مجله البيان (صفحة 3334)

مصطلحات

الحضارة

خالد أبو الفتوح

لم يدُر بخَلَدَي قبل أن أشرع في الكتابة عن مصطلح (الحضارة) أن مصطلحاً

بمثل هذا الانتشار يكتنفه غموض وإبهام كالذي رأيت؛ فهذا المصطلح غير العربي

نشأةً أحد الترجمات لمفردتين في اللغات الأوروبية منبثقتين عن جذرين لاتينيين

يختلف كل منهما عن الآخر، وقد نقل بعض (المثقفين) العرب معاني هاتين

المفردتين الأوروبيتين إلى اللغة العربية وفرغوها في ألفاظ عدة حسب فهمهم لهذه

المعاني وتلك الألفاظ، كان منها: (الحضارة) .

فإذا علمنا أن الكلام على (الحضارة) يتشعب في كتب التاريخ والاجتماع

والفلسفة والآداب والسياسة والجغرافية والعلوم ... ، وإذا أضفنا إلى ذلك أن عالمي

الإنثروبولوجي (علم الإنسان) ألفريد كروبر، وكلايد كلوكهون كانا قد أحصيا سنة

1952م ما يزيد عن (164) تعريفاً لـ (الحضارة) في اللغات التي نشأت دلالة

المصطلح وتطورت فيها.. اتضح لنا حجم الاختلاف في تحديد مفهوم هذا

المصطلح.

ولأن المصطلح نشأ وتطور خارج البنية اللغوية العربية فليس من المناسب أن

نذهب كما يفعل بعض الباحثين في مثل هذه المصطلحات إلى المعاجم العربية

لنبحث في مادة (ح ض ر) ثم نلوي بعض المعاني العربية لتتسق مع هذا المفهوم أو

ذاك، أو نبتسر بعض هذه المفاهيم الغربية لتتفق مع معنى اللفظ العربي، ولكن

ينبغي أن نذهب إلى المصطلح في لغته الأم، لنحاول الوقوف على معانيه الأصلية، ثم على المفاهيم التي انبثقت من هذه المعاني وتطورت عنها، وعلينا بعد ذلك أن

ننظر في مدى مطابقة هذه المفاهيم للفظ العربي، وأن نبحث في مدى موافقتنا على

هذه المفاهيم والمعاني، وفي أنسب الألفاظ لهذه المعاني والمفاهيم.

الحضارة في اللغات الأوروبية:

انتقل المفهوم الغربي إلى لفظ (الحضارة) العربي، وأيضاً إلى لفظي (المدنية) ... و (الثقافة) عبر ترجمة لفظ Civilization التي تعود إلى اللفظ اللاتيني Civits،

وأيضًا عبر ترجمة لفظ Cltre التي تعود إلى الجذر اللاتيني Cltra؛ لذا علينا

البحث في معاني هذين اللفظين:

أولاً: تطور مفهوم (Civilization) :

اشتقت Civilization من اللاتينية Civis التي تعني المدني أو المواطن

الساكن في المدينة، وهذا المعنى قريب من المعنى المقصود في كلام الفلاسفة

العرب الذين تأثروا بالترجمات اليونانية عندما كانوا يذكرون أن (الإنسان مدني

الطبع) ، ويعنون بذلك: أنه (اجتماعي) ، فمدني هنا كانت تعني: (أهلي) ، أي:

إنه غير وحشي، وكان هذا الاشتقاق غير متداول حتى القرن الثامن عشر، غير

أن الكلمة Civilization لم تنتشر بوصفها اصطلاحاً على (الحضارة) خلال هذا

القرن، حتى إن أحد الكتاب رفض إدخالها في قاموس لغوي كان يؤلفه مفضلاً

المصطلح القديم Civility الذي يحمل معنى الكياسة واللطف، وفي الوقت نفسه

يعكس احتقار أهل المدن للريفي وللبدائي الهمجي.

وفي القرن الثامن عشر أيضاً استخدمها الموسوعيون الفرنسيون قبل صياغة

كلمة (رأسمالية) لتناقض النظام الإقطاعي، وهي أيضاً قريبة من أصل المعنى؛

حيث تتناقض المدينة وحركتها الصناعية التجارية مع الإقطاع، كما أن صفة

الانعتاق والتحرر تتعلق بكلمة Civilization التي قد تعني التقدم والسير إلى الإمام.

وقد عنت Civilization عند اشتقاقها: عملية (اكتساب) الصفات المحمودة،

وبخاصة الألطاف الفردية والاجتماعية، ثم تطورت لتدل على النتيجة الحاصلة،

أي: حالة الرقي والتقدم في الأفراد والمجتمعات (التحضر) .

