مجله البيان (صفحة 3428)

ماذا يريدون من المرأة..؟

الحجاب الإسلامي بين المد والجزر

أحمد فهمي

كانت عودة الحجاب ملمحاً أساساً من ملامح الصحوة الإسلامية في مرحلتها

المعاصرة التي تبدأ من سبعينيات القرن العشرين، وأصبح الحجاب رمزاً من رموز

الصحوة وشعاراً من شعاراتها.

والآن وبعد ما يقرب من ثلاثين عاماً، تنوعت وتعددت فيها أشكال المواجهة

وميادينها بين الصحوة وأعدائها لا تزال راية الحجاب ترفرف في ساحة المعركة،

ولكن على نحوٍ يختلف كثيراً عما كانت عليه في السبعينيات في أكثر المجتمعات

الإسلامية؛ وهذا الاختلاف في مسألة الحجاب هو ما نحن بصدد توصيفه وتقويمه

في هذه الصفحات.

ولأن الواقع لا يعطي معانيه ولا يكشف أسراره إلا بإضافته إلى ما قبله من

الزمن، فلا بد من إضافة بُعدٍ تاريخي يسير بقدر ما يكشف لنا الدورة الكاملة لنشوء

الحجاب وتراجعه.

الأبعاد التاريخية لمعركة الحجاب والسفور في المجتمعات الإسلامية:

يروق للمحللين والعلمانيين المحليين كلما طرحت قضية الحجاب أن يُغرِقوا

في التساؤل عن الدوافع والأسباب وراء انتشار هذه الفريضة المتزايدة منذ

السبعينيات، وهذا تساؤل معكوس حقيقة، لا بد معه من إضافة البعد التاريخي حتى

نرى الأشياء في سياقها الحقيقي، فيصبح التساؤل الصحيح عن الدوافع والأسباب

الكامنة وراء تخلي المرأة المسلمة عن حجابها؛ فانحرافٌ فرعيٌّ في التاريخ لا

يتجاوز سبعين أو ثمانين عاماً (متوسط عمر رجل واحد) ، لا يمكن بحال أن يقضي

على أصلٍ متجذِّر منذ ما يزيد على ثلاثة عشر قرناً من الزمان كشجرة ضخمة

فرعها ثابت، وأصلها في السماء.

ومن الشواهد العجيبة على هذا الانتقال التعسفي التاريخي من الحجاب إلى

السفور أن بعض رواده الكبار (الأصاغر) يشعر المتأمل في سيرة أحدهم كأنه يقرأ

عن شخصين، الأول: يرفع راية الحجاب ويدافع عنه، والثاني: يعادي الحجاب

ويرفع راية السفور، ونذكر مثالين على ذلك: الأول من مصر، والثاني من

تونس.

ففي مصر: كان أول كُتُبِ قاسمِ أمين: " المصريون " دفاعاً حماسياً عن

فضائل الإسلام على المرأة المصرية، ورفعاً من شأن الحجاب، ثم لما تمت إعادة

برمجته على أيدي رواد صالون نازلي، أصدر كتابيه: " تحرير المرأة "، " المرأة

الجديدة "، وجعل من نفسه الداعي الأول لفتنة التبرج بين المسلمين.

وفي تونس: سنة 1929م وقف شاب عمره يومذاك 26 سنة في إحدى

الندوات يرد على امرأة سافرة تدعو إلى تحرير المرأة، فقال: " الحجاب يصنع

شخصيتنا، وبالنسبة لخلعه: جوابي هو الرفض، وارتفع الضجيج في القاعة،

وانتقل الجدال إلى الصحف، وتابع الشاب الدفاع عن الحجاب بنشر مقالات في

صحيفة تونسية فرنسية، ولم يكن هذا الشاب سوى المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة

نفسه الذي قام في اليوم التالي للاستقلال بسحب غطاء الرأس عن النساء

التونسيات " [1] .

وسار كثيرون في أنحاء العالم الإسلامي على نهج قاسم أمين فأصدروا كتبهم

المسمومة، مثل كتاب: " امرأتان في الشريعة والمجتمع " للطاهر الحداد في تونس

سنة 0391م، و " السفور والحجاب " لنظيرة زين الدين في سوريا في

العشرينيات.

واستمرت جهود المثقفين والمفكرين المتبنين للمنهج التغريبي طيلة الحقبة

الاستعمارية في الترويج للتبرج حتى أصبح واقعاً مفروضاً إلى جوار الحجاب،

ولما أن أتى عهد الاستقلال وتولى القوميون زمام الأمور عملوا ما عجز عنه

الاستعمار، وعمدوا إلى القضاء على البقية الباقية من الحجاب في بلادهم.

يقول صحفي ألماني واصفاً فترة إقامته في مصر من 1956 1961م: "

ويكفي أن تعلم أنه منذ عشرين عاماً فقط كانت كل النساء تقريباً يرتدين الحجاب،

أما اليوم فإنه حتى في أكثر المناطق شعبية لم نعد نرى الحجاب " [2] .

