ملفات
ماذا يريدون من المرأة..؟ !
(2-2)
علياء بنت عبد الله
ثلاثة عشر عاماً هي تلك التي أمضاها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة
باذلاً جهده ووقته وثمين دعوته في تربية جيل الصحابة أثمرت أفراداً قلائل..
وشخصيات معدودة.. ولكنها قلة ضربت أروع الأمثلة في الثبات يوم كثر النفاق
بعد بدر.. قلة ولكن كتب لها النصر دون عشرة آلاف من الطلقاء الذين انهزموا في
حنين.. قلة ثبتت على عهدها يوم ارتدَّت قبائل العرب بعد موته صلى الله عليه
وسلم.. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عميق الفكرة.. بعيد النظرة.. حين
صرف الوقت الذهبي من دعوته في تربية ذلك الجيل الأول من الصحابة.. كيف
لا! ! وهم نجوم النور.. وخير أهل الأرض.
فلنتجاوز أربعة عشر قرناً من تاريخنا الممدود لنصل اليوم إلى منظر هذه
الجموع النسائية التي تتوجه يومياً إلى مراكز تحفيظ القرآن الكريم وغيرها من
المراكز الإسلامية لسماع كلمة حق في تفسير آية أو شرح حديث.. والتي تدفع إلى
الابتسامة والتمتمة بكلمات الحمد والثناء لله.. ثم الإعجاب بتلك الجهود والتضحيات
التي ولا شك كانت وراء كل قلب اهتدى وكل رِجْل قدَّمتِ الخُطا..
إن هذه الجموع التي تصمُّ آذانها عن نعيق الغربان معلنة التحدي أمام كل
مغريات الزمن وفتنه.. لهي جموع تنظر بعين الحاجة والافتقار إلى من يأخذ بيدها
ويحسن توجيهها.. وهنا بالذات يأتي دور التربية.. فإننا لا نعاني من الكم! وإنما
من الكيف!
خطوات نحو التربية:
لو أخذت أي بذرة من بذور الأرض ووضعتها في إناء زجاجي أو على رف
من الخشب فإنها لن تنبت مهما طالت المدة حتى تضعها في أرض خصبة وتتعاهدها
بماء وسقيا وتعرضها لحرارة الشمس، ثم ما تزال معها تهذبها وتشذب أطرافها
وتحسن توجيهها وتزيل عنها ما يؤذيها حتى تشتد وتخضر وتقف على ساقها..
وهذا ما تعنيه عملية التربية.
أولاً: تطوير المنبع:
كلما كان ماء النبع عذباً كان أروى للظمأ.. وعلى قدر خصوبة الأرض يكون
جمال النتاج.
إن فقه المربية لعقيدتها التي تدعو الناس إليها وعلمها بمداخل النفوس
واقتناص الفرص يزيد من فرصة قبولها لدى الناس ونجاحها في دعوتها إياهم إلى
الخير والتزام طريق الحق.. ولذلك كان لزاماً على كل مؤسسة أو مركز إسلامي أن
يهتم بالعاملات فيه تطويراً وأداءاً ونقترح في هذا الصدد عدة نقاط:
شرح أهداف المركز لجميع العاملات فيه سواء الأهداف المرحلية (مختصة
بفترة محددة) أو الأهداف طويلة الأجل التي تحتاج إلى سنوات لتحقيقها ومتابعة
تطبيقهن وسعيهن لإتمام هذه الأهداف؛ فإن ذلك مما يعزز الشعور لدى كل واحدة
منهن بأنها لبنة لو نزعت لانكسر الجدار.. وأيضاً فالمتابعة تساعد في التنبؤ بالخطأ
قبل وقوعه، وبالسيطرة على المشكلة في مراحلها الأولى.
تنظيم دورات تأهيلية تطويرية تكون موجهة خاصة للعاملات في المراكز
والمؤسسات تتشعَّب إلى ثلاثة محاور رئيسة:
1- دورات شرعية: تعطي الأسس والقواعد في كل علم من علوم الدين
الأساسية مما لا يسع مسلمة أن تجهلها فضلاً عن عاملة في المركز ينبغي أن تكون
قدوة الناس ومحط أنظارهم.
2 - دورات تربوية: تسهم في فهم رسالة هذا الدين الفهم الصحيح، وأن
مهمتنا لا تقف عند البلاغ وتغيير الأفكار فقط، بل تتجاوز ذلك إلى مساعدة الناس
على أن يغيروا من سلوكهم ويتغلبوا على مشكلاتهم وأن يتخطوا جميع العقبات من
المجتمع والنفس.. وذلك لن يتسنى لنا حتى يكون لدينا أسس تربوية صحيحة
نتعامل بها مع الناس. وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وكيفية تعامله هي
المنهج للتربية والمنبع الذي لا ينضب.
3 - دورات دعوية: يُتناول فيها مستجدات الساحة وما يجب علينا إدخاله
وإدراجه ضمن مناهجنا الإسلامية، وطرح الحلول لبعض مشكلاتنا الدعوية،
ووضع جداول زمنية لتوسيع نطاقات الخطاب مع مختلف شرائح المجتمع ودراسة
الأفكار والمقترحات الجديدة. والأهم من ذلك: وضع تصور عام للدعوة في
المنطقة يهيب بكل العاملات الوصول إليه ولو بعد حين.
ولمزيد من الفاعلية فإن هذه الدورات يجب ألا تكون عشوائية أو كلما سنحت
الفرصة لإقامتها، وإنما يجب أن تكون جميعها مدرجة ضمن جدول محدد (مثلاً:
دورة شرعية كل ثلاثة أشهر، ودورة تربوية كل أربعة أشهر، ودورة دعوية
نصف سنوية) وعلى كل مركز أن يحدد حاجة منسوباته دون المبالغة في جانب على
حساب جانب آخر، وإدراج لجنة خاصة (لجنة التطوير) ضمن لجان المركز تكون
مسؤولة عن تنظيم هذه الدورات من حيث اختيار المواضيع ودعوة المقدِّمات
واستشارة المشايخ والعلماء وذوي الخبرة والتجربة في ساحة العمل الدعوي قبل
الشروع في هذه الدورات.
ثانياً: البحث عن الراحلة:
قال صلى الله عليه وسلم: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) [1] .
إن بين هذه الجموع أشخاصاً ما أن تحكَّ قشرتهم حتى يبرق لك الذهب،
وهؤلاء قد لا يأخذون من الداعية جهداً طويلاً حتى يحس بسرعة النتاج؛ بخلاف
الصنف الآخر الذي قد تبذل معهم جهداً مضاعفاً ولكنهم، (مكانك راوح) ، ومن ثَمَّ
فإن من الخسارة أن يأتي أمثال هذه الشخصيات في مراكزنا الإسلامية ويبقين معنا
سنين طويلة دون أن يُكتشفن أو يسعى إلى استخراج مكنونهن أحد! ! وأحياناً كثيرة
نشعر بتميزهن ووجودهن؛ ولكن برامجنا تخاطب الشريحة العامة ولا تتسع لأمثال
هذه الشخصيات. وها هنا ثمة نقاط لا بد من مراعاتها:
اهتمام المعلمات ومن هن في خط المواجهة مع الناس بالبحث عن
الحريصات على دينهن المتميزات في علمهن وغيرهن ممن يظهر عليهن سِيما
التنبه والنبوغ، وتوجيه رسائل خاصة لهن أثناء الشرح والتفسير، وبذل الجهود
لاحتوائهن لا سيما إذا كُنَّ ممن يحضرن لأول مرة.
إيجاد برامج خاصة لهؤلاء يشرف عليها أهل الاختصاص، تعطى فيها المواد
بشكل مدروس، وتختار فيها السُّور والأحاديث والمواضيع بشكل دقيق.
تكليف المربيات بمتابعة أحوالهن وتفقُّد حياتهن لا سيما خارج المركز،
ومدى تقدمهن وتخطِّيهن العوائق والعقبات، وتقديم النصح والتوجيه اللازم ليتكون
لنا من مجموع ذلك شخصيات مؤهلة مربية ملتزمة غير ضعيفة ولا ازدواجية.
ثالثاً: وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح:
قال عليه الصلاة والسلام: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله
عمر، وأصدقهم حياءاً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أُبيٌّ، وأفرضهم زيد، وأعلمهم
بالحلال والحرام معاذ، ألا وإن لكل أمة أميناً، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن
الجراح) [2] .
لم يكن مجتمع الصحابة مجتمعاً مكوناً من نسخ مكرورة بعضها من بعض،
بل كان فيهم العالم والزاهد وطالب العلم والتاجر والساعي لرزقه والفارس والمجاهد؛
بل ومنهم الأديب الذي يعلن النبي صلى الله عليه وسلم له التأييد بروح القدس؛
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتقن فن توزيع الأدوار، ولم يكن يهمِّش من دور
هذا أو ذاك، بل لم يكن يفاضل بينهم إلا بالتقوى وما وقر في النفس عبداً كان أو
حراً عالماً كان أو أمياً عابداً كان أو تاجراً! !
إن الأمة التي لا يحسن أفرادها إلا شيئاً واحداً أمة سهلة الانهزام.
وحين نتحدث عن العصر الذهبي لمجد الإسلام الذي بلغ مشارق الأرض
ومغاربها يتبادر إلى ذهننا العدد الهائل من المدارس والجامعات والثورة العلمية من
طب وهندسة ومعمار وإحصاء وغيرها من العلوم التي برع فيها المسلمون بأمر
وإرشاد من دينهم. ومن تصفح القرآن استشعر مسؤوليته في خلافة الأرض والتي
تعني إصلاحها وإصلاح أهلها من جميع الجوانب.
وما علاقة المرأة بذلك؟
إننا في مراكزنا نخاطب شريحة من النساء تريد أن تسمع وتريد أن تفهم؛
وبلغنا بحمد الله شوطاً في ذلك ولكن ما زال هناك صنف من الناس خارج الأسوار
وهؤلاء على اختلاف أسباب عزوفهم إلا أنهم يشكلون شريحة كبرى من المجتمع،
وطموحاتنا الدعوية لا تقف عند حد ذلك الصنف الأول، بل إننا نريد أن نوسع
نطاقات الخطاب ليصل صوتنا إلى كل بيت وكل فرد.
إن الجمعيات النسائية التي أسهمت بل أدارت الحركة المشبوهة حركة تحرير
المرأة وسَّعت أنشطتها ليصل خطابها إلى كل امرأة في المجتمع، فكان لديها أنصار
من مختلف التخصصات والطبقات.. ليصلوا بالمرأة إلى ما وصلوا إليه الآن!
ولذلك فإن حصر دور المراكز الإسلامية النسائية بأن تدور أنشطتها حول الأنشطة
التلقينية واستعمال مهارة السماع فقط هو اختصار مخل لرسالة المركز الأصيلة
العالية.. ولو أحصينا عدد مراكز تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في كل حي
ومنطقة مثلاً ثم تلمسنا آثارها الإيجابية لوجدنا أن الآثار الملموسة في حياة الناس لا
تتناسب أبداً مع عدد المراكز المتزايد في الأحياء! ! وهذا يعني أن رسالتنا لم تصل
بعدُ بالصورة الكافية.
إن هذا الدين الذي يدعو إليه المركز يجب أن يكون له أنصار ينافحون عنه
وينشرون لواءه في كل مكان في شتى الطبقات ومختلف التخصصات.. فمثلاً:
لا بد أن يكون لدينا معلمات واعيات يحملن لواء الدعوة في المدارس، ويربطن أهداف التعليم بأهداف هذا الدين ولا تضاد بينهما وإبراز أنفسهن قدواتٍ ونماذجَ حية لما يمكن أن يصنعه الدين في حياة الناس، ودعوة الطالبات والمعلمات إلى امتثال القيم العليا والأخلاق الفاضلة التي يدعو إليها هذا الدين، ومثال آخر: لا بد أن يكون لنا كاتبات وأديبات يكتبن أدباً إسلامياً رفيعاً يكفيننا مؤونة البحث عن قصص إسلامية هادفة أو مجلة خالية من المنكرات، ولعل من أنجع الأساليب في توسيع نطاق الدعوة وأنسبها للمرأة هي المشاركة الإعلامية في المجتمع.. في المجلات والجرائد.. والكتب والدوريات.. وذلك إعلاءاً لصوت الحق ليتسنى لكل فرد سماعه، وليتعرف الناس على أنشطة المراكز وأهدافها.. وطرح تجاربنا في معايشة العصر لا سيما في تربية الأطفال والمراهقين، وخططنا لتربية هذا الجيل الناشئ.. فلماذا دائماً تتوارى تجاربنا الناجحة وتقتصر على فئة محدودة من الناس؟ ! هناك مئات القلوب التائهة التي تبحث عن الحق.. بل مئات العقول الواعية التي لو فهمت الحقيقة لما ترددت في سلوك الدرب.