مجله البيان (صفحة 4108)

الإصلاح التشريعي في مصر نماذج من جهود العلماء والمفكرين في توظيف أدوات إصلاحية

دراسات في الشريعة والعقيدة

الإصلاح التشريعي في مصر

نماذج من جهود العلماء والمفكرين في توظيف أدوات إصلاحية

عبد العزيز بن محمد القاسم [*]

azalgasem@hotmail.com

تقدم في الحلقة الماضية عرض بعض جهود العلماء في إصلاح التشريع،

ونستكمل في هذه الحلقة قراءة نماذج أخرى في هذه المسيرة الإصلاحية.

4 - تيسير مصادر الفقه للمتخصصين والقانونيين:

لم تكن صياغة المادة الفقهية وتدوينها في مصادر الفقه المختلفة أمراً توقيفياً

يجب احتذاؤه، بل لم يكن الفقه مدوناً إلا بعد انقراض جيل الصحابة تقريباً، وكان

هذا شأن السنَّة في الجملة؛ وما كان من الكتابة فهو استثناء، وكان العمل في تلك

الفترة على الرواية والمشافهة والنقل المباشر، ثم بدأ تدوين فقه الصحابة والتابعين

في المصنفات ونحوها ككتب أخبار القضاة. ثم بدأ التدوين مع تأسيس المذاهب،

وكان التوجه العام هو النهي عن تدوين الفقه كما هو معلوم، ولذلك لم يكن للإمام

أبي حنيفة في الفقه كتاب بقلمه، وكذا الإمام مالك لم يدون فقهه تدويناً فقهياً، ثم

جاءت الكتب المنسوبة للإمام الشافعي وهي إملاؤه على تلاميذه في الغالب،

فجمعوها؛ ولهذا تتكرر فيها عبارة: «قال الشافعي» ، وفي كثير من الفصول نجد

عبارة: «أخبرنا الربيع قال الشافعي» ، أما الإمام أحمد فكان ينهى عن كتابة رأيه

ويأمر بالأخذ من المصادر. ثم جاء عصر التدوين، والتهذيب، والجمع، والشرح،

والاستدلال، والجمع، والتفريق، وقدمت تلك المناهج المختلفة ثروة علمية

عظيمة، وقد غلبت عليها ظاهرة التدوين الفروعي إلى أن نشأ علم القواعد الفقهية

بمراحله المعروفة، ثم جاءت العناية بالكتابة في الكليات العامة للشريعة بناء على

تقسيمها المصلحي وإجمال الشريعة في رعاية الضروريات الخمس، وقسمت

المصالح إلى ضرورية وحاجية وتكميلية، وكان هذا هو بدء النظر الكلي في تنظيم

فقه الشريعة وتدوينه بما يجمع الفقه في نظام كلي مصلحي [1] .

وفي هذا المقام لا بد من الإشارة إلى اتجاه الفقه الإسلامي نحو التدوين

الفروعي واختلافه بهذا عن الدراسات القانونية اللاتينية لسبب جوهري هو أن الفقه

الإسلامي لم يكن يعاني من معضلة مشروعية المرجعية؛ إذ كانت مرجعية النص

الشرعي قاعدة قطعية مجمعاً على مصدريتها لهذا الفقه، بل ربما اعتبرنا الفقه

الإسلامي بمختلف مذاهبه تفسيراً لممكنات النص الشرعي وأحوال التعامل معه

حسبما وضحها العلماء في مناقشتهم لمسألة أسباب الاختلاف في الفقه بمعناه العام،

أما في الدراسات القانونية اللاتينية بشكل خاص فقد كانت تعاني من معضلة

المرجعية؛ فحاول تأسيس مرجعيته عبر الوضوح النظري، فأدى ذلك إلى التوسع

في التنظير وشد الفروع إلى أصول كلية تتفرع عنها تلك الكثرة من المسائل، وإن

كانت مصادر تلك النظريات قد جاءت من مصادر شتى ليس هذا موضع الحديث

عنها. وما يهمنا في هذا السياق هو علاقة مناهج التدوين بمشكلات التأسيس

للمشروعية؛ فحين كان التأليف الفقهي يخاطَب به مجتمع متفق على مرجعية النص

الشرعي وحجية المصادر الفقهية وفق قواعد الترجيح والاختيار المذهبي كان

التدوين الفقهي يعتمد على السرد الفروعي، وحين يتطرق الخلاف والجدل إلى

حجية المصدر كان العلماء يبادرون إلى التدوين وفق المنهجية التي تعالج الأسئلة

الجديدة، فحينما كانت منهجية تلقي الفقه متفقاً عليها في الجملة كان العلماء يتداولون

الفقه بوصفه مسائل متفرقة، وحين نشأ الخلاف في منهجية الاستدلال كتب الشافعي

في منهجية الاستدلال رسالته الشهيرة، وحين تعرض الاستدلال القياسي لمعضلات

مخالفة المقصود الشرعي للحكم تصدى الجويني لإعادة إعمال المقاصد، وتلقف

آراءه العلماء الكبار فحذوا حذوه في العناية بإعمال المقاصد كما فعل الغزالي وابن

عبد السلام والقرافي وابن تيمية وابن القيم وتوَّج ذلك الشاطبي.