وفي سوريا مزق رجال " البعث " الحجاب في شوارع دمشق، ومنعوا

المحجبات من دخول المدارس بحجابهن [3] .

وفي الجزائر دعا " بن بيلا " الجزائريات إلى خلع حجابهن، وقال: إنني

أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر! [4] ، فخرجت العذارى

المحاربات من بيوتهن، ونزعن الحجاب لأول مرة منذ أن اعتنقت بلادهن

الإسلام [5] .

وحقق العهد الاستقلالي في المغرب ما لم يستطعه الاستعمار في عشرات

السنين [6] .

أما المجاهد بورقيبة فبزَّ أقرانه في حرب الحجاب، وأصدر مرسومه الشهير

(108) بمنع الحجاب في المؤسسات الرسمية للدولة، ودعا التونسيات ألا يُشْعِرْنَ

السياح الأجانب بالغربة في بلادهن [7] ، ولا يزال الحجاب محارباً بشدة حتى الآن

في تونس، ولكن ما أن بدأ تهافت الفكر القومي مع هزيمة يونيو 1967م، حتى

عاد الحجاب يتربع على عرشه المسلوب من جديد، وما أصدق القائل: " إن

الحجاب لم يكن ثمرة النكسة بقدر ما كانت النكسة ثمرة التخلي عن الحجاب كمظهر

من مظاهر التخلي عن الإسلام " [8] .

ولو شئنا دراسة تطورات الحجاب منذ بدء عودته في السبعينيات وحتى

الآن، فلا بد من انتقاء بلد يصبح نموذجاً معبراً عن أحداث هذه الفترة، ولا نجد أفضل من النموذج المصري في التعبير عنها؛ فهو نموذج ثري بتطوراته وأحداثه ومتغيراته، كما أنه نموذج رائد يراد تسويقه للدول التي لم تبلغ مرحلته بعد.

ولكي تكتمل الرؤية بأن تحتوي على الأبعاد الزمنية الثلاثة: الماضي،

الحاضر، احتمالات المستقبل، نتناول قضية الحجاب في تركيا، باعتبارها تحتل

المرتبة الأولى في التطرف العلماني الرافض للإسلام، ومن ثَمَّ فهي هدف تُدفع

معظم الدول الإسلامية دفعاً مع اعتبار تفاوت مواقعها الحالية لبلوغه في السنوات

القادمة؛ فدراستها وإن كانت تعتبر واقعية بالنسبة لتركيا، إلا أنها مستقبلية بالنسبة

لغيرها من الدول الإسلامية.

الحجاب في مصر:

إن ثراء النموذج المصري كما سبق يجعل من الصعب تغطيته في صفحات

معدودة بتفصيل وشمول، ولذا سننتقي منه أهم المعالم التي تخدم موضوعنا.

أولاً: توزيع الأدوار في معركة الحجاب والسفور بين السبعينيات

والتسعينيات:

لمعركة الحجاب سَمْتٌ متميز؛ فهناك أطراف متعددة، وأدوار متداخلة،

وهناك أيضاً صور مختلفة للهزيمة والفوز، كما أنها معركة مفتوحة نحسب أنها

باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وفي الساحة المصرية يظهر ذلك بوضوح، وتنحصر الأدوار المؤثرة في

الأطراف الآتية:

1 - المؤسسات التعليمية: ويبرز دورها في ثلاثة اتجاهات:

الأول: أخطرها، وهو السعي للعلمنة الكاملة لمناهج التعليم مع حصار

وتحديد لدور المؤسسات التعليمية الدينية، وهذا الاتجاه يظهر أثره في المستقبل

بتخريج أجيال تنتمي إلى العلمانية قبل الإسلام.

الثاني: العمل على إضعاف ظاهرة الحجاب في تلك المؤسسات حتى لا تعوق

بوجودها جهود العلمنة. وهذا الإضعاف يأخذ شكل مضايقات وحصار ولوائح

وقرارات تمنع دخول المحجبات خاصة المنقبات إلى تلك المؤسسات عاملات أو

طالبات ومن أشهر القرارات قرار رقم 113 سنة 1994م الذي يمنع ارتداء غطاء

الرأس إلا بطلب من ولي الأمر [9] .

الثالث: وهو اتجاه غير مباشر؛ وذلك بتشجيع تحول المؤسسات التعليمية

إلى ساحات لهدم الأخلاق والقيم، وتحطيم القيود على تطور العلاقة بين الشاب

والفتاة، ويكفي النظر إلى ظاهرة الزواج الزنا العرفي وتزايدها المستمر وأسلوب

معالجتها الذي اقتصر على عقد ندوات دينية في تلك المؤسسات ذراً للرماد في

العيون أحدثت في بعض الأحيان أثراً عكسياً، فأخرجت الظاهرة إلى نطاق النقاش

العلني واختزلتها إلى مجرد خلاف فقهي.

