الافتتاحية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد:
فقد أذن الله لجهادكم أن يكون حقاً وواجباً، وشاء سبحانه أن يجعل أرضكم
ميداناً لأكبر ساحات جريان سُنَّة التدافع بين الحق والباطل، وفي القرآن آية أنتم
أهلها ما دمتم أنصاراً لدين الله. قال تعالى: [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ
اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا
اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ
وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ] (الحج: 39- 40) .
ولذلك فإننا ننطلق من عموميات هذه الآية المباركة لنرسل إليكم هذه الرسالة
الأخوية النابعة من رغبة خالصة في التناصح والتذاكر؛ فالمؤمن مرآة أخيه.
أيها المجاهدون: نقرر بادئ ذي بدء أمام الجميع حقيقة لا مراء فيها، وهي
أنه لا مجال لأحد في المزايدة على جهادكم المبارك وأنتم تقدمون من العطاء أعلاه
ومن البذل أغلاه، كيف لا وأنتم تبذلون ما لا بَذْلَ بعده، وهو الروح، وتجودون
بما لا أثمن منه وهو الدم؟
إلا أن فرض التناصح الواجب بين المسلمين خاصتهم وعامتهم، يحتم علينا
أن نشارككم المشورة في كيفية توجيه هذا الجهاد الذي تشرعون في رفع أعلامه في
الأرض المقدسة نحو غاياته الأسمى، وبما يليق بأكبر قضايا المسلمين في هذا
العصر؛ ذلك أن الجهاد عبادة وفريضة دينية تحكمها شرائع وتضبطها شعائر،
وتحفُّها أحكام؛ فجهادكم ليس كمثل (كفاح) الثوريين أو (نضال) اللادينيين الذين
لا يلتزمون شريعة ولا يثبتون على مبدأ.
وقبل أن نَشْرَع فيما نحن بصدده من تناصح وتذاكر، نريد أن نسجل اغتباطنا
أيها المجاهدون برباطكم الأغر على رُبَى الأقصى، وثرى المقدسات في الأرض
المباركة، وهنيئاً لكم بشرى رسول الله بقيام طائفة ظاهرة على الحق في أرضكم،
يقاتلون عليه في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس لا يضرهم من خالفهم ولا من
خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، وهنيئاً لكم انتدابكم للوقوف في وجه أشد
الناس عداوة للذين آمنوا، وهنيئاً لكم انتصابكم لمهمة النيابة عن الأمة كلها في الذود
عن حرمات أرض الأنبياء، من لدن إبراهيم إمام الموحدين عليه السلام إلى محمد
خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، هنيئاً لكم أنكم أهل الأرض التي جعلها الله في
رباط إلى يوم القيامة، وهنيئاً لكم أن تلك الأرض ستشهد عودة آخر خلافة على
منهاج النبوة، وستكونون بإذن الله أنتم أو أبناؤكم أو أحفادكم طلائع الممهدين
لسلطانها حتى يتحقق قول الله تعالى: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] (الصف: 9) . ولكن هذا الشرف
كله، وذلك الفضل كله مشروط أيها المجاهدون بتحقق أوصاف الطائفة المنصورة
فيكم شيباً وشباباً، رجالاً ونساءً، تلك الطائفة التي اختُصر وصفها في الحديث
الشريف في كلمات قليلة هي: «ما أنا عليه وأصحابي» [1] .
يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم:
أيها المجاهدون: قدَرُكم - وهو قدْركم أيضاً - إن شاء الله - أن تكونوا أهل
هذه الأرض التي لم يبارك الله لكم فيها فقط، بل بارك فيها للعالمين، كما نص
القرآن، ولهذا فهي لكم خاصة، ولأهل الإيمان عامة؛ لأن صك وراثتها مشروط
بالتقوى [إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ]
(الأعراف: 128) .
