المنتدى
سليمان بن محمد النصيان
إن تغيير النفوس ونقلها عن ميولها ومألوفاتها أمر ليس سهلاً؛ فإن الأعراف
التي استقرت في العقول وتواطأ عليها الناس لا تتغير بأمر يصدر أو دعوة توجّه.
والعادات في السلوكيات التي تجذرت وترسخت لا يتصور اقتلاعها في يوم وليلة،
وهناك أمور كثيرة ينبغي مراعاتها والأخذ منها بالتدرج فيها؛ وهذه خلاصة نافعة
في هذا الباب:
أ - مراعاة الطبائع: إن الناس يختلف بعضهم عن بعض في علمهم وفهمهم
وطبائعهم الشخصية وعاداتهم الاجتماعية، ومن الناس من طبعه الحدة والسرعة في
الانفعال، ومنهم من يميل إلى السكينة وطول البال؛ وكلٌ له مدخل وأسلوب يناسبه.
ب - مراعاة الأفهام: تفاوت الأفهام أمر معروف وله أسبابه من قلة العلم أو
اختلاف البيئة أو استحكام العادات ونحو ذلك.
ج - مراعاة المقاصد والنيات: قد يتفق اثنان في عمل مَّا ومع ذلك يختلف
الحكم عليهما باختلاف النوايا؛ فهناك من يفعل الفعل ناسياً أو جاهلاً بحرمته أو
متأولاً فيه أو مكرهاً عليه.
د - مراعاة الأصول الخاصة: وذلك واضح في تعدد الجواب من الرسول
صلى الله عليه وسلم عندما يُسأل عن أفضل عمل مثلاً، أو عن الوصية والنصيحة.
هـ - مراعاة الأعراف والعادات العامة: إن لكل بلد أعرافها، وكل بيئة لها
عاداتها، ومراعاة ذلك بالضوابط الشرعية من ضروب الحكمة وموافقة جوهر
الشريعة.
و مراعاة الأولويات والمهمات: وذلك بأن يركِّز المسلم في دعوته وهدايته
للناس على الأوْلى والأهم فيقدم الفرض على النفل، والعيني على الكفائي، وهكذا.
ومن ذلك أيضاً أن يركز المسلم على ميدان أكثر من ميدان وعلى صنف أكثر من
صنف آخر؛ فالمسلم مقدم على غير المسلم، ودعوة المقربين نسَباً وجيرانه مقدمة
على الأباعد، ودعوة المثقف مقدمة على دعوة الأمي ... وهكذا. ومن المعلوم أن
هناك مقاصد ضرورية مقدمة، ومقاصد حاجية تأتي بعدها، وهناك مقاصد تحسينية
تأتي في المرتبة الأخيرة.
ز - مراعاة المصالح والمفاسد: وهذا الأمر في غاية الأهمية؛ وذلك لأن
الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل
كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى
الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى
العبث فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل.
وهذا مبحث دقيق ينبغي في البداية التنبيه إلى أن المراد بالمصالح والمفاسد ما
كانت كذلك في حكم الشرع لا ما كان ملائماً أو منافراً للطبع، ولا يكون تقريرها
وفق أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية؛ والدقة في هذا
المبحث تكمن في أن المعروف قد يترك فعله والحض عليه والمنكر قد يترك النهي
عنه والإنكار عليه.. إلخ، ثم النظر في تقدير المصلحة والمفسدة، وتقديرها
والترجيح بينهما يحتاج إلى تقوى صادقة، وبصيرة علمية نافذة، ومعرفة بالواقع
واسعة.
ح - مراعاة الأوقات: والمقصود بمراعاة الوقت تخيُّر الوقت الملائم للدعوة
من حيث فراغ المدعوين، واستعدادهم للتلقي، وكذلك المراعاة لأوقات المواعظ
والدروس ومناسبة مدتها لأحوال الناس.