2- وسائل الإعلام: تقول إحدى الدراسات: إن أغلبية المجتمع المصري يقع

تحت سطوة وسائط الإعلام الرسمية [10] ، وأن النساء خاصة يقبلن عل مشاهدة

برامج التلفاز أكثر من الرجال [11] ، وفي أحد استطلاعات الرأي الهامة، كان

هناك عامل مشترك بين الموافقات على أن دعوة قاسم أمين تقدمية، هو مشاهدة

برامج التلفاز والراديو [12] .

لا شك أن الإعلام أصبح يلعب دوراً خطيراً في محاربة الحجاب عبر منابره

المتعددة، وله في ذلك أساليب متنوعة مباشرة وغير مباشرة فهناك الهجوم المباشر

الفج الذي يسخر من الحجاب، أو يُرجِع دوافعه إلى مشاكل اجتماعية ونفسية

ومادية.. إلخ.

ومنها تخصيص الهجوم بفئات معينة من المحجبات مثل: الفنانات التائبات،

ومهاجمة كل من له دور في حجابهن من العلماء والدعاة [13] ، ومنها التركيز على

عدم ارتباط الحجاب بمستوى معين من الأخلاق، وارتباط صور معينة من الحجاب

النقاب بارتكاب جرائم متنوعة [14] ، ومن الأساليب غير المباشرة مهاجمة

التيارات الإسلامية ورموزها، واتهامها بالتطرف، وربط انتشار الحجاب بفكر هذه

التيارات المتطرفة ومنها اختزال المواد الدينية ما أمكن؛ خاصة أن الدراسات تثبت

أن زيادة الإعلام الديني تؤدي إلى إشاعة مناخ ديني عام في المجتمع وسرعة انتشار

الأفكار الدينية، ومن تلك الأساليب القذرة إشاعة الفاحشة بين المسلمين وتجريئهم

عليها؛ فمع تدني الأخلاق وغلبة الشهوات لا يكون هناك مجال للحديث عن

الحجاب.

3 - الأسرة: تفكك الأسرة وضعف دورها الرقابي من سمات المجتمعات

العلمانية الغربية التي يريد العلمانيون في بلادنا محاكاتها حذو القذة بالقذة، وبينما

تُظهِر الأبحاث عن فترة السبعينيات أن حوالي 60% من المحجبات أقررن بموافقة

كل الأسرة على ارتداء الحجاب [15] ، فإن الأمر يختلف حالياً مع تعدد الهجمات

الموجهة للأسرة ولدور الرجل فيها، وإذا قلنا: إن موقف الأسرة تجاه الحجاب

ينحصر في ثلاثة أمور: التشجيع السلبية الرفض؛ فالواقع الحالي يشهد بأن الزيادة

الكبيرة كانت من نصيب الموقف الثاني (السلبية) [16] ، والموقف الثالث حظي

بزيادة قليلة خاصة بالنسبة لصور معينة من الحجاب (تغطية الوجه والكفين) ، وكان

النقص من نصيب الموقف الأول.

وهناك أطراف أخرى يفترض أنها تمثل الإسلام في معركة الحجاب والتبرج وهي:

4 - المؤسسات الدينية الرسمية: وتنحصر في مشيخة الأزهر ودار الإفتاء

والهيئات التابعة مثل: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومجمع البحوث،

ووصفها بالرسمية ينبع من أمرين، أحدهما: أن تعيين رجالها يتم بقرارات حكومية

، والثاني: تحولها عرفاً وإلزاماً أحياناً إلى تبني الموقف الرسمي من القضايا المعدَّة

سلفاً وتكلف تطويع أحكام الشريعة لها. وبالنسبة لقضية الحجاب، فإن أغلب النقد

الموجه لهذه المؤسسات حتى فترة قريبة كان ينحصر في الموقف السلبي من تدعيمه

، والدعوة إليه والتعرض لمهاجميه، وهذا لا يمنع من بعض مواقف قوية، كما

حدث في الرد على القرار السابق لوزير التعليم؛ حيث صدرت فتوى بمخالفته

للشرع [17] إلا أنه في السنوات الأخيرة تطور الوضع إلى مزيد من السلبية، بل

إلى مهاجمة الحجاب أحياناً، متمثلاً في بعض صوره واتهامها بالتطرف (النقاب)

[18] ، كما اقترن ذلك بالتهاون في إلزام الطالبات في مدارس الأزهر وكلياته

بالحجاب الشرعي الصحيح.

5 - العلماء والدعاة المستقلون: وأغلبهم في الأساس من خريجي كليات

الأزهر والعاملين فيه، ويزداد تميزهم مع تزايد تبني المؤسسات الدينية للمواقف

الرسمية في مختلف القضايا، ورغم التضييق عليهم إلا أن تأثيرهم واضح من

الرأي العام، وموقفهم من قرار وزير التعليم بمنع الحجاب كان قوياًَ، حتى طالب

بعضهم بمحاكمته، ومنهم د. محمود مزروعة، د. محمود حماية، د. محمد

المسير، د. عبد الحي الفرماوي، د. عبد الغفار عزيز، د. يحيى إسماعيل ...