إن قانون الوراثة هذا قد جاء على لسان نبي الله موسى الذي أُرسل لبني
إسرائيل، ولهذا فإن بني إسرائيل لم يكن لهم حظ في وراثة هذه الأرض في أي
زمان من الأزمنة إلا بهذا الشرط، شرط الإيمان والتقوى، فلما فقدوا هذا الشرط لم
يكن لهم إلا توارث اللعنة والغضب، ولم تعد الأرض المقدسة هي الأرض التي
كتب الله لهم، بل إنها الأرض التي كتب الله لكم، ولكل الموحدين الحائزين صفة
المتقين. لقد كانت دعوة موسى عليه السلام لقومه بدخول الأرض المقدسة مقرونة
باتباع هدي الأنبياء والتميز بالتوحيد عن بقية الأمم كما حكى القرآن: [وَإِذْ قَالَ
مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم
مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّنَ العَالَمِينَ] (المائدة: 20) ، ثم قال لهم: [يَا قَوْمِ ادْخُلُوا
الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ]
(المائدة: 21) ، فوَعْد الحيازة حق إلهي أُعطي لبني إسرائيل لما كانوا على الدين
الصحيح، وليس حقاً تاريخياً ولا جغرافياً ولا قانونياً ولا عنصرياً.
إنهم يحدثونكم عن (الحق التاريخي) في وراثة الأرض، ويحدثونكم عن
قرارات الأمم المتحدة ومقررات الشرعية الدولية، وضمانات راعيي عملية السلام،
ولكنا نحدثكم عن الوعد الشرعي الحق الذي سيظل قائماً ما دمتم على الحق قائمين،
وما دمتم دونه مقاتلين وتحت رايته وحده مجاهدين؛ فهذا وصفكم في خبر الصادق
المصدوق صلى الله عيه وسلم: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب
دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم،
ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة» [2] .
ولهذا نقول لكم بقول الله - تعالى -: [يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي
كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ] (المائدة: 21) .
من أخبار المنقلبين:
لقد رأيتم أيها المجاهدون كيف ارتد أقوام من بني جلدتنا على أدبارهم فانقلبوا
خاسرين، كيف تقلبوا في درجات التعالي بالباطل، ثم انحطوا في دركات الحيدة
عن الحق؛ لا لشيء إلا لأنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، عندما رفعوا
كل الرايات إلا راية الإسلام الصادق، وصادقوا كل المعسكرات إلا معسكر الإيمان
الثابت، إنهم وقفوا وافتخروا بكل نسبة إلا النسبة للدين الحق، فها هو إعلام
السلطة يخاطب الفلسطينيين بوصف (الكنعانيين) ولا يخجل عرفات أن يكرر في
كثير من المحافل قوله: (نحن شعب الجبارين المذكورين في القرآن) ! وكأنه
يقول لليهود: أنتم أتباع الأنبياء، ونحن الجبارون الوثنيون الذين قاتلهم الأنبياء في
الأرض المقدسة!
إنهم وثقوا بكل وعود الأعداء وأمانيهم، ولم يثقوا بوعد الله الذي أجراه على
ألسنة الأنبياء: [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ] (الأنبياء: 105) . فلنكن نحن على ثقة بهذا الوعد، وليتحقق فينا
وفيكم وصف العبودية والصلاح.
إن صلاحكم أيها المجاهدون وعبوديتكم يكمن في إصلاح مسيرتكم وتقويم
مناهجكم، فقوِّموها وراجعوها ولا تسأموا من مراجعتها؛ لتكون كاملة التطابق مع
المنهاج الشامل المتكامل الذي جعله الله عدة للنصر، وسبيلاً للتمكين؛ فو الله لن
يكون نصر إلا بذلك [وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ] (الحج: 40) ، ووالله ما أُتينا
من قَبْل، ولن نؤتى من بَعْد إلا بالتفريط في نصرة الله بنصرة دينه ومنهاجه
وشرعه [إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ] (آل عمران: 160) .
إن هذه الآيات تحكي لنا ولكم باختصار أسرار الخذلان والذل والانكسار الذي
عانت وتعاني منه الأمة في فلسطين وغيرها؛ فلن ينصرنا أحد إذا خذَلَنا الله، ولن
تستطيع أمم الأرض ولو اجتمعت أن تعيد لكم حقاً أو تحقق لكم نصراً إلا بإرادة الله
وحده.