وفي القرن العشرين ساعد أوزفالد إشبنجلر وأرنولد توينبي وآخرون على

إعطاء معنى آخر لـ Civilization إضافة إلى عملية (التحضر) وهو كون الكلمة

تدل على وحدة حضارية تاريخية معينة؛ فالمعنى الأول مقصود به التقدم أو التحول

الإنساني بشكل عام من مستوى إلى مستوى آخر أكثر تعقيداً أو تطوراً من حيث

التقنية المستخدمة أو الثقافة السائدة، وفي هذا السياق يقال: حضارة بدائية، أو

حضارة الآلة، أو حضارة دينية.. أما المعنى الثاني فيعني حضارة شعب بعينه أو

منطقة بذاتها، فيقال: الحضارة الفرعونية، أو حضارة قبائل المايا، أو الحضارة

الصينية ...

وعموماً فإن الكلمة تستخدم اليوم في اللغات الغربية في الأغلب بصورة مطلقة

لكلا المعنيين، وإن اختلفوا في ماهية المقصود منها؛ فهي عند الباحثين الإنجليز

تعني الحضارات العليا، ويستعملها الفرنسيون بمعناها الشامل (المادي والمعنوي) ،

أما عند الباحثين الأمريكيين والألمان فهي تعني الجوانب المادية أو التكنولوجية من

الحضارة، وغالباً ما يستعمل الألمان Civilization للدلالة على أن الحضارة في

طريقها إلى الاحتضار.. ولكنهم جميعاً يتفقون على أن الكلمة تدل على: نمط ما

من الحياة الاجتماعية مكتسب ومشتق من المدينة.

ثانياً: تطور مفهوم: (Cltre) :

أُخذت Cltre عن اللفظة اللاتينية (Cltra من فعل Colere) بمعنى حرث

أو نمّى، وقد ظلت اللفظة مقترنة بمعنى حراثة الأرض وزراعتها طوال العصرين: اليوناني، والروماني، ومع أن شيشرون استعملها بالمعنى المجازي داعياً الفلسفة: (Cltra mentis) أي: زراعة العقل وتنميته، إلا أن هذا الاستعمال ظل نادراً

في اللغة اللاتينية.

وفي القرون الوسطى أُطلقت الكلمة في فرنسا على الطقوس الدينية، وفي

عصر النهضة الأوروبية اقتصر مفهوم Cltre على مدلوله الفني والأدبي، وبدأت

الكلمة في أوائل العصور الحديثة تستعمل في الإنجليزية والفرنسية بمدلوليها المادي

والعقلي، مع إضافة الشيء المقصود بالتنمية (ذكاء معرفة مهارة زراعة ... ) .

فلما كان القرن الثامن عشر أطلق الكتاب الفرنسيون اللفظة إجمالاً دون

إضافتها إلى شيء معين، وأصبحت تدل على تنمية العقل والذوق، ثم انتقلت إلى

حصيلة هذه التنمية من مكاسب عقلية وذوقية، وفي أواخر هذا القرن انتقلت اللفظة

بما استقرت عليه من معانٍ من الفرنسية إلى الألمانية، ثم اكتسبت في الألمانية في

القرنين التاسع عشر والعشرين مضموناً اجتماعياً؛ حيث أصبحت تدل على التقدم

الفكري الذي يحصل عليه الفرد أو المجموعات أو الإنسانية بصفة عامة، ويعتبر

جوستاف كليم (1802- 1867م) مؤسس علم الإنثروبولوجيا (علم الإنسان) من

أوائل من استعمل الكلمة لتدل على ظواهر اجتماعية عند أي جماعة من مهارات

سلوكية و (دين) وفن وعلم وأنظمة للسلام والحرب.

أما في الإنجليزية، فحسب معجم أكسفورد فإن أول استعمال لهذه الكلمة بمعنى

قريب من ذلك يعود إلى سنة 1805م، وإضافة إلى ذلك فقد انطلق المفكرون

الإنجليز في المسائل السياسية والدينية لينظروا إلى Cltre من زاوية تطبيقاتها

العملية، وفي عام 1871م وضع الإنثروبولوجي الإنجليزي إدوارد تايلور (1832

1917م) تعريفاً لمفهوم هذه الكلمة تأثر به معظم من جاء بعده؛ فهي عنده: ذلك

الكل المركب الذي يشتمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل

القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع.

وعرفها الفيلسوف الأمريكي جون ديوي بأنها: حصيلة التفاعل بين الإنسان

وبيئته، ويعرفها كل من كروبر وكلوكهون بأنها: مجموعة طرائق الحياة لدى شعب

معين، أي: الميراث الاجتماعي الذي يحصل عليه الفرد من مجموعته التي يعيش

فيها.