وفي العصر الحديث حين تعرض الحقل الفقهي للمزاحمة العنيفة من قِبَل

القوانين الغربية ومدارسها، ونشأت عقول المتخصصين على التقسيمات الحديثة

للمادة الفقهية مما أدى إلى صعوبة اطلاع القانونيين على مصادر الفقه وكنوزه [2] ؛

عند ذلك اتجه العلماء لتقريب الفقه؛ وذلك عبر عدد من أدوات التقريب منها إصدار

الموسوعات الفقهية منذ سنة 1956م حين صدر أمر جمهوري سوري يكلف كلية

الشريعة في الجامعة السورية بإصدار موسوعة للفقه الإسلامي فصدرت بعض

الفهارس التمهيدية، ثم تبنت وزارة الأوقاف المصرية مشروع الموسوعة سنة

1960م [3] ، وصدر منها بضع وعشرون جزءاً، ثم تعثر المشروعان السوري

والمصري بعد إصدارات قليلة، فاحتضنت وزارة الأوقاف الكويتية المشروع

وأصدرت الموسوعة الفقهية المعروفة، ثم شارك مجمع الفقه الإسلامي التابع

لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جهود تقريب الفقه الإسلامي وتبنى مجموعة من

الإجراءات منها إعداد موسوعة للقواعد الفقهية، وإعداد موسوعة فقهية؛ لكن ذلك

لم يكتب له التنفيذ لضآلة موارد المجمع، ثم تحقق للمشروع قفزة كبيرة بتعاون

وزارة الأوقاف الكويتية، والبنك الإسلامي للتنمية المتفرع عن منظمة المؤتمر

الإسلامي وشركة صخر فصدر برنامج جامع الفقه الإسلامي وحقق بذلك تيسيراً

لمصادر الفقه الإسلامي؛ إذ تضمن فهرسة موضوعية لمصادر الفقه الإسلامي

الرئيسية قامت بإعداد خريطته العامة كلية الشريعة في الكويت، وقد تضمنت

الخريطة ما يصل إلى سبعة وعشرين ألف مدخل فقهي ضمن ترتيب فقهي حديث

يعتبر من أرقى ما قدم من تيسير للبحث في الفقه الإسلامي المعاصر، كما تضمن

البرنامج توظيفاً متقدماً لآليات التحليل الصرفي التي تمكن الباحث من الوصول إلى

المفردات الفقهية بنصها واشتقاقاتها ولواحقها، ولا زال البرنامج بحاجة إلى منهجية

استراتيجية يمكن أن تقدم أداة بحثية تحقق نقلة عملاقة في الدراسات الفقهية، نسأل

الله تعالى أن يأخذ بأيدي القائمين عليه لتحقيقها.

ومن جهود العلماء في تقريب الفقه الإسلامي للقائمين على التشريع والاجتهاد

تدوين الفقه وفق مناهج تدوين النظريات القانونية الحديثة باعتبارها أوعية تنظيمية

للمادة الفقهية تجمع متفرقها وتستكشف أصولها كتدوين الأحكام العامة للعقد في

نظرية للعقد، وأحكام الخيار في نظرية للخيار، وأحكام البطلان في نظرية عامة

للبطلان، وأحكام الضرر، والتعسف، وهكذا، وربما يعتبر بشكلٍ ما مؤسس هذا

التدوين الشيخ الأزهري أحمد إبراهيم بك ولد سنة 1291هـ في بدايات القرن

الميلادي الماضي بكتابه في الالتزامات وما يتعلق بها، ثم كتب الشيخ محمود

شلتوت ولد سنة 1310هـ بحثه المقدم إلى مؤتمر (لاهاي) بعنوان: (المسؤولية

المدنية والجنائية في الشريعة) ، وإن كانت مجلة الأحكام العدلية قد سبقت؛ لكنها

نموذج مختلف من حيث طابعها التشريعي، وتتميز منهجية أحمد إبراهيم ومن جاء

بعده بطابعها الفقهي، ثم انتشرت هذه المناهج فصارت منهجية شائعة في البحوث

الجامعية، وتبنته الكليات الشرعية في العالم الإسلامي [4] .