غطاء الحماية الدولية، أم مظلة الحماية الإلهية؟
إنهم يتسوَّلون لكم الآن ولأهلنا في الأرض المغتصبة (الحماية الدولية) ،
ناسين أن هناك حماية إلهية قد ضمنها الله لكم وللأمة كلها من كيد يهود وغيرهم.
قال تعالى: [لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ]
(آل عمران: 111) ولكن ما الذي جرى؟ ولماذا لم تعد تظلنا هذه الحماية
الإلهية؟ ! إن الخطاب موجه إلى المؤمنين الذين ينصرون دين الله؛ فهل حققنا
وصف الإيمان وقمنا بواجب النصرة؟ قال تعالى: [وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا
الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِياًّ وَلاَ نَصِيراً] (الفتح: 22) قال ابن كثير في تفسيرها:
«يقول الله عز وجل مبشراً لعباده المؤمنين بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله
رسوله وعباده المؤمنين عليهم، ولانهزم جيش الكفار فاراً مُدْبِراً لا يجدون ولياً ولا
نصيراً؛ لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين، ثم قال تبارك وتعالى:
[سُنَّةَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً] (الفتح: 23) . أي
هذه سنة الله وعادته في خلقه: ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فَيْصَلٍ إلا نصر
الله الإيمان على الكفر، فرفع الحق ووضع الباطل» [3] . فما بال جيوشنا قد
أدمنت تولية الأدبار أمام الكفار؟ ! أليس هذا أمراً جديراً بأن يجعلنا نخاف على
أنفسنا، بل نخاف على إيماننا؟ إن أحداً لن يفهم هذا الخطاب أيها المجاهدون إلا
أنتم؛ فكونوا طليعة شعبكم في العودة الصادقة إلى منهاج النصر والتمكين الخالي
من شوائب المخالفة والعصيان والابتداع في الدين. وتلك لعمرُ الحق مسؤولية
جسيمةٌ جسيمةٌ جسيمةٌ لا بد أن تتصدوا للقيام بأعبائها مهما كلف الأمر من وقت
وجهد وإلا ... فلا خروج لنا أو لكم من ذاك التيه المضروب على الأمَّة كلها في
مسيرة صراعها.
حذارِ من المبتدعة والابتداع!
إذا كانت القوة والعزة نتيجة مباشرة لنصرة الدين، فإن الضعف والذلة من
ثمرات الانحراف والابتداع في الدين، نعم! فهكذا أخبر من بيده الخلق والأمر
سبحانه عن المبتدعين الأوائل قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ
مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ] (الأعراف: 152) .
قال أبو قلابة: «هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة» ، وقال سفيان بن
عيينة: «كل صاحب بدعة ذليل» [4] . نقول هذا بمناسبة ما طيَّرته وكالات
الأنباء عن تشيُّع عدد من قادة الحركة الإسلامية في فلسطين (احتجاجاً) على
الموقف المتخاذل لكثير من الهيئات والجماعات والدول المنتسبة لأهل السُّنَّة حيال ما
يحدث للفلسطينيين وعدم مبادرتهم إلى اتخاذ مواقف قوية في نصرتهم كما يفعل
الشيعة، إننا نقول: مهلاً يا أنصار دين الله في الأرض المقدسة! مهلاً يا أحفاد
الصحابة الذين روَّوْا بيت المقدس بدمائهم؛ فليس بنهج مبغضي الصحابة يُعاد فتح
القدس. إنهم يخدعونكم بادعائهم محبة أهل البيت، في حين أنهم يلعنون سيدة أهل
البيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها! إنهم يراودونكم عن السنَّة ببدعتهم،
ويزايدون عليكم بدعاوى بطولاتهم وفدائياتهم! ! مع أن جهادكم أنقى وأتقى وأبقى؛
فأين جهاد عزِّ الدين القسام، والشيخ أمين الحسيني، وأحمد ياسين، ويحيى
عياش، وغيرهم كثير؟ أين تضحيات هؤلاء الشرفاء من شهدائكم وجرحاكم
