مجله البيان (صفحة 3982)

الإصلاح التشريعي في مصر جهود العلماء والمفكرين والحكومات لإصلاح التشريعات وفق الشريعة

دراسات في الشريعة والعقيدة

الإصلاح التشريعي في مصر جهود العلماء والمفكرين والحكومات

لإصلاح التشريعات وفق الشريعة

عبد العزيز بن محمد القاسم [*]

azalgasem@hotmail.com

تقدم في ثنايا الحلقات الماضية إشارات عديدة إلى جهود المصلحين الدائبة

لإعادة هيمنة الشريعة في المجال التشريعي، ويصعب في مقالات كهذه استيعاب

تلك المساهمات الجليلة؛ غير أن ذلك لا يعفينا من ضرب الأمثلة التي تبين أوجه

العمل التي أنجزت للعودة بالتشريع إلى مرجعية الوحي بعد عواصف التغريب التي

تعرضت لها حقول التشريع، وقد تعددت تلك الجهود وتنوعت؛ فمنها أعمال إعادة

تأصيل مرجعية الشريعة بأدلة تستند إلى نصوص الشرع، ومصالح التمدن،

براهين الاستقراء التاريخي. ومن تلك الجهود تأسيس الجمعيات والمؤسسات

الجماعية التي تحقق تعبئة الأمة لصالح مشروعات تحقيق النهضة وفق مرجعية

الوحي، ومنها أيضاً المساجلات الصحفية التي تستهدف توعية الرأي العام وإيقاظه

من غفلته، ومنها نقد النظم الغربية ومؤسساتها لإعادة النظر الواقعي لمنجزات

الغرب بدلاً من القراءة الاستلابية التي تسحق المقدرة النقدية للمفكر كنموذج طه

حسين.

ومن جهود العلماء في مواجهة التغريب التشريعي إعادة كتابة أحكام الشريعة

والفقه الإسلامي وفق هياكل التقنينات الحديثة، ومنها التوجه للدراسات الفقهية

المقارنة التي قارنت أحكام المذاهب بعضها ببعض، كما قارنت أحكام الفقه

الإسلامي بالقوانين الوضعية.

ومن جهود الفقهاء إعادة كتابة الفقه في هياكل حقوقية حديثة، وفي سياق

المواجهة والإصلاح التشريعي تأتي أعمال وضع الموسوعات الفقهية، وتأسيس

المجامع، ودراسة مناهج الاجتهاد والدعوة إلى استئناف الاجتهاد، ومراعاة ظروف

الأمة في تقرير الأحكام الفقهية.

ومن مظاهر الإصلاح إحياء الاجتهاد المقاصدي والمصلحي، وبخاصة في

مواجهة النظم الغربية؛ حيث تضعف أو تنعدم مقدرة وسائل الاجتهاد القياسية

والجزئية، وغير ذلك من الأعمال الجليلة التي يصعب استقصاؤها في هذا المقام،

وفي الفقرات التالية سنستعرض نماذج لتلك الجهود لما في ذلك من استكشاف وسائل

الإصلاح وتحسين أدائها ونقد بعض تجاربها.

1- التأصيل:

يبرز في تاريخ التحولات التشريعية أعمال تأصيلية جليلة جاهدت لتثبيت

الأمة على أحكام الشريعة، ودعت إلى الاجتهاد والتجديد لمعالجة قضايا الواقع

ضمن كليات الشريعة وأصولها، ولا ينقطع هذا الجهد في فترة من الفترات؛

فنلاحظ في فجر النهضة كتابات رفاعة طهطاوي (ولد سنة 1216هـ / 1801م -

وتوفي سنة 1290هـ /1873م) الداعية إلى مرجعية الشريعة وخطل التحول نحو

أخلاق أوروبا وأحكامها؛ فقد: «اعتبر أن من البديهي بقاء سيطرة الشريعة في

دولة مصرية كما في دولة الفقهاء المثلى» [1] .

ويربط رفاعة مرجعية الشريعة بتأصيل مدني فيقول: «وفي كل الأحوال

للتمدن أصلان: معنوي، وهو: التمدن في الأخلاق والعوائد والآداب، يعني

التمدن في الدين والشريعة وبهذا القسم قوام الملة المتمدنة التي تسمى باسم دينها

وجنسها للتميز عن غيرها.. والقسم الثاني: تمدن مادي وهو التمدن في المنافع

العمومية..» [2] . ويأتي بعده خير الدين التونسي (1225هـ /1810م 1308هـ/

1890م) مستنهضاً العلماء والساسة والأمة لتحقيق الاجتهاد الذي يرعى نهضة

الأمة في حدود الشريعة فينادي بتذكير «العلماء بما يعينهم على معرفة ما يجب

اعتباره من حوادث الأيام، وإيقاظ الغافلين من رجال السياسة وسائر الخواص

والعوام، ببيان ما ينبغي أن تكون عليه التصرفات الداخلية والخارجية» وذلك من

أجل: «أن نتخير منها ما يكون بحالنا لائقاً ولنصوص الشريعة مساعداً وموافقاً

عسى أن نسترجع منه ما أخذ من أيدينا ونخرج باستعماله من ورطات التفريط

الموجود فينا» [3] .

