المنتدى
أسامة طه الشافعي
يأتي يوم العيد ببُشريات متجددة كل عام؛ ففي المغزى الاجتماعي والمعنى
الإنساني لهذا اليوم سرّ الفرح، وروعة الانتقال من طور إلى طور؛ إذ هو يوم
الخروج من الزمن إلى زمن جديد، زمن قصير ضاحك بين الحين والحين؛ ليكون
يوماً طبيعياً في هذه الحياة التي تعقدت وانتقلت عن طبيعتها! !
يوم يعمّ فيه الناسَ ألفاظُ الدعاء، والتهنئة ليرتفعوا فوق منازعات الحياة
وجاذبيات التراب.
يوم سنّ فيه الإسلام الثياب الجديدة إشعاراً للجميع بأن الوحي الإنساني جديد
في هذا اليوم، فلا معنى فيه للأخلاق البالية من القطيعة والقسوة. في هذا اليوم الجديد الأطفال هم المعلمون لنا على نحو ما قال (الرافعي) - رحمه الله -، فلِمَ لا نجتلي حالهم لنتعلم منهم أن الحياة وراء الحياة وليست فيها؟ !
هؤلاء السّحرة الصغار الذين يخرجون لأنفسهم معنى الكنز الثمين من دراهم
معدودة.
هؤلاء الأطفال هم السهولة قبل أن تتعقد، يأخذون من الأشياء لأنفسهم
فيفرحون بها قانعين يكتفون بالتمرة ولا يحاولون اقتلاع الشجرة التي تحملها، فهلاّ
تعلمنا منهم! ؟
إن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها، فإذا لم تكثر الأشياء في النفس كثرت
السعادة ولو من قلة؛ فالطفل يقلّب عينيه في نساء كثيرات، ولكن أمه هي أجملهن، وإن كانت شوهاء؛ فأمه وحدها هي أم قلبه، ومن ثم فلا معنى للكثرة في هذا
القلب، هذا هو السرّ، فهلاَّ أخذه الكبار عن الصغار؟ !
يا إلهي! ما أبعدنا عن سر الخلق وعن كلمة الروح بأطماعنا وآثامنا! وما
أبعدنا عن البهجة بهذه الغرائز التي لا تؤمن إلا بالمادة، ولا تستقر إلا بإحراز أوفر
الأنصبة منها! فيا أسفا علينا نحن الكبار، وما أبعدنا عن حقيقة الفرح وسر
الحياة!) .
إذا كانت كلمة الروح في ذلك اليوم هي تذكير للناس بسهولة الحياة قبل أن
تتعقد فهي أيضاً تذكير للناس بحق الضعفاء والعاجزين حتى تشمل الفرحة بالعيد كل
بيت، وحتى لا نرى النموذج البائس (الجائع العاري) ، وإلى هذا المغزى
الاجتماعي العظيم يرمز تشريع صدقة الفطر، ونحر الأضاحي في عيد الأضحى،
إطلاقاً للأيدي الخيّرة في مجال البر، حتى لا تشرق شمس العيد إلا والبسمة تعلو
شفاه الناس جميعاً.
فهلاَّ أرينا الله من أخلاقنا ما يحب! إن ألوف المؤمنين والمؤمنات تعوّدوا
السماحة وبذل الخير وصنائع المعروف، وتلك من سمات الخير في أمتنا، فإنما
يتسرّب الشقاء إلى الناس عندما يحيون متقاطعين لا يعرفون إلا أنفسهم ومطالبها
فحسب؛ فمن أراد معرفة أخلاق أمة فليراقبها في أعيادها؛ إذ تنطلق فيها السجايا
على فطرتها، وتبرز العواطف على حقيقتها، والمجتمع السعيد هو الذي تسمو
أخلاقه الاجتماعية في العيد إلى أرفع ذروة، ويمتد شعوره الإنساني إلى أبعد مدى،
وذلك حين يبدو متماسكاً متراحماً فيخفق فيه كل قلب بالحب والمرحمة.
إن الفقر محنة، إذا لصقت بالإنسان أحرجته وربما هبطت به دون المكانة
التي كتب الله - تعالى - للبشر، وقضية الإيمان قديماً وحديثاً أن يرهب الإنسان
ربه في أمثال هؤلاء البائسين، وأن يذكر مصائب إخوانه من الأقطار الأخرى
المشردين في هوان، وامتدت إليهم الأيادي الآثمة الملوثة لتنفرد هي بالحياة! !
إن من حقنا أن نفرح، لكن من واجبنا أن نذكر فواجعنا.. نذكر أطفالنا في
إفريقيا وفي شتى البقاع.
إن دنيانا تمتلئ بالكوارث والأرزاء، فلنظهر بمظهر الأمة الواعية التي لا
يحُول احتفالها بذكرياتها الحبيبة وأعيادها دون الشعور بمصابها.
وقالها الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله -: (فلنقتصد في لهونا،
ولنخفف من سرَفنا؛ لنشعر بالإخاء قوياً حتى تقوى العزائم، وهنا روح الإيمان
الحي ولُباب المشاعر الرقيقة التي يكنّها المسلم لإخوانه، حتى إنه ليحيا بهم ويحيا
لهم، فكأنهم أغصان انبثقت من دوحة واحدة، أو روح واحدة حلت في أجسام
متعددة، وحتى يوقن المرء بهذه المعاني في هذا اليوم كانت صلاة العيد تجمع الناس
صفاً وراء صفٍ، ونسقاً على نسق كالسنبلة ليس فيها على الكثرة حبة متميزة! !
فلنعش بهذه الروح، ولنمحُ ساعة بساعة، فالزمن يمحو الزمن، والعمل يغير العمل، ودقيقة باقية في العمر هي أمل كبير في رحمة الله) .