مجله البيان (صفحة 3709)

نص شعري

الحقيقة الْمُرَّة في مقتل الدُّرَّة

فيصل محمد الحجي

قصة مقتل الفتى الفلسطيني محمد جمال الدُّرَّة على يد المجرمين الصهاينة،

وهو يحتمي بوالده، أصبحت على كل لسان؛ فقد نقلتها مراراً كل وسائل الإعلام

المرئية والمسموعة والمقروءة.

ولم تكن حادثةُ قتل «الدُّرَّة» فريدةً في نوعها، وإنما كانت نموذجاً لحوادث

قتل كثيرة مثلها، بل أبشع منها، وهي من جملة الأدلة الكثيرة الواضحة على حقد

اليهود ووحشيتهم على مَرِّ التاريخ.

كما نقلتْ بعضُ وسائل الإعلام قصة الفتى المصري أحمد شعراوي (12 سنة)

الذي أخبر زملاءه أنه ذاهب ليشارك في الانتفاضة، وَفَرَّ من أهله في القاهرة،

وركب الحافلة إلى العريش حتى وصل إلى الحدود المصرية الفلسطينية، فأمسكت

به دورية الحدود وهو يحاول اختراق السلك الشائك، فطلب من الضابط أن يسمح

له بالعبور حتى يشارك إخوانه في جهاد اليهود، فاحتجزه الضابط وأخبر أهله

فحضروا وأخذوه. كما تحدثت بعض وسائل الإعلام عن قصة مماثلة للفتى الأردني

البراء محمود.

ويبقى السؤال الأخير: أبلغ اليهود ما بلغوه من الغطرسة بقوتهم، أم بفساد

الوضع العربي والإسلامي؟ الجواب شرحه يطول، وإليكم الموجز:

