مجله البيان (صفحة 345)

الزيارة بين النساء على ضوء كتاب الله والسنة (3)

الزيارة بين النساء

على ضوء الكتاب والسنة

- 3 -

خولة درويش

إن المؤمنة حيثما جالست غيرها تحرص على أن لا تقذف بكلامها دون

تمحيص، فهي تسعى لتكون أقوالها فضلاً عن أفعالها في ميزان حسناتها.

لذا تتواصى مع أخواتها المؤمنات بكل ما فيه خير وصلاح، تأمر بالمعروف

وتنهى عن المنكر، وإن لمست نفوراً وشقاقاً بين البعض منهن فهي تعمل على

إصلاح ذات البين، وإطفاء نار العداوة، تتمثل قوله تعالى: [لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن

نَّجْوَاهُمْ إلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ] [النساء 114] .

المتأمل في هذه الآية يجد أن غالبية النجوى لا خير فيها إلا هذه الثلاث:

1- الأمر بالصدقة.

2- الأمر بالمعروف، ونجمعهما تحت عنوان الدلالة على الخير.

3- الإصلاح بين الناس.

ومن تكلم بها أو بأحدها فهو في قربة إلى الله تعالى، بل وكلامه من أفضل

الذكر فقد قال ابن تيمية رحمه الله:

«إن كل ما تكلم به اللسان، وتصوره القلب، مما يقرب إلى الله، من تعلم

علم، وتعليمه، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، فهو من ذكر الله ولهذا من

اشتغل بطلب العلم النافع، بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلساً يتفقه أو يفقه فيه

الفقه الذي سماه الله ورسوله فقهاً فهذا أيضاً من أفضل ذكر الله» [1] .

1- الدلالة على الخير:

فإذا رزقك الله فهماً وعلماً، أو قوة وعافية؛ فاستخدميها لمعاونة المسلمين

وتسهيل حاجاتهم، سواء بعملها بيدك؛ أو بتعليمها غيرك، فما ذلك إلا زكاة الصحة

التي حباك الله إياها.

(كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين

الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن

الطريق صدقة) [2] .

إن كثيراً من بلادنا المسلمة مليئة بالأزمات الاقتصادية بسبب القحط أو

الحروب. وتنشط المؤسسات التبشيرية والشيوعية للاستفادة من تقصيرنا جميعاً،

فتستغل آلام المكلومين لتقدم لهم الغذاء واللباس والدواء طعماً لجذبهم به لمصيدتها،

وتعمل جاهدة بكل الوسائل لجلبهم لساحتها، بتربية أبنائهم أو تعليمهم أو تطبيبهم..

فهلا استفدنا من زياراتنا ووقتنا الضائع؟ ! فتدارسنا أحوال أمتنا، وعلمنا

بعضنا أن نخيط الثياب التي تستر عورات أخواتنا المسلمات المحتاجات.

ولنصنع من الطعام ما يمكن أن يرسل لهن. ولنثبت أننا المسلمات اللاتي

يهمهن أمر الأمة المسلمة. لا الدمى المتحركة التي تُزين لتلهي من حولها وتبعد عن

جادة الصواب.. فهل النصرانيات أقدر منا؟ ؟ أم أنهن أكثر تضحية وإيماناً؟ نحن

حفيدات عائشة وخديجة وأسماء، أو لسنا أجدر أن نضحي من أجل حقنا الأكيد أكثر

من تضحيتهن من أجل باطلهن؟ .

ويتامى المسلمين؟ ! من ينجينا من الإثم إذ يُحملون إلى البلاد الشيوعية أو

النصرانية ليربوهم على دينهم؟ .

ماذا نقول غداً لرب العالمين إن سألنا عنهم وعن تفريطنا وتقصيرنا في حقهم؟

أفلا يجدر بنا أن نتكفلهم؟ وماذا لو ضمت الأسرة إليها فرداً أو اثنين لتنشئتهم

(لا تبنيهم فهو محرم) وتربيتهم؟ .

أو إن عملت الجمعيات الخيرية المسلمة لرعايتهم، وساهمت المرأة المسلمة

بما تستطيع، سواء بالمادة أو بالجهد الذي تقدر عليه، من عمل يدوي أو تعليمي أو

توجيهي؟ !

قد يقال: إن هذه أعمال ضخمة لا تقدر عليها جهود فردية قليلة المورد.

[إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] [الرعد 11] فهذه الفكرة

إن اقتنعت وإياي بها وأقنعت في زيارتك صديقتك المؤمنة وجارتك المسلمة لابد وأن

نحقق خيراً كثيراً للمسلمين، ونكون قد ساهمنا معاً في النهضة الإسلامية.

ولاشك أن ذلك مطلب شرعي بدلاً من أن تظل المسلمة مجال تنافس الدول

لتلهيها عن رسالتها بمستحضرات التجميل، وأدوات الترهل والترفيه.