وقد أدى التحول لكتابة المادة الفقهية وفق المناهج الحديثة في بعض الأحيان

إلى مشكلات عميقة خاصة حين تصدت الدراسات الجامعية لمقارنة الفقه الإسلامي

بالقوانين والنظريات الغربية، فأوقع ذلك في مشكلة محاكاة النظريات الغربية

وتقليدها، إلا أن تلك العيوب لا تنفي الفائدة العظيمة؛ حيث حققت الكتابة بالمناهج

الحديثة وَصْلَ القانونيين بفقه الشريعة، وقد أدى تراكم الدراسات إلى منهجية نقدية

تمحص الإنتاج وتكشف الانحراف، ولا زال هذا الميدان بحاجة لمراجعات عميقة

تؤدي إلى سيطرة مقاصد الشريعة على اتجاهات التشريع؛ لاتقاء الإغراق في

المقارنات الجزئية التي تنقاد في كثير من الأحيان إلى اصطناع موافقة الفقه

الإسلامي للنظريات الغربية، وقد أبدى بعض المتخصصين في الدراسات القانونية

قلقه من هذا الاتجاه، فكان السنهوري على سبيل المثال يدعو إلى بناء المقارنة

الفقهية على أصالة الفقه الإسلامي وتميزه عن النظريات الغربية ويقول: «لن

يكون همنا في هذا البحث إخفاء ما بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي من فروق في

الصنعة والأسلوب والتصوير، بل على النقيض من ذلك سنُعنى بإبراز هذه الفروق

حتى يحتفظ الفقه الإسلامي بطابعه الخاص، ولن نحاول أن نصطنع التقريب ما

بين الفقه الإسلامي، والفقه الغربي على أسس موهومة أو خاطئة؛ فإن الفقه

الإسلامي نظام قانوني عظيم له صنعة يستقل بها، ويتميز عن سائر النظم القانونية

في صياغته، وتقتضي الدقة والأمانة العلمية علينا أن نحتفظ لهذا الفقه الجليل

بمقوماته وطابعه. ونحن في هذا أشد حرصاً من بعض الفقهاء المحدثين، فيما

يؤنس فيهم من ميل إلى تقريب الفقه الإسلامي من الفقه الغربي، ولا يعنينا أن

يكون الفقه الإسلامي قريباً من الفقه الغربي، فإن هذا لا يكسب الفقه الإسلامي قوة،

بل لعله يبتعد به عن جانب الجدة والابتداع، وهو جانب للفقه الإسلامي منه حظ

عظيم [5] .

وكان السنهوري نفسه قد نادى سنة 1937م أي بعد توقيع معاهدة 1936م

وهي معاهدة الاستقلال مع بريطانيا التي نادى بسببها طه حسين إلى احتذاء

التشريعات الغربية مستنداً إليها متبنياً وجوب الرجوع إلى الشريعة الإسلامية عند

مراجعة التشريع المصري، وأن العودة إلى الفقه الإسلامي تمليه متانته العلمية

والفنية والاعتبار الوطني والقومي، وقرر أنه يجب أن يكون القانون الإسلامي

المشتق من الفقه الإسلامي:» في منطقه وفي أسلوبه فقهاً إسلامياً خالصاً لا مجرد

محاكاة للقوانين الغربية، وليس يجوز الخروج عن أصول الشريعة بدعوى أن

التطور يقتضي هذا الخروج « [6] .

ونجد مثل هذا التحذير لدى الشيخ عبد القادر عودة، والمستشار طارق

البشري، وقد حرر الدكتور محمد النبهان مجموعة شروط لتوظيف مناهج التدوين

القانوني الحديثة في الفقه الإسلامي وهي:

1 - الاحتفاظ بالشخصية المتميزة للفقه الإسلامي من حيث طبيعة الأحكام،

والمنطلقات، والأهداف.

2 - الاقتصار في مجال الاستفادة على الجانب الشكلي المتعلق بالتبويب

والتقسيم والترقيم.

3- عدم استخدام المصطلحات القانونية بديلاً أصيلاً عن المصطلحات الفقهية،

وينحصر استعمالها في مجال التوضيح والتفسير للمصطلحات الفقهية الأصيلة

ذات الدلالة المحددة؛ نظراً لأهمية الاحتفاظ بالمصطلحات الشرعية، ولأن

الاستمرار في استعمال تلك المصطلحات يعمق معناها في نفوس المشتغلين

بالدراسات القانونية وييسر لهم الرجوع للمصادر الفقهية التي لا يمكن أن تفهم إلا

بعد معرفة دلالات المصطلحات التي استخدمها الفقهاء [7] .

وربما كان أهم جوانب توظيف المناهج الجديدة يكمن في استخلاص أسئلة

الواقع من خلال قلب أجوبة المناهج الحديثة إلى أسئلة يتضح بها مجال البحث

الفقهي الشرعي المطلوب ليقدمه إلى طلبة العلم مرشداً لحاجات الواقع وقضاياه.

