دراسات تربوية
محمد عبد الله محمد آل عباس
إن القارئ المتابع لأحوال المجتمعات الإنسانية اليوم ليعجب أشد العجب لشتى
صور الانحراف التي سادت العالم اليوم التي تمثل أصدق تعبير لما يسود العالم من
جاهلية معاصرة؛ فالجاهلية ليست محددة بفترة معينة من التاريخ مضت إلى غير
رجوع؛ وإنما هي صور وأوضاع ومظاهر يمكن أن تظهر في أي جيل وأي عصر. إن الجاهلية المقصودة ليست مقابل العلم أو الحضارة أو التقدم المادي؛ فالقرآن
الكريم لم يقل إن العرب كانوا في جاهلية؛ لأنهم لا يعرفون الفَلَك وعلم الطبيعة وإلا
لكان البديل لمثل هذا الجهل معلومات في تلك العلوم التي أصابها التخلف
والجهل [1] ، وإنما كان البديل للجاهلية التي كانت عليها البشرية قبل الرسالة هو الإسلام.
وَلِتَفَهُّمِ الجاهلية التي جاء الإسلام بديلاً عنها لا بد من فهم معنى الإسلام. إن
الإيمان بالإسلام إيماناً حقاً يبلغ أغوار النفس، ويحيط بكل جوانبها من إدراك
وإرادة ووجدان، وهو كذلك عمل جسدي تؤديه الجوارح كما شرع الله؛ فالإسلام
عقيدة وسلوك جاء ليصحح العقائد التي كانت منحرفة والتصورات عن الإله والكون
والحياة. وجاء أيضاً ليصحح السلوكيات المنحرفة التي انبعثت من عقائد منحرفة؛
ولذلك كان هدف الدعوة الإسلامية الأول هو تصحيح العقيدة باعتبارها المنطلق لبناء
الشخصية المسلمة.
العقيدة والهدف والسلوك:
إن الارتباط بين عقيدة الإنسان وأهدافه وسلوكياته ليبدو وثيقاً؛ فما أهداف
الإنسان إلا تعبير ذهني عن عقيدته، وما سلوكه إلا تعبير عملي عن أهدافه.
فالأهداف على هذا تمثل الرابط الفكري بين سلوكيات المرء وعقيدته.
فالعرب قبل الإسلام لم يكونوا يؤمنون باليوم الآخر.
[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي
خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ] (سبأ: 7-8) .
فكان من أثر انحراف هذه العقيدة انحراف في أهداف الإنسان تمثَّلَ في اعتبار
هذه الحياة الدنيا هي الفرصة الوحيدة إذا لم يكسبها الإنسان ذهبت إلى غير رجعة،
فانكب على الحصول على الملذات تعبيراً في سلوكه عن أهدافه والحصول على
المحرمات والألقاب الزائفة حتى لو كان عن طريق النهب والسلب والقتل؛ فهذا
(طرفة بن العبد) يقول في معلقته:
ألا أيهذا اللائمي أن أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذَّات هل أنت مُخْلدي؟
لذلك جاء الإسلام ليصحح العقائد والسلوكيات عن طريق ربط كل منهما
بالأهداف؛ فقد رفع الإسلام أهداف الإنسان وتسامى بها من أهداف دنيوية زائلة إلى
أهداف أبدية وخلود دائم؛ فقد كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للناس:
«يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» [2] .
ففيها إصلاح للعقيدة وإصلاح للهدف. وهكذا ركزت السور المكية القرآنية في
أول الدعوة على تصحيح العقيدة، وأن الله وحده الإله المتصرف في هذا الكون.
قال الله تعالى: [قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن
لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ] (الإِخلاص: 1-4) .
وفي العقيدة أيضاً تصحيح هدف الإنسان الأسمى وذلك بجعله هو الفوز بالجنة
والنجاة من النار: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن
زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ] (آل
عمران: 185) .
فتحديد الهدف من الأعمال المهمة لتصحيح السلوكيات ولذلك وجدنا الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من
قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية» [3] . وفي هذا إلغاء لهدف كان
يعتبر من أسمى أهداف الجاهلية ألا وهو التعصب للقبيلة والنسب.