أدِيمي يا جراحاتي أدِيمي ... نزيفاً سال في الزمنِ الوَخيمِ

فلا يَبْقى لكي يصحوْ نيامٌ ... عن الْجُلَّى سوى الْجُرْحِ الأليمِ

قد احتكر السيوفَ به رجالٌ ... بَدَوْا عندَ الشدائد كالحريمِ

لِمَ احتكروا السيوفَ؟ ألِلْمَعَالي ... وَهُمْ رَهْنُ المذلَّةِ كاليتيمِ؟

قد احتكروا السيوفَ لكي يصونوا ... كراسيَهم من الشعب الْمَضِيمِ

قد احتكروا السيوفَ وأَلْجَمُوها ... فصُومي يا سيوفَ الذلِّ صومي

عصاباتُ الْوُصُوليِّينَ سَادَتْ ... مُذِ الْتَفَّتْ على وَغْدٍ زَنِيمِ

سَليلُ خيانةٍ وَرِثَ المخازي ... وكان ربيبَ تاريخٍ دميمِ

وَحَفْنَةِ عسكرٍ مَكَرُوا بِلَيْلٍ ... وقد وثبوا على القصرِ الْحُكُومي

وصاروا سادةَ الأوطانِ قَهْراً ... وأقْصَوْا سادةَ الْعَهْدِ الْقَديمِ

كذا احتكر السياسةَ جاهلوها ... فما عَرَفُوا الصحيحَ مِنَ السقيمِ

وقد حَشَرُوا الأنوفَ بكلِّ شأنٍ ... سوى شأنِ الدفاعِ أو الهجومِ

فما حَفِظُوا البلادَ مِنَ الأعادي ... ولاَ ردُّوا المظالمَ مِنْ ظَلُوم

وأدْنَوْا كلَّ مرتزقٍ جهولٍ ... وأَقْصَوْا كلَّ ذي عقلٍ عليمِ

وَلانُوا لليهودِ وللنصارى ... وَخَصُّوا المسلمين بكلِّ شُومِ

فراعينُ الشعوبِ ألا تراهم ... أرانبَ في مجاراةِ الخصومِ؟

إذا لم يهزموا الأعداءَ يوماً ... فما معنى التباهي بـ (النجومِ) [1] ؟

وما جدوى الْحِذارِ منَ الأعادي ... إذا خانَتْ نواطيرُ الكرومِ؟

بَنَوْا لمكارمِ الأخلاقِ قبراً ... كأنهمُ تربَّوْا في سَدومِ

فلا تعجبْ إذا فَرِحَ الأعادي ... وَبِتْنَا في المصائبِ والهمومِ

محمدُ دُرَّةَ الشهداءِ قُلْ لي: ... مَنِ الأنكى عليكَ مِنَ الخصومِ؟

أَمَنْ طعنوكَ تحتَ الشمسِ جهراً ... كَمَنْ طعنوكَ في الليلِ البهيمِ؟

وَمَنْ خذلوكَ في كلِّ السرايا ... وقد وعدوكَ بالنصر العظيمِ

وَمَنْ بَخِلوا عليكَ بنصلِ سيفٍ ... فهل يبقى سوى الْحَجَرِ الكريمِ؟

وَمَنْ مَنَحُوا الصهاينةَ اعترافاً ... وقد طعنوا القضيَّةَ في الصَّميمِ

وَمَا انحازوا لإسلامٍ وَعُرْبٍ ... كما انحازوا إلى فُرْسٍ وَرُومِ

فما وَرِثُوا الديانةَ عن قريش ... ولا وَرِثوا الشهامةَ عن تميمِ

فَمِنْ حَقِّ الحجَارةِ أن تُناديْ ... وتغضبَ مِن تخاذلِنا العقيمِ:

إلام نضيع الطاقات هدرا ... ونمشي خَلْفَ غِربانٍ وَبُومِ؟

إلام تظل أظهرنا عرايا ... لِطَعْنِ مُدَى الجبانِ المستديمِ؟

إلام نرى الحقائق في خفاء ... وقد راجَتْ أباطيلُ الخصومِ؟

إلام نظل في الأحداث عميا ... ولا نَرْنُو إلى الخطر الجسيمِ؟

أتمحى القدس من قاموس قومي ... لِنَعْقِد قِمَّةً في أُوْرشَليمِ؟

ويغدو المسجد الأقصى خرابا ... لهيكلِ حاقدٍ قَذِرٍ أثيمِ؟

جِراحاتُ الشبابِ لها سُؤالٌ ... يُوَجَّهُ للغَيُورِ وللفهيمِ:

أليس لنا صلاحُ الدينِ ثانٍ ... يسيرُ بنا إلى النصرِ العظيمِ؟

أليسَ له سِوانا مِن حفيدٍ ... يُوَحِّدُنا على الدربِ القويمِ

يسيرُ بنا إلى حِطّينَ فجراً ... وَيُمْسي القدسَ بالزحفِ الكريمِ؟

أَجَلْ.. أحفادُهُ كُثُرٌ.. ولكنْ ... هُمُ في ظُلمةِ السجنِ البهيمِ

رأى (التطبيعُ) دَفْنَهُمُ جميعاً ... مع الأحياءِ في السجنِ العمومي

بلا طِبٍّ.. بلا دفءٍ شتاءً ... بلا نومٍ يُريحُ ... بلا نسيمِ

صباحَ مساءَ خُبْزُهُمُ سِياطٌ ... تُقَطِّعُهمْ بلا قَلْبٍ رحيمِ

سِهامُ الموتِ أنواعٌ.. ومنها: ... غذاؤهمُ الملوَّثُ بالسُّمومِ

يكاد الموتُ يحصدهم.. فَبَارِكْ ... أيا (باراكُ) لِلْخِلِّ الْغَشُومِ

فلو أمسى صلاحُ الدين فينا ... لَبَاتَ بسجنِ شيطانٍ رجيمِ

وتسألُ: هل جَنَوْا؟ فيجيبُ وَغْدٌ: ... أَجَلْ.. قد خالفوا أمْرَ الزعيمِ

فهم قد آمنوا باللهِ حقَّاً ... وَسُنَّةِ أحمدَ الهادي الحكيمِ

وما التزموا برُوحِ العصرِ يوماً ... مُذِ التزموا بقرآنٍ كريمِ

وهذا مَارَسَ (الإرهابَ) لَمّا ... دَعَا لجهادِ (باراكَ) الوسيمِ

وذا (متطَرفٌ) في الدين.. يدعو ... لِحُكْمِ الشرعِ فينا ... كالقديمِ

وثالثهم (أصوليٌّ) .. وهذا ... بلا رأيٍ.. ولا عقلٍ سليمِ

وما حَفِظوا لإسرائيل أمناً ... وقد عَدُّوا السلامَ مِن السُّمومِ

كذا يغدو جمالُ الحقِّ قُبْحاً ... وأصحابُ الحُلوم بلا حُلُومِ

محمدُ درةَ الشهداءِ أَبْشِرْ ... رِفاقُكَ ما استكانوا لِلْخُصومِ

دروسُ التضحياتِ بكلِّ يومٍ ... قد انتقلَتْ إلى الطفلِ الفطيمِ

وعُشَّاقُ الشهادةِ قد أحالوا ... حياةَ بني يهودَ إلى جحيمِ

قلوبُ المسلمين تفور غيظاً ... وتدعو للدفاعِ عن التَّخومِ

إذا نَفِدَتْ حجارتُكم.. فنادوا: ... إلينا يا جنادلَنا.. وَقُومِي

سَتَأتي أَقْدَسُ الأحجارِ غَضْبى ... بكعبتِنا الشريفةِ والحطيمِ

وتلك حجارةُ (الأُمَوِيِّ) لهفى ... إلى حِطِّينَ.. تحيا كالرميمِ

و (أزهرُنا) العريقُ به صُخُورٌ ... تكادُ تطيرُ مِن فوقِ الغيومِ

وكلُّ مساجدِ الدنيا اشرَأبَّتْ ... لِتَرْفِدَكم بأشلاءِ الرَّضيمِ [2]

وهذا (أحمدُ) المصريُّ لَبَّى ... نداءَ المجدِ في الأقصى العظيمِ

مشى.. ومشى التحدِّي في خُطَاهُ ... مُعِدَّ النفسِ للأمرِ الجسيمِ

لعلَّ الله يجعلُه شهيداً ... يفوز غداً بجناتِ النعيمِ

ولم يذهب لشرمِ الشيخِ حتى ... يُطأطئ للرجالِ وللحريمِ

و (محمودٌ) من الأُرْدُنِّ وافى ... يناجي الانتفاضةَ: لن تنيمي

هَوَاهُ القدسُ.. مشتاقٌ إليها ... إلى فتيانِها الْغُرِّ الْقُرومِ [3]

بنفسي أيُّها الأقصى المُفَدَّى ... بأرواحِ الأشاوسِ والْجُسومِ

مُصَلَّى الأنبياءِ على إمامٍِ ... له الإسراءُ فالمعراجُ يومي

سنرفعُ رايةَ القرآن.. تعلو ... على التلمودِ والعهدِ القديمِ

فَطُوبى للمجاهدِ في رُباها ... وقبحاً للمخذِّلِ والنَّؤُومِ

لنا القدسُ الشريفُ وما تَلاهُ ... لنا الأقصى على رَغمِ اللئيمِ

لنا المستقبلُ المرموقُ حتماً ... بوعدِ الصادقِ القولِ الكريمِ

رضينا الحُسْنَيَيْنِ: نَنَالُ نَصراً ... أو السكنى بجنَّاتِ النَّعيمِ

أقولُ لأُمَّتي والأمرُ جِدٌّ ... وأوجُهُنا الحزينةُ في وُجُومِ:

إذا الأوطان لم تُعْلِنْ جهاداً ... يَصُونُ فَلَنْ تدومَ ولن تدومي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015