وغيرهم [19] .

6- الحركة الإسلامية: كان لها الدور الفعال في نشر الحجاب في المجتمع

المصري، وانتشارُه في الجامعات المصرية أحد مظاهر النشاط الإسلامي فيها،

والدراسة السابقة عن ظاهرة الحجاب في السبعينيات أظهرت أن 05% من

المحجبات وغير المحجبات يُرْجِعن انتشاره إلى تزايد نشاط الجماعات الإسلامية بل

هو السبب الرئيس [20] ، وتظهر هذه العلاقة كذلك في فترة التسعينيات، ولكن في

الاتجاه المعاكس؛ إذ من الملاحظ ارتباط تراجع معدلات الحجاب عامة، والحجاب

الشرعي الصحيح خاصة مع تزايد التضييق على النشاط الإسلامي في مختلف

الميادين وعلى الأخص في المدارس والجامعات.

7 - " إن المحجبة تظهر في سمت عفريت " هذه العبارة لن نتعجب إذا قالها

علماني حقود، ولكن عندما نعلم أنها صدرت من عالم داعية في وزن الشيخ محمد

الغزالي [21] رحمه الله نقداً لبعض صور الحجاب فإننا نصاب بدهشة عظيمة لهذا

الخلط الواضح في الأوراق، والأدوار. أين كان يقف الشيخ؟ وكيف يجعل نفسه

مشابهاً لعلمانية فجة مثل أمينة السعيد، تصف المحجبات اللاتي يرتدين الزي نفسه

الذي ينقده الشيخ بأنهن يرتدين " ملابس تغطيهن تماماً، وتجعلهن كالعفاريت "

[22] .

إن هذا الخلط الذي أصاب عدداً من المفكرين والدعاة ممن أصبحوا يمثلون

تياراً قوياً هذا الخلط أحدث بدوره خلطاً في مفاهيم الناس حول الحجاب وهو ما

سنبينه بعد قليل وجعل من هفواتهم وسقطاتهم تكأة لكل من أراد الطعن في أحكام

الشريعة بأسلوب باطني استغلالاً لتلك الهفوات والسقطات.

ثانياً: الحجاب والتدين:

هناك ُبعدان لدراسة العلاقة بين الحجاب والتدين:

الأول: الارتباط بين الالتزام بالحجاب، والالتزام العام بأوامر الشرع.

الثاني: الارتباط بين معدل ارتداء الحجاب ومستوى الحالة الدينية للمجتمع.

فبالنسبة للبعد الأول: يتمثل في دوافع ارتداء الحجاب، والحالة الدينية للمرأة

بعد إضعافها.

أما عن الدوافع: فلا خلاف في أن ارتداء الحجاب في السبعينيات كانت

دوافعه دينية مباشرة، ووفقاً لأحد البحوث الاجتماعية كان 90% من الأسباب

الدافعة للحجاب كما أقرت المحجبات تدور حول الخوف من الله من عذاب الآخرة

الرغبة في الجنة يقظة الضمير الديني [23] .. إلخ، ولكن مع مرور الوقت

وانتشار الحجاب بين فئات المجتمع تحول عند بعض الناس إلى ما يشبه العرف

العام، والتقليد المتبع، ونشأت أجيال كان ارتداؤهن للحجاب ينبع من كونه تقليداً

أو عرفاً أو ضغطاً اجتماعياً قبل أن يكون أمراً شرعياً، ويقوِّي هذا الرأي تزايد

نسبة المحجبات اللاتي يرتبط حجابهن بأمور مثل: الزواج [24] ، تقدم السن، ولا

يشمل ذلك بالطبع كل المحجبات، وخاصة اللاتي ينتمين إلى التيارات الإسلامية

بمعناها العام. وهذا التحول بالحجاب إلى تقليد لدى الكثيرات لم يكن حتمياً، وإنما

كان مدعماً بأمرين: عدم إتاحة الفرصة لتعميق هذه الظاهرة وتقوية ارتباطها

بأصلها الديني المباشر من قِبَل العلماء والدعاة، والحرب المعلنة على الحجاب التي

يؤرخ بعضهم بَدْأها من عام 1981م [25] .

أما بالنسبة للحالة الدينية للمرأة بعد ارتداء الحجاب، فهنا نجد أنفسنا وفقاً لما

سبق أمام ثلاث حالات:

الأولى: من ارتدت الحجاب عرفاً أو طاعة لوليٍّ (زوج أب) أو لأسباب

أخرى، لكن ليس لوازع ديني.

الثانية: من ارتدت الحجاب التزاماً انتقائياً وليس عاماً بأحكام الشرع.

الثالثة: وهي التي يشكل ارتداؤها للحجاب أحد مظاهر التزامها العام

بالشرع.