وإجمالاً فإننا نستطيع القول: إن مفهوم Cltre يتضمن حصيلة التنمية

المعرفية والأخلاقية والذوقية والتنظيمية وثمرتها المكتسبة الظاهرة في مجتمع ما،

نتيجة التعليم والنظام والخبرة الاجتماعية والعوامل الاقتصادية.

ومن الملاحظ تبادل مفاهيم (Civilization و Cltre) في اللغات الأوروبية

من بيئة معرفية إلى أخرى.

انتقال مفهومي Civilization و Cltre إلى العربية:

لعل ترجمة كتاب: (إتحاف الملوك الألبا بسلوك التمدن في أوروبا) في عهد

محمد علي باشا أوائل القرن التاسع عشر الميلادي شهد ظهور أول ترجمة لكلمة

Civilization بمفاهيمها الغربية الحديثة إلى العربية. وواضح أن لفظ (المدنية)

صيغ في هذه الفترة مقابلاً لها للدلالة على المجالين المادي والمعنوي، وقد ذكر

رفاعة الطهطاوي في كتابه: (مناهج الألباب المصرية) ما يوضح ذلك، أي: إن

(التمدن) و (المدنية) كانتا تطلقان إطلاقاً شاملاً، وكذلك صيغت اللفظة نفسها في

ترجمات كتب القانون، خصوصاً ما أطلق عليه: (القانون المدني) ، وظل هذا

المفهوم الشامل (للمدنية) مستخدَماً طوال القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن

العشرين.

في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين صيغت كلمة (حضارة)

ترجمة لـ (Civilization) ، وربما كان علي مبارك ومن بعده أحمد لطفي السيد

أول من استخدم كلمة (حضارة) للدلالة على مفاهيم (Civilization) ، وابتداءاً من

الربع الثاني من القرن العشرين شاع استخدام كلمة (الحضارة) بديلاً عن (المدنية)

بمعناها الشامل.

في عشرينيات هذا القرن أطلق سلامة موسى لفظ (ثقافة) على مفاهيم

(Cltre) قاصداً بها: المعارف والعلوم والآداب والفنون، يتعلمها الناس ويتثقفون

بها؛ بينما أطلق (الحضارة) مقابلاً لكلمة (Civilization) قاصراً مدلولها على

الأمور المادية والمحسوسة.

وفي أواخر الخمسينيات أُطلقت لفظة (المدنية) على الظواهر المادية في حياة

المجتمع ترجمة لـ (Civilization) ، بينما ترجمت Cltre إلى (حضارة) للدلالة

على الظواهر الثقافية والمعنوية، وقد ساهمت في ذلك ترجمات علماء الاجتماع

والإنثروبولوجيا العرب.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين أخذت المعاجم والقواميس تترجم

Civilization إلى (حضارة) ، مع نقل التعريفات والمفاهيم المرتبطة بالكلمة

الأوروبية كما هي في بيئتها.

ومن خلال هذا الاستعراض يتضح لنا أن هناك شقين في المفهوم الغربي الذي

أراد بعض المثقفين العرب نقله إلينا من خلال ترجمة (Civilization) و (Cltre) : شق مادي محسوس، وشق معنوي ومعرفي. وقد انتقل التداخل والتضارب في

مفاهيم اللفظين عند الأوروبيين إلى الترجمات العربية؛ حيث عبرت (المدنية)

أحياناً عن الشقين معاً، وأحياناً أخرى عبرت (الحضارة) عنهما، وأحياناً عبرت

(المدنية) عن الشق المادي، و (الحضارة) عن الشق المعنوي، وأحياناً أخرى

عبرت (الحضارة) عن الشق المادي، تاركة للشق المعنوي المعرفي كلمة (الثقافة) .. وهكذا اضطرب ارتباط المفهوم مع المصطلح، وإن كان يكثر في السنوات

المتأخرة إطلاق لفظ (الحضارة) على الشقين المادي والمعنوي، مع بعض الميل إلى

استخدام (المدنية) في الجوانب المادية، تاركاً (الثقافة) لجهود الفرد في تنمية وعيه

ومعارفه وذوقه؛ بخلاف (الحضارة) التي تتسم بالجماعية.

