قضايا ثقافية
محمد بوراس [*]
يبرز اسم محمد أركون في ساحة الفكر العربي المعاصر بشكل قلق ومثير
للجدل؛ بوصفه أحد أصحاب المشاريع الفكرية ذات الهاجس النقدي التي تروم تقديم
قراءات جديدة للتراث الإسلامي بنصوصه المختلفة، إلى جانب أسماء كثيرة كمحمد
عابد الجابري، وحسن حنفي، وطيب تيزيني، وغيرهم.. وتشكل الملامح
الكبرى لمشروعه الفكري داخل ما يسميه: «الإسلاميات التطبيقية» والتي تهدف
إلى إحداث قطيعة جذرية مع الدراسات الإسلامية التقليدية التي تطبعها الرؤية
السكونية؛ بحيث لم تستطع الارتقاء إلى مستوى التجاوب مع أسئلة العقل النقدي..
وذلك بالاعتماد على مجموعة من المناهج والأدوات المنتجة في إطار التطور الذي
عرفته العلوم الإنسانية في الغرب، وخصوصاً المنهج التفكيكي الحفري بمفهومه
الفوكوي (نسبة إلى ميشيل فوكو) ، كأساس للقراءة النقدية للتراث.. ولهذا فإن
الهدف الأساسي لأبحاث أركون هو تأسيس أو بناء نظرية جديدة في التعامل مع
التراث تقوم على نقد بنيته التكوينية وآلياته المعيارية، ثم ضرب مقوماته الأصيلة
عن طريق إخضاعه للنموذجية الغربية في التفكير.. وهي النظرية التي تحكم نسقية
المشروع الأركوني واستراتيجيته النقدية كما تترجم عنها أعماله الفكرية منذ رسالته
الجامعية عن «مسكويه فيلسوفاً ومؤرخاً» (1970م) ، ثم مؤلفاته التالية مثل:
«قراءات في القرآن» (1983م) ، و «محاولات في الفكر الإسلامي»
(1973م) ، و «الأنسية العربية في القرن الرابع الهجري» (1982م) ،
و «نقد العقل الإسلامي» (1984م) : و «الإسلام: الأخلاق والسياسة»
(1987م) ، وغيرها من البحوث والدراسات المتناثرة هنا وهناك.. ونحن لن ندعي
الإحاطة بكل ما كتبه أركون في هذه القراءة التي نعتبرها أولية وتمهيدية في أفق
إنجاز دراسة تحليلية شاملة مستقبلاً بإذن الله تعالى؛ بل كل ما نطمح إليه هنا هو
إضاءة بعض الجوانب الأساسية من الأطروحة الأركونية واختياراتها النقدية التي
تعكس توجهاً فكرياً عاماً لتيار فلسفي أصبح لمقولاته صدى خطير في واقعنا
الثقافي المعاصر.
1 - معالم مشروع نقدي:
ينطلق محمد أركون كما قلنا في كل أعماله من منظور نقدي قائم على تصور
معين للتراث الإسلامي ونتاجه الفكري؛ فمشروعه كما يقول يرمي إلى «إعادة
كتابة جديدة لكل تاريخ الفكر الإسلامي والفكر العربي» [1] .
والمقصد الأساسي لهذه العملية هو تتبع المساحات الخفية التي ظلت بعيدة عن
مجال النقد والتفكير، وكل ما يدخل ضمن دائرة ما يسميه «اللامفكر فيه»
المستحيل التفكير فيه، ولعل هذا هو المحور الأساسي الذي يدور عليه المشروع
الأركوني في جملته. يقول: «إن معظم الأسئلة التي ينبغي طرحها على التراث
تدخل في دائرة» اللا مفكَّر فيه «أو» المستحيل التفكير فيه «، هذا يعني أن
السؤال المطروح ليس هو: ما هي الأشياء والموضوعات التي فكر فيها الفكر
العربي المعاصر، وهل فكر بشكل جدي وصحيح أم لا؟ وإنما هو: ما هي الأشياء
التي لم يفكر فيها حتى الآن؟ وما هي الموضوعات التي لم يطرقها؟» [2] .
أي أن سلطة الهاجس النقدي بمفهومه الشمولي هي التي تؤسس مفاهيم
الخطاب الأركوني وتصوغ طروحاته في شكل أسئلة لا تقدم لها غالباً إجابات
واضحة ومحددة، وهنا تبرز إحدى الخصائص الأساسية لهذا الخطاب باعتباره
يستتر تحت عباءة البحث عن «اللا مفكر فيه» داخل التراث، في حين أنه
يمارس نوعاً من الإجهاض المتعمد لعناصره الإيجابية في مقابل إحياء كل الجوانب
السلبية التي لفظها التاريخ؛ ولهذا فهو يقول: «ينبغي للتراث الكلي أن يتعرض
لتفحص أركيولوجي صبور وعميق من أجل العثور على أجزائه المجهضة
والمستبعدة والمحتقرة، وإعادة كتابة تاريخها أو تركيبها إذا أمكن، وليس فقط من
أجل التركيز على صيغه الثابتة أو اتجاهاته الراسخة المرتبطة إلى حد كبير بالدولة
الرسمية والدين الرسمي» [3] ، وبعبارة أخرى: إنه يعمل على «خرق
الممنوعات وانتهاك المحرمات» التي «أقصت كل الأسئلة التي كانت قد طرحت
في المرحلة الأولية والبدائية للإسلام، ثم سُكِّرت وأغلقت عليها» [4] .