وربما كانت مشكلة تأثير المقارنات الجزئية في شد الفقه الإسلامي نحو الفكر

القانوني الغربي من أسباب اتجاه الباحثين والعلماء نحو العناية بالكليات لما تتميز به

من وضوح منهجي يضيء مجال النظر ويشده نحو الكليات المحكمة التي تجمع

الفروع وتوجهها اتجاهاً مستقلاً عن الفكر الغربي، ولا تختص بهذه الظاهرة

الدراسات الفقهية، بل نجد مشكلة تأثير الفكر الحديث في المجالات الإنسانية

المختلفة، بل ربما تتجلى بوضوح باهر لدى الهاربين من هذا التأثر؛ إذ يتقمصون

مبادئ وأصولاً غربية للفرار من الحداثة الغربية فيقعون في شباكها بأدوات غربية

أخرى، ومن أعجب أمثلة هذا تأثير مفاهيم الفكر الشمولي في مجمل الخطاب

الإسلامي، وتقمص كثير من أدواته بما يخالف أصول الشريعة القطعية، وسيأتي

لهذا الموضوع بيان لجوانبه المتعلقة بالإصلاح التشريعي إن شاء الله.

جاء إحياء علم مقاصد الشريعة ليقود الفكر الإسلامي والبحث الفقهي من

الإغراق الجزئي إلى تحديد الاتجاهات الكلية لتكون الدراسات الفروعية خادمة لتميز

الشريعة، وأصالة مناهج فقهها بدلاً من اتجاهات المتابعة والمحاكاة، والمتتبع

للدراسات المقاصدية يلحظ اتجاهها نحو التميز باعتبار كليتها واتساع أصولها، وإن

كادت بعض توجهات أبحاث المقاصد قد وسعت بعض أصول المحاكاة والتقليد لكنه

اتجاه يضيق مع تراكم الدراسات المقاصدية وتعدد مناهج البحث فيها، والمأمول أن

تتحول الدراسات المقاصدية من التنظير والتأريخ المقاصدي إلى التطبيق المقاصدي

في مجالات الإصلاح، وبخاصة في مجالاته الحيوية وهو ما تظهر بوادره في

مواقع عديدة [8] .

5- بناء مؤسسات فقهية حديثة:

أظهرت تطورات الحياة الحديثة واكتشاف النظم الغربية الحاجة إلى تجديد

النظر الفقهي بحيث يقدم للواقع أجوبة شرعية تضيء الطريق وتقدم هداية الوحي

لتنتظم بها الحياة العامة، فأسست أقسام الدراسات الفقهية المقارنة لتكتشف مناهج

الاجتهاد الفقهي وتوازن بين الآراء، وتقدم للناس الاجتهاد الموائم لحاجتهم المتسق

مع دلالة النصوص وقواعد الترجيح، وقد أثمرت تلك الأقسام آلاف الدراسات

الفقهية التي تتناول موضوعات الفقه والموضوعات الفقهية التي يعيشها الناس في

واقعهم اليوم، وقد تفاوتت الجامعات في العناية بقضايا الفقه الحديثة؛ فبينما نجد في

بعضها عناية فائقة ودراسات متتابعة لمشكلات التطبيق اليومية، نفاجأ في بعضها

الآخر بصدود عجيب عن قضايا الواقع ومشكلاته حتى يتبين أن الجامع الأصلي

لموضوعات بعض الكليات الشرعية هو ابتعادها عما يمس الواقع ويناقش قضاياه،

فانكفأت على كتب التراث بحثاً وتحقيقاً ومقارنة، دون ترتيب للأولويات. وربما

كان من المفارقات الغريبة أن يكون خريجو الكليات الشرعية الذين يتصدون لقضايا

الواقع الحديث في القضاء والتقنين والاستشارات هم أبعد الناس عن الدراسات

الفقهية الحديثة بقضاياها ومناهجها المتعددة، وقد أدى هذا إلى ضعف تأثيرهم

وتراجع مواقعهم في قيادة تلك المؤسسات. ومن مؤسسات الفقه الحديثة المجامع

الفقهية، وقد أوجدت فرصة كبيرة للحوار الفقهي وتأسيس مرجعية معتبرة في

البلدان الإسلامية؛ إلا أن ضعف إمكاناتها المالية، وعدم تفرغ قادتها وأعضائها أدى

إلى ضحالة منجزات تلك المجامع وندرة القضايا التي عالجتها. ومن مؤسسات الفقه

الحديثة هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية كهيئات الرقابة

الشرعية في المصارف، ومؤسسات التأمين والتكافل والاستثمار.

ومن مؤسسات الفقه الحديثة المعنية بالإصلاح التشريعي المجلات الفقهية

المتخصصة؛ ويصعب حصر هذه المجلات؛ إذ تصدر من الكليات الشرعية

ومؤسسات الفتوى والمجامع، وربما كان من أكثرها تميزاً من حيث اتساع اهتمامها

بالقضايا الحديثة مجلة المسلم المعاصر، وغيرها. ومن المؤسسات الحديثة التي

يمكن استثمارها بشكل حيوي الجمعيات العلمية الجامعية، ويجري تأسيس جمعية

للعلوم الفقهية في كلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض ربما تؤدي في حالة

استثمارها إلى إحياء العناية بالمجال التشريعي لتسهم فيه ببحوثها وجهودها التوعوية

والإصلاحية.

