تأملات دعوية
محمد بن عبد الله الدويش
كان الحديث في المقال السابق حول أهمية الاستفادة من التخصصات الإنسانية
والاعتناء بها، ونواصل الحديث في هذه المقالة عن هذا الموضوع بالإشارة إلى
بعض مجالات الاهتمام بالدراسات الإنسانية والإفادة منها.
فمن هذه المجالات:
أولاً: توثيق الصلة مع المتخصصين في هذه التخصصات ممن يحملون
الغيرة الإسلامية، والسعي لتنظيم أعمال وبرامج علمية جماعية مشتركة مع أمثال
هؤلاء، وهذا النوع من التواصل والتعاون لا يمكن أن يحقق ثمرته ما لم ينطلق
أصحابه فيه من فضاء يتجاوز الحدود الحزبية، والخطوات التصنيفية.
ثانياً: الاستفادة من النتاج المتاح في هذا الميدان، والمتمثل في الرسائل
الجامعية، والدراسات المنشورة في الدوريات العلمية، وبحوث المؤتمرات
واللقاءات العلمية وأعمالها، ويمكن أن يتسع مدى الاستفادة من هذا النتاج باعتناء
طائفة من المهتمين بفهرسة هذه المواد المهمة وتصنيفها
ثالثاً: كثير من المتخصصين في الدراسات الإنسانية حصلوا على شهاداتهم
العلمية من جامعات غربية، وتناولت رسائلهم العلمية دراسات ميدانية اهتمت
بمجتمعات المسلمين، وكثير منها يحوي نتائج في غاية الأهمية، ولا أقل من أن
يقوم كل منهم بترجمة نتاجه وطباعته ليكون قريب التناول من المهتمين، وإن كان
المنتظر منهم أكثر من ذلك.
رابعاً: تنظيم برامج تأهيلية ودورات فيما يحتاجه الدعاة من هذه التخصصات،
فلا يسوغ بحال أن نكون في عصر يحترم المنهج العلمي، ويعتني بالتخصص،
فيكوِّن طائفة من المربين والمصلحين نظرتهم للإنسان والمجتمعات والمتغيرات التي
تؤثر فيها من خلال آراء واقتناعات شخصية، وأن يتحدثوا في هذا الباب فيما لا
يحسنون ولا يجيدون؟
إن الدعاة اليوم على اختلاف ميادين أعمالهم بحاجة إلى قدر من الثقافة العلمية
في الظاهرة الإنسانية، ومن ثَمَّ فتنظيم هذه البرامج والدورات، وإسهام المختصين
في ذلك أمر لا يقل أهمية عن الدورات الإدارية والقيادية التي بدأ الشعور بأهميتها
والتفاعل معها يتنامى، وبدأت تشهد إقبالاً واهتماماً واضحاً.
خامساً: وهو أهم هذه المجالات: توجيه طائفة ممن يملك القدرات العقلية
والعلمية، ويحمل الحس والغيرة الدعوية إلى التخصص في هذه الميادين والأنواع
ودراستها؛ فهي أوْلى بكثير من التخصصات التي غاية ما فيها أن تشغل أوقات
أصحابها، ثم تهيئهم لفرص عمل ووجاهة اجتماعية ليتجهوا بعد ذلك للاعتناء بغير
تخصصاتهم.
إننا نحتاج اليوم إلى أن يتولى العمل الإعلامي مختصون في الإعلام بدلاً من
الأطباء، وبحاجة إلى أن يتولى الجانب الإداري ويهتم به مختصون في الإدارة بدلاً
من الحاسب الآلي، وإلى أن يتحدث في الجوانب التربوية المختصون فيها بدلاً من
الصيادلة والمهندسين. ونحتاج إلى أن يكون حضورنا الأكاديمي في التخصصات
الإنسانية أكثر منه في التخصصات التطبيقية.
ويمكن الاتجاه لهذه التخصصات في الدراسات العليا وبعد الدراسة الجامعية،
وهذا يهيئ اتجاه طائفة ممن ملكوا قدراً من النضج والاستقرار، وقدراً من العلم
الشرعي حين يكونون خريجي كليات شرعية، مما يعطيهم قدرة أكثر على التأصيل
الشرعي لهذه العلوم والتخصصات والإفادة منها.