وإذا تساءلنا عن ماهية التراث الذي يريد ممارسة آليته النقدية عليه، كان
الجواب أنه «مجموعة متراكمة ومتلاحقة من العصور والحقب الزمنية. إن هذه
القرون المتطاولة متراتبة بعضها فوق البعض الآخر كطبقات الأرض الجيولوجية أو
الأركيولوجية، وللتوصل إلى الطبقات العميقة، أي القرون التأسيسية الأولى.. لا
بد من اختراق الطبقات السطحية الأولى والوسطى.. لا بد لمؤرخ الفكر كما يقول
» فوكو «أن يكون أركيولوجي الفكر» [5] ؛ ليتبين بوضوح أن مفهوم التراث
غير مفصول في أبعاده الكاملة عن المنهج الذي يتبناه قبلاً؛ بحيث يبدو أن استعارته
لمفهوم الحفر الأركيولوجي هو الذي بلور هذه الصفة الجيولوجية للتراث، ليعطي
إحساساً بالجمود والسكونية يسريان في تلافيف الطبقات المكونة له.. ولعل هذه
الصورة تبدو أكثر وضوحاً عندما نتعرف على التركيبة الداخلية لهذه الطبقات، أي
العناصر الثاوية تحت مسمى التراث كما يفهمه أركون؛ فهو يقول: «ولكن هذه
الفصول المكتوبة من قبل باحثين متخصصين ليست إلا عبارة عن وصف للمعارف
المتراكمة المتعلقة بكل موضوع أتى به التراث كالشعر الجاهلي، والنثر العربي
البدائي، والرسالة النبوية، والقرآن والحديث والسيرة والشعر الأموي والتأثيرات
اليونانية والفارسية على الأدب العربي» [6] .
إذن؛ فالتراث حسب هذه الرؤية بنية تراكمية تشكلت عبر أجيال متلاحقة،
وتتكون من مزيج من المعارف المتداخلة بطريقة لا يفصل فيها بين الإلهي والبشري،
وهو ما يعطيه مضموناً ثبوتياً يقتضي إنتاج قراءة تفكيكية لمكوناته الداخلية؛
وعلى ذلك فإن المنهج يتحدد انطلاقاً من التصور الأركيولوجي للمعرفة؛ باعتبار أن
صفة التراكم التي تميز التراث تفرض التعاطي مع منتجاته المعرفية بشكلها
المتداخل والأفقي في حدود معطيات هذا التصور والمنهج الذي ينتجه.
وإذا كانت ممارسة القراءة النقدية تستلزم التسلح بآليات منهجية محددة يستطيع
من خلالها القارئ الوصول إلى نتائج وخلاصات معينة، فإن أركون في اهتمامه
بمثل هذه القراءة حريص على الطابع المنهجي أكثر من حرصه على الوقوف على
النتائج والخلاصات النهائية، أي أن كتاباته تتضمن مشاريع في البحث بما تقدمه
من خطاطات أكثر مما تعطي من إجابات عن الأسئلة التي تطرحها؛ فهو يقول:
«سوف أكتفي بالتنصيص على بعض المبادئ الحادة والقاطعة بهدف
إثارة الاعتراضات والتحفظات، ومن ثم التفكير والمناقشة النقدية، أكثر مما تهدف
إلى تقديم نتائج وإجابات جاهزة» [7] ، فإذا بحثنا عن ملامح المنهج النقدي الذي
يطبقه في دراسته للفكر الإسلامي وتراثه، فإننا نكاد لا نظفر بمعالم محددة
يمكنها أن تساعدنا على القبض عليه في صورته الثابتة؛ فهو وإن كان في شكله
العام منهجاً حفرياً تفكيكياً، إلا أنه يوظف مجموعة من الأدوات ويستخدم ركاماً من
المناهج، تبدو معها كتاباته وكأنها معرض متنقل لما أنتجه الفكر المعاصر وما
ابتكره العقل الغربي؛ ولذلك فهو لا يفتأ يلحُّ على ضرورة التسلح بالأدوات
المنهجية التي تبلورت منذ الخمسينيات في مجال العلوم الإنسانية بشتى فروعها
من التاريخ واللسانيات والأنتربولوجيا وعلم النفس بجميع مدارسه وعلم الأديان
المقارن، والسيمولوجيا، ثم الابستمولوجيا والفلسفة، لتجد مؤلفاته حافلة بأسماء
كثيرة من قبيل: ماركس، وفرويد، وستراوس، وباشلار، وألتوسير، وبارث،
وفوكو، وبلاندياي، وديريدا، وبورديو، وريكور، وبروديل، وغودولي،
وغيرهم، إضافة إلى تكثيفه لمجموعة من المفاهيم المنتجة داخل المجال الحيوي
للفكر الغربي منها: رأس المال الرمزي، الزمن الطويل، التقطيع الميثي،
التاريخية، الخطاب السيميائي، اللا مفكر فيه، المكبوت، البنية العميقة،
الابستيمي، مديونية المعنى ... إلخ.