نقد المفهوم الغربي:

بادئ ذي بدء: فإننا غير ملزمين بقبول محتوى المفهوم ولا بالتمسك بمصطلح

ارتآه بعض المثقفين إلا بقدر ما يوافق قناعاتنا، وهذا مقتضى إسلامنا، بل مقتضى

كوننا عقلاءَ وأحراراً، ومن هنا: وجب علينا مناقشة المفهوم وتمحيص المصطلح؛ فمن خلال مناقشة المفهوم الغربي الذي يعد مرجعاً للمفكرين العرب الذين نقلوه

إلينا نستطيع التعرف على فحوى المصطلح ومدلولاته وملابساته التي تسللت إلى

المصطلح العربي، ونستطيع أيضاً استيضاح مدى توافق ذلك المفهوم مع مفاهيمنا

الإسلامية الأصيلة.

لقد اتضح من خلال العرض السابق أن المفهوم الغربي خرج من كلمتين تدل

إحداهما في أصل معناها على الفلاحة (غرس، ثم إنماء، ثم حصد) ، وتدل

الأخرى على النسبة إلى المدينة، بينما خرج المصطلح العربي (حضارة) من

منطلق أن (الحضر) بخلاف البدو، وعليه: فإن الكلمة (حضارة) تدل على

الاستقرار الذي تنشأ عنه المدينة التي هي أصل Civilization، ويمكن مناقشة

ذلك فيما يلي:

أولاً: ارتباط مفهوم (الحضارة) بالمدن والنظرة الأوروبية للتطور أخرج

مجتمعات بشرية مما يسمى بالمجتمعات البدائية من دائرة الحضارة، وهذا لا يستقيم

إنسانياً؛ فالحضارة ميزة إنسانية نظراً لتفرد تكوين الإنسان العقلي والنفسي

والعضوي، وهذا ما عناه ابن خلدون في مقدمته عندما أدخل البدو (بدون مدن) في

مراحل العمران، وقريب من ذلك تقريرات علماء الإنثربولوجيا؛ فهم يقصدون

بالحضارة: جماع حياة أي مجتمع بدائي أو متقدم؛ فلكل جماعة إنسانية من النشاط

(الحضاري) ما تهيأ لها لتتكيف مع بيئتها وتحقق غايتها من التحسين والسعادة،

وهكذا يكون لكل جماعة إنسانية حضارتها التي أبدعتها، وكما أنه ليست هناك

جماعات كاملة التحضر كذلك لا توجد جماعات وحشية أو بدائية تماماً.

فالبدو مثلاً ليسوا خلواً من (الحضارة) ، وقد كان لهم في بلاد العرب قبل

الإسلام أعرافهم وقيمهم الأخلاقية التي ترتكز في تقريرها وتنفيذها على إعمال فكر، وكان لهم شِعْر يحمل كثيراً من الحكمة والتأمل والخبرة، كما كانت لهم خبرات

عن النجوم والرياح والمطر بنيت على الملاحظة والاستقراء.

وقد أشار علماء الأجناس الجدد حسب الموسوعة البريطانية إلى أن شعوباً

بدون مدن مثل قبائل بولينيزيا والهنود الحمر في أمريكا الشمالية كانوا على درجة

عالية من (الحضارة) ، بمعنى أنه عند التدقيق وجد أنه كانت لديهم لغات، وفنون

أصيلة، بشكل يثير الإعجاب لظروفهم ومؤسساتهم المتطورة، وكان لديهم أيضاً

ممارساتهم الاجتماعية والسياسية والدينية، وأساطيرهم الوثيقة التي هي ليست

بأحسن ولا بأسوأ من كثير من تلك التي تسود اليوم بين دول أوروبا.

وقد قدمت (الحضارات الماضية) في أطوارها المتعددة إنجازات تعتبر الأساس

الذي شيد عليه البناء الحضاري الأوروبي، كاكتشاف النار، وصهر المعادن،

وتدجين الحيوانات، والكتابة، والعجلة، وابتكار الصفر ... بل قدمت جماعات

بشرية بدائية اختراعات كانت أنفع للإنسان من الصعود إلى القمر، وهل يقارن هذا

الصعود من جهة نفعه للبشرية باختراع رغيف الخبز مثلاً؟ !

ونخلص من كل ذلك إلى أن الحضارة نسبية، وأنها تراكمية، كما أنها أيضاً

كلمة محايدة لا تحمل في ذاتها مدحاً ولا ذماً.