6- توعية الجمهور للمطالبة بالعودة إلى تحكيم الشريعة:

لقد فُجع الجمهور المسلم بتنحية الشريعة وإحلال القوانين الوضعية لتكون لها

السيادة على رقاب المسلمين وحقوقهم، فكانت ردود فعل الجمهور كبيرة ومؤثرة،

وقد أسهم في إيقاظهم أعمال التوعية التي قام بها العلماء والمفكرون والكتاب

والخطباء، ويصعب تتبع هذا الجهد؛ لكنه أسهم بشكل ملحوظ في دعم جهود

التصحيح، وكانت لتلك الجهود آثارها في توجه الجمهور لدعم الدعوة لتحكيم

الشريعة، ولم يتخلف عن هذا الجهد أكثر العلماء والمفكرين عبر التأليف والبيانات

والمقالات الصحفية والبحوث الموثقة [9] .

7 - توظيف أدوات العمل السياسي الحديثة للعمل على تحقيق تطبيق

الشريعة:

لقد أدت ضخامة انحراف الحكام عن تطبيق الشريعة واتجاهها لتبني القوانين

الغربية وتغريب المجتمعات تبعاً لذلك إلى تغيرات كبيرة في المجتمعات، وكان من

آثارها تأسيس الجمعيات السياسية والاجتماعية التي تخصصت في معارضة هذه

الاتجاهات التغريبية، فشارك محمد رشيد رضا في عدد من هذه المؤسسات، وقام

الشيخ حسن البنا بتأسيس إحدى هذه المؤسسات وهي جماعة الإخوان المسلمين وقد

كُتِبَ لها بخلاف العديد من الجمعيات التي أسست فأخفقت نجاح هائل استطاع أن

يجمع جمهوراً عريضاً يقود الدعوة إلى تطبيق الشريعة والعودة إلى حكمها، كما

أسست جهات عديدة أشكالاً جماعية أخرى تقوم على التعاون بالمعروف لتحقيق

هيمنة الشريعة مثل جمعية السنة وجمعيات العلماء في عدد من البلاد الإسلامية،

وقد تحول بعضها إلى تنظيمات اجتماعية ضاربة أدت فيما بعد إلى ظاهرة الصحوة

الإسلامية لتوجد ضغطاً اجتماعياً يواجه انفراد الدول بالأمر والنهي، فأسفر ذلك عن

نفوذ اجتماعي استطاع أن يوجد آليات اجتماعية تقاوم كثيراً من آثار التغريب

التشريعي، وقد تطورت تلك الحركات على مدى عقود طويلة لتوجد لها منابر

مستقلة في كثير من المجتمعات، ولم تتطور بعد تلك التجمعات لتؤسس لنفسها

حضوراً اجتماعياً فاعلاً على مستوى النظم وأدوات التأثير العضوية في بنى الدولة

والمجتمع، وربما يستثنى من هذا حالات قليلة وبدرجات متفاوتة من التأثير ومن

ذلك التيارات الإسلامية في الكويت؛ حيث توصلت مع السلطة إلى تأسيس لجنة

تعمل على ضخ قيم الشريعة، وأحكامها في نظم المجتمع ومؤسساته، وتشريعاته

سميت:» اللجنة الاستشارية العليا لاستكمال تطبيق الشريعة «أنجزت مراجعة

القانون المدني، وأخذت التعديلات موضعها في التطبيق؛ كما أنجزت مشروعاً

تربوياً وطنياً يرعى قيم وآداب الشريعة في مؤسسات التربية المختلفة من

الأسرة إلى المدرسة إلى وسائل الإعلام، وأنجزت مجموعة من أدوات تمويل

العجز في الميزانية بأدوات إسلامية؛ وربما حققت التيارات الإسلامية في ماليزيا

نجاحاً مماثلاً وخاصة في المجال المالي. ولا يتسع المجال لتتبع هذه التطورات

الحديثة، وربما تتيسر دراسة نماذج من تطور الحركات والجمعيات الإسلامية

وتتبع جوانب من نجاحاتها وإخفاقاتها.