وهذا ما يجعل خطابه مسكوناً بهاجس التغيير بدعوى تجديد آليات الفكر
الإسلامي وربطه بفتوحات الحداثة الفكرية، عن طريق الاستفادة من المناهج
الجديدة؛ حيث يقول: «ينبغي علينا إعادة تشكيل علم الربوبية، وعلم ثيولوجيا
الوحي، وعلم ثيولوجيا التاريخ، وثيولوجيا الأخلاق وفلسفة القانون، إلخ.. ولكي
ننجز كل هذا العمل بشكل مُرْض نحتاج أولاً إلى تشكيل علم لسانيات حديث للغة
العربية، وتشكيل نظرية متماسكة للتأويل وتشكيل علم سيميائيات الخطاب الديني،
ثم تشكيل نظرية للرمز وأنتروبولوجيا سياسية؛ مع نظرية متكاملة عن المشروعية
العليا والسلطات التنفذية والديالكتيك الذي يربط بينهما. كل هذا نحتاجه وكل هذا لا
يزال ينقصنا في الساحة الإسلامية وفي الناحية العربية. وهذا يشكل بحد ذاته
برنامجاً ضخماً لمن يريد أن يعيد التفكير في الإسلام بالمعنى الجذري الاستراتيجي
للكلمة» [8] .
وبإزاء هذا التحديد لا نملك إلا أن نطرح الأسئلة الآتية: هل ننتظر تشكل كل
هذه العلوم والنظريات من أجل إعادة التفكير في الإسلام؟ ولماذا؟ هل الإسلام
والتفكير فيه يحتاج لكل هذا الركام من المعارف والمنهجيات التحليلية؟ ثم ما هو
الأساس المنطقي الذي يمكنه إقناعنا في حالة تشكل هذه العلوم بأن ما نتوصل إليه
عن طريقها هو الحقيقة النهائية؟ وما الذي سيستفيده الإسلام والفكر الإسلامي من
ذلك؟ وما الهدف النهائي لكل ذلك؟ إن الروح النقدية بجميع مستوياتها تسيطر
بشكل خطير على سيرورة الخطاب الأركوني وتوجهه بكيفية آلية عبر متاهاتها
الغامضة لينبثق عنها ما يمكن اعتباره توتراً نقدياً من الدرجة الأولى غايته نسف
أساسيات العقل الإسلامي وكل ما أنتجه من تراث فكري؛ فالمطالبة بإعادة تشكيل
مناهج النظر والقراءة بالكيفية التي تتلاءم ومنتجات الفكر الأوروبي المعاصر،
إضافة إلى كونها تعبر عن نوع من الهزيمة الفكرية والاستلاب الثقافي فإنها تساهم
في تأكيد الصورة الثبوتية والمنغلقة للإسلام وتراثه؛ من حيث إنه يحتاج إلى أدوات
خارجية ومفصولة عنه حتى يمكن التفكير فيه بطريقة «علمية» ؛ أي أنه لا يملك
أدواته الخاصة المنتجة ذاتياً انطلاقاً من تفاعل عناصره الداخلية بالشكل الذي يفجر
القوى الكامنة فيه ويبرزها، في سبيل صياغة منهج إسلامي متكامل وواضح المعالم،
ينطلق من النص كفاعلية ويجعل من قاعدة الاجتهاد مدماكاً لتفعيل حركية الوعي
بأشكاله المختلفة، ثم يرتقي بالفكر إلى درجة من العقلانية تسقط فيها الحدود بين
المثال والواقع، وتزول التقسيمات المفتعلة بين العقل والنقل، وبين المادة والروح،
وبين الظاهر والباطن.. وهو الشيء الذي يرفضه أركون من خلال حديثه عن
العقل الإسلامي وتركيبته الداخلية وكيفية نشأته وطرائق اشتغاله في التاريخ
والمجتمع من خلال دراسته التحليلية لرسالة الشافعي؛ حيث خلص إلى أن العقل
الإسلامي الكلاسيكي تفرع إلى عقول إسلامية متنافسة، ثم تحول فيما بعد إلى عقل
إسلامي أرثوذكسي صلب ومغلق على ذاته [9] . وهذا يعني نزع صفة العقلانية عن
هذا العقل ومنتجاته الفكرية انطلاقاً من انغلاقه الأرثوذكسي وتشبعه بمفاهيم وقيم
موروثة عن عصور سيادة اللاهوت والتصورات الميثولوجية! ولأن الهدف
الرئيسي عند أركون من الدراسة الأنثروبولوجية الدينية للتراث الإسلامي هو
«توضيح التنافس المستمر بين المعرفة الأسطورية والمعرفة العقلانية
وروابطها المتغيرة والمتحولة» [10] ، فلا بد أن تأتي تأكيداً لهذه الخلاصة النظرية
التي تقول: «إن الفكر العربي الإسلامي لا يمكنه الانفتاح على العقلانية الحديثة
بشكل فعلي ودائم وناجح إلا بتفكيك مفهوم» الدوغمائية «ومفهوم» الأرثوذكسية «
الخاصين بتراثه هو بالذات، وما دام المؤمن سجين نظام الإيمان، وما دام
الإيمان الأرثوذكسي سجين المقولات الميثولوجية القروسطية، وغير قادر على فتح
كوة أو ثغرة على الخارج، أي على العقلانية العلمية والفكر التاريخي فسوف يراوح
مكانه» [11] .