ومجاهديكم، أين ذلك كله وغيره كثير من مغامرات حفنة من روافض الشام الذين
ما سقط بيت المقدس بيد الصليبيين إلا في عهد أسلافهم العُبيديين، وما اجتاح التتار
ديار المسلمين إلا بدعوة وإطماع من أجدادهم العلقميين؟
إنهم يدعونكم إلى الاقتداء والتأسي بمسلك من يدعونه (حزب الله) الذي
قالوا إنه أول من حقق نصراً حاسماً على دولة اليهود في تاريخ الصراع
العربي الإسرائيلي! مع أن هذا الحزب كما هو معلوم للجميع يعمل لحسابه وحساب
طائفته فقط، وهذا ما صرَّح به كبير القوم هناك عندما قال: «لا علاقة لما نقوم به
ضد إسرائيل بالفلسطينيين أو الانتفاضة» (مهدي شمس الدين، الشرق الأوسط،
10/ 12/2000م) ، وهم ما فتئوا يرددون ويكررون أن حركتهم ستنصرف إلى
العمل السياسي بمجرد الإفراج عن الأسرى اللبنانيين الشيعة طبعاً وبعد تحرير
مزارع (شبعا) في جنوب لبنان، ذلك الجنوب الذين يريدونه مُنطَلَقاً لمدٍّ رافضي
آخر في المنطقة، ولكنه عربي هذه المرة. وعندما سئل أمين حزبهم عن نية
مجموعته في تقديم العون العسكري للانتفاضة رد بلا تقيَّة: «العون العسكري
ليس وارداً، ولكننا نساند الانتفاضة مساندة معنوية» !
إننا نرجو ألاَّ يُفرط بعض قادتكم أيها المجاهدون في حسن الظن في هؤلاء
القوم الذين يرون في أهل السنة أعداءهم التاريخيين، وليس بين أيدينا ما يدل على
كل حال على أن موقفهم هذا قد تغير أو هو قابل للتغير.
أهل السنة هم فئتكم المتحيزون إليكم:
إذا كان أهل الزيغ يراودونكم على السنَّة فإن أهل الانحراف يراودونكم على
الإسلام نفسه، فيريدون لشعبكم أن يظل في غياهب الظلمات العلمانية منقسماً إلى
فصائل متخالفة يعمل كل منها لحساب راية من الرايات العِمِّية؛ والعجيب أن هؤلاء
لا يعترفون بأهل السنة منكم ولو كفصيل من الفصائل التي لها حرية الحركة
والمشاركة؛ ولكنهم يجعلون منكم فقط الفصيل المنبوذ المطارد دائماً؛ ولهذا نقول:
أنتم أولياؤنا دونهم، نعم أيها المجاهدون! إن فصائل أهل السنة الصادقين في أنحاء
العالم هم فئتكم، وأنصاركم، وهم العمق الذي يمتد في أرجاء المعمورة دعماً
لقضيتكم؛ لأنها القضية الأولى عند كل صادق في انتمائه للكتاب والسنة، أما
الوثوق بأصحاب الرايات العلمانية من أحزاب الثوريين والشيوعيين والقوميين
والبعثيين وغيرهم فإنهم هم الذين جلبوا على قضيتكم المصائب، وتسببوا في فضِّ
الناس من حولها، بعد أن نزعوا رداء القداسة الدينية والصبغة الإسلامية عنها.
لقد تجاوبت الأمة كلها مع انتفاضتكم، وتدفقت التبرعات المالية بسخاء
وعفوية لدعمها وضمان استمرارها، ولكن هناك عقبة وحيدة وقفت دون وصول
عون إخوانكم إليكم، إنها عقبة (عدم الثقة) ، نعم! عدم الثقة في القيادات التي
برهنت دائماً على أنها أدنى من مستوى الشبهات، وما نادي القمار في (أريحا)
الذي تكلف ملايين الدولارات، إلا أحد الشواهد على سوء توظيف أموال الدعم
العربي والإسلامي لقضيتكم.
إن هؤلاء العلمانيين على اختلاف ألوانهم كانوا ولا يزالون لعنة على القضية
ولعبة في أيدي أعدائها، يستعملونهم في العبث بمصائر شعوب المنطقة ومقدراتها،
وقد آن الأوان لأن تتحقق المفاصلة بين دعاة الحق وأدعيائه، بين أولياء الدين
وأعدائه؛ وقد أثبتت تداعيات الأحداث الأخيرة، وما قبلها أن أمثال هؤلاء لا
يمثلون أي هاجس لدى الأعداء الظاهرين، إنما الخطر كل الخطر على اليهود
وأوليائهم يأتي من قِبَلكم ومن قِبَل أمثالكم من المقاتلين في سبيل الله لا في سبيل
الطاغوت.