ويخص الاجتهاد لصياغة التشريعات والنظم باهتمامه فيدعو العلماء للعمل

على: «ترتيب تنظيمات منسوجة على منوال الشريعة معتبرين فيها من المصالح

أحقها ومن المضار اللازمة أخفها ملاحظين فيما يبنونه على الأصول الشرعية أو

يلحقونه بفروعها المرعية.. أن الشريعة لا تنسخها تقلبات الدهور» [4] .

ويستثمر الاستدلال التاريخي ليؤصل مرجعية الشريعة فيقول: «لا شك أن

التطبيق الحريص الأمين للشريعة الإسلامية سيعطي في أيامنا الثمار التي أعطاها

فيما مضى من الزمان.. من الممتنع من حيث المبدأ غرس مؤسسات بلد ما في بلد

آخر تختلف أمزجة أهله وأخلاقهم وثقافتهم وظروفهم المناخية» [5] .

آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جهود الإصلاح التشريعي:

كانت دعوة الشيخ - رحمه الله - واضحة ومباشرة، دعوة إلى التوحيد، ونبذ

البدع، ودعوة للاجتهاد، وهذه القضايا تقع في صميم المفاهيم الأساسية لجهود

الإصلاح التشريعي؛ فالتقليد أحد عقبات التجديد لتنزيل الأحكام على الوقائع

الجديدة، وقيوده هي التي منعت بعض العلماء من كتابة تدوين حديث للفقه فأدى

الفراغ التنظيمي - في بداية الاستنساخ - على الأقل إلى نقلة نحو القوانين

الغربية، فكانت دعوة الشيخ إلى الاجتهاد ونبذ التقليد، وتأثيرها في مناطق العالم

الإسلامي، عبر مواسم الحج قد أسست لنهضة اجتهادية كبيرة قدمت الدعم

المعنوي والوهج العملي للعلماء والمصلحين، ومهدت لتقوية موقف الداعين

للاجتهاد ومعارضي التعصب المذهبي في حواضر العالم الإسلامي وألهمتهم العمل

على تأسيس أعمالهم الإصلاحية رغم معارضة مركز الخلافة والولاة المحليين

والفقهاء المقلدين. ولنقرأ وصفاً لبعض المؤرخين المعاصرين من الجامعة اللبنانية

في بيروت لآثار الدعوة النجدية حيث جاء فيه عن الدعوة النجدية أنها: «كانت

النواة للحركات التحررية خارج جزيرة العرب وحتى خارج الوطن العربي.. اعتنق

بعض الحجاج (المبادئ الوهابية) وحملوها معهم ودعوا إليها في بلادهم فانتقلت هذه

المبادئ الإصلاحية، وكان هدف دعاتها في كل مكان تحل به هو محاربة الفساد

والقضاء على البدع والخرافات وتصحيح العقيدة الدينية، ثم محاولة إقامة حكومة

صالحة على أساس ديني لتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود؛ فقامت الثورات على يد

الدعاة (الوهابيين) ضد الأوضاع السائدة في البلاد التي غزتها الدعوة، وظهرت

نهضات الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي.. في السودان وفي اليمن..» .

ولنقرأ العلاقة بين دعوة جمال الدين وتلميذه محمد عبده والدعوة النجدية؛ حيث

يصفها هذان المؤرخان بقولهما: «وفي مصر ظهر الشيخ محمد عبده وقد ركز أبحاثه

على هذين الأساسين:

1- محاربة البدع وما أدخل على العقيدة من فساد بإشراك الأولياء والأضرحة

مع الله تعالى.

2- فتح باب الاجتهاد [6] ، وكانت آثار دعوات النجديين للاجتهاد في البيئات

المتمدنة في حواضر العالم الإسلامي تستلزم أدوات اجتهادية لم تكن لازمة في البيئة

النجدية حيث بساطة الحياة وغياب مزاحمة النظم الغربية، وقد أدى ذلك إلى

اكتشاف أهمية الاجتهاد المصلحي والمقاصدي، لتبدأ مسيرة التجديد فيه ليتكامل مع

الاجتهاد النصي والقياسي، وسنعود لهذه المسألة قريباً.