وهكذا فإن هذه الممايزة بين شكلين من أشكال المعرفة التي يتقاطع فيها
الأسطوري بالعقلاني بطريقة تنافسية، يسوغ أي انزياح نقدي في اتجاه تحطيم أحد
الشكلين لصالح الآخر.. وما دام أن العقلانية تبقى هي الخيار الوحيد أمام الفكر
الإسلامي لتحقيق انطلاقته، فلا بديل سوى تحطيم أساسيات المعرفة الأسطورية
داخل بنيته.. ولئن كان أركون يستعمل مصطلح التفكيك تعبيراً عن آلية منهجية في
النقد والقراءة، فينبغي صرفه إلى معنى التحطيم والتدمير كما تبلور على يد كل من
هايدجر ونيتشه ودريدا، أما العقلانية فلا ريب أنها تعني عقلانية الغرب كما
اتضحت معالمها منذ ما سمي بـ (عصر الأنوار) ، وهي تقوم على استبعاد
المرجعية الدينية وتقويض اليقين الغيبي ومعطيات الوحي، وبناء على ذلك فإن
الفكر الإسلامي الذي تحكمه الرؤية الأسطورية القروسطية كما يرى أركون مدعو
للدخول في الحداثة الفكرية بكل أبعادها انطلاقاً من الانفتاح على العقلانية المعاصرة
من جهة، وتحطيم الموروث الديني من جهة أخرى!
والملاحظ هنا أن أركون لم يأت بجديد يتميز به عمن سبقوه من دعاة التغريب؛
إنه نفس الخطاب الذي أنتجته الصدمة الأولى مع الغرب، يتكرر في ثوب جديد،
بلغة أكثر حداثة لا تميزها سوى زخارفها اللفظية وتعبيراتها المفخمة مع ذلك الركام
من المفاهيم والمصطلحات العسيرة الهضم.. فالطريق إلى «الحداثة» التي يريد
أركون وغيره إدخال الإسلام وأهله فيها، يمر عبر التحرر من سلطة النص الذي
تكونت في ظله ثوابت العقل الإسلامي ومحدداته التي تشكلت منها بنية النظام
المعرفي داخل بناء الثقافة الإسلامية، والتي يحدد أركون أهم خصائصها فيما يلي:
1 - الخلط بين الميثي (الأسطوري) والتاريخي.
2 - التدعيم القطعي للقيم الأخلاقية الدينية انطلاقاً من القرآن والسنة.
3 - التأكيد اللاهوتي لتفوق المؤمن على غير المؤمن، والمسلم على غير السلم.
4 - حصر وظيفة العقل في الاجتهاد وتأويل الوحي (النص المقدس) .
5 - تقديس اللغة، والتركيز على قدسية المعنى المرسل من قبل الله.
6 - التأكيد على تعالي المقدس وتجاوزه التاريخية [12] .
وهو تحديد يقوم على إبراز مجموعة من الثنائيات المتضادة: الأسطورة /
التاريخ، الإيمان / الكفر، العقل / الوحي، التعالي / التاريخية.. من أجل إعطاء
تفسير لما يسببه «الابيستمي الإسلامي» ، أساسه رفض طابعه التقديسي، ومن ثم
تجاوزه بوصفه خطاباً ومنظومة قيم، إضافة إلى تقديم تصور جديد للعلاقة بين
المنظومات الفكرية التي تشكلت تاريخياً داخله.