فالمحجبة في الحالة الأولى لا يترتب على حجابها في معظم الأحيان تغير

واضح في السلوك أو الطاعات، وهي تنتمي غالباً إلى الفئة السلبية دينياً في

المجتمع، والتي ليس لها موقف واضح من عوامل الإفساد، ويصل التعارض بين

السلوك عند بعضهن لدرجة التناقض، مما يساهم في تشويه الصورة العامة

للمحجبات، ويدفع كثيراً من الجهال لاتهام الحجاب نفسه؛ ولا يفوت الأقلام

العلمانية أن تستغل هذه الفئة في حربها على الحجاب.

أما في الحالة الثانية فالمرأة دفعها وازع ديني للحجاب، ومن ثَمَّ فهي تحرص

على عدم التناقض بين زيِّها وسلوكها، ولكن في إطار عرفي، بمعنى البعد عن كل

ما ينتقد المجتمع صدوره عن المحجبة، أو ما يعيبها خارج بيتها، وهذا بالطبع

غير منضبط؛ فالمجتمع يتعارف في كثير من الأحيان على ما يخالف الشرع،

ولذلك فالمحجبة في هذه الحالة لا ترى بأساً في المصافحة أو النظر أو الحديث مع

الرجال أو الاختلاط المسموح به عرفاً لا شرعاً، ولا شك في ميوعة هذا الوضع،

وإن كان أقل من الحالة الأولى، وأنه يجعل للمحجبة قابلية قوية للوقوع في بعض

صور الانحراف المناقضة لحجابها، خاصة مع توفر عوامل مثل: صغر السن،

الوسط الملائم (الجامعة مثلاً) انتشار الفساد، ضعف رقابة الأسرة.

وتنتمي المحجبة في هذه الحالة إلى الفئة المحافظة دينياً التي تقف موقفاً

واضحاً من مظاهر الفساد، وإن كانت تتعاطى وسائله في الوقت نفسه (التلفاز

الاختلاط ... إلخ) .

أما الثانية: فحجابها منذ البداية كان مقترناً بالتزام عام بالشرع؛ لذا تتوفر في

حالتها الضوابط اللازمة لتوافق السلوك مع الزي، مع انتماء أكثرهن للتيارات

الإسلامية ولو شعورياً.

وعند المقارنة بين نسبة توزع المحجبات على هذه الفئات الثلاث في

السبعينيات بمثيلتها حالياً نجد تغيراً واضحاً؛ حيث زادت نسبة محجبات الحالة

الأولى زيادة ملحوظة، فأصبحت تقارب الحالة الثانية، بينما حدث تراجع في نسبة

محجبات الحالة الثالثة.

البعد الثاني للعلاقة بين الحجاب والتدين: وهو ارتباط معدل ارتداء الحجاب

بالحالة الدينية السائدة في المجتمع.

من المسلم به أن المجتمع الصغير هو الأسرة أو العائلة، وتأثر المرأة بأسرتها

في ارتدائها للحجاب أو عدمه حقيقة أثبتتها الدراسات؛ فكلما زادت نسبة المحجبات

في الأسرة كان ميل الفتاة نحو التحجب أقوى [26] .

وفيما يتعلق بالمجتمع الكبير نلاحظ هنا اتجاهين مختلفين: فبينما نجد من

الثابت أن انتشار الحجاب في السبعينيات كان أحد مظاهر إقبال الناس على الدين

وعودتهم إليه، وأن التراجع في مستويات الحجاب يقترن أيضاً بانتشار موجات من

الانحلال الخلقي في المجتمع، خاصة مع سهولة استقبال الإعلام الإباحي عبر

القنوات الفضائية، مع ذلك، فهناك اتجاه آخر لتأثير المجتمع في الحجاب، وهو

أن استمرار الانحلال الخلقي وانهيار القيم يكون سبباً معاكساً لإفاقة الناس ورجوعهم

إلى الدين [27] ، ولكن بعد حين.

ثالثاً: الحجاب والفئات الاجتماعية:

إعطاء معدلات عامة عن الحجاب في المجتمع المصري لا يعبر بدقة عن

حقيقة الوضع؛ فهناك فئات اجتماعية متعددة ومتداخلة يتفاوت تأثرها وتفاعلها مع

هذه القضية تفاوتاً ملحوظاً.

وفيما يتعلق بالحجاب يمكننا أن نقسم المجتمع في مصر وفق هذه

الاعتبارات: الطبقة الاجتماعية الريف والحضر الفئة العمرية والحالة الاجتماعية.

باعتبار الطبقة الاجتماعية: فإن الطبقة المتوسطة تمثل الصدارة؛ من حيث

ارتفاع معدل ارتداء الحجاب بين نسائها، ويقل الالتزام بالحجاب مع ارتفاع المؤشر

الاجتماعي الطبقي أو انخفاضه [28] ، وإن كان هذا لا يمنع من وجود الحجاب في

جميع الطبقات، ويكفي أنه نجح في غزو طائفة من أهل الفن.