ثانياً: إن مفهوم (الغرس، ثم الإنماء، ثم الحصد) جعل كثيراً من الباحثين

ينظرون إلى (الحضارة) على أنها تسير في خط تصاعدي دوماً، حتى إن بعض

المفكرين كهيجل وكانت وفيكو على فروق بينهم قسموا التاريخ إلى ثلاث مراحل:

مرحلة الهمجية، ومرحلة البربرية، ومرحلة (الحضارة) ، وبناءاً على ذلك المفهوم

تكرست النظرة إلى أحوال المجتمع الأوروبي المعاصر على أنها (الحضارة) ، بينما

المجتمعات الأخرى الماضية أو المعاصرة مجتمعات همجية، أو في أحسن الأحوال

في مرحلة متدنية من (الحضارة) ، ولذلك: ظهرت عبارات مثل: المجتمعات

المتخلفة، المجتمعات النامية، اللحاق بركب الحضارة، تضييق الفجوة،.... وفي

الوقت نفسه: أعطى هذا المفهوم تصوراً عن قيم المجتمع الأوروبي الذي تسنم قمة

(الهرم الحضاري) ومعتقداته وأنماط سلوكه ووسائل حياته.. أنها الأرقى والأصلح، بينما عدت قيم المجتمعات الأخرى ومعتقداتها وأنماط سلوكها رجعية ومتخلفة،

ومن ثم: ظهرت عبارات مثل: رسالة الرجل الأبيض، اتباع الحضارة الغربية

بحلوها ومرها، الدور التحضيري لأوروبا.. وبالفعل فقد تعاظم الدور الأوروبي

في المجتمعات الأخرى، وأخذ الأوربيون في (غرس) قيمهم وأفكارهم ونمط

معيشتهم، والعمل على (إنمائها) وسط هذه المجتمعات، والتطلع والصبر لـ

(حصد) ثمرتها، وهو ما نعده نحن غزواً حضارياً بينما يدعي بعضهم أنها مجرد

عملية (تحضير) قسري.

ثالثاً: إن هذا المفهوم بخلفياته التاريخية الأوروبية ولّد نوعاً من فكر التبعية

تجاه الغرب؛ فنسق التطور الأخير للمدينة الأوروبية أوجد مدناً كبيرة بمثابة مراكز

عالمية تمثل بؤراً تتشابك حولها مدن مختلفة رغم تباعدها، غير أنها ترتبط بالمدينة

(الأم) ، وتكون هذه المدن أخوات في المدينة الأم، وهذه هي النظرة الإغريقية

نفسها تجاه المدينة الأم (أثينا) ، ولكن طبيعة العلاقات المعاصرة أوجدت أنماطاً من

الارتباطات مختلفة عن تلك التي كانت على عهد الإغريق، ومن هنا تكرست

النظرة إلى طبيعة العلاقة المفترضة بين دول العالم (النامي) ودول العالم

(المتحضر) بأنها علاقة تبعية، ثم نشأت المحاور والأحلاف والعلاقات الخاصة مع

المراكز (الحضارية) الأوروبية.

ومن جهة أخرى: فإن انبهار العالم (النامي) بحضارة أوروبا ونظرة كثير من

مثقفيه المهزومين نفسياً إلى كون الحضارة: نقلاً وغرساً وإحلالاً، أوجد بيئة

خصبة للدعوة إلى استبعاد الثقافة والمعارف بل والقيم المحلية وتنحيتها؛ بوصفها

رجعية متخلفة، لتفسح المجال لـ (الثقافة الجديدة) و (ثقافة اليوم) و (ثقافة

المستقبل) ، ومن ثم: للحضارة الجديدة.

رابعاً: إن المفهوم الأوروبي مستمد من القيم والأخلاق والأنماط التي أوجدتها

المدينة الأوروبية بعد تطورها الأخير، ولذلك فإن هذا المفهوم ينسب إلى (المدينة) ؛ فالمدينة في الغرب مصدر للقيم والسلوك، القيم والسلوك اللذين ظهرا في القرن

السابع عشر والثامن عشر الميلاديين؛ حيث تطورت المدينة الأوروبية وانتشر فيها

نمط حياة الترف وما صاحبه من أفكار وعلاقات اجتماعية وسياسية مستحدثة، وهذا

بخلاف التصور الإسلامي، بل والتاريخ الإسلامي اللذين يختلفان عن التصور

والتاريخ الأوربيين؛ فالمدينة إسلاميّاً هي التي خرجت من رحم القيم والسلوكيات

الإسلامية وليس العكس؛ فهي مدينة؛ لأنها ذات شرعة (دين) وسلطان (دان) ؛

فهي إحدى صور تشكلُّ حياة المسلمين، وهكذا كانت حضارة الإسلام وليدة هذا

الدين، ولذلك صاحب تغيير الرسول صلى الله عليه وسلم لاسم (يثرب) إلى

(المدينة) إعادة تشكيل المجتمع الجديد وفق القيم الإسلامية، وربما لذلك أيضاً كان

من علامات النفاق إطلاق اسم (يثرب) على (المدينة) ؛ حيث يحمل إطلاق هذا

الاسم القديم رغبة في العودة إلى العقائد والقيم والنظم القديمة التي محاها تأسيس

(المدينة) النبوية.