من هنا فأركون مثلاً لا يميز بين السنة والشيعة رغم ما بينهما من اختلاف؛
لأنهما بكل بساطة يستخدمان نفس المبادئ والقواعد والآليات، أي أنهما يعتمدان
نفس النظام المعرفي، ونفس العقلية الدوغمائية ونفس المفهوم الآحادي للحقيقة،
ونفس استراتيجية الرفض التي تبديها كل فرقة إزاء الأخرى [13] .
وعلى ذلك فإن توجهه النقدي محايث للتحديد السابق، إن لم نقل إنه ينطلق
منه كمقدمة لإنجاز مشروعه في نقد العقل الإسلامي.. وإذا كانت «المشكلة مع
التراث كما يرى أركون أنه لا توجد حدود واضحة بين الميثوس واللوغوس» [14] ؛
فمن الطبيعي أن تتوجه إرادته في تفكيك هذا التراث إلى محاولة كشف هذه الحدود،
انطلاقاً من إعادة إنتاج آليات نقدية تستجيب للتطورات المعرفية التي يشهدها هذا
العصر بكون هدفها الأساسي هو تحرير العقل الإسلامي من الأساطير العديدة التي
تشوبه [15] .
ويبقى هذا الهاجس التحريري طاغياً على المضمون العام للمشروع الأركوني
باعتباره «استراتيجية معرفية للفتح والتحرير» أي «فتح العقليات المغلقة
وتحريرها» [16] ، ومن هنا فهو لا يفتأ يبشر باليوم الذي تنتصر فيه الحداثة
الفكرية؛ حيث يتم الخروج من الحالة الثبوتية التي وصل إليها الإسلام بعد تحوله
إلى أرثوذكسية، أي «من طاقة تغييرية انبثاقية إلى تصور ثابت وثبوتي للحقيقة»
[17] .
بناء على ما تقدم، فإن التصور الأركوني في جملته يبقى سجين معايير مسبقة
وجاهزة عن «الحداثة» و «العقلانية» ، تنتصب مثل أصنام جامدة! وهو
تصور يرتكز أساساً على محاكمة غير عادلة لمنتجات الفكر الإسلامي الذي نشأ في
إطار تاريخي معين، وتطور ضمن سيرورة خاصة، وتشكلت مفاهيمه من خلال
تفاعله مع النص القرآني وعبر اندماج تكاملي بين معطيات الوحي ونتاج التجربة
الإنسانية؛ وذلك من خلال منتجات فكر آخر تحكمه قوانين تاريخية مختلفة في
نشأته وتطوره، وله مفاهيمه الخاصة وتجربته المغايرة.. وتلك هي المغالطة
الكبرى التي يقع فيها كل المفكرين الذين يمثلون تيار «الحداثة الفكرية» وأركون
أشهرهم.
2 - القرآن في ميزان النقد!!
إن تعامل محمد أركون مع النص القرآني ينطلق من اعتباره جزءاً من التراث
الذي يستلزم القراءة النقدية، وإعادة كتابة تاريخه وفق محددات المشروع الذي
يتبناه.
بمعنى أن القرآن ليس أكثر من نص تشكَّل تاريخياً ضمن شروط معينة كغيره
من النصوص التي يحفل بها الموروث الفكري للحضارة الإسلامية، مثله في ذلك
مثل الشعر الجاهلي أو الشعر العباسي أو غيرهما من منتجات الفكر الإنساني عبر
العصور المختلفة.. وهو ما يعني نزع القداسة عنه باعتباره نصّاً إلهياً له
خصوصيته؛ من حيث إخضاعه للنقد التفكيكي والقراءة الحفرية عن طريق توظيف
كل المناهج الممكنة من أجل «فرض قراءة تاريخية» عليه [18] ، ومن ثم
إخضاعه «لمحك النقد التاريخي المقارن، وللتحليل الألسني التفكيكي، وللتأمل
الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى وتوسعاته وتحولاته وانهدامه» [19] . وكل ذلك
بهدف «استنطاقه عن مشروطيته وحدثيته، كاشفاً عن تاريخيته الأكثر مادية
ودنيوية، والأكثر يومية وعادية، بل الأكثر شيوعاً وابتذالاً» [20] .
وهكذا فإن موقفه من القرآن لا يتميز في شيء عن موقفه من التراث عموماً،
وهو وإن كان يعتبر «أن الدراسة العلمية للمقدس لا تعني الانتقاص منه أو المس
به، وإنما تعني فهماً أفضل لكل تجلياته وتحولاته، وتحذيراً لبعض الفئات أو
بعض الأشخاص من التلاعب به لمصالح شخصية أو سلطوية» [21] ؛ فإنه لا
يخفي نزعته التشكيكية في دراسته هذه، بل إنه يقول في نفس السياق: «ويمكنني
أن أقول بأن المقدس الذي نعيش عليه أو معه اليوم لا علاقة له بالمقدس الذي كان
للعرب في الكعبة قبل الإسلام، ولا حتى بالمقدس الذي كان سائداً أيام النبي» [22] ..