ولقد اتبع القرآن في توجيهاته أسلوب ربْط السلوك السوي الذي لا بد أن يكون
عليه المرء المسلم بالهدف الذي لا بد أن يسعى إليه، فكان ذلك تصحيحاً للهدف
والسلوك معاً قال تعالى: [إِلاَّ المُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ
فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ....... أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ]
(المعارج: 22-35) .
وقال تعالى: [إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً
دِهَاقاً * لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً * جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً.
(النبأ: 31-36)
لذلك ظهر ذلك الجيل الذي تسامى فوق الأهداف الصغيرة والتطلعات
الدنيوية الحقيرة ليسعى نحو الهدف السامي عن طريق سلوك سوي لعمارة الأرض
كما شرع الله بعد أن امتلك عقيدة سوية.
قال شداد بن الهاد: «جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فآمن به واتبعه، فقال: أهاجر معك. فأوصى به بعض أصحابه؛ فلما كانت
غزوة خيبر غنم الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فقسمه وقسم للأعرابي، فأعطى
أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوا إليه، فقال: ما هذا؟
قالوا: قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه، فجاء به النبي صلى
الله عليه وسلم، فقال: ما هذا يا رسول الله؟ قال: قسم قسمته لك. قال: ما على
هذا تبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى ها هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت،
فأدخل الجنة. فقال: إن تَصْدُقِ اللهَ يصدقْكَ، ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأُتي به
للنبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول، فقال: أهو هو؟ قالوا: نعم! صدق الله
فصدقه» ] 4 [.
وحينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «قوموا إلى جنة عرضها
السماوات والأرض فقال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله! جنة عرضها
السماوات والأرض؟ قال: نعم! قال: بخ بخ. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما يحملك على قول بخ بخ؟ قال: لا والله! يا رسول الله إلا رجاء أن
أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها. فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة، ثم قاتلهم حتى
قُتِلَ» ] 5 [.
وضوح تام في الهدف، وصدق في العقيدة أدى إلى وضوح وسلامة في
السلوك.
الجاهلية المعاصرة:
إن الجاهلية التي أصابت العالم اليوم بشقَّيْه: الإسلامي، وغير الإسلامي،
يمكن تقسيمها إلى نوعين:
- جاهلية عقائد.
- جاهلية أهداف.
جاهلية العقائد:
وهي التي تضرب آفاق العالم اليوم بما فيه الإسلامي وغير الإسلامي. فالعالم
غير الإسلامي بكفره البواح يؤكد على انحراف في العقيدة لا شك فيه، وهو الذي
أدى إلى انحراف في الأهداف ثم في السلوك.
إن التخبط الذي يعيشه الفرد غير المسلم إنما مردُّه إلى ضياع وتخبُّط في
أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها؛ فمن هدف قصير الأجل دنيوي لا يلبث بعد أن
يحققه أن يكتشف مدى استشراء الهشاشة فيه حتى يبحث عن هدف آخر إلى أن
تقوده تلك الأهداف الزائفة إلى الانتحار أو سوء الخاتمة.
وكذلك الدول والتي ليست في حال أحسن من أحوال أفرادها تعطي شعوبها
أهدافاً، وتسعى بكل جهدها لتحقيقها، ثم حينما تتحقق هذه الأهداف تنكشف
للشعوب مدى هشاشتها مما يجعل تلك الدول والحكومات تبحث عن أهداف وغايات
أخرى قبل أن تقوم هذه الشعوب الضالة بتغيير تلك الحكومات؛ فمن القضاء على
النازية إلى القضاء على الشيوعية، ثم النظام العالمي الجديد. فهذا (بيتر رايت)
وهو أحد كبار ضباط المخابرات البريطانية يصف فترة ما بعد الحرب العالمية
الثانية بقوله: «كان الشتاء قارساً، وأخذ الناس بالتذمر من حصص الغذاء،
وكانت نشوة الانتصار عام 1945م قد بدأت تتلاشى» ] 6 [، وما أبعد هذه الصور
عن قول ربعي بن عامر حين قال له رستم: ماذا جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا
لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة
الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
جاهلية الأهداف:
قبل التحدث عن جاهلية الأهداف يلزم توضيح ماهية الأهداف؛ فمعلوم أن
الهدف هو: القصد والغاية، والأهداف تنقسم إلى نوعين:
أولاً: أهداف ثابتة، وهي ما تسمى في علم الإدارة بالأهداف الاستراتيجية.