ومن هنا: رأينا اختلاف المجتمع الأوروبي (المتحضر) عن المجتمع

الإسلامي في شتى المجالات حتى المادية منها؛ حيث تسيطر أدوات الحضارة

(الأشياء) على الأول، يدور حولها ويعمل من أجلها؛ لأنها غايته، بينما يوظف

المجتمع الإسلامي هتذه الأدوات لخدمة عقيدته ومبادئه ومنهجه.

خامساً: صاحَبَ نشوء المفهوم الأوروبي أو سبقه انفكاك المدينة الأوروبية من

هيمنة الكنيسة حيث كانت الكنيسة مركز المدينة الأوروبية والمسيطرة عليها أو

بالأحرى: انفكاك المجتمع الأوروبي من الدين، وعلى ذلك قامت حضارة أوروبا

المعاصرة، ونتج عن ذلك أمران مهمان:

أما الأمر الأول: فهو بروز مفهوم (الحضارة) أو (المدنية) على أنه عكس

مفهوم (الدينية) ، ومن هذا التصور ظهرت عبارات: الدولة المدنية، والقانون

المدني، والثقافة المدنية، في مقابل: الدولة الدينية، والقانون الديني، والثقافة

الدينية، وهكذا انتقلت (اللادينية) إلى مجتمعاتنا عبر (المدنية) رغم التباين الكبير

بين دين النصرانية ودين الإسلام.

والأمر الثاني: نشوء القومية الحديثة على أطلال الانتماء الديني أو المذهبي،

ومن ثم ربطت الحضارة بالأرض أو القومية؛ ولهذا السبب لا نجدهم يطلقون اسم

(الحضارة المسيحية) على حضارتهم رغم اشتراكهم في الانتساب إلى (المسيحية) ،

إضافة إلى سبب آخر هو أن انكماش المساحة التي يتحرك فيها دينهم وأي دين

خلاف الإسلام جعلهم لا يتركون للدين إلا ركناً ضيقاً، هو كونه أحد مكونات الشق

المعنوي في (الحضارة) أو (المدنية) ، وهذا بخلاف الإسلام الذي تتأبى طبيعته على

الانكماش أو الانزواء؛ فهو أوسع من أن تحتويه دائرة في (الحضارة) أو حتى كل

الحضارة؛ لأنه يشمل الحياة كلها، ولذا خرجت منه الحضارة وانتسبت إليه وليس

العكس؛ وهذه خصيصة إسلامية فريدة.

تمحيص المصطلح العربي:

ارتكز من روج لمصطلح الحضارة على أن الحضر لغة بخلاف البدو، مما

يعطي دلالة على الاستقرار الذي هو شرط للحضارة، وأيضا: على الاستعمال

العربي ل (حاضرة) بمعنى مدينة أو قرية.

ورغم أن المعاجم العربية تورد (الحضر) على أنها خلاف البدو، وأن

الحضارة الإقامة في الحضر، إلا أن الاقتصار على هذا المعنى لاتخاذه مصطلحا

غير مسلم به؛ فقد أورد ابن الأنباري في كتابه (الأضداد) وكذا أورده قطرب في

الأضداد أيضا أن الحضارة من الأضداد؛ حيث قال: (ومن الأضداد قولهم: فلان

من أهل الحضارة، إذا كان من أهل الحضر، ومن أهل الحضارة، إذا كان من

أهل البادية [1] .

وإذا ضربنا صفحا عن دلالة ما ذكره ابن الأنباري فإننا بالتأكيد لا نستطيع

الزعم بأن أهل العربية قصدوا من لفظ الحضارة المفاهيم نفسها التي يقول بها علماء

الإنثروبولوجيا المعاصرون؛ لأن اللفظ العربي لا يحتمل تلك المفاهيم لغة، كما أن

الحضارة إذا اعتبرناها من حاضرة بمعنى مدينة لا تدل لغة على الشق المعنوي

والقيمي الذي ارتبط بالمفاهيم الحديثة ل (الحضارة) ، إلا إذا أضفنا إليها مفاهيم

Civilization الغربية، وهذا لا يستقيم لغة ولا تاريخا كما بينا.

وقد حاول الأستاذ نصر محمد عارف [2] توسيع مفهوم الحضارة عربيا ليتسع

لمعان إسلامية كثيرة، عن طريق ربطه بمعنى الشهادة، وحاول ذلك أيضا من

خلال التفريق بين الحضور والوجود؛ حيث أعطى للحضور معنى طرح نموذج

إنساني للاقتداء به، أو للتبشير به بغض النظر عن مضمون هذا النموذج.