وبناء على ذلك فهو يشكك في الرواية الإسلامية لقصة جمع القرآن، حيث يقول:
«راح الخليفة الثالث عثمان (أحد أعضاء العائلة المعادية لعائلة النبي) يتخذ
قراراً نهائياً بتجميع مختلف الأجزاء المكتوبة سابقاً والشهادات الشفهية التي أمكن
التقاطها من أفواه الصحابة الأُوَل. أدى هذا التجميع عام 656م إلى تشكيل نص
متكامل فرض نهائياً بصفته المصحف الحقيقي لكل كلام الله كما قد أوحي إلى محمد.
رفض الخلفاء اللاحقون كل الشهادات الأخرى التي ترى تأكيد نفسها (مصداقيتها) ؛
مما أدى إلى استحالة أي تعديل ممكن للنص المشكل في ظل عثمان» [23] ، بل
إن هذا التشكيك يمتد إلى طريقة تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن وكيفية
نقله عنه حفظاً وكتابة؛ حيث ينتقد الرواية الرسمية القائلة بأنه «عندما ينقل محمد
سورة قرآنية فإنه عندئذ ليس إلا أداة بحتة للتوصيل والنقل دون أي تدخل شخصي،
وأنه فقط يتلفظ بكلام الله، وهو إذن الناطق بكلام الله في اللغة العربية، كان
هناك شهود وصحابة يحيطون به في أثناء ذلك، وقد حفظوا عن ظهر قلب السور
واحدة بعد الأخرى، ويطيب للتراث المنقول أن يذكر أنه في حالات معينة فإن
بعض السور كان قد سُجِّل كتابة فوراً على جلود الحيوانات وأوراق النخيل أو
العظام المسطحة.. إلخ.. واستمر هذا العمل عشرين عاماً» [24] .
وبعد إثارة هذه الشكوك حول ما نقل من روايات عن حقيقة كتابة وجمع
القرآن سواء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد خلفائه وخاصة
عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فإنه ينتقل إلى تحديد ما يعتبره مهام عاجلة تتطلبها
المراجعة النقدية للنص القرآني، فيقول: «ينبغي أولاً إعادة كتابة قصة تشكُّل هذا
النص بشكل جديد كلياً، أي نقد القصة الرسمية للتشكيل التي رسخها التراث
المنقول نقداً جذرياً، هذا يتطلب منا الرجوع إلى كل الوثائق التاريخية التي أتيح لها
أن تصلنا سواء كانت ذات أصل شيعي أم خارجي أم سني. هكذا نتجنب كل حذف
تيولوجي لطرف ضد آخر، المهم عندئذ هو التأكد من صحة الوثائق المستخدمة.
بعدها نواجه ليس مسألة إعادة قراءة هذه الوثائق فحسب، وإنما أيضاً محاولة البحث
عن وثائق أخرى ممكنة الوجود كوثائق البحر الميت» [25] .
وإذا تساءلنا عن الدواعي الحقيقية والمنطقية لمثل هذه المراجعة، وهل هناك
ما يجعلها ضرورة «علمية» ؟ وجدنا أن الدافع الأساسي لهذا التوجه إنما هو
محاولة توحيد الرؤية حول الأديان التوحيدية، باعتبارها تجسد ظاهرة الكتاب
الموحى، وما ينشأ عن ذلك من تشكيل متخيل مشترك لدى المجتمعات الكتابية
محوره «هو الكلام المتعالي والمقدس والمعياري لله» حيث «اعتاد الجميع على
إبراز الأديان التوحيدية بصفتها وحياً معطى أو نزولاً لله في تاريخ البشر بحسب
ذلك المجاز القرآن (التنزيل) الذي يجد مقابلاً له في العقيدة المسيحية القائلة
بتجسيد الله الأب في يسوع المسيح الابن. إن هذا الوحي المعطى متعالٍ ومقدس
ويهدي البشر في تاريخهم الدنيوي لكي يحصلوا في نهاية المطاف على نجاتهم في
الدار الآخرة» [26] .
فإذا كانت التوراة والأناجيل قد تعرضت للنقد والتفكيك وطبقت عليها كل
المناهج المعاصرة في قراءة النصوص، فإن القرآن باعتباره يشترك معها في نفس
الخصائص العامة لكل كتب الوحي، لا ينبغي أن يخرج عن القاعدة، ويجب
إخضاعه لنفس المعايير النقدية، من أجل الوصول إلى نفس النتائج؛ ولذلك نرى
أركون يتأسف لأن الديانتين السابقتين قد شُكِّك في كتابيهما «أما الإسلام، ومن ثم
القرآن، فقد بقي في منأى عن انقلابات الحداثة وشكوكها» [27] .
ولعل في قيامه بالمراجعة النقدية للقرآن ما يلبي حاجته إلى إيجاد مجال حيوي
لاستخدام ترسانته المعرفية المتراكمة من العلوم الاجتماعية والإنسانية!