ولْنعُدِ الآن إلى جمال الدين الأفغاني (1254هـ / 1838م - 1314هـ /

1897م) فقد أضاف عنصراً جديداً إلى المشروع الإصلاحي هو تحريك جمهور

المسلمين، ورفع وتيرة الخطاب الإصلاحي وضخ الحماسة فيه؛ فقد كان كما يقول

بعض المؤرخين:» يقرع ناقوس الخطر وينبه النيام ويفتق المشاكل ويفجر

الطاقات ويترك بصماته القوية في الأذهان والعقول والإرادات «. يقول الأفغاني

وهو يستلهم براهين التاريخ ويحرك الهمم محذراً من الخضوع للتغريب ودعاته:

» علمتنا التجارب ونطقت مواضي الحوادث بأن المقلدين من كل أمة المنتحلين

أطوار غيرها يكونون فيها منافذ وكوى لتطرق الأعداء إليها، وتكون مداركهم

مهابط الوساوس ومخازن الدسائس، بل يكونون بما أفعمت أفئدتهم من تعظيم الذين

قلدوهم واحتقار من لم يكن على مثالهم شؤماً على أبناء أمتهم يذلونهم ويحقرون

أمرهم ويستهينون بجميع أعمالهم وإن جلت « [7] .

ليؤكد في تأصيله لهوية الأمة على أن:» الدين قوام الأمم وبه فلاحها وفيه

سعادتها وعليه مدارها « [8] ، وينافح عن مرجعية الدين بحجج المدنية نفسها فيقول:

» السعادة الحقيقية التي هي طَلِبَةُ الإنسان الأصلية في حياته على الأرض لا

يجوز أن تُلتمَس إلا في الدين الخالص الذي هو الإسلام.. والدين هو الذي يسمح

ببناء نظام اجتماعي متماسك متحد يسعى لخير المجموع وسعادته داخل إطار التجمع

البشري الخاص والعام على حد سواء. أما التمدن المرادف للمكتسبات العلمية التي

لا يترتب عليها إلا الفائدة والكسب والربح فليس هو التمدن الحقيقي. إن هذه

المكتسبات لا تنتج غير مدن كبيرة وأبنية شامخة وقصور مزخرفة ومعامل.. ونحن

لو جمعنا كل ما في ذلك من المكتسبات العلمية وما في مدنية تلك الأمم من خير

وضاعفناه أضعافاً مضاعفة ووضعناه في كفة ميزان ووضعنا في الأخرى الحروب

وويلاتها؛ فإنه لا شك أن كفة المكتسبات العلمية والمدنية والتمدن هي التي تنحط

وتغور وكفة الحروب وويلاتها هي التي تعلو وتفور « [9] ، وقد وطَّن جمال الدين

نفسه على التدليل على أن الفاعلية الأصلية لعقيدة التوحيد هي فاعلية اجتماعية

تمدينية» [10] ، وأن جحود الطبيعيين للألوهية والبعث يجر معه بالضرورة:

«إفساد الهيئة الاجتماعية وتزعزع أركان المدنية» [11] وبهذا فالأفغاني قد انتهى إلى

أن التمدن ذو بعد أخلاقي إذا تجرد عنه يتعرى عن قيمته [12] . ومع عبد الله النديم

(1261هـ / 1845م - 1314هـ / 1897م) : نجد تأصيل مرجعية الشريعة

وهيمنتها على التشريع باستقراء التاريخ والتمدن الإسلامي ليقرر أن «الدين

الإسلامي كان السبب الوحيد في المدنية وتوسيع العمران أيام كان الناس عاملين

بأحكامه» [13] ثم يأتي محمد عبده (1266هـ / 1849م - 1323هـ / 1905م)

ليواصل الدعوة إلى بناء التحديث على أصول الشريعة محركاً عوامل عديدة

للبرهنة على حتمية سيادة الشريعة ومرجعيتها على النشاط الحضاري؛ ومن ذلك

إحياء أثر الإيمان على تهذيب النفوس وتوجيهها، ويقارن ذلك بفقر المذهبيات

الوضعية في ذلك، فيقول: «إن الأخلاقيين والسياسيين والفلاسفة يعجزون جميعاً

عن إثارة النفس الفردية وطبقات الناس جميعاً من أجل دفعها إلى حالة يغلب الخير

فيها على العمل ويتجه فيها العمل إلى المنفعة العامة فضلاً عن الخاصة وترتفع فيها

الشرور والمضار من عالم البشر إن هذا كله لا يتيسر إلا بالعقيدة الدينية، هذه

العقيدة التي بفضلها وحدها يمكن للعيون أن تبكي، وللزفرات أن تصعد، وللقلوب

أن تخشع» [14] ، كما يعارض دعوات أنطون فرح والنصارى العرب لبناء

التشريع بناءاً وضعياً مقرراً أن «العقل لا يستقل وحده بالوصول إلى ما فيه سعادة

الأمم بدون مرشد إلهي.. الدين هو حاسة عامة لكشف ما يشتبه على العقل من

وسائل السعادات» [15] .