8 - استثمار الأدوات المعرفية الحديثة في دراسة الفقه الإسلامي

وأصوله:

إن استثمار الأدوات المعرفية الحديثة في دراسة الفقه الإسلامي وأصوله

تنظيراً وتطبيقاً يعتبر من أهم اتجاهات الإصلاح التشريعي من الناحية المعرفية

لكونها تستهدف منهجية التفكير والاجتهاد وآلياتها المعرفية، ومن ذلك على سبيل

المثال تتبع آليات توليد المعاني الشرعية ومقارنتها بالتحولات السياسية والاجتماعية

التي رافقت تطور تلك الآليات، وقد كتبت دراسات عديدة في هذا المجال كان

بعضها منحرفاً انحرافاً كبيراً لتجاهله لحقيقة الوحي ودوره في تكوين الأمة

الإسلامية وأدوات تفكيرها؛ ومن أبرز قادة هذا الاتجاه المفكر الجزائري محمد

أركون؛ لكنه انغمس في أدوات المستشرقين ومشروعاتهم النقدية، فقدم مشروعاً

نقدياً لم يكتب له النجاح لضخامة تحامله على فكر الأمة واستئثاره لأدواته النقدية

الغربية التي حجبته عن النقد المنصف، وقد تلقى نقداً عنيفاً من مختلف التيارات

الفكرية؛ غير أن أعماله هو ومفكرون آخرون لفتت الأنظار إلى أدوات الدراسة

والتحليل الحديثة.

ومن مشروعات النقد ما قدم تحليلاً عميقاً لتداخل الثقافات البشرية مع مدلولات

النصوص وكشف مسارب تلك التداخلات كما فعل الدكتور محمد عابد الجابري في

مشروعه الضخم: (نقد العقل العربي) في مجلداته الأربعة، ومع وقوعه في

أخطاء كبيرة لكن ما قام بكتابته يعتبر إنجازاً كبيراً يمكن مواصلة تصحيحه وتقويمه

وهو ما حدث فعلاً بأقلام عدد من المفكرين والنقاد، كما نجد لدى مفكر آخر

مشروعاً حاول تعويض انصراف المفكرين العرب عن أثر النصوص الشرعية في

تكوين الأمة الإسلامية وتحولاتها التاريخية، فقدم أبحاثاً عميقة تكشف علاقة

النصوص بتحولات الفكر في الأمة الإسلامية وهو المفكر اللبناني رضوان السيد،

كما قام المفكر المغربي طه عبد الرحمن بتقديم مراجعة كبيرة لأهم المشروعات

النقدية فقدم مشروعاً فكرياً كبيراً انتقد فيه انحرافات المشروعات السابقة، فأصدر

كتابه: (تقويم المنهج في نقد التراث) ، انتقد فيه المشروعات السابقة التي حاولت

تجزئة التراث ونقده من خلال آليات تتجاهل إلى حد ما طبيعة التراث نفسه،

وطبيعة أدوات إنتاج المعرفة فيه، وبرهن على وجود آليات تراثية لاستلهام المعرفة

الإنسانية، وتطويعها لحقائق الوحي وطبيعة اللغة العربية، وخاصية الأمة

الإسلامية التي تميزها وهي اقتران العلم بالعمل، وقدم مجموعة من وسائل النقد

التراثية، وهي أدوات تندرج ضمن آليات أسلمة المعرفة، ثم قدم مشروعاً نقدياً

تأسيسياً للفلسفة العربية انتقد فيه عقم المشروعات الفلسفية العربية، وأثبت علاقة

هذا العقم بانحراف هذه الفلسفة عن مكونات الأمة المعرفية والعقدية واللغوية،

وحاول تأسيس منهجية التفكير التي تحقق التلاؤم مع تلك الخصائص وذلك في كتابه:

(فقه الفلسفة) بجزئيه. وتبقى هذه المشروعات لَبِناتٍ أساسيةً لفهم الفكر

المعاصر، وطريقة فهمه للتراث، كما تعتبر المشروعات التصحيحية التي قام بها

نقاد تلك المشروعات خاصة طه عبد الرحمن ورضوان السيد أعمالاً مهمة لتكوين

ملكة نقدية حديثة، وهي أعمال بشرية يقارنها الخطأ والتقصير، لكن تلك العيوب

لا تعفي من دراستها تمهيداً للتصحيح والإضافة في مشروع الأمة الكبير لتطويع

المعارف الحديثة لحقائق الوحي أو ما يسمى حديثاً لدى علماء التخصصات الإنسانية

بأسلمة المعرفة، وإن لم يقم الإسلاميون بدورهم في قيادة تطوير تلك المشروعات

فسيكون حظهم منها ملاحقة انحرافاتها والبقاء على هوامشها.

وتعتبر هذه المشروعات النقدية والتأسيسية امتداداً من الناحية الوظيفية لما

نجده في مصادر التراث الفقهي والأصولي من أبحاث تتناول جوانب من المعاني

التي تدرسها المناهج الحديثة؛ غير أن تلك البحوث وما تبنته من آراء وإصلاحات

لم تكن بالطريقة الشمولية التي وفرتها المناهج الحديثة، كما لم يتحقق لها الانتشار

والشهرة ما عدا بعض المشروعات النقدية الكبيرة مثل نقد الجويني لجوانب من

التفكير الفقهي في كتابه: (الغياثي) ، ومشروعات ابن تيمية في نقد المنطق،

ونقد الفكر الفلسفي في كتابه: (درء تعارض العقل والنقل) ، وغيرها من

المشروعات النقدية التي كان لها أكبر الأثر في تصحيح عيوب المناهج التي نقدتها.