إن القراءة النقدية التي يباشرها أركون للنص القرآني تدخل ضمن تصور
خاص لظاهرة الوحي يحاول من خلاله أن ينزع عنه طابعه المقدس باعتبار أن هذه
القداسة إنما هي رداء تم إضفاؤه عليه عن طريق تحويله إلى «نص مثبت ومحدد
في مصحف مغلق راح يُستغل ... باعتباره مجموعة من الصيغ المعيارية التي تحدد
المفكَّر فيه على المستوى المعرفي، وتحدد المؤسسات والقانون على المستوى
السياسي والقضائي» [28] ، وهو تحويل تم عبر «عملية الأسطرة التي طالت
الحدث التاريخي التأسيسي الأول وحولته إلى حدث أسطوري» [29] ، والمقصود
بهذا الحدث التأسيسي الأول هو نزول الوحي.. وهذا ما يجعل القرآن يبدو كأنه
نوع من الأسطورة [30] .. والأسطورة كما يعرفها تعبير عن معنى مثالي مفتوح
وفق تاريخية تعتمد الترميز الفني الذي يختلط فيه الخيالي بالعقلاني [31] ..
فالخطاب القرآني في رأيه نموذج للتعبير الميثي (الأسطوري) ، يقول: «إن
الحكايات التوراتية والخطاب القرآني هما نموذجان رائعان من نماذج التعبير الميثي
(الأسطوري) » [32] . وإذا كان أركون قد أشار في بعض حواراته إلى أن ترجمة
كلمة (Mythe) ليست أسطورة، وأن مترجم كتابه «الفكر العربي» عادل
العوا قد أخطأ حينما ترجم جملة:
(Le Coran est un discours de Structure mythique)
بعبارة: «القرآن خطاب أسطوري البنية» ، وأنه ما قصد ذلك بل قصده أن
يقول: «إن القرآن قصصي البنية» [33] ، ورغم تأكيد تلميذه ومترجم مؤلفاته هاشم
صالح على أن «كلمة أسطورة في استخدامات أركون لها مأخوذة بمعناها
الوصفي الأنتروبولوجي وليس بأي معنى سلبي» [34] .. فإن القارئ لكتاباته يستنتج
العكس؛ حيث تأتي دائماً لتعبر عن المقابل السلبي للعقلانية والفكر العلمي،
مرادفة للمتخيل والمثالي واللا معقول.. فهو مثلاً يعول من بين أهداف دراسته
للتراث «توضيح التنافس المستمر بين المعرفة الأسطورية والمعرفة العقلانية
وروابطها المتغيرة والمتحولة» [35] .
فإذا بحثنا عن الجانب الذي يمثله النص القرآني داخل هذا التصنيف المعياري،
وجدنا من القرائن ما يثبت أن هذا النص باعتباره جزءاً من التراث حسب رؤية
أركون يعبر عن معنى أسطوري يتجسد من خلال خطابه المثالي وبنيته الفكرية التي
تترجم عن نوع من التعالي وتجاوز التاريخ؛ ولذلك فمما يعيبه أركون على
المستشرقين «تقديمهم للقصص القرآني والحديث النبوي والسيرة على أنها
تشكيلات استدلالية وعقلانية في حين أنها مدينة للمخيال الذي يبلور الأساطير
الخاصة بأصول كل فئة أو ذات جماعية، وتساهم في تأسيسها وإنجاز هويتها»
[36] .. إضافة إلى هذا فإنه يحاول أن يضفي الطابع الأسطوري على معطيات
التجربة الإسلامية وقيمها المختلفة انطلاقاً من إقامة نوع من التقابل بين فكر
أسطوري وآخر علمي، فيقول: «إن الفكر الأسطوري أو الأيديولوجي هو وحده
القادر على التحدث باسم المعايير الإسلامية» الموضوعية «، وبلورة هذه المعايير
بشكل مطمئن وواثق من نفسه؛ ذلك أن التفكير العلمي يرى أن هذه المعايير غير
موجودة بل تنتظر أن يتم البحث عنها وترسيخها أو تسويغها باستمرار» [37] ،
وهذا يعني أن هذه المعايير التي تبلورت من خلال الخطاب القرآني أصلاً لا يمكن
أن تعبر عن حقيقتها إلا عبر نموذج أسطوري ينجلي في الواقع بشكل طبيعي
ومقبول؛ لأنها تحمل في داخلها بذور هذا النموذج؛ فهي ذات مضمون وبنية
أسطورية تتشكل عبرهما تمظهراتها الخارجية؛ ومن ثم فهي لا تقبل أي تكييف
علمي لبلورة مفاهيمها أو صياغة صورتها الواقعية.