ولا شك أن هناك رابطا بين الحضور والشهود، ولكن هذا الرابط لا يصل

إلى حد أن تكون الكلمتان مترادفتين، بنحيث نذهب لنستنطق المعاني المستنبطة من

شهد ثم نسقطها تلقائيا على حضر كما فعل الاستاذ نصر، فأصل معنى شهد لغة:

علم وبين، وهذا المعنى لا يشترط دوما في الحضور، وهذا على ما بينا،

والحضور لا يقتضي العلم، ألا ترى أنه يقال: حضره الموت، ولا يقال شهده

الموت؛ إذ لا يصح وصف الموت بالعلم [3] وهذا يعني أن الشهادة أعم من

الحضور، فكل من شهد حضر، وليس بلازم أن يكون كل من حضر شهد.

فنحن إذن بإزاء ثلاث كلمات: الوجود: وهو ضد العدم، وهو ممكن مع

الغيبة، والحضور: وهو ضد الغيبة، لذا فهو غير ممكن مع الغيبة، ولا يستلزم

العلم والبيان. والشهود: وهو أعلى من الحضور؛ إذ يقتضي حصول العلم والبيان، وقد يعني هنا: المراقبة وأداء الرسالة.. وهذا التفريق بين الكلمات الثلاث يجعلنا

نخرج أصحاب حضور مثل التتار الذين كان لهم نظم ودساتير وتأثير في حركة

التاريخ من الشهود؛ حيث كان لهم حضور ولكن لم يكن لهم شهود.

فإذا كان مصطلح الحضارة لا يكفي للدلالة على المفهوم المراد رغم التحفظات

الموردة عليه فما هو اللفظ الذي يمكن أن يطرح بديلا له؟

قبل أن نبحث في المصطلح البديل علينا أولا أن نحدد المفهوم، وإذا كان

مقال كهذا لا يحتمل البحث في تعريف جامع مانع للمفهوم، فسوف أحاول تقديم

ملامحه من خلال التعرف على العناصر والخصائص والشروط ودوائر النشاط

المشكلة له.

فالمفهوم يبحث في نشاط الإنسان وإنجازاته في فترة زمنية، بما يحقق ذاته

وسعادته ويكيفه مع بيئته ويميزه عن غيره، باعتباره مخلوقا اجتماعيا مختلفا عن

الحيوان.. ومن هنا نستطيع القول: إن عناصر المفهوم هي: الإنسان، والبيئة'،

والزمن..

والإنسان: عقل، وجسد، وروح، يتميز عن الحيوان عندما يكون إنسانا بأن

عقله: يستطيع التأمل والنظر، والتحليل والتركيب، والربط بين المتشابهات

والتفريق بين المتنافرات، واختزان التجارب والمعارف ثم تذكرها والاستفادة منها.. وبأن جسده: يحتوي إضافة إلى غرائزه على مخ كبير الحجم، له جهاز عصبي

معقد التركيب، قامته منتصبة مما حرر يديه، يداه تمكمنانه من القبض على الأشياء

بقوة، لسانه وحباله الصوتية مكنته من إخراج أصوات مختلفة، عيناه في وجهه

مما يمنانه من الرؤية في مجال بصري واسع، طفولته الجسدية والعقلية والنفسية

طويلة.. وبأن روحه: تبحث عن الطمأنينة والسكن والتجانس والجمال مع جنسه

ومع بيئته، تسمو بالغرائز، وتبحث دائما عن معبود تألهه.

وأما البيئة فمقصود بها: العناصر والإمكانات المادية المتاحة لاستغلال

الإنسان، والعوامل الجغرافية (تضاريس، وموقع ومناخ) التي يعيش فيها ويتأثر

بها ويحاول السيطرة عليها.

وأما الزمن: فهو امتداد الوقت الذي ينشط فيه الإنسان: الماضي الذي يستمد

منه خبرته، والحاضر الذي يعايشه ويستغله، والمستقبل الذي يستشرفه ويخطط له.

ولكن هذه العناصر الثلاثة: (الإنسان، والبيئة، والزمن) لا تعمل وحدها؛ إذ

لا بد أن يكون هناك غاية (هدف) يسعى إليه، وتعاون اجتماعي يعمل على تحقيق

هذا الهدف وتلك الغاية، ولإخراج هذا الهدف إلى الواقع لا بد من الاستقرار

والاستمرار إضافة إلى التعاون، ولقيام هذا التعاون لا بد من وجود نوع من أدوات

الاتصال (اللغة والكتابة مثلا) ولا بد من وجود نوع من العلاقات الاجتماعية،

ونوع من الحكم المنظم والسلطة المؤثرة وقوانين (أو أعراف) منظمة.