ولو نظرنا إلى الريف والحضر فإننا نجد أن الريف بطبيعة تكوينه الاجتماعي

والثقافي يكون أقل تأثُّراً بالتغيرات السياسية والثقافية والأخلاقية العامة من المجتمع

الحضري، ولذلك لم يختفِ الحجاب من الريف إبَّان الستينيات كما حدث في

المدينة، بل استمر تقليداً يُحرَص عليه، حتى توافق مرة أخرى مع مجتمع المدينة في السبعينيات. ولكن نتيجة لارتفاع معدلات التعليم ذي التوجه

العلماني، واتساع تأثير الإعلام، وكذا ارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى المدن، لم يعد تمسك المجتمع الريفي حالياً بالحجاب كما كان أولاً.

ووفقاً للاعتبار الثالث، وعلى عكس الغرض الشرعي من الحجاب وهو منع

الفتنة، وأن المرأة كلما صغر سنها زاد الافتتان بها، على العكس من ذلك نجد أن

نسبة ارتداء الحجاب في مصر تزداد مع تقدم السن، حتى إنه قلما تجد امرأة

تجاوزت الستين سنة من العمر متبرجة من نساء الطبقة الوسطى وفي المقابل يقل

إلى درجة كبيرة اقتران الحجاب بوقت البلوغ، ثم يرتفع تدريجياً مع ارتفاع الفئة

العمرية، وتتزايد معدلات الحجاب مع الزواج عنها قبله.

رابعاً: الحجاب في مصر، أنماط وأشكال متعددة:

" فلانة المحجبة " وصف نسمعه كثيراً عند التعريف بامرأةٍ مَّا، ولكن هل

يتخيل السامع صورة معينة لزي هذه المرأة؟ أم أن هناك عدة صور وأشكال

للحجاب تتداعى في مخيلته، أحدها فقط هو الزي الحقيقي لها؟

لقد أصبح الحجاب مصطلحاً فضفاضاً، وأُهمِلت ضوابطه، وعند أول مقارنة

بين مدلول كلمة الحجاب في الواقع ومدلولها الأصلي في الشرع نجد بوناً شاسعاً،

وقياساً على ما اشتهرت به اللغة العربية من دقة متناهية في وصف الأشياء ومراحل

تغيرها، فإننا نجد أنفسنا بحاجة إلى مصطلحات كثيرة لتغطية الفارق الكبير بين

الحجاب الشرعي والحجاب الواقعي.

ولمعرفة حجم التنافر بين المفهومين الشرعي والواقعي للحجاب يمكن أن نقلب

مفردات المفهوم الشرعي كلها، ورغم ذلك يحتمل الواقع أن يطلق عليها: محجبة،

لمجرد غطاء رأسها، واستعراض الأشكال المنتشرة للحجاب في المجتمع يثبت

ذلك؛ فهناك غطاء الرأس مع كشف بعض الشعر والرقبة وجزء من الصدر والساقين، وقد تكون الملابس ضيقة أو متشبهة بالرجال، ثم غطاء للرأس والرقبة والصدر مع ملابس طويلة ولكنها زينة في نفسها، وقد تكون ضيقة تصف الجسم، أو معطرة، ثم الخمار الطويل الذي يستر البدن مع كشف الوجه والكفين، ثم الحجاب الكامل الذي يحقق الشروط كلها.

ومن أهم أسباب هذا التذبذب الخطير في مستوى الحجاب الحرب المتصاعدة

ضده من بداية الثمانينيات، واستخدام مكيدة التطرف والاعتدال في هذه الحرب،

وأيضاً وجود طائفة من المتبرجات اللاتي هرولن نحو " الحل الوسط " تخلصاً من

الحرج الاجتماعي الضاغط الذي سبب انتشار الحجاب.. ومنها غلبة البعد الرمزي

للحجاب لدرجة تفرغه من مضمونه الشرعي في أحيان كثيرة.

ومن الأسباب الهامة: استدراج فئة كبيرة من الكُتَّاب والمفكرين الإسلاميين

المتبنين للاتجاه التنويري في هذه المعركة والاكتفاء منهم بالهجوم على أشكال معينة

من الحجاب يتهمونها بالغلو والتطرف، استناداً على قاعدتهم الذهبية في تطويع

الشرع للواقع، لا العكس، وأن وسطية الشرع تكون بجعل الظرف الواقعي هو

الأساس في استصدار الأحكام ووضع التصورات، وهذا لا شك في خطئه؛ فمع

تغير الواقع تكون الإرادة المطَّردة للتوسط بينه وبين ثوابت الشرع تعني أن ننادي

غداً بما نستنكره اليوم، حتى يأتي علينا وقت لا يبقى من الدين إلا أن ننوي أحكامه

ونفعل ضدها.