ثانياً: أهداف مرحلية أو قصيرة الأجل، وهي ما تسمى بالأهداف
التكتيكية] 7 [.
ولا بد أن تسير الأهداف المرحلية وتصاغ في ضوء الأهداف الثابتة؛ بحيث
لا تعارضها، وإن حدث أن عارض هدف مرحلي الهدف الثابت يجب فوراً إلغاء
الهدف المرحلي أو تصحيح مساره ليتناسب مع الهدف الثابت. فلو نظرنا إلى
مؤسسة تجارية فإن الهدف الثابت لها هو الربح وتوزيع أكبر عائد ممكن على
مُلاّكها، وقد يكون أحد الأهداف المرحلية لهذه المؤسسة هو فتح فرع في إحدى
المدن، فإذا كان تحقيق مثل هذا الهدف سوف يتسبب في إحداث خسائر لهذه
المؤسسة فإنه يجب استبعاده فوراً؛ لأنه يتعارض مع الهدف الثابت لهذه المؤسسة.
وفي حياة الإنسان المسلم هناك أهداف ثابتة وأخرى مرحلية؛ فالهدف الثابت له هو
الفوز برضوان الله تعالى ودخول الجنة والنجاة من النار وذلك بعد أن يمن الله عليه
برحمته جل وعلا.
وقد يخطئ من يعتقد أن هدف الإنسان هو عبادة الله. والحق أن عبادة الله
ليست سوى الوسيلة لتحقيق الهدف الذي يسعى إليه الإنسان وهو المذكور سابقاً،
وسبب هذا الاعتقاد الخاطئ هو تفسير قوله تعالى:] وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ
لِيَعْبُدُونِ [ (الذاريات: 56) وذلك أن هذا هو غاية الله جل وعلا من خلق الإنس
والجن وليس في الآية ما يدل على أن ذلك هو هدف الإنسان، ومصداق ذلك في
قوله تعالى:] وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [ (الدخان: 38) .
وقوله جل وعلا:] أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ [ (المؤمنون: 115) .
بل إن هدف الإنسان لَيُوضحه جل وعلا بقوله:] لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ
فَوْزاً عَظِيماً [ (الفتح: 5) .
فتعبير فاز يدل على أن هذا هو ما يجب أن يسعى إليه الإنسان ويكون هدفه
في هذه الدنيا.
وأما الأهداف المرحلية فإنها تلك الأهداف التي يسعى الإنسان لتحقيقها في هذه
الحياة الدنيا مما ييسر عليه أمورها ويعينه على تحقيق هدفه الثابت. ومن هذه
الأهداف: السعي في طلب الرزق الحلال، وتحقيق الكسب الحلال، والزواج،
والسكن المريح. كل هذه الأهداف يجب ألا تتعارض مع الهدف الثابت للإنسان.
فجاهلية الأهداف: وهي التي تصيب بعض المجتمعات الإسلامية التي تسود
فيها عقائد سليمة على الأغلب، ولكن أهدافها تكون منحرفة وهي حالة شاذة جداً
عما ينبغي أن تكون عليه مجمل المجتمعات الإسلامية؛ فليست أهداف الإنسان إلا
محصلة عقائده. ولا شك أن التخبط والانحراف في تحديد الأهداف أو في ترتيب
أولويات الأهداف بحيث تصبح الأهداف الثابتة أهدافاً غير ذات بال والأهداف
المرحلية أو التافهة منها هي الأهداف الثابتة التي يسعى لها الإنسان، بمعنى أن
تكون الآخرة والحصول على رضوان الله جل وعلا أهدافاً غير ذات بال، وتكون
أهداف الدنيا الزائلة أهدافاً ثابتة يسعى لها الإنسان ويبذل في تحقيقها الغالي والنفيس؛ فما الذي يجعل أفراداً بل شعوباً من هذه الأمة تؤمن بالمفاهيم والأفكار الإسلامية،
ثم تسلك سلوكاً منحرفاً يقودها إلى غير ما ترشدها تعاليم دينها الحنيف إلا انحراف
في أهداف هذه الشعوب وهؤلاء الأفراد.
إن ظهور جيل من المسلمين له عقيدة سليمة يؤمن بالله واحداً أحداً، ويقوم
بكل واجبات دينه من صلاة وزكاة وصوم وحج، ثم يدعو إلى أكل الربا أو سفور
للمرأة، أو يجري وراء ملذات الدنيا وشهواتها حتى لو كانت سوف تلقي به في
جهنم ليؤكد على أن الانحراف الذي أصاب سلوك مثل هؤلاء مع صفاء عقائدهم إنما
مردُّه إلى انحراف في فهم أهداف هؤلاء؛ بحيث أصبحت الدنيا هي الهدف الأسمى، والآخرة هدفاً يليه إن تذكّرَه الإنسان.
التربية بترسيخ الأهداف:
وإذا آمنا بكل ما سبق فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: ما الذي
يجعل أهداف هذا الجيل (مع صفاء العقيدة) تنحرف عن الهدف السامي وتؤدي
بدورها: إلى انحراف في السلوك؟
وللإجابة على هذا التساؤل نعيد النظر في الحلقات الثلاث وهي:
العقيدة - الهدف - السلوك.
فالعقيدة التي هي الأصل؛ ويجب الاهتمام بها جيداً والتأكد من صفائها.
نراها في مثل هذا الجيل عقيدة سليمة؛ فهم يؤمنون بالله واحداً، واليوم الآخر،
والرسالات، والكتب، والملائكة، وبالقدر خيره وشره، وكل المغيبات من جنة أو
نار.
ثم نجد بعد هذا أهدافاً منحرفة بل أهدافاً تعارض الهدف السامي الذي يسعى له
الإنسان في هذه الدنيا وهو دخول الجنة والنجاة من النار؛ مما يؤكد على أن مثل
هذا الهدف لم يرسخ في قلوب أفراد هذه الفئة ترسيخاً يتلاءم مع ما تمليه به عقائدهم؛ وما ذلك إلا لوجود حلقة ضائعة بين العقيدة والهدف ألا وهي التربية؛ فلا يمكن
زرع عقيدة سليمة ثم لم ترسخ، ثم نطالب صاحبها بسلوك سوي إلا إذا ربطت
العقيدة والسلوك بهذا الهدف، وهكذا كان أثر القرآن والسنة النبوية في تربية الجيل
الأول.
وعليه فلا بد من إعادة تربية هذا الجيل وربطه بالهدف الحقيقي له، وإلغاء
كل هدف يتعارض معه. فعلى الآباء في المنازل تربية الأطفال على ذلك النهج،
وعلى الأساتذة في المدارس تربية الطلاب على هذا المنوال، وعلى الخطباء في
المساجد التركيز على إعادة صياغة الهدف في حياة الناس ليكون ذلك هو الهدف
الأسمى الذي إذا تعارض معه أي هدف من أهداف الدنيا غلب الهدف الأساس عليه؛ لأنه الأسمى ألا وهو دخول الجنة والنجاة من النار.
ولا يفوتني في ختام هذا المقال من التنبيه على مسائل مهمة في هذا البحث
وهي:
أولاً: دأبت كثير من الأفلام والقصص الموجهة للأطفال على أن يقوم بطل
الرواية أو القصة بالبحث عن أرض السعادة أو أرض الجمال؛ وهذا الأسلوب يمكن
اتباعه في تربية الأبناء والأطفال على أساس البحث عن الجنة وتجنب النار، وأن
الجنة هي أرض السعادة المنشودة الأبدية، ثم بعد ذلك يتم ربط سلوكيات الطفل بهذا
الهدف، ورسم صورة مشرقة في ذهنه عن الجنة وما فيها من ملذات، وعن النار
وما فيها من عذاب.
ثانياً: يجب تربية هذا الجيل وتصحيح أهدافه بداية من المدرسة؛ وذلك بربط
العقائد التي يدرسها والسلوكيات التي يتعلمها بالهدف الذي يجب أن يسعى إليه
وتصحيح تصوراته عن الجنة والنار بحيث تصبح أهدافاً يسعى إليها لا مجرد عقائد
نظرية فحسب.
ثالثاً: يتهاون كثير من الخطباء بمسألة التذكير الدائم بالجنة والنار وكذلك
أهوال يوم القيامة؛ وأرى أنه لا بد من التذكير بذلك؛ بحيث يتم توجيه الناس إلى
أن الهدف الحقيقي لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق التذكُّر الدائم للجنة والنار،
فيجب عرض أهداف الدنيا عليه؛ فما عارضه فينبغي أن يستبعد فوراً.
قال تعالى:] وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِياًّ * ثُمَّ نُنَجِّي
الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ [ (مريم: 71-72) .