مجله البيان (صفحة 4468)

الافتتاحية

ومن يزيل ترسانة (إسرائيل) ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فلأكثر من عقد من الزمان، والعالم مشغول بما (يخفيه) العراق من أسلحة الدمار

الشامل، في وقت يتغافل فيه هذا العالم ويتعامى عما (يعلنه) الكيان اليهودي من

أضعاف أضعاف ما لدى العراق أو ما كان لدى العراق من هذا السلاح!

أسلحة الدمار في العراق دُمرت، وانتهت الشرعية الدولية الجائزة منها لصالح

دولة الجوار «المسالم» (إسرائيل) التي أعدت للعرب كلهم، وليس للعراق

وحدها، ما يكفي لجعل باطن الأرض خيراً من ظاهرها لهم جميعاً.

ماذا يريد هذا العالم الغربي بالوجود العربي؟! .. لا توجد دولة عربية واحدة

ثبت الآن أن لديها سلاحاً نووياً أو كيماوياً أو بيولوجياً، في الوقت الذي ثبت فيه

بكل القرائن والدلائل المعلنة والخفية، أن دولة اليهود جعلت أرض فلسطين تعوم

فوق بحيرة نار من أسلحة الدمار! فبالرغم من أن قوة السلاح التقليدي اليهودي

يتفوق على مجموع قدرات الجيوش العربية المحيطة بـ (إسرائيل) بضمانة

غربية أمريكية، إلا أن تلك الدولة، وبمباركة من أعداء المسلمين جميعاً، أصبحت

تحتل الآن المرتبة السادسة في القوة النووية بعد الدول الخمس الكبرى!

عندما استقرت دولة اليهود بعد إنشائها على يد قوى الغرب، سارع ذلك

الغرب إلى مساعدتها على حيازة الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، فقدمت لها ألمانيا

الغربية مساعدات في مجال الحرب الجرثومية، وزودتها فرنسا بمعامل لتجهيز

ميكروبات الطاعون والحمى الصفراء، أما في المجال النووي، فإن الولايات

المتحدة الأمريكية أهدت حبيبتها وربيبتها (إسرائيل) برنامجاً نووياً عام 1955م،

أطلق عليه وقتها: (برنامج أيزنهاور للذرة من أجل السلام) ! وتبرع علماء الذرة

الأمريكيون بمساعدة اليهود بتطوير هذا البرنامج سراً، ليتحول من برنامج

للاستخدام السلمي إلى برنامج للاستعمال الحربي، وتغاضت الحكومة الأمريكية عن

ذلك.

وفي عام 1954م، أنشأت الدولة العبرية مفاعلاً نووياً في منطقة النقب،

بمعونة فرنسية، واتجه اليهود بعد ذلك إلى دولة جنوب إفريقيا حيث تعاونوا معها

في المجال النووي، وظلوا يستوردون مادة اليورانيوم من دولتهم الغنية بها.

وقدمت البرازيل ومعها دول أوروبية أخرى مساعدات أخرى لليهود على شكل

تبادلات تقنية وتدريبات فنية وإمدادات بالخامات اللازمة. وكانت محصلة هذا

التعاون على الإثم والعدوان أن أصبحت دولة اليهود مسيطرة على أربعة مفاعلات

نووية هي:

- مفاعل ريشون ليفربون، وهو أول مفاعل تم تشغيله عام 1957م.

- مفاعل ناحال سوريك، وبدأ العمل به عام 1958م.

- مفاعل (النبي) روبين، وبدأ العمل به عام 1966م، وكان هدية من

الرئيس الأمريكي الأسبق «ليندون جونسون» .

- مفاعل ديمونا، وهو الذي قامت فرنسا بتصميمه وتنفيذه.

وأيضاً فإن لدى دولة اليهود المستثناة من دخول فرق التفتيش ثلاثة مراكز

ومعاهد تعكف على إنشاء أو تطوير مفاعلات أخرى، وهي: (مركز التدريب

على النظائر المشعة) و (المعهد الإسرائيلي للإشعاع والنظائر) بتل أبيب،

و (معهد العلوم الفضائية) الذي تُجرى فيه التجارب العملية للصواريخ، وتتم

فيه عمليات تحضير الوقود الصلب والسائل.

ولدولة اليهود المدللة لدى الأمم المتحدة ثلاث هيئات رسمية لصنع السياسة

النووية العسكرية: إحداها: لجنة الطاقة الذرية، والثانية: المجلس الوطني للبحث

والتطوير النووي، والثالثة: اللجنة الاستشارية للتطوير بوزارة الدفاع.

أما العراق فإن علماءه مطلوبون للتحقيق خارج العراق بتهمة محاولة الخروج

من السور الحديدي المضروب على العرب جميعاً حتى لا يخرجوا إلى عالم القدرة

على ردع أعدائهم.

حصيلة النشاط الإسرائيلي في المجال النووي وغيره، أثمرت قدرة نووية

يهودية سارت في سلسلة من التطوير، تمت تحت سمع العالم وبصره؛ فقد سربت

مجلة تايم الأمريكية عام 1973 أنباءً تفيد بأن بحوزة (إسرائيل) 13 قنبلة نووية،

وفي عام 1976 نُشرت تقارير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية تفيد بأن

(إسرائيل) أصبح لديها 20 قنبلة نووية، وتصاعد العدد إلى 40، ثم كشف النقاب

بعد قضية الجاسوس الإسرائيلي (فعنونو) في الثمانينيات أن دولة اليهود أصبحت

تمتلك مئتي رأس نووي.

وفي ظل هذا الواقع المفروض على المجتمع الدولي، أصبح هذا المجتمع

متقبلاً بالرضى أو الإكراه كل ما يصدر عن (إسرائيل) من «تجاوزات» أو

«مخالفات» أو «انتهاكات» تعد (تافهة) بالنسبة لما سبق؛ فكون الدولة

العبرية تمتلك قدراً هائلاً من القنابل النووية التكتيكية ذات الرؤوس الصغيرة، فهذا

أمر ينبغي (التسامح) فيه، وكونها تمتلك ما لا يقل عن 35 قنبلة هيدروجينية،

فتلك يجب التغاضي عنها.

أما مخالفة (إسرائيل) لتسع معاهدات دولية لحظر واستخدام أسلحة الدمار

الشامل، فتلك مجرد مداعبة ثقيلة من خفيفة الظل (إسرائيل) .

تعالوا إلى العراق الذي قتلت منشآته ومؤسساته ومستشفياته ومصانعه ومعامله

وقصوره تفتيشاً على مدى اثني عشر عاماً خلت! ماذا بقي في حوزته من خطر

- إذا وُجد - مقارنة بهذا الخطر اليهودي الماحق على الشرق الأوسط كله؟! لقد

ذرعت فرق ولجان التفتيش في السنوات الماضية أرض العراق شبراً شبراً للبحث

عن أي خطر نووي أو بيولوجي أو كيماوي. صحيح أن تلك الفرق وجدت عناصر

خطرة هنا وهناك، ولكنها جميعاً دُمرت بعد ذلك، باعترافات رؤساء تلك اللجان

أنفسهم.

بدأت عملية إزالة أسلحة العراق غير التقليدية في أبريل 1991م بعد انتهاء

حرب الخليج الثانية مباشرة، واعتبرت الولايات المتحدة ذلك الإجراء استمراراً

لتلك الحرب بوسائل أخرى؛ فما حدث بعد تدمير العراق في فبراير عام 1991م،

لم يكن إيقافاً للحرب بل وقفاً لإطلاق النار.

وبموجب قرار وقف إطلاق النار ألزم العراق بتدمير ما لم تقم الحرب بتدميره؛

حيث تبين أن 115 ألف طلعة جوية في 43 يوماً لم تقض إلا على 50% من

أسلحة العراق التقليدية، أما أسلحته غير التقليدية، فلم يستطع الأمريكيون الوصول

إليها؛ لأن حربهم البرية لم تكتمل، وتبين أن العراق لا يزال يحتفظ بعناصر قوته

غير التقليدية بشكل شبه كامل؛ لهذا لجأت أمريكا إلى استكمال الحرب بوسائل

أخرى، وكانت الأمم المتحدة أداتها في ذلك؛ فقد أصدرت تلك الأمم بإيعاز من

الولايات المتحدة قراراً خاصاً بنزع أسلحة العراق يختلف عن كل القرارات السابقة

التي أصدرتها الأمم المتحدة لحظر استخدام أسلحة الدمار الشامل، فأصدر مجلس

الأمن القرار (687) الذي أنشئ بموجبه فريق تابع لوكالة الطاقة الذرية ولجنة

خاصة تابعة للأمم المتحدة، أوكلت إليهما مهمة تفتيش وتدمير أسلحة العراق غير

التقليدية بشكل كامل، وعلى نفقة الحكومة العراقية - عفواً - بل على حساب

الشعب العراقي.

كان هذا القرار حالة استثنائية؛ فالأمم المتحدة رأت أن قراراتها السابقة

المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل لا تعطي إلا (صلاحيات محدودة) .. وأمريكا تريد

صلاحيات (غير محدودة) ، فصدر القرار (687) لينشئ وضعاً جديداً، عبَّر

عنه (رالف أكيوس) رئيس فريق التفتيش السابق بقوله: «أنشئت اللجنة الخاصة

للعراق فقط، فلدينا حرب شنت بأمر الأمم المتحدة، ولدينا قرار بوقف إطلاق نار

يوجب على العراق نزع أسلحته» وكان ذلك القرار قد نص من باب النفاق على أن

عملية نزع أسلحة العراق، هي مقدمة لعمليات مشابهة لنزع أسلحة الدمار الشامل

من منطقة الشرق الأوسط كلها!!

والآن.. وبعد مضي اثني عشر سنة على عدم التقدم خطوة واحدة من اللجان

للتفتيش في (إسرائيل) ، نرى أن ذلك (الوعد) يبدو أنه سيطبق على دول أخرى

بعد العراق باستثناء إسرائيل بالطبع فتطالب أمريكا أي دولة تريد إذلالها بالسماح

بدخول فرق التفتيش إلى أراضيها. ثم يبدأ مسلسل التهديد والوعيد، ثم الهجوم

المبيد!!

إن ما يجري الآن في العراق هو مهزلة بكل المقاييس وهي قابلة للتكرار في

بلدان أخرى عربية وإسلامية، ويشارك في صنع تلك المهزلة العالم الذي أجمع

على موافقة أمريكا على إعادة فرق التفتيش إلى العراق، وليس إلى (إسرائيل) !

إن الحجة المعلنة في ذلك هي أن العراق استخدم بالفعل أسلحة غير تقليدية.

وهنا نقول: إن دولة اليهود أيضاً استخدمت أسلحة غير تقليدية مرات عديدة

ضد العرب في حروبها معهم، فبعد ثمانية عشر شهراً فقط من خروج الأفعى

اليهودية من بيضتها، استعملت السلاح غير التقليدي؛ ففي بعض العمليات المتعلقة

بحرب 1948، استعمل اليهود السلاح الجرثومي، وأطلقوا ميكروبات الدوسنتاريا،

واستخدموا بعد ذلك في حروبهم قنابل النابالم المحرمة دولياً، وكذلك القنابل

العنقودية، وطلقات دمدم وغيرها.

وإسرائيل تتأسى في ذلك بقدوتها في الشر أمريكا التي كانت الأولى في

استعمال القنبلة النووية في مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، والتي

استعملت في حربها ضد العراق نفسه اليورانيوم المنضب الذي أصبح عامل تهديد

لسكان المنطقة لعشرات أو مئات السنين.

إن موافقة العالم أجمع على القرار 1441 القاضي بإعادة المفتشين إلى العراق

دون الإشارة - ولو الإشارة - إلى ترسانة الإرهاب المسماة (إسرائيل) لهي دليل

جديد على أن هذا العالم يحتاج إلى قيادة رشيدة بدلاً من تلك القيادة الرعناء المسماة

بالأمم المتحدة التي أصبح الإنجيليون واليهود يديرونها اليوم من البيت الأبيض

والكنيست الإسرائيلي، وحاجة البشرية اليوم إلى الإسلام العظيم بعدله وإصلاحه

أعظم من حاجتها في أي عصر مضى؛ فاللهم عجل بنصر الإسلام وعز المسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015