ومن الشواهد القوية على صحة هذا الرأي، موقف أحد التنويريين [29]

المقيم في بريطانيا من القضايا الإسلامية المثارة في ذلك الواقع العلماني والذي هو

المثل الأعلى لعلمانيي الشرق والذي تطور فكره وفق القاعدة السابقة ليتوافق مع هذا

الواقع فيما يتعلق بقضية الحجاب، أصدر فتوى بأنه لا يجب على المرأة أن ترتدي

الحجاب لتعرضها للأذى بارتدائه في تلك البلاد، واستدل بآية: [ذلك أدنى أن

يعرفن فلا يؤذين] [الأحزاب: 59] ، فلا يسع المسلمة والحال هكذا إلا أن تنوي

الحجاب وتتبرج!

وبناءاً على النظرة الواقعية المتفحصة، نستطيع القول: إن هناك تناسباً

وتوافقاً بين مستوى الحجاب وأنماط الحالة الدينية للمحجبة والمذكورة آنفاً فكلما

تضاءل تأثير الدين في حياة المحجبة عند حجابها وبعده كلما تدنى مستوى الحجاب،

والعكس صحيح، فتصبح أكثر المحجبات تديناً هي التي تتمسك بكافة شروط

الحجاب، بما فيها تغطية الوجه والكفين، ولذلك نجد أنه انطلاقاً من تحول محاربة

التدين الشامل إلى سياسة عامة، أصبح النقاب محارباً بشدة أكثر من أي شكل آخر

للحجاب، واستهدفته جميع الجهات العلمانية بهجوم مكثف متواصل، ولعل ذلك

يرجع إلى ضعف قابليته للتميع والتطويع بخلاف الصور الأخرى للحجاب، وكذا

اعتماداً لأسلوب ضرب القمة، وقبول ما بعدها، تدرجاً في القضاء على الحجاب.

الحجاب في تركيا:

للحجاب في تركيا قصة طويلة حزينة، تبدأ من قوانين أتاتورك، ولا تنتهي

عند مروة قاوقجي، ولو اكتفينا بالاطلاع على الفصول الأخيرة من هذه القصة،

فستبدو لنا سمات بارزة لحرب الحجاب في تركيا:

1 - لا يمكن استيعاب أبعاد قضية الحجاب في تركيا حالياً، بدون الاطلاع

على الجهود التاريخية الحثيثة للقضاء عليه منذ أتاتورك، هذه الجهود التي ليس لها

مثيل في دولة إسلامية أخرى، في شدتها واستمراريتها إلى الآن، فمنذ ما يزيد عن

سبعين عاماً كان البوليس التركي يقوم بنزع الحجاب عن النساء بالقوة وعقابهن

أحياناً امتثالاً لقانون أتاتورك [30] ، ورغم اختفاء هذا القانون إلا أن الحرب لا

تزال قائمة.

2 - أحدثت علمانية أتاتورك شرخاً كبيراً في الانتماء الإسلامي للمجتمع

التركي، فأوجدت قطاعات من الجماهير تفضل العلمانية على الإسلام، وأظهر أحد

استطلاعات الرأي الهامة أن نسبة 18% من الأتراك يثقون بالجيش التركي (حارس

العلمانية) [31] ، مما أوجد موقفاً جماهيرياً لا يستهان به رافضاً للحجاب، وإن

كانت الأغلبية تقبل به، وقد أحدث فوز الرفاه في انتخابات 1994م حالة من القلق

المتولد لدى العلمانيين وقطاعات من الشعب من إقدام الرفاه في حاله تولي السلطة

على إجبار النساء على ارتداء الحجاب، واضطر أربكان لنفي ذلك تهدئة للأوضاع

[32] ، وعندما أعلن عن احتمال حدوث ائتلاف بين الرفاه والوطن الأم، قامت

النساء المؤيدات للثاني بإرسال حجاب إلى زوجة يلماظ احتجاجاً على ذلك [33] .

3 - لا يتضمن الدستور التركي أي إشارة إلى الإسلام أو الشريعة؛ لذا

ينطلق الإسلاميون من دفاعهم عن الحجاب ضد الدولة لا من أصله الشرعي

الإسلامي، بل انطلاقاً من مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما

يزيد الأمر صعوبة عليهم بخلاف الحال في معظم الدول الإسلامية الأخرى التي

يعطي النص على الإسلام ولو باعتباره ديناً رسمياً في دساتيرها منطلقاً قوياً

للإسلاميين في الدفاع عن الحجاب.

4 - يتمثل جهد الدولة في محاربة الحجاب في وسائل عدة، نذكر منها:

- إصدار قانون 1987 يمنع دخول المحجبات إلى الجامعات، وينفذ القانون

في 82 جامعة تركية، وقد تم التراجع عن هذا القانون سنة 1991م [34] من قِبَل

البرلمان والمحكمة الدستورية، ولكن لم يمنع هذا من استمرار الحظر في جامعات

كثيرة، ومن المعتاد أن نجد في كل عام دارسي القوات المدججة بالسلاح تحيط

بالجامعة لمنع المحجبات، وتقوم الشرطة النسائية بإخراجهن بالقوة.

- منع المحجبات من العمل في المؤسسات الحكومية، وقد تعرضت مئات

الموظفات للفصل أو الإجبار على الاستقالة بسبب الحجاب [35] .