لقد كان تأثير محمد عبده كبيراً في تيارات عصره، ونادى بالاجتهاد ودعا

إليه؛ لكنه لم يستطع بناء رؤية واضحة منضبطة فيه، وكان أبرز منحنيات تفكيره

الشخصي، ومن ثم تأثيره في جيله والأجيال اللاحقة هو اكتشافه لكتاب الموافقات

للشاطبي وهو الكتاب الذي أعاد للفقه والتفكير الفقهي روح النظر في المصالح

والمقاصد محاولاً تأسيس: «علم أصل راسخ الأساس ثابت الأركان» [16] ، وما

يعنيه ذلك من انطلاق واسع نحو مواجهة الغزو بأدوات اجتهادية جديدة هي رعاية

المقاصد ومقارنة الكليات وتأسيس منهجية الاستقراء المعنوي لقواعد الشريعة،

وهذه الأدوات الاجتهادية هي الوسائل التي أثبتت فاعليتها في بناء تفكير كلي بدلاً

عن التفكير الفقهي التجزيئي الذي قاد التقليد الفقهي إلى مضائق المتون ومتناثر

المسائل ليتحول الفقيه من قائد لنظم المجتمع إلى مفت في الجزئيات أو شارح

لمتونها وهو الدور الذي لا يقيم نظماً مضادة للنظم الوافدة؛ كما أن التفكير الجزئي

هو الذي أسهم في إبعاد الفقهاء المقلدين وأتباعهم عن ساحة البناء والتغيير إلى زوايا

العزلة واليأس من الإصلاح.

وتظهر أهمية التحول من التفكير الجزئي إلى التفكير الكلي في أوقات تدهور

الحضارة ونظمها، أو في مواجهة نظم غازية، ولم يكن مصادفة أن يظهر جيل من

المجددين ذوي المناهج الكلية في التشريع كالجويني وابن عبد السلام وابن تيمية

والشاطبي؛ لأن التدهور الحضاري يحفز التفكير باتجاه الكليات في مجالات البناء

الحضاري المختلفة؛ ولنقارن منهجية التفكير الكلي عند هؤلاء الفقهاء أثناء تدهور

الدولة العباسية واضمحلالها ولنقارنه بظهور التفكير الحضري التاريخي مع ابن

خلدون لتتضافر هذه المناهج في توصيف الأزمة وأسباب الخروج منها. يقول ابن

خلدون منتقداً مناهج المؤرخين في تتبع الوقائع وطغيان منهج التجزئة على كتاباتهم

فينتقد إيرادهم: «حوادث لم تعلم أصولها، وأنواعاً لم تعتبر أجناسها ولا تحققت

فصولها» [17] ، ويتجه ابن خلدون إلى منهج جديد لدراسة التاريخ والاجتماع تحكم

فيه: «أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع

الإنساني.. بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الأشياء» [18] ، غير أن تلك

الدعوات لم تلقَ طاقة دفع جماهيري ترفع أداءها إلى مستوى الفعل الحضاري،

لكنها أصبحت وقوداً حياً لحركات اليقظة والتصحيح المعاصر سنقرأ آثاره فيما يلي.

تُظهِر الأعداد الأولى من مجلة المنار تفكير محمد عبده ومحمد رشيد رضا:

تفكيرهما قبل اكتشاف محمد عبده للشاطبي، ثم يظهر تأثير الشاطبي في فكرهما

وفي المجلة بعد ذلك؛ حيث نشرت المجلة موضوعات عن المصلحة وقضاياها،

واصطبغت أفكارهما بهذا البعد الجديد في الدعوة والتفكير فقد «عرف محمد عبده

كتاب الموافقات بعد نفيه من مصر سنة 1882م الذي صار حجة لمحمد عبده في

مسيرته التجديدية في المسائل الكلية في قضايا الحضارة والثقافة، أما تفاصيل

الأحكام فكان المرجع القياس» [19] .