ولنضرب بعض الأمثلة للملاحظات النقدية لدى بعض الفقهاء السابقين في

منهجية التفكير الفقهي:

أ - نقد اتجاه الفقه نحو الاجتهاد الجزئي والتركيز على دراسة الفروع وما

يؤدي إليه ذلك من تفويت للكليات من جهة ومخالفة لمقاصد الشريعة من جهة أخرى،

وقد لاحظ ذلك العلماء بشكل يمكن الوصول إليه في فتاوى الفقهاء وتعقيباتهم بشكل

متناثر إلى أن جاء الجويني رحمه الله في كتابه: (الغياثي) فدرس آثار تفويت

الكليات ومقاصد الشريعة انشغالاً بفروعها ومصالحها الجزئية، فكان بذلك أول من

تحدث بشكل منهجي عن ضرورة العودة إلى فقه المقاصد والكليات، ثم جاء بعده

الشاطبي وقرر ذلك بشكل تأصيلي مفصل في كتابيه: (الموافقات) و (الاعتصام) .

وكان من أهم آثار التنبيه لذلك توجيه العناية بفقه المقاصد والكليات والعمل على

تحصيلها لما يترتب على ذلك من ضبط التوجهات الكلية حتى لا تتحول الفروع عن

المقاصد الكلية إلى الاسترسال تبعاً للأقيسة والتخاريج الجزئية وهو ما كان مسيطراً

على مصادر الفقه؛ ويكفي لمعرفة ذلك مراجعة مطولات المذاهب لنقف على تعدد

الأقوال في المسألة الواحدة بحيث يسمح ذلك بمشروعية خيارات متعددة متناقضة،

يظهر خطرها عند التعسف في تطويعها للأهواء والمصالح، وكان من نتائج تلك

المخاطر التشديد في معايير الاجتهاد وفرض التقليد وتوجيه الأقوال في المذاهب

لتعيين الراجح والإلزام به لتتحول بعد ذلك المذهبية بمفهومها الضيق إلى نوع من

التسلط العلمي الذي يمنع من الاجتهاد ورعاية المصالح وتفويت النصوص الشرعية

التي تقرر ذلك؛ وهو ما قاد إلى توسع السلاطين والولاة في العمل بالسياسة ذات

المصالح الضيقة المقابلة للنصوص ومصالحها المنضبطة، فيستحل القتل باسم:

» الإرهاب الذي يسميه ولاة الظلم سياسة وهيبة وأبهة الملك « [10] .

وهو ما نجده عند الجويني قبل ابن تيمية؛ إذ يقول مبيناً عدم مشروعية

سياسات الولاة في سفك الدماء، وأنه من:» سنن الأكاسرة والملوك

المنقرضين « [11] .

وتقدم في الحلقة الأولى من هذه السلسلة كلام ابن تيمية في العلاقة بين

الضعف الفقهي ولجوء العباسيين للعمل بالسياسة يشير بذلك إلى التشريعات

الوضعية العباسية التي تخالف الشريعة، وتتبع كلام العلماء في هذا يطول.

ب - نقد تشديد الفقهاء في رعاية القيود المذهبية وطردها بما يشبه التعامل مع

النصوص الشرعية مما أدى إلى نوع من العزلة عن واقع الناس ومصالحهم

وتصرفاتهم اليومية، وقد أدت تلك الاتجاهات إلى إعراض العامة عن تلك القيود

المذهبية والمسائل التفصيلية، ورعاية مصالحهم عبر ألوان الحيل والمخارج الفقهية

حتى تحولت الحيل إلى علم يؤلف فيه، ثم تحول الوعي بخطورته إلى حقل علمي

يؤلف العلماء المصنفات المفصلة للتحذير منه، وهذا كله من مظاهر إشكالات الفقه

وهو جوهر الفكر التشريعي. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:» ولقد تأملت أغلب ما

أوقع الناس في الحيل فوجدته أحد شيئين.. وإما مبالغة في التشديد لما اعتبروه من

تحريم الشارع فاضطرهم هذا إلى الاعتقاد إلى الاستحلال بالحيل؛ وهذا من خطأ

الاجتهاد « [12] .

كما أدى من جهة أخرى إلى ضعف تقلب المسلمين في وسائل تحصيل القوة؛

وهو ما دفع الجويني إلى التحذير من التشديد الذي قد يؤدي إلى:» الإفضاء إلى

ارتفاع الزرع والحراثة وطرائق الاكتساب وإصلاح المعايش التي بها قوام الخلق

قاطبة « [13] ، وهو ما يؤدي:» إلى بوار أهل الدنيا، ثم يتبعها اندراس

الدين « [14] .