- اتخاذ بعض الإجراءات المحاصرة للحجاب مثل حظر ارتداء نساء

العسكريين له، وعرقلة حصول المحجبة على جواز للسفر [36] ، وتعرضت

الكثيرات للسجن أكثر من مرة بسبب تبنيهن لهذه القضية [37] .

- حاولت الحكومة التركية في أواخر الثمانينيات مطاردة المحجبات خارج

تركيا، فأرسلت طلباً للحكومة الألمانية بمنع الطالبات التركيات من ارتداء

الحجاب، إلا أن ألمانيا رفضت للسبب ذاته الذي من أجله تطارد تركيا الحجاب وهو العلمانية! [38] .

5 - تتمثل المواجهة الإسلامية بدورها في وسائل عدة، نذكر

منها:

- رفض الامتثال لقوانين منع الحجاب في الجامعات ومحاولة فرضه بالقوة،

والأمثلة عديدة وتتكرر بصفة دورية، ومنها: قيام مدير المعهد العلمي للتمريض في

أحد المدن برفض قيام الطالبة الأولى بإلقاء خطبة الوداع في حفل التخرج؛ لأنها

ترتدي الحجاب تحت قلنسوة التمريض، وحدثت مشادات كلامية رافقها استخدام

الأيدي [39] .

وفي المقابل تُؤْثِرُ طائفة من المحجبات ترك الدراسة على خلع

الحجاب [40] ، ومن المعروف أن مروة قاوقجي أثناء الدراسة الجامعية تركت الدراسة في الجامعة التركية وذهبت إلى أمريكا لرفضها أن تخلع حجابها.

- استخدام أسلوب التظاهرات المؤيدة للحجاب والمناهضة لرفض الحكومة

له، ومن أمثلتها ما يسمى بسلسلة الحرية، والتي شارك فيها مائة ألف مواطن أمسكوا يداً بيد احتجاجاً على منع الحجاب ليشكلوا سلسلة تمتد من أنقرة إلى اسطنبول، إلا أنها قُطِعَت لتدخُّل البوليس في بعض المناطق، ولكنها وصلت في أماكن أخرى مثل مدينة " قيصري " إلى عشرين كيلو متراً [41] .

- يستفيد حزب الرفاه من البلديات التي فاز بها في الانتخابات في تعيين عدد

كبير من المحجبات في إداراتها إقراراً لوجودهن في المؤسسات الحكومية، كما

يحاول مواجهة الدعارة والإباحية بوصف هذه المواجهة وسيلة غير مباشرة لنشر

الحجاب من خلال غلق بيوت الفساد، وقام عمدة أنقرة بإزالة التماثيل العارية من

الشوارع وقال بغضب: " إذا كان هذا هو الفن فأنا أبصق عليه " [42] .

- يعمد الإسلاميون أيضاً إلى إثارة قضية الحجاب إعلامياً وسياسياً بصفة

مستمرة، والمثال القريب إصرار مروة قاوقجي على حضور جلسات البرلمان

بالحجاب رغم المواجهة الشرسة والصياح الهستيري الذي كانت تتعرض له داخل

البرلمان، ورغم تراجع نائبتين لحزبين آخرين عن حجابهما إذعاناً للضغوط، فقد

تحولت مروة قاوقجي إلى رمز لقضية الحجاب والاضطهاد الديني، وحظيت

بتعاطف الكثيرين معها محلياً ودولياً.

6 - للحجاب في تركيا أشكال متعددة ومستويات مختلفة؛ ففي الريف

والأحياء الشعبية تغطي أغلب النساء شعورهن ولكن من قبيل العادة والتقليد، ومن

أكثر أنواع الحجاب انتشاراً حجاب يتكون من غطاء للرأس والرقبة، ومعطف

(بالطو) طويل، ويُرتدى من تحته سروال، وقد يُرتدى معه قفازات للكفين،

وتتخير المرأة ما تشاء من الألوان، وهذا الزي هو أكثر ما يميز ذوات التوجه

الإسلامي. ويوجد النقاب أيضاً في أماكن كثيرة، إلا أن التركيات يُظهرِن من خلف

النقاب العينين وجزءاً من الوجه إلى أسفل الأنف، ويقلن: إن ذلك أبعد من الفتنة!

وإذا كان وضع الحجاب في مصر يتجه إلى مشابهة وضعه في تركيا فهناك

دول إسلامية تسير ببطء نحو مشابهة الوضع المصري، ومن فاته بعض فصول

حرب الحجاب في مصر يمكنه أن يشاهدها الآن في تلك الدول؛ حيث يعيدها

التاريخ للحاضر مرة أخرى، مع تعديلات يسيرة في المصطلحات والشعارات،

التي تعتبر من لوازم عصر حقوق الإنسان والألفية الثالثة!

ولكن إلى أي مدى سيظل التاريخ يعيد نفسه هناك؟ سؤال للحكماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015