أيها المجاهدون: سيقولون لكم: إن دعوتكم هذه ستفرق الشعب، وستقضي
على (الوحدة الوطنية) التي تجمع بين المسلمين والنصارى والإسرائيليين العرب.
فقولوا لهم: إن القضية الإسلامية تحتاج إلى وحدة إسلامية، وهي نفسها التي
ستؤدي إلى وحدة أهل الوطن تحت راية واحدة، لا رايات متخالفة.
الرهانات الخاسرة:
كان العلمانيون دائماً يُراهنون على مرِّ العقود الماضية على الشرق الشيوعي
تارة وعلى الغرب الصليبي أخرى، والآن وقد دالت دولة الشيوعية، ولم يبق في
الشرق والغرب إلا الدول الصليبية، فإنهم يريدون من شعوبنا أن تضع ثقتها فيهم
وفي خيوط العنكبوت التي يتعلقون بها؛ فمرة يتعلقون بأهداب المجموعة الأوروبية،
ومرة بأطراف ثوب الدولة الروسية، ومرة بحبال الأسرة الدولية في المنظمة
العالمية، فإذا لم يجدوا فائدة هنا أو هناك انقلبوا إلى أحضان الراعي الأمريكي الذي
يُسلِّم رقابهم في كل مرة إلى الدولة اليهودية.
إن هذا التقلب وذاك التخبط وارد ومنتظر من هؤلاء العلمانيين الذين
يتحركون دائماً بلا ثوابت، بل بلا مبادئ، أما ما لم يكن وارداً ولا منتظراً فهو
رهان بعض الإسلاميين من الفلسطينيين وغيرهم على الأحصنة الخاسرة مرة
أخرى، ولعل أبرز ذلك انصياع بعضهم لأوهام الرعود الصدامية الخادعة والوعود
البعثية الكاذبة التي لم تستطع تحرير جزء من شمال العراق حتى تُنصِّب نفسها
الآن لتحرير كل فلسطين! !
إن ستة ملايين متطوع تحت رايات البعث العربي القومي في العراق لن تغير
في موازين القضية شيئاً، بل إن هذه الستة، ولو وضعت أمامها ستة أصفار أخرى
فإنها لن تغير من سنن الله شيئاً؛ فسنن الله التي لن تتبدل تقول عن أقوام أصلحوا
الظاهر ولم يصلحوا الباطن: [لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا
خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ] (التوبة: 47) .
ونحن على يقين أن انتصار الأمة على أعدائها في بيت المقدس وما حوله
شرف لا يستحقه صدَّام ولا أتباعه ولا أمثاله إلا أن يتوبوا؛ ومشكلتنا مع هؤلاء أننا
لم نسمع عنهم توبة معلنة، بل لا زالت راياتهم المرفوعة علمانية صريحة.
أيها المجاهدون: إن قوى الشر تجتمع ضد انتفاضتكم الباسلة تريد إجهاضها
وفض الناس من حولها، كما حدث في الانتفاضات السابقة، ونقول: سواء
استمرت هذه الانتفاضة أو أُوقفت بمكر المكَّارين، فإن الذي لا نبغي أن يتوقف أبداً
هو زخم الجهاد وروحه الوثابة التي ينبغي أن تسابق (قطارات السلام) المتهالكة
على الخضوع ومشروعات الاستسلام المتسابقة للركوع؛ فلا استسلام لليهود ما دام
دين الحق باقياً.
ولهذا نقول لكم صادقين: إن شرف انتصار أمة الإسلام لن يكون إلا على
أيدي جند الإسلام [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ *
وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ] (الصافات: 171-173) فكونوا إخواننا المجاهدين
طلائع جند الإسلام ونحن وراءكم، والأمَّة كلها وراءكم، والله حسبنا وحسبكم،
وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير. وإلى لقاء في رسائل قادمة.