منبر الشباب
الشريعة الإسلامية
لا الأعراف الجاهلية
بقلم: عبد الله سعيد بالحداد
كان للعرب في الجاهلية الأولى عادات وتقاليد منها ما هو حسن كالشجاعة
والإقدام ومساعدة المحتاج وإغاثة اللهفان، ومهنها ما هو سيء كوأد البنات وشرب
الخمر.
وحينما جاء الإسلام أبقى حسنها وألغى سيئها، فما كان من العرب، أمام
أحكام الإسلام إلا أن قالوا سمعنا وأطعنها.
ومما يلفت النظر أن المسلمين وكأنهم بدأوا يعودون لوضع العرب قبل الإسلام
من حيث إعطاء عادات وتقاليد الآباء والأجداد تقديساً واحتراماً أكثر من أحكام
الشريعة.
وفي هذه العجالة سنتطرق إلى بعض العادات والتقاليد المخالفة للشريعة ولكن
أغلب المسلمين يمارسونها لا لشيء إلا أن آباءهم وأجدادهم كانوا يمارسونها.
ففي الخِطْبَة مثلاً، نجد أن الخاطب حينما يود أن يرى خطيبته في بيت أهلها
يقوم الأهل بمنعه بحجة أن هذا مخالف للعادات ويعرضهم لألسنة الناس الحداد، مع
أنه بإمكان الخاطب مشاهدة خطيبته خارج البيت ولكن في البيت ممنوع.
وحينما نعود إلى الشرع ونستنطق حكمه في هذا، نجد أنه يجوز أن يرى
الخاطب خطيبته كاشفة الوجه واليدين وأن يتحدث معها بوجود محرم معهما.
وأيضاً كذلك في المهور، نجد عند ضعاف العقول من الناس أن شرف
وكرامة الفتاة يكون في مهرها وعلاقته مع المهر علاقة طردية، فنجد بعض الآباء
يغالون في مهور بناتهم لتوهمهم بأن هذا يزيد من رفعة ومكانة البنت، في حين أن
الشرع أوجب مهر الفتاة واعتبره ركناً من أركان الزواج لكنه حفز وشجع على أن
يكون المهر بسيطاً لكي لا يكون عقبة في طريق الزواج.
وهناك أيضاً في حفلات الزفاف نجد عادة دخول العريس في ليلة زفافه مع
عروسه في أبهى زينة لها أمام جمهور مختلط من الرجال والنساء، وهي عادة
دخيلة على المجتمع الإسلامي، فقد قدمت إلينا عن طريق الغرب حينما أخذنا شرور
الحضارة الغربية دون خيرها، ناهيك أيضاً عن الإسراف والتبذير الذي يحدث في
تلك الحفلات.
وحينما نعود بالأمر الى الشرع نجد أنه يحرم اختلاط الرجال بالنساء دفعاً لفتن
كثيرة.
وأيضاً عادة دخول الزوجة على إخوان وأقارب وأصدقاء الزوج (هذا إن لم
تكن الزوجة مكرهة على ذلك) بحجة أنهم مأمونوا الجانب.
وحين تحاول أن تنصح الزوج وتبين له الخطأ الذي هو فيه يجيبك: ماذا
يحدث لو أنها جلست مع أولاد عمومتي نصف ساعة، لن تنشق الأرض ولن تخر
الجبال هداً، أتريد أن يقولوا عني أنني لا أستأمنهم على عرض؟ ! ماذا سيكون
موقفي حينها، يا أخي لقد وجدت آبائي هكذا وأنا أظن أنني سليم معافى.
وكأن لسان حال هذا الرجل يقول: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم
مقتدون.
وهل أهلك عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طالب إلا خوفه من
مقولة الناس بأن ابن عبد المطلب صبأ وترك دين آبائه وأجداده.
ولكننا حينما نعود إلى الشرع لنأخذ منه القول الفصل نجد أنه يحرم جلوس
المرأة مع الأجنبي حتى لو كان معها محرم، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه
وسلم - أسوة حسنة فقد روى عنه أنه قال: (إياكم والدخول على النساء فقال رجل
يا رسول الله: أفرأيت الحمو (أي أقارب الزوج) قال: الحمو الموت) رواه الشيخان.
وهكذا نجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قرن الحمو بالموت لما
يجب أن يحتاط منه أكثر من الأجنبي.
فعلى المسلم أن يرجع في كل صغيرة وكبيرة إلى شرع الله وأن يزن عادات
وتقاليد الآباء والأجداد بميزان الإسلام لا العكس، فالإسلام لم يترك شيئاً إلا وقد بينه
ووضحه فقال عز من قائل: [ولَقَدْ أَنزَلْنَا إلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ومَا يَكْفُرُ بِهَا إلاَّ
الفَاسِقُونَ] [البقرة: 99] . وقال تعالى: [قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُّبِينٌ *
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ] [المائدة: 16] .
وإذا ما حكم الشرع بحكم غير ما تهوى الأنفس ومخالف للعادات فعليه أن
يرضخ للحكم وأن يقول: سمعنا وأطعنا، لا أن يقول: بل نتبع ما ألقينا عليه آباءنا، واقرأ معي قول الله تعالى: [ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ
أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمرهم] [الأحزاب: 36] .
واعلم يا أخي أن أتباع الشرع المخالف لهوى الناس قد يغضبهم في بادئ
الأمر، ولكن يجب أن لا يغيب عن ذهنك حديث رسول الهدى: «من التمس رضا
الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس
بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» رواه ابن حبان في صحيحه، فيا
أخي هل بعد هذا الحديث اختيار؟ .