وهكذا يتبين أن أركون في تحليله لعلاقة الأسطوري بالمقدس يزاوج بينهما
انطلاقاً من أن أحدهما يعبر عن الآخر، أو أنهما يعبران عن شيء واحد، على
اعتبار أن تشكلهما كان متلازماً، أي أن كلاً منهما تشكل تاريخياً من خلال الآخر
وبه، ومن ثم لا يمكن الفصل بينهما.. ولعل هذا هو الأساس الذي يَبْنِي عليه
قراءته لمجمل التراث الإسلامي بنصوصه وأشخاصه وأحداثه.
أما بالنسبة لحديث أركون عن وقوع الخطأ في ترجمة كلمة (Mythe)
الفرنسية ففيه نوع من المراوغة؛ لأنه في الحقيقة لا يوجد مقابل عربي لهذه اللفظة
غير «أسطورة» أو «خرافة» أو «وهم» [38] ، ثم إن هذه الكلمة أصلها
(Mythos) الإغريقية التي تعني المقابل الطبيعي لـ (Logos) أي العقل،
وهو الأصل الذي تستمد منه معناها في اللغة الفرنسية المتداولة.. وبذلك فإن أي
مترجم متخصص مهما كان متمكناً لا يستطيع أن يخترع كلمة أخرى تؤدي المعنى
الذي يقصده أركون على فرض صدقه.
ونحن نجد أن مترجم جل أعماله هاشم صالح لا يخرج عن هذه القاعدة؛ ومع
ذلك فهو يعتمد هذه الترجمات ولا يحتج عليها بأي شكل من الأشكال، وحتى إذا
طالب بعدم الحكم عليه انطلاقاً من النص العربي مهما كانت الترجمة أمينة، باعتبار
أن المصطلحات الحديثة تثير الكثير من الإشكالات؛ فإن هذا لا ينفي كون
المضمون الذي تحمله كتاباته والوجهة التي تتخذها تحليلاته في قراءة النص القرآني
تدعم ذلك المعنى السلبي في توظيف مصطلح «الأسطورة» (Mythe) .
إن انجذاب الخطاب الأركوني نحو تأسيس منهج نقدي جذري في التعامل مع
الظاهرة القرآنية يقوم أساساً على الشك المطلق إنما يرمي في النهاية إلى هدم
مصداقية النص كمنطلق لهدم الدين؛ فهو يقول: «لا يوجد في الحالة الراهنة
للأمور أية مشروعية روحية أو أي معيار» موضوعي «، أو أي مؤلف ضخم
ومتميز يتيح لنا أن نحدد بشكل معصوم الإسلام الصحيح» [39] ، وفي هذا دلالة
عميقة على نفي موثوقية النص كأساس لإثبات نسبية الحقيقة الدينية، ومن ثم
إعطاء المشروعية لكل عمليات النقد والتخطيء والمراجعة والتصحيح وما يستوجب
الحكم بالنقص أو وجود الخلل والخطأ.. وفي السياق نفسه تفرض ضرورة التجاوز
للخطاب والقانون الذي يقدمه (الشريعة) ، انطلاقاً من «أن القرآن كما هي
الأناجيل ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا
يمكن أن تكون قانوناً واضحاً» [40] ، وفي هذا إشارة إلى استحالة تطبيق هذا
القانون؛ لأنه مبني على فروض مفارقة أكثر من كونه مقاربة للواقع، ولعل هذا ما
يفسر قوله: «إن القرآن يتكلم عن الدين المثالي الذي يتجاوز التاريخ، أو إذا ما
شئنا يشير إلى التعالي» [41] ؛ أي أنه خطاب قائم على مبدأ تجاوز الواقع من
خلال إعطاء الأسبقية للمثال، وتأسيس رؤية للتعالي تجعله نوعاً من الأسطورة.
وإذا كان القرآن كما قدمنا قد أخضع لمطرقة النقد الأركوني وقراءته التفكيكية
المسلحة بمنهج الشك المطلق؛ فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد إلى
غيره من الأصول الفكرية للإسلام مثل الحديث والقياس والإجماع؛ فالحديث عنده
قد تعرض «لعملية الانتقاء والاختيار والحذف التعسفية التي فرضت في ظل
الأمويين! وأوائل العباسيين أثناء تشكيل المجموعات النصية (كتب الحديث)
المدعوة بالصحيحة، لقد حدثت عملية الانتقاء والتصفية هذه لأسباب لغوية وأدبية
وتيولوجية وتاريخية» [42] ، ثم إن هذا الحديث، إضافة إلى الإجماع والقياس
وحتى القرآن «مبادئ غير قابلة للتطبيق» [43] !!
والخلاصة: إن شيئاً في الحقيقة لم يسلم من نقد أركون؛ فقد شمل التراث
الإسلامي جملة وتفصيلاً: القرآن، والسنة، وأصول الفقه، والمذاهب، والتاريخ،
وامتد إلى الصحابة، والفقهاء والأئمة، وطال العلماء وأفكارهم ومؤلفاتهم.