مجله البيان (صفحة 4386)

الورقة الأخيرة

على رسلكم يا أهل المنامات

د. عبد العزيز آل عبد اللطيف [*]

من المناسب في مطلع هذه المقالة أن نذكر أن الإمام الشاطبي ساق هذه القصة،

وهي أن شريك بن عبد الله القاضي - رحمه الله - دخل على الخليفة المهدي،

فلما رآه قال: عليّ بالسيف والنطع، قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت في

منامي كأنك تطأ بساطي وأنت معرض عني، فقصصتُ رؤياي على من عبّرها،

فقال لي: يظهر لك طاعة ويضمر معصية، فقال له شريك: والله! ما رؤياك

برؤيا إبراهيم الخليل - عليه السلام -، ولا أن معبرك بيوسف الصديق - عليه

السلام -، فبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين؟ فاستحى المهدي وقال:

اخرج عني [1] .

ومع أن الرؤيا الصالحة من المبشرات لا سيما في آخر الزمان إلا أن أهل هذا

العصر غَلَب عليهم الانهماك في الرؤى والمنامات، فصار سؤالهم عن أحلامهم آكد

وأهم من السؤال عن دينهم، كما تزايد عدد المعبّرين وصاروا يتصدرون المساجد

والمجالس والقنوات الفضائية والمجلات، وغالى بعض المعبرين فجزم بأمور دقيقة،

وقطع بأمور غيبية مستقبلية [2] ، كما لو كان له رئي من الجن!

ومع إجلالنا لبعض أهل التعبير من أهل العلم والديانة إلا أن طائفة من

المعبّرين قد تقحمتْ هذا المسلك المتشعب، وخاضتْ في بحر لجيّ، ورحم الله

الإمام مالك بن أنس لما سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ قال: أبالنبوة يلعب؟ [3] .

فربما سئل أحد المعبرين عن كمّ هائل من الرؤى والمنامات فلا يترك شاردة

ولا واردة إلا فسّرها، فأين هؤلاء عن الإمام محمد بن سيرين - رحمه الله - الذي

كان يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أن يقول: اتق الله، وأَحْسِن في

اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في المنام. وكان يجيب من خلال ذلك ويقول: إنما

أجيبه بالظن، والظن يخطئ ويصيب [4] .

وكثير من أصحاب المنامات لا يميّزون بين الرؤيا الصالحة والرؤيا الفاسدة،

فقد ذكر العلماء كابن الصلاح أمارات للرؤيا الفاسدة، كأن يرى مستحيلاً، أو يرى

في المنام ما قد رآه في اليقظة، أو يرى ما قد حدثته به نفسه في اليقظة، ويكون

مما قد يفكر به قبل النوم بمدة قريبة.. ونحو تلك العلامات [5] .

ومنهم من يرِّتب أحكاماً شرعية على تلك المنامات، والحق أنه لا يجوز

إثبات أحكام شرعية بها، فالرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلا

أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوّغتها عمل بمقتضاها،

وإلا وجب تركها والإعراض عنها [6] .

والمقصود أن لا نستغرق في عالم الأحلام، ولا نستسلم للمنامات هروباً من

واقع، أو تنصلاً من واجبات وتبعات، أو استرواحاً لعالم المُثْل! بل يتعين

الاشتغال بما ينفع من تحصيل علم نافع، وعمل صالح، ودعوة إلى الله، وجهاد

في سبيله؛ فهل نحن فاعلون؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015