ج - تحليل مكونات النصوص الشرعية من حيث الإلزام والإطلاق، وتمييز

ما له صفة الإلزام والإطلاق عما له طبيعة غير ملزمة، أو خاصة، وذلك كتفريق

الأصوليين بين ما له صفة تشريعية من تصرفاته صلى الله عليه وسلم، وما ليس له

تلك الصفة مثل التصرفات الجِبِلِّية، وتصرفه بالعادة كطبيعة اللباس، وتصرفه

بالتشريع كالتيامن مثلاً، ومن أبحاث علم الأصول التفريق بين تصرفات النبي عليه

الصلاة والسلام بالإمامة والقضاء والسياسة والتشريع لتنزيل كل قسم منها منزلته

التشريعية من حيث الإطلاق والإلزام، وقد صُنف في هذا مؤلفات عديدة ككتاب:

(الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام) للقرافي.

د - تحليل الجوانب الإنسانية والفروق الفردية وتأثيرها في التعامل مع الفكر

التشريعي والفقهي، وهو ما نلاحظه في كلمات العلماء وتحليلاتهم، ونجد آثار هذه

الفروق في فقه الصحابة، حتى عُرف لدى العلماء ابن عمر بنوع من الشدة في

الأخذ بالنصوص، وعُرف ابن عباس بالفقه والتيسير، وهكذا يمكن استقراء تأثير

الفروق الفردية في الفكر التشريعي بشكل عام. ثم تظهر الكتابة النقدية في هذا

المجال؛ فنجد لدى ابن الجوزي نقداً قوياً لبعض مظاهر العمل الديني ومنها العمل

الفقهي في كتابه: (تلبيس إبليس) ، ثم يأتي الذهبي في كتابه: (زغل العلم)

ليقوم بمراجعة عامة موجزة لكنها ثمينة، وكان من عناصر الكتاب النقدية تتبع

العوامل النفسية في نشاط الفقهاء وغيرهم.

وهكذا نتبين جوانب عديدة من الدراسات الفكرية المنهجية والتاريخية والنفسية

تتضافر لتقدم نماذج من الفكر النقدي في التراث للعلوم الفقهية والتشريعية، وكان

أكثر تحولاتها أهمية ما يظهر عند تدهور الأحوال، أو بتعبير الجويني: عند هجوم

المحن [15] .

وقد تطورت حديثاً أدوات الدراسات التاريخية، والاجتماعية والاقتصادية

والنفسية والمنهجية في الثقافة المعاصرة، فقدم ذلك للمسلمين وسائل هائلة للدراسات

النقدية والتحليلية يمكن استثمارها كمتممات لعلم أصول الفقه تعمق جوانبه المتعلقة

بهذه الجوانب للمضي بالدراسات الفقهية إلى أعلى مدى من تحقيق معاني النصوص

ومقاصد الشريعة وتخليص الفقه من آثار مراحل التقليد والجمود وتأثير الفلسفات

اليونانية والفارسية والصوفية، غير أن ممارسة هذا النوع من الدراسات النقدية

محفوف بمخاطر منهجية عويصة يصعب تجاوزها دفعة واحدة، كما يستحيل تجاهل

تلك المناهج لكونها وسيلة فعالة من وسائل تمكين الشريعة وتعميق معرفة نظمها

وكيفية استثمارها. وقد سبقت التيارات التحديثية إلى استثمار تلك الأدوات، منتجة

بذلك طيفاً عريضاً من النتائج تبدأ من تطويع الشريعة للفلسفات المعاصرة ماركسية

وليبرالية واشتراكية وباطنية إلى التيارات التي تسعى لتأكيد صحة الانحرافات

التراثية عبر الوسائل المعرفية الحديثة، وبين ذينك الطرفين اتجاهات متعددة تقذف

إلى المطابع سنوياً مئات الدراسات التي تشكل عقول المثقفين والإسلاميين بمختلف

اتجاهاتهم مهما بدت سلامتهم من التأثر بتلك الأفكار؛ إذ كثيراً ما تشيع الفكرة

الإنسانية الحديثة فيتبناها بعض الإسلاميين، ثم يسبغون عليها تأصيلاً يربطها

بالنصوص حتى رأينا قراءة حركية للسيرة واستقراءً فقهياً لثورية الإسلام، وتوظيفًا

لجوانب من مفاهيم الغربة الماركسية بنصوص نبوية. وهذه التداخلات سنة طبيعية

يتعذر الاحتياط لمنع وقوعها بالكلية؛ لكن ذلك لا يعفي من ضرورة إحياء النقد

والمبادرة إلى الدراسة العميقة للأفكار وتحولاتها وتسربها، وضبطها بما يمنع

مناقضتها للنصوص الشرعية ومقاصدها حتى لا تتحول الشريعة إلى مادة فكرية يتم

تشكيلها لتتواءم مع مختلف المذاهب والمرجعيات بحيث تفقد الشريعة وظيفتها في

قيادة الفكر الإنساني وهدايته، وسيكون لهذا الموضوع بحث مستقل بعون الله تعالى.

والله الموفق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015