تأملات دعوية
محمد بن عبد الله الدويش
لقد ذم الله - تبارك وتعالى - طائفة من الناس بأن علمهم بعيد عن علم الآخرة
النافع لهم، بل نفى عنهم العلم فقال - تعالى -: [وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ
غَافِلُونَ] (الروم: 6-7) .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال فئة ممن يبغضهم الله تبارك وتعالى
بقوله: «إن الله يبغض كل جعظري جوَّاظ، سخَّاب في الأسواق، جيفة بالليل
حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة» [1] .
حين تستمع إلى ما يدور في كثير من مجالس المسلمين اليوم تجد طائفة ممن
ينطبق عليهم هذا الوصف؛ فحين يأخذون بالحديث عن أمر من أمور الدنيا فهم
يملكون رصيداً من المعلومات، وربما يتحدثون بالأرقام الدقيقة عن كثير من
الظواهر، وحين تنقص أحدهم معلومة، أو يخطئ فيها يصحح له ذلك طائفة من
أصحابه.
لكنك تجد الشخص نفسه يجهل حكماً بدهياً من أحكام الطهارة أو الصلاة أو
الزكاة أو الصيام، وكثيراً ما يترتب على هذا الحكم الذي يجهله صحة العبادة
وبطلانها.
إنه يحفظ من أسماء الساسة ويعي من أخبارهم - وكثير منهم ممن لا يدين
بالإسلام - أضعاف ما يعيه من أخبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسلف
الأمة الصالح وسيرهم!
والأدهى من ذلك أن هؤلاء يحظون بالاحترام والتقدير من عامة المسلمين،
ويعدونهم من أهل الوعي والفكر والرأي.
أفلا يصدق على أمثال هؤلاء أنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ويغفلون عن
الآخرة؟
إن انتشار الوعي بين المسلمين أمر مطلوب، والجهل مذموم في الفطر
السليمة والعقول المستقيمة قبل أن يرد ذمه في الشرع، ومعرفة المسلمين لما يدور
في واقعهم وما يجري حولهم مطلب له أهميته، لكن الاعتراض ينصبُّ على سيطرة
هذه الأمور على الناس وجهلهم بأمر الآخرة، بل استهانتهم بما يؤدي إليها ويدل
عليها، واعتبارهم أن العلم بها من شؤون الوعاظ الذين يحتاج الناس إليهم أحياناً
بشرط ألا يطول حديثهم، ولا يتجاوز نطاق الوعظ والإرشاد. أما أهل الفكر
والرأي فلهم شأن آخر، ولغة أخرى في الحديث والتفكير.
إننا بحاجة إلى أن نحيي علوم الآخرة وما يدل على الله - تبارك وتعالى -
من العلم النافع، ومن وسائل ذلك:
* الاهتمام بهذه العلوم النافعة، وإعطاؤها منزلتها اللائقة.
* أن نسعى لاستثمار المجالس العامة بالحديث عما يفيد الناس من هذه العلوم،
بدلاً من استطراد الناس في الحديث فيما لا يغني ولا يفيد.
* الاعتناء بربط الظواهر الاجتماعية والإنسانية بالسنن الربانية والقواعد
الشرعية، واستثمار حديث الناس في ذلك بالتأكيد على هذه المعاني؛ فحين
يتحدثون عن صور من الترف والثراء، نعقِّب على ذلك ببيان منزلة الدنيا من
الآخرة وضآلة متاعها، ونبين عاقبة الترف وأثره على الناس، وحين يجري
الحديث حول مشكلة اجتماعية أو كارثة ومصيبة فيجدر أن نعلق على ذلك ببيان
أسباب هذه الظواهر وتفسيرها من خلال السنن الربانية.... وهكذا.
* لا بد من التفكير بتسهيل العلوم الشرعية وتقديمها للناس، وبخاصة العلوم
الضرورية التي تتوقف عليها صحة عباداتهم ومعاملاتهم، ولا بد من استثمار
منتجات التقنية المعاصرة، وتقدم وسائل الاتصالات ونقل المعلومات.