وقد تفاعل العلماء مع هذا الاتجاه التجديدي، فكتب الشيخ محمد الطاهر بن

عاشور كتابه: (مقاصد الشريعة) ، ونشره سنة 1366هـ / 1946م محاولاً

تأسيس نظر كلي للتأصيل في مواجهة التقليد والنظم الغربية الوافدة، كما أصدر

الشيخ علال الفاسي كتابه: (مقاصد الشريعة) ، ونشره سنة 1382هـ، ثم توالت

الأعمال الداعية إلى الاجتهاد الكلي لتأصيل التحديث وتطبيقاته، وبلغت في تأثيرها

إلى التأثير في الفكر الشيعي؛ إذ يقرر محمد باقر الصدر أن على المجتهد:

«أن يستوعب غايات التشريع ومقاصد الشريعة» [20] ، ونلاحظ آثار مفهوم

المصالح ورعايتها لدى كثير من العلماء على اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم. انظر

مثلا: الشيخ حسين الجسر (1261هـ /1845م - 1327هـ / 1909م) : ألف

كتابه: (الرسالة الحميدية في حقيقة الديانة الإسلامية وحقيقة الشريعة الإسلامية

المحمدية) مقرراً: «أن الشريعة المحمدية بل وسائر الشرائع إنما يقصد منها بيان

ما يرشد الخلق إلى معرفة الله - تعالى -.. وإلى الأحكام التي توصلهم إلى انتظام

المعاش وحسن المعاد» [21] والشيخ محمد جمال الدين القاسمي (1283هـ /

1886م - 1332هـ /1914م) : «فالدين هو الداعي إلى سبيل الرشد

وطرق السعادة البشرية ليهتدوا إلى المصالح التي تقوم بها حياتهم» [22] .

لقد أدت جهود التأصيل الإصلاحي هذه إلى توعية كثير من المفكرين، كما

تزامنت مع يقظة نقدية علمانية نسبية أدت إلى بدء تراجع التيار التغريبي الجذري،

رغم أن إدارة الاحتلال البريطاني قد: «.. أفسحت مجالاً واسعاً بصورة خاصة

لحرية التغريب التي وقفت وراءها وشجعتها، وحمت دعاتها من ردود الفعل

الشعبية والتي تجلت خاصة في حملة التغريبيين على القواعد الإسلامية،

والمعطيات الدينية ليس بقصد إصلاحها، وإنما بقصد نبذها نهائياً من أجل إحلال

الثقافة الغربية محلها» [23] .

وكانت جهود التغريبيين وطروحاتهم من التطرف بحيث لاحظ كثير من

المؤرخين للفكر العربي سذاجتها. يقول فهمي جدعان وهو المؤرخ القومي المعتدل:

«الذي يثير الاهتمام لدى الكتاب التغريبيين - من المصريين خاصة - هذا

الانقياد الكامل العجيب للقيم الغربية، وهذا الغياب المطلق لكل روح نقدية بإزاء

هذه القيم؛ فلقد اشتعلت رؤوسهم ذكاء ونقداً للمدنية العربية الإسلامية؛ بينما تقلص

هذا الذكاء تقلصاً كاملاً بإزاء المدنية الغربية التي كانت تلاقي في عقر دارها في

الفترة نفسها انتقادات لا ترحم..» مستنتجاً أن: «المفكرين المسلمين الذين سقطوا

سقوطاً كاملاً في أحضان المنظومة اللبرالية العلمانية التغريبية قد كانوا يفتقرون إلى

قوة في النفوس ونفاذ في الرؤية وبُعد في النظر وحس نقدي على درجة من

التوازن» [24] .

ومن نماذج اليقظة النقدية المتأثرة بحركة الاجتهاد والتأصيل الإسلامي فهمي

منصور الذي بدأ برؤية علمانية متطرفة - وقد أوردنا في حلقات سابقة بعض

آرائه - عاد ليقول: «نحن وفق مقومات فكرنا العربي الإسلامي لا نقبل عيوب

الحضارة الغربية ونواجهها مواجهة الإصلاح والنقد حتى نقارب بين المثل الأعلى

لأمتنا والواقع. والمفكر يجب أن يعيش عصره.. ولكنه مكلف بتحويله إذا انحرف

والتحفظ على اندفاعاته وتعديل المجرى أمامه ليصل إلى الغاية المثلى.. ولا يمكن

أن تنتقل أمتنا العربية من واقعها الذي يقف الآن في مرحلة الجزْر إلا على مفهوم

واضح ببناء أساس فكري روحي سليم يمكن أن يواجه القيم والأفكار القادمة من

الشرق أو الغرب حتى لا تجرف كياننا ولا تجعلنا ممسوخي الشخصية» ، كما كتب

يقول: «إن النفس لتدعوني أن أحتفظ بالخصائص التي أراد الله أن يميز بها أمة

أنا من بينها، وأنا أتمسك بميراث انحدر إلى بلدي منذ قرون» [25] ، ونموذج آخر

هو تحول محمد حسين هيكل رئيس تحرير جريدة السياسة فقد انتهى سنة 1933م

تقريباً إلى ملاحظتين أساسيتين: أولاهما: إدراكه لأزمة الغرب الروحية التي بدأ

الغرب يعانيها منذ سنة1920م ويلتمس علاجها. والثانية: إدراكه لدعم الدول

الغربية للتبشير في البلاد الإسلامية، فكتب في جريدة السياسة سنة 1933م قائلاً:

«حاولت أن أنقل لأبناء لغتي ثقافة الغرب المعنوية وحياته الروحية لنتخذها جميعاً

هدياً ونبراساً، لكني أدركت بعد لأْيٍ أنني أضع البذر في غير منبته؛ فإذا الأرض

تهضمه ثم لا تتمخض عنه ولا تنبت الحياة فيه. وانقلبت ألتمس في تاريخنا البعيد

في عهد الفراعين موئلاً لوحي هذا العصر.. فإذا الزمن وقد قطع بيننا وبينه..