ومن هنا: نجد أن الإنسان في سعيه لتحقيقف هدف راحته وسعادته (الجسدية

والعقلية والنفسية والروحية) يعمل في دوائر نشاط متعددة ومتداخلة، نتجت من

طبيعة الإنسان وتفاعله جماعيا مع بيئته خلال الزمن، هذه الدوائر هي: دائرة

النشاط المعنوي والمعرفي، وتشمل: الجوانب العقدية والروحية والفكرية، ودائرة

النشاط المادي، وتشمل: الجوانب الاقتصادية والتقنية والمعمارية..، ودائرة

النشاط الإداري، وتشمل: النظم والمؤسسات السياسية والإدارية.

فما هي الكلمة التي تصلح أن تدل على هذه المفاهيم؟

في رأيي وبدون تعصب فكري أو سلفية شكلية أن أقرب كلمة تدل على هذه

المفاهيم هي الكلمة التي اختارها العلامة ابن خلدون (العمران) ، فهي أقرب الكلمات

في اللغة العربية، وأقربها إلى الاستعمال القرآني، بل لا تدانيها حسب علمي لفظة

أخرى في اللغات الأجنبية للدلالة على هذه المفاهيم..

فأصل مادتها واشتقاقاتها تتضمن الجانبين: المادي، والمعنوي، وتتضمن

أيضا: البقاء (الاستمرار) ، والامتداد الزمني، والاجتماع، والكثرة (أو الانتشار) ،

والعلو (السمو والتقدم) .. وإليك بيان ذلك:

يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (العين والميم والراء، أصلان

صحيحان، أحدهما يدل على: بقاء [4] ، وامتداد زمان [5] ، والآخر على: شيء

يعلو [6] ..... ومن الباب: عمارة الأرض [7] ، يقال: عمر الناس الأرض ... عمارة ... ) ، ويقول الأزهري في تهذيب اللغة (وانظر أيضا لسان العرب لابن منظور) : ( ... عن ابن الأعرابي أنه قال: عمرت ربي أي عبدته [8] ، وفلان عامر لربه، أي: عابد، قال: ويقال: تركت فلانا يعمر ربه، أي يعبده، وقال الله عز وجل [هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها] [هود: 61] أي: ... أذن لكم في عمارتها واستخراج قوتكم منها [9] ... ورجل عمار، وهو الرجل القوي الإيمان الثابت [10] في أمره.. قال: والعمار: الزين [11] في المجالس مأخوذ من العمر، وهو القرط، والعمار: الطيب الثناء والطيب من ... الروائح..... [12] ) ، ويقول أيضا: (وعمار: المجتمع الأمر اللازم ... للجماعة [10] الحدب على السلطان [11] ، مأخوذة من العمارة، وهي القبيلة المجتمعة على رأي واحد [11] ، قال: وعمار: الرجل الحليم الوقور في كلامه وفعاله ... [12] ، وعمار مأخوذ من العمر، وهو البقاء [4] فيكون باقيا في إيمانه وطاعته وقائما بالأمر والنهي إلى أن يموت، وقال: وعمار: الرجل يجمع [10] أهل بيته وأصحابه على أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام بسنته..) .

وعلى هذا تكون (العمران) التي هي مصدر عمر يعمر كلمة محايدة أيضا لا

تفيد مدحا، ولا ذما، فقد يكون عمران قوم فاسدا أو باطلا، وقد يكون صالحا أو

حقا، وقد يكون فيه جانب من هذا أو جانب من ذاك.. تماما مثل كلمة دين التي قد

تعني دين الحق أو تعني دينا باطلا.

وبمثل الاستعمال اللغوي جاء الاستعمال القرآني: يقول الله تعالى: [أو لم

يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة

وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها] [الروم: 9] ، وقد بين لنا القرآن في

مواضع أخرى بعض أنماط هذا العمران الأقوام؛ فقوم عاد قال لهم نبيهم هود عليه

السلام: [أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وإذا

بطشتم بطشتم جبارين] [الشعراء: 128 - 130] ، وقوم ثمود الذين قال لهم

نبيهم صالح عليه السلام في معرض التذكير بمنة الله عليهم: [هو أنشأكم

من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروا ثم توبوا إليه ... ] [هود: 61] قال لهم في

موضع آخر في معرض المنة أيضا: [واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد

وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا ... ]

[الأعراف: 74] ، وقال أيضا: [أتتركون ما هاهنا آمنين. في جنات وعيون

وزروع ونخل طلعها هضيم. وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين]

[الشعراء: 146