمقتنيات الجديدة فيها، وتتم عملية الاتصال هذه بواسطة

الهاتف أو البريد أو الفاكس، أو البريد الإلكتروني أو غيرها من الوسائل التي تؤدي

الغرض نفسه.

ح - خدمة الإعارة: في غالبية المكتبات العامة التي تقدم خدماتها للجمهور

يكون هناك قسم خاص لتقديم خدمة الإعارة؛ سواء كانت إعارة داخلية أو خارجية،

ويتميز سجل الإعارة في المكتبة بأنه السند القوي لما تمتلكه المكتبة مما استعاره

الجمهور، ولقد كان الدور الذي قام به سجل الإعارة دوراً عظيماً في حفظ ممتلكات

المكتبة، ولكن نظراً لكثرة المستعيرين ضعفت حالة الضبط لدى قسم الإعارة

بالمكتبة؛ فالكثير من الكتب تعار ويمر عليها فترة من الزمن بسبب أو آخر لدى

المستفيدين دون إعادتها للمكتبة، ومن دون متابعة من قسم الإعارة، وكم هي

المرات التي يأتي فيها مستفيد يبحث عن مرجع معين، فيتم البحث عنه فلا يتم

العثور عليه على أرفف المكتبة! فيدل ذلك على أنه قد تمت إعارته، فيطلب

المستفيد اسم الشخص الذي استعاره، وتبدأ عملية البحث الطويلة في سجلات

الإعارة! كل ذلك الوقت والمجهود قد تم اختصاره من خلال القيام بخدمات الإعارة

بواسطة الحاسوب.

لقد ساهمت تقنية الحاسوب في توفير الكثير من الوقت والطاقات، فيمكن

لقسم الإعارة تحديد مكان الكتاب المعار في دقائق، كذلك إعداد إحصائيات بيانية

لعمليات الإعارة خلال فترة معينة من الزمن، واتجاهات المستفيدين في عملية

الإعارة في دقائق معدودة.

3 - الفريق الوظيفي في المكتبة:

ساهمت التطورات التقنية في المكتبات في تغيير المفاهيم الخاصة بالقائمين

على المكتبات، وتحولت مكانة أمين مكتبة إلى مختص معلومات تكون مهمته

معرفة كيفية الوصول إلى المعلومة، ويتعامل مع أكثر الوسائل العلمية تطوراً.

هذه العوامل أدت إلى القيام بعمليات إعداد للقائمين على المكتبات بما يكفل

إجادة استخدامهم لهذه الوسائل؛ ذلك أن» وظيفة أمناء المكتبات تطرح إشكالية

التجديد في المهارات والتقنيات التدريبية؛ للتحكم في وتيرة المتطلبات الجماعية

للفئات الاجتماعية، وتتطلب الأوضاع الجديدة لقطاع المعلومات وسائل عملية؛

يكون بمقدورها التكيف مع مستجدات المجتمع المعلوماتي « [17] ؛ لذلك تسعى

المكتبة من خلال إقامة الدورات التدريبية، واستضافة الخبراء، وإقامة الندوات

والمؤتمرات العلمية لتحقيق هذا الهدف، ولا شك» أن دورة العمل تسمح للعاملين

باستيعاب مهارات جديدة لتوسع دائرة مهاراتهم بالعمل تبعاً لنظم مختلفة على أسس

مؤقتة، وتكون النتيجة أن يصير العاملون أكثر تعدداً في المهارات، إلى جانب

تقليل الملل، وتبسيط جدولة العمل من جراء مرونة العامل في مجالات العمل

المختلفة « [18] ، وتختلف الدورات الخاصة بالعاملين بالمكتبة من وظيفة إلى أخرى؛

فالعاملون ذوو الاتصال المباشر مع المستفيدين تقام لهم دورات خاصة بهم في

مجال تخصصهم، وكل ما هو جديد فيه، ويضاف إلى ذلك دورات خاصة

بالعلاقات العامة، وعلى المنوال نفسه بالنسبة للإدارة المكتبية، وأقسام الإجراءات

الفنية، مع إقامة هذه الدورات بشكل متواصل ومستمر، و» يشكل التعليم

والتدريب المتواصل للعاملين في قطاع المعلومات أحد الشروط الضامنة لنجاح

السياسة الاستراتيجية للمعلومات؛ لأن العنصر البشري يبقى ركيزة أساسية في

النظام المعلوماتي؛ مهما كانت درجة التطور، وتسهم البرامج التدريبة والتعليمية

في تجديد المعارف والمهارات والخبرات لأمناء وموظفي المراكز التوثيقية « [19] .

4 - مبنى المكتبة الوقفية:

لا شك أن التحول إلى استخدام التقنية الحديثة يسهم بشكل كبير في الحصول

على أعلى درجات الرضى لدى المستفيدين؛ ولذلك نجد» أن المكتبات لم تُقْدِم على

استخدام هذه التقنية بدون مسوِّغ، وإنما تلقتها عندما وجدت في إمكاناتها ما يدعم

خدماتها، ويحقق لها أعلى معدلات عائد التكلفة، بل ويحقق اقتناؤها أرباحاً ملموسة

إن لم تكن مؤكدة، وخاصة في العائد المباشر المتمثل في خفض نفقاتها المادية التي

كانت توجه إلى اقتناء مصادر المعلومات المطبوعة بكل أشكالها، وخاصة الدوريات

والمصادر المرجعية، هذا فضلاً عن خفض تكاليف إجراء عمليات البحث في

قواعد البيانات العاملة على الخط المباشر، إلى غير ذلك من جوانب الاستثمار

المباشر أو غير المباشر في خدمات المعلومات، وتلبية احتياجات المستفيدين،

وتوفير الحيز، وتعزيز المكانة الوظيفية بالمكتبات « [20] .

ويشكل مبنى المكتبة أهمية بالغة عند تأسيسها، ونظراً لصعوبة توفر المبنى

الذي يحتوي ذلك الكم الهائل من الكلمة المطبوعة، إضافة إلى ذلك ما تنتجه

المطابع كل يوم من مختلف الإنتاج الفكري؛ أدى ذلك إلى الحاجة الملحة لإيجاد

وسائط يمكنها أن تحتوي أكبر قدر ممكن من المطبوعات في أقل حيز ممكن من

المساحة؛ فكان لتطويع الوسائط المتعددة أثره البالغ في توفير المساحات الكبيرة

التي كانت مخصصة لحفظ الكتب فيها؛ فلقد» أسهمت التقنية الحديثة في نقل

المعلومات في مزاحمة الكتاب الموقوف، ولا سيما إذا تعرض هذا الكتاب للنسخ

الآلي، وأضحى قابلاً للاستفادة منه آلياً بإدخال المكتبة كلها في نظام الأقراص

المدمجة التي ربما استوعب الواحد منها المكتبة الموقوفة كلها، وربما هذا يصدق

على النسخ المنقولة من الورق إلى الأقراص المدمجة قبل أن يتم نقل الكتب

الموقوفة إلى المكتبة « [21] ، لقد كان للوسائط المتعددة والإنترنت أثرهما الواضح

والكبير في المساحات المخصصة للكتب والمراجع، فقد تم توفير ذلك على

المكتبات والذي بدوره يوفر على المكتبة الوقفية الكثير من المخصصات التي كانت

توضع لصالح شراء المقتنيات، وتوفير الفريق المتخصص للفهرسة والتصنيف؛

كذلك يوفر على المكتبة الحيز المكاني الذي تستهلكه أرفف الكتب والمراجع، ويتم

استثمار هذه المساحات في توفير قاعات إضافية للمطالعة يوجد بها أجهزة حاسوب

لاستخدام الإنترنت والوسائط المتعددة.

ومن خلال العرض السابق للمتغيرات المؤثرة على مبنى المكتبة الوقفية؛

يمكننا القول بأن المكتبة الوقفية المعاصرة تعمل على الاستفادة من المساحات الكبيرة

المخصصة للكتب، وتوجيهها لصالح قاعات المطالعة، والمخصصات المالية لشراء

أوعية المعلومات لصالح شراء أجهزة الحاسوب وغيرها، وصيانة هذه الأجهزة.

5 - شكل التنظيم الإداري للمكتبات الوقفية:

لا شك أن أي عمل مؤسسي ناجح يدل على وجود إدارة ناجحة، والمكتبات

الوقفية بصفة عامة بحاجة إلى جهات متخصصة تشرف على إدارتها، وتنظيم

الأنشطة والفاعليات التي تقوم بها في المجتمع، وجميع الأنشطة التي تقوم بها مع

الجهات والمكتبات الأخرى.

وكان الإشراف على المكتبات الوقفية فيما مضى من اختصاص نظار الوقف،

وكان بعضهم يتصرف بمال الأوقاف بطريقة أدت إلى حالات الهدر الكبيرة وتعطيل

المنافع، فكان لا بد من سن» أعراف وأنظمة مختلفة في كثير من الأقطار

الإسلامية تتعلق بالأوقاف، ومن أهم هذه الأنظمة إنشاء وزارات الأوقاف التي

أصبحت الجهة التي تمثل الإمام في رعاية شؤون الأوقاف العامة، أو الأوقاف

المجهولة المصرف، وتتمتع بصلاحيات واسعة، إلى جانب القضاء في تقديم

النظار وعزلهم، إلا أنها لا يمكن أن تحكم في الخصومات التي تنشأ في الأوقاف؛

سواء فيما يتعلق بإثبات وقفيتها أم تعيين المصرف « [22] ، وعلى المنوال نفسه

قامت الجمعيات الخيرية ومؤسسات النفع العام بتطبيق الفكرة نفسها؛ فقد خصص

بعضها إدارة مستقلة للإشراف على الأوقاف.

وزيادة في التخصص فقد تم إنشاء إدارة خاصة بالمكتبات، وهذه الجهات

المسؤولة عن مثل هذه المكتبات ما لم تكن متخصصة في علم المكتبات فلن تستطيع

الإمساك بزمام الأمر، وتحقيق رسالة المكتبة التي من أجلها أنشئت.

ونظراً لصعوبة قيام كل مكتبة منفردة بمواكبة مثل هذه المتغيرات السريعة مما

يجعلها تقف عاجزة أمام تقديم الخدمات التي تنال رضى جمهور المستفيدين؛ فإنه

يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء إدارة تكون قادرة على تحقيق التنسيق بين

المكتبات الوقفية، ومواكبة هذه المكتبات لمتغيرات العصر بما لا يخالف الأحكام

الشرعية وشروط الوقف. ويكون على عاتق إدارة المكتبات الوقفية عدة مهام؛ منها:

1 - الإشراف على عمليات الاقتناء للمكتبات: مما يجعل مقتنيات مجموعة

من المكتبات متوفرة لدى المستفيد، والتي بدورها توفر على المكتبات الكثير من

المخصصات المالية في عملية الاقتناء، فتقوم بوضع قائمة باحتياجات كل مكتبة من

أوعية المعلومات وعناوينها، ومن ثم اختيار المناسب على ضوء الميزانية المقررة،

وهذه العملية تساهم في الحد من تكرار العناوين في المكتبات.

2 - إصدار الفهرس البطائقي أو الآلي: ويتم تعميم هذا الفهرس على

المكتبات المنضوية تحت إشراف هذه الإدارة، كذلك يمكن وضع هذا الفهرس في

شبكة الإنترنت الدولية؛ مما يوحد جهود الفهرسة والتصنيف التي تبذلها كل مكتبة

وتنحصر في نطاق واحد.

3 - التنسيق لخدمة الإعارة التبادلية بين المكتبات: والإشراف على عمليات

الإعارة هذه.

4 - رفع المستوى العلمي للعاملين؛ من خلال القيام بدورات تدريبية للعاملين

تكون بصفة دورية، كذلك الدورات المتخصصة لكل موظف بحسب موقعه

الوظيفي.

5 - القيام بدورات تأهيلية للمستفيد في كيفية استخدام التقنيات الجديدة؛ حتى

يتسنى للمستفيد الحصول على المعلومات التي يريدها دون الاتكال على أمناء

المكتبات، وإصدار النشرات الإرشادية.

6 - تقييم الأعمال ومستوى الخدمات لكل مكتبة، ومعالجة جوانب القصور،

وتدعيم الجوانب الجيدة.

7 - العمل على تعزيز المكانة الاجتماعية للمكتبات الوقفية، وإزالة العراقيل

التي تحول دون تفاعل المجتمع مع أنشطة هذه المكتبات ودعمها، فـ» على الرغم

من المحاولات المكثفة التي تقوم بها المكتبات ومراكز المعلومات من أجل توظيف

فاعل ومُجْدٍ لهذه المادة؛ إلا أنها قد تواجه بعض التحديات المتعلقة بمواكبة

التطورات التكنولوجية السريعة، وملاحقة جميع المنتجات الفكرية، وتزداد هذه

التحديات حدة في البلدان النامية؛ لأن المكانة الاجتماعية اللائقة للمعلومات تكاد

تكون مفقودة، وأن تقادم التجهيزات المسخرة تصاب بالتقادم « [23] .

لقد أدى ضعف المكانة الاجتماعية للمعلومات في المجتمعات الإسلامية إلى

» إعراض الناس عن وقف الكتب والمكتبات على المستفيدين، وعن إلحاقها

بمكتبات حكومية أو أهلية قائمة؛ بحيث تكون متاحة للمستفيدين، بل إن بعض

العلماء والمثقفين الذين يكونون مكتبات جيدة في منازلهم يتركونها للورثة الذين

يضعونها في (الكراتين) أو أكياس الخيش، فتطول بها المدة، وربما تعرضت

للرطوبة والحرارة والأرضة التي تنخر فيها، وتنتهي الفائدة منها فترمى مأسوفاً

عليها، كل هذا بسبب إغفال صاحبها من أن يدرجها في وصيته « [24] .

8 - القيام بتحديد أماكن المعلومة المفيدة من شبكة الإنترنت، وتعريف

المستفيد بأماكن تواجدها، والهدف من هذه الفكرة توفير الوقت والجهد على الباحث

في معرفة مكان المعلومة التي تهمه، خصوصاً أنه يقف حائراً أمام هذا الكم الكبير

من المواقع على الشبكة الدولية. مثال ذلك ما قامت به بعض المكتبات العالمية من

عملية البحث والتنقيب نيابة عن المستفيد، فـ» تعد مكتبة جامعة كورنل

The man Library of cornell University من المكتبات التي طورت أنظمتها الخاصة محلياً؛ من أجل تحديد المعلومات التي تهمها على شبكة الإنترنت؛

حيث قامت إدارة تنمية المقتنيات في تلك المكتبة بتشكيل مجموعة خاصة لها باسم

(منقبو الإنترنت) Prospectors Internet، وهي مجموعة تقوم بإجراء

المسوحات على شبكة الإنترنت للبحث عن المعلومات المتوافرة على الشبكة، والتي

تقع ضمن المجالات الموضوعية للمكتبة، وتزيد في المعرفة العلمية بمختلف

الأدوات المستخدمة في البحث والاسترجاع في مصادر الإنترنت « [25] .

* مكتبة وقفية في الشبكة الدولية:

نظراً لعالمية الشبكة وتوفر الوسائل في وجود الكثير من التراث الفكري

الإسلامي على الشبكة الدولية؛ فإنه من الممكن الوصول إلى مكتبات وقفية يتم

تمويلها بواسطة وزارات الأوقاف في الدول الإسلامية، والجمعيات الخيرية، وأهل

البذل والعطاء من أبناء المسلمين من خلال إنشاء مكتبات وقفية في شبكة الإنترنت؛

بحسب الإمكانات المتاحة وقدرات أبناء المسلمين؛ فلو تم إعداد فرق عمل مختلفة

من مجموعة من العاملين مهمتهم إيجاد مكتبة وقفية للمخطوطات الإسلامية، فتقوم

بـ» نقل المخطوطات الإسلامية ووضعها في إنترنت، وإذا جاء اليوم الذي تصبح

أغلب الكتب الإسلامية مخطوطة ومطبوعة موجودة على الإنترنت؛ فإنه يمكن

للباحثين حينها أن يقوموا بجميع بحوثهم العلمية ودراساتهم الشرعية بدون أن

يغادروا بيوتهم أو يتجشموا عناء السفر بحثاً عن المخطوطات المنتشرة حول العالم «

[26] ، ومجموعة أخرى تكون مهمتها إعداد مكتبة متخصصة بالرسائل الجامعية،

وأخرى بالدوريات الإسلامية.... إلخ.

لقد تم إنشاء بعض المكتبات الإسلامية التي يمكن أن يطلق عليها صفة

(المكتبة الوقفية في شبكة الإنترنت) ، ويمكن أن تكون هذه الجهود ذات أثر كبير لو

تم القيام بتنسيق بين هذه المكتبات، وكذلك التنبه لعدم التكرار في وضع المؤلفات،

ونحن نشتكي من القلة في وفرة الكتب الإسلامية على الشبكة، والمسألة أصبحت

ميسرة في ظل الطفرة الكبيرة في البرمجيات العربية لكتب التراث الإسلامي، فكم

هو جميل أن نرى كتب التراث الإسلامي تزخر بها جنبات شبكة الإنترنت؛ في

نطاق مكتبات إسلامية وقفية إلكترونية، فإذا تحقق فكم من الخير ستحصل عليه

الأمة الإسلامية، وكم في تحققه من فوائد عظيمة؛ منها:

1 - حفظ التراث الإسلامي من مخطوطات وكتب وغيرها؛ في وسائل

حديثة لا يلحق بها الضرر من كثرة الاستعمال، ولها إمكانية الاستخدام لأكثر من

شخص في الوقت الواحد.

2 - التعريف بالإنتاج الفكري الإسلامي، وسهولة وصوله للقاصي والداني؛

دون أن يكلف ذلك الباحثين الكثير من المتاعب التي تواجههم حالياً بالوصول إلى

المعلومة التي يرغبون بها.

3 - الاستفادة من أوعية المعلومات الجديدة، والتي لم تكن مستخدمة من قبل

مثل: الأشرطة السمعية، والأشرطة السمع بصرية، والرسائل الجامعية،

والدوريات الإسلامية.

4 - يوفر ذلك على المكتبات الوقفية القائمة على أرض الواقع من الاستفادة

من مقتنيات المكتبات الوقفية على الفضاء الشبكي؛ مما يوفر الكثير من

المخصصات المالية للحصول على مقتنيات جديدة.

5 - إزالة الحواجز الزمانية والمكانية التي تقف عائقاً أمام الوصول إلى

الوعاء المعلوماتي الذي يرغب في اقتنائه المستفيد.

6 - تساهم في عملية الضبط الببليوغرافي وتوجيه حركة التأليف؛ بحيث

تساهم في معرفة آخر البحوث والدراسات، وعدم التكرار للموضوع الواحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015