فرأيت أن تاريخنا الإسلامي هو وحده البذر الذي ينبت ويثمر؛ لذلك لم يكن لنا مفر

من العود إلى تاريخنا نلتمس فيه مقومات الحياة المعنوية لنتقي الخطر الذي دفعت

الفكرة القومية الغرب فيه» [26] ، كما نجد اتجاهاً نقدياً جديداً لدى إسماعيل مظهر

صاحب مجلة العصور الليبرالية العلمانية، كتب في المقتطف يقول: «ينبغي لكل

عربي أن يكون في دخيلة نفسه عربياً روحاً ونفساً، مثله الأعلى آداب العرب

وآداب الإسلام، وسياسته الدنيوية سياسة العرب والإسلام» [27] ، ولا زال رموز

العلمانية ينعون تراجع العلمانية المتطرفة؛ ولنقرأ ذلك في كلمات عزيز العظمة

متحدثاً عن قضيتي طه حسين وعلي عبد الرازق وأنهما «محطتان رئيسيتان في

سياق الهجمة الدينية على تعميم (العقلانية العلمانية) .. وكان من نتائجها أن نجح

الدينيون وبمؤازرة السلطات.. بحظر النظر العقلي في أمور النصوص

الدينية» [28] .

لقد تمكن العلماء والمفكرون من تأسيس مرجعية الشريعة في مشروعات

النهضة، وتمكنوا من تكوين تيار عام من شتى طوائف المثقفين العرب يقر بهذه

المرجعية، ويتفاعل معها بشكل أو بآخر، وربما كان من أبلغهم تأثيراً في العقدين

الأخيرين د. محمد الجابري في مشروعه الكبير: (نقد العقل العربي) ، ومن

الخليجيين محمد جابر الأنصاري. وتجد الإقرار بالمرجعية العامة عند طائفة من

الليبراليين الخليجيين، وربما تيسر لهذا الموضوع مراجعة في المستقبل.

2- إعداد مدونات فقهية مقننة مستمدة من الفقه الإسلامي:

لقد أدرك الفقهاء الرواد في زمن مبكر أن مواجهة الانحراف التشريعي لا

تستقيم إلا بالاجتهاد الشرعي وتقديم أحكام الشريعة بدلاً من الأحكام المنحرفة عن

هدي الوحي؛ إذ لا يكاد يوجد انحراف تشريعي إلا وهو متلبس بنوع من التقصير

الفقهي؛ وقد لاحظَ ذلك ابن تيمية في انحراف العباسيين وتقدم كلامه، ولاحظه ابن

القيم في مسألة أحكام السياسة متابعاً شيخه، كما لاحظ الجويني في الغياثي أن

الضعف الفقهي سبب داعم لانحراف أداء أجهزة الدولة، وتقدمت الإشارة إلى ذلك،

ولم يكن التغريب التشريعي حالة استثناء؛ فقد كان الأزاهرة في لجج التقليد حين

دهمتهم قوانين فرنسا، بل كان تقصيرهم سبباً للتغريب في أكثر من حالة، وقد تقدم

من البيان في حلقات سابقة ما يغني عن الإعادة. وإنصافاً لأهل المبادرة لا يفوتني

هنا التنويه إلى سلسلة من المبادرات الفقهية جاءت لتقدم الصياغة الفقهية، لكنها

كانت متأخرة عن وقتها ففات بذلك التأخير على الأمة خطف زمام المبادرة في

لحظات التحول. وقد كان من فضل الله - تعالى - أن أدركت تلك المبادرات

لحظات تأثير وتحول في مواقع أخرى فكانت من أسباب مزاحمة التغريب وقهره،

ونورد في هذا المقام النماذج الآتية ونذكر معها أوجه تأثيرها:

أ - مشروع قدري باشا:

كان قدري باشا ناظراً للحقانية وزيراً للعدل وقد كلف سنة 1882م - 1300

هـ بصياغة تقنين مستمد من الفقه الإسلامي، ثم تعثر المشروع بسبب ضغط

أوروبي تقدمت إشارات إلى بعضه، لكن قدري باشا أنجز المشروع وأصدره في

كتاب شهير بعنوان: (مرشد الحيران) [29] . رتب فيه الفقه الحنفي، في المجال

المدني والتجاري في مواد مستمدة من المجلة العدلية، ولم يظفر بالتصديق الرسمي؛

لكنه كان مرجعاً واسع التأثير في الدراسات القانونية التالية؛ كما استمدت منه

بعض التشريعات العربية وأصبح وثيقة تاريخية في هذا المجال، وطبع طبعات

كثيرة، ويكاد ألاَّ يعثر الآن على نسخ منه لتقادم طبعاته، ودون أحكام الأحوال

الشخصية، في تقنين خاص، وأصدر كتاب العدل والإنصاف في أحكام الأوقاف

وهو تقنين لأحكام الأوقاف.

ب- تقدم بعض العلماء بنموذج لمشروع قانون مدني مستمد من الشريعة في

مسائل نظرية العقد بمناسبة صدور المدني المصري سنة 1948م.

ج- أوصى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث في سنة 1386هـ السلطات ذات

الاختصاص بالعمل على تنقية التشريعات والنظم من كل ما يخالف حكم الإسلام،

وأن ترد التشريعات إلى الكتاب والسنة مستعينة بكل مستحدث صالح من فكر أو

حكم لا يعارض أصلاً من أصول الدين [30] . ثم في سنة 1388هـ أوصى المؤتمر

الرابع لمجمع البحوث الإسلامية في مصر بتأليف لجنة من رجال الفقه والقانون

لتضع الدراسات ومشروعات القوانين التي تيسر على المسؤولين في الدول

الإسلامية الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية في قوانينها [31] .

د - في سنة 1970م صدر الدستور اليمني ونصت المادة 152على وجوب

تقنين أحكام الشريعة المتعلقة بالمعاملات بما لا يخالف نصاً ولا إجماعاً.

هـ - في سنة 1970م وافق مجمع البحوث في مصر على الخطة

المرحلية

لأعمال لجان المجمع ومنها لجنة تقنين الشريعة [32] .

و في سنة 1971م صدر قرار مجلس قيادة الثورة الليبي بتشكيل لجان

لمراجعة التشريعات وتعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة، وصدرت

قوانين الزكاة والربا والغرر والوقف وحدي السرقة والحرابة، وأعدت مشاريع

قوانين حدود شرب الخمر والزنا والردة.

ز - في سنة 1972م صدرت الطبعة التمهيدية لمشروع تقنين مذهب الإمام

مالك عن لجان مجمع البحوث المصري.

ح - في سنة 1972م صدرت الطبعة التمهيدية لمشروع تقنين مذهب الإمام

أحمد عن مجمع البحوث المصري [33] .

ط - في سنة 1397هـ نشر جمال الدين عطية مشروعاً مقترحاً بإنشاء هيئة

تقنين أحكام الشريعة [34] .

ي - وافق مجلس الشعب المصري سنة 1978م على تشكيل لجنة

لدراسة تطبيق الشريعة وتقنينها على أن تستشير اللجنة من تراه من خبراء

القانون والشريعة، فأعدت مجموعات قوانين تم عرضها على الأزهر والجامعات

والقضاء للاستئناس، فرجعت بملاحظاتهم، وتم إكمال الصياغة النهائية، وهي:

مشروع قانون الإثبات في 181مادة. ومشروع قانون التقاضي في 513 مادة

ومشروع قانون العقوبات في 630 مادة. ومشروع قانون التجارة البحرية في

243مادة. ومشروع قانون التجارة في 772مادة [35] .

ك - مشروع القوانين الموحدة بالدول العربية، وتصحيح القوانين الحالية بما

يتفق مع الشريعة، وهو العمل الذي تشتغل به مجموعة من اللجان المشكلة بجامعة

الدول العربية [36] .

ل - القانون المدني الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي: «وثيقة الكويت

للنظام (القانون) المدني الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية»

ويتكون من 1242مادة انتهت إليها لجنة الخبراء: «ووافق عليها أصحاب المعالي

وزراء العدل في اجتماعهم التاسع الذي عقد بالدوحة 1418هـ. ووافق عليها

المجلس الأعلى في دورته الثامنة عشرة التي عقدت في دولة الكويت 1997م

كقانون استرشادي لمدة أربع سنوات» [37] .

وكان قد أقر القانون التجاري الخليجي الموحد مستمداً من القانون التجاري

المصري لسنة 1954م. وقانون جزائي مستمد من الشريعة أدرجت فيه الحدود

الشرعية [38] .

هذه نماذج لأعمال تقنين أحكام الفقه الإسلامي، لم أقصد بها الاستقصاء، كما

تعمدت عدم ذكر مجموعة من القوانين المدنية العربية التي استلهم فيها كثير من

أحكام الشريعة وعدلت لتكون أقرب إلى روح الفقه الإسلامي مثل المدني الأردني،

والعراقي، والسوري، والإماراتي، والتعديل الجديد للقانون المدني الكويتي الذي

اقترحته اللجنة الاستشارية العليا لاستكمال تطبيق الشريعة، وغيرها من الجهود.

3- استثمار المؤتمرات الفقهية والقانونية:

عقدت في بداية القرن الميلادي الماضي سلسلة من المؤتمرات الفقهية

والقانونية العالمية والإقليمية والمحلية، وقد شارك فيها الفقهاء وقدموا فيها

موضوعات فقهية متخصصة، أسهمت في تصحيح كثير من التصورات الخاطئة

عن الفقه الإسلامي التي تركتها حملات التشهير التي قام بها المستشرقون،

والمستغربون من المثقفين العرب، ومن تلك المؤتمرات: مؤتمرات لاهاي المنعقدة

في السنوات 1927م وقد مثل الأزهر ببحثين هامين، ثم توالت مؤتمراته في

السنوات 1932م، و1937م، و1948م، وأسبوع الفقه الإسلامي المنعقد بباريس

سنة 1951م، والندوة الإسلامية الكبرى بلاهور سنة 1953م، وندوات جنيف سنة

1972م وسنة 1974م، وندوة التشريع الإسلامي المنعقدة بالجامعة الليبية سنة

1972م [39] .

وقد كان لتلك المؤتمرات أثر عميق على المفكرين العرب؛ فقد كتب عبد

الرزاق السنهوري في جريدة الإخوان المسلمين: «الشريعة الإسلامية بشهادة فقهاء

الغرب أنفسهم تعد من أكبر الشرائع العالمية؛ فما بال الغرب يعرف هذا الفضل

ونحن ننكره؟ وما بال هذه الكنوز تبقى مغمورة في بطون الكتب الصفراء ونحن

في غفلة نتطفل على موائد الغير ونتسقط فضلات طعامهم؟ والمطلوب أن نأخذ في

دراسة الشريعة الإسلامية طبقاً للأساليب الحديثة» [40] .

وكان من أطرف تلك الملتقيات وأكثره دلالة على وجوب مقاومة الأمة

للتغريب التشريعي ما قرره عمداء كليات الحقوق في الجامعات العربية في ندوتهم

المنعقدة في بيروت وبغداد سنة 1972م ما يلي: «وجوب العناية بدراسة المقارنة

بين أحكام الشريعة وأحكام القوانين الوضعية باعتبارها من أهم أسس التوحيد

القانوني بين البلاد العربية» [41] ، وجاء فيها: «أن من مهمات كليات الحقوق

بالجامعات العربية أن تدرس الشريعة الإسلامية بوصفها مصدراً رسمياً للقانون في

معظم البلاد العربية، مصدراً تاريخياً للقانون في جميع هذه البلاد، كما أصبح

المشرع العربي في معظم البلاد العربية يجعل من الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً

يستمد منه عند وضع التشريع، وهذا كله؛ فضلاً عن كون الشريعة الإسلامية تراثاً

قومياً؛ يجدر بنا أن نلقي عليه الضوء عند دراسة القانون الوضعي» [42] ، وصدر

عن الندوة الثانية لعمداء كليات الحقوق في العالم العربي المنعقدة في بغداد سنة

1974م توصيات مهمة تدعو لاعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً أصيلاً للقوانين

العربية؛ لأنه وحده المصدر الأساسي للتشريع وهو الطريق الوحيد لتوحيد الأحكام

والمصطلحات القانونية. ومن أهم توصيات الندوة ما يلي:

أولاً: العناية التامة بدراسة الفقه الإسلامي؛ لأن استكمال الشخصية العربية

يقتضي الرجوع إلى هذه الشريعة والاعتماد عليها كمصدر أساسي للقانون العربي

الموحد.

ثانياً: تدعو الندوة الحكومات التي تنص في دساتيرها على أن الفقه الإسلامي

هو المصدر الرئيسي للتشريع إلى وضع هذا النص موضع التنفيذ عن طريق

الالتزام بالأحكام القطعية، والاجتهاد في المسائل الاجتهادية بما يلائم روح العصر.

ثالثاً: إنشاء مجمع للشريعة والقانون على مستوى العالم العربي، ويختص

هذا المجمع بإعداد دراسات شرعية وقانونية يفيد منها المشرع الوضعي، ولإبداء

الرأي في ما تطلبه الحكومات العربية والهيئات الرسمية وتقديم المشورة إليها

والتنسيق بين عمل المجمع والهيئات المعنية بالشريعة في البلاد العربية) [43] .

في الحلقة القادمة - بإذن الله تعالى - نتابع جوانب من جهود العلماء في

الإصلاح التشريعي. والله الموفق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015