وبذلك نكون قد ارتقينا بزياراتنا عن اللغو إلى التناصح لما فيه خيرنا وخير

المسلمين، وفي عملك ذلك أجر الصدقة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله، والجهاد في سبيله. قال: قلت: ثم أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها ثمناً عند أهلها وأكثرها نفعاً. قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين

صانعاً أو تصنع لأخرق» [3] .

فلك في معاونتك لأختك المسلمة أياً كانت تلك المعاونة الثواب الجزيل فعملك

من أفضل القربات.

فإن كانت مريضة أعجزها المرض عن أداء مهمتها تساعدينها في تعليم

أولادها الصغار، أو عمل طعام لهم، أو ترتيب بيتها وتنسيقه بدل أن تكون زيارتها

للكلام والتسلية فحسب.

وإن كانت نفساء أمضها ألم الولادة: تقومين على رعايتها ورعاية وليدها.

فهذا أجر قد ساقه الله إليك، ولا يقدر عليه غيرك، وإن كانت جاهلة بفنون المنزل، أو حتى في التعامل الاجتماعى تعلمينها وتنصحينها فالدين النصيحة، ولك في كل

ذلك أجر الصدقة، ولنذكر معاً حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان في

حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله

عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» [4] .

فلنكن في حاجة أخواتنا المسلمات، والله معنا في قضاء حاجاتنا وتفريج

كرباتنا. وأينا تستغني عن غيرها؟ ! وإن استغنت الواحدة عن غيرها بأعمالها،

فلابد أن تحتاج إلى التناصح والمشاورة معهن.

فما أجدرنا نحن المسلمات الحريصات على حسن تنشئة أبنائنا ونراقب الله في

تربيتهم ما أجدرنا أن نستفيد من فترة زياراتنا للتناصح في تربيتهم، وحل مشكلاتهم

ليحل العمل والتوجيه محل الشكوى والأسى الذي لا يصحح خطأ ولا يغير واقعاً.

فإن أقلقنا أن نجد بعضاً من أبناء المسلمين يفوتهم الفكر الديني الواعي، أو لا

يلتزم آخرون بالتعاليم الشرعية، أو لا يجيد الكثير منهم التعامل مع الآخرين ...

فعلينا نحن المسلمات أن نسعى إلى تصحيح هذا الواقع المرير بكل ما نستطيع

وبصبر وجلد.

ذلك أن التربية ليست أن تلقي الكلمة والتوجيه على أبنائنا ثم ننتظر الاستجابة، فالمغريات كثيرة لا تنتهي ... والتربية طويلة وشاقة تبدأ من نعومة أظفارهم.

فلابد من الرعاية الدؤوب لهم دون ملل. نتابعهم باستمرار في جدهم وهزلهم، لعبهم ومذاكرتهم.

وبعد أن نعمل جهدنا لنكون القدوة الحسنة لهم في كل خلق فاضل كريم،

نتناصح مع أخواتنا المؤمنات في حسن اختيار القصص المفيدة التي تثقف الطفل

وتعده لحياته المستقبلة، وتربي وجدانه فيعرف كيف يعطي كل ذي حق حقه.

ونبعده عن القصص الخرافية والبوليسية وكذلك عن البرامج الإعلامية التي لا تليق، ونسعى بالتشاور مع بعضنا لنحيط أبناءنا بالصحبة الطيبة التي تعينهم على الخير.

فالشر كالداء المعدي، سرعان ما ينتشر بالمخالطة. فنبعدهم عنه لنحفظ

عليهم دينهم وخلقهم.

وهكذا نشحذ هممنا لتكون زياراتنا هادفة لما يرضي الله وينفع المسلمين.

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً جاء إلى رسول الله -

صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله. أي الناس أحب إلى الله؟ قال: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور

تدخله على قلب مسلم) .

فلنحرص على نفع المسلمات وإدخال المسرة على قلوبهن، ولا نبخل بنعمة

حبانا الله إياها أن نخدم بها مسلمة فنفرج بها كربتها ونعمل ما فيه مصلحتها،

وندعوها إلى اتباع الخير الذي نريده لأنفسنا، قال تعالى: [والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ

بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ

الزَّكَاةَ ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] [التوبة

71] .

ولا تقول المسلمة: ما لي وللناس، فإني أدعهم وشأنهم ولا أتدخل في

خصوصياتهم، نعم ذلك في أمور الدنيا المباحة التي يستوي فيها عملها وتركها «فمن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه» أما ما فيه خطر محقق وحتى لو كان ذلك

في أمور الدنيا، فالواجب النصح فالدين النصيحة.

إن المؤمنة عليها مهمة النصح والدعوة إلى دينها على قدر ما تستطيع، ومن

روائع ما روته لنا السيرة، قصة الصحابية الجليلة أم سليم.

(كانت أم سليم أم أنس بن مالك من السابقات للإسلام من الأنصار خطبها أبو

طلحة قبل أن يسلم وبعد وفاة زوجها فقالت: يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي

تعبده نبت من الأرض، قال: بلى. قالت: فلا تستحي أن تعبد شجرة؟ ! إن

أسلمت فإني لا أريد صداقاً غيره. قال: حتى أنظر في أمري. فذهب ثم جاء.

فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقالت: يا أنس زوج أبا طلحة. فزوجها) [5] .

إنه مهر كريم لامرأة داعية كريمة، دعته إلى عبادة الله وحده، والبعد عن

الشرك به، فشرح الله صدره وآمن فأكرِم به من مهر.

وما هلك بنو إسرائيل إلا لتركهم فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

[كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ] أما اعتزال الناس

اعتقاداً بعدم صلاحهم، فهو كما يقال: آخر الدواء الكي ذلك أننا (حين نعتزل الناس

لأننا نحس أننا أطهر منهم روحاً أو أطيب منهم قلباً، أو أرحب منهم نفساً، أو

أذكى منهم عقلاً لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً. لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل

وأقلها مؤونة.

إن العظمة الحقيقية أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف

على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم

إلى مستوانا بقدر ما نستطيع.

إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العالية، ومثلنا السامية، أو أن نتملق

هؤلاء الناس، ونثني على رذائلهم أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقاً. إن التوفيق

بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يطلبه هذا التوفيق من جهد هو العظمة

الحقيقية) [6] .

وهكذا ... فبعد أن تتعهد المسلمة نفسها بالإصلاح فتلتزم السنة وتعض عليها

بالنواجذ، تساهم بالدعوة إلى الخير بين النساء. وهذا واجب ديني تأثم إن قصرت

به، مهما كان مستواها الثقافي، فتعمل بقدر طاقاتها وإمكانياتها، تأمر بالمعروف

بلفظ لين وقول لطيف، والله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم [ولَوْ كُنتَ

فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ] [آل عمران 159] ، ترفق بمن حولها، توقر

الكبيرة وترحم الصغيرة، ولا تنسى أنها صاحبة هدف جليل تسعى لتحقيقه بأسلوب

يرضي الله تعالى ويؤدي للنتيجة التي ترجوها.

فكما يسعى أصحاب الأهداف الدنيوية لتحقيق أهدافهم، فيتحسسون مداخل

نفوس من يتعاملون معهم، ليعرفوا كيف الوصول لغايتهم، يجب أن نكون نحن

المسلمات أكثر اهتماماً بمعرفة من ندعوهن لتكون دعوتنا كما أراد الله تعالى: [ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] [النحل125] .

2- الإصلاح بين المؤمنات:

كما نجعل من زياراتنا مجالاً خصباً للإصلاح بين الناس، فإن عمل الشيطان

على إثارة العداوة بين المسلمات نزيلها بالإصلاح بينهن، فإن إزالة الخصام دليل

سمو النفس التي تعمل على إشاعة المودة بين الآخرين، ليحل الوفاق محل الشقاق،

والصلة مكان القطيعة، لذا كانت درجة من يصلح بين الناس أفضل من درجة

الصيام والصلاة والصدقة التطوع لا الواجبة.

عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه

وسلم-: «إلا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى.

قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة» . ويروى عن النبي -

صلى الله عليه وسلم- أنه قال: هي الحالقة: لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق

الدين «.

ذلك أن الإفساد بين الآخرين يؤدي إلى القطيعة التي حرمها الشرع كما جاء

في الحديث الشريف:» لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض

هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام « [7] .

وقال صلى الله عليه وسلم منفراً من الشحناء والقطيعة ومبيناً سخط الله تعالى

على المتقاطعين حتى يصطلحا:» تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس،

فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال:

انظروا هذين حتى يصطلحا ثلاثاً « [8] .

فإن حصلت جفوة بين المسلمات نسارع إلى الإصلاح بينهن للتغاضي عن

هفوة المخطئة، فإذا بالعيش صافياً بعد كدر، والوداد عاد بعد الجفاء.

والواجب أن تقبل عذر من تعتذر، لا أن تشيح بوجهها بعيداً عن أختها،

إصراراً على مواصلة القطيعة، وعدم قبول العذر: إذ من شرار الناس من لا يقبل

عثرة، ولا يقبل معذرة كما بين الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

» ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله، قال: إن شراركم الذي

ينزل وحده، ويجلد عبده، ويمنع رفده. أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى إن

شئت يا رسول الله. قال: من يبغض الناس ويبغضونه، قال: أفلا أنبئكم بشر من

ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: الذين لا يقبلون عثرة ولا يقبلون

معذرة ولا يغتفرون ذنباً، قال: أفلا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله: قال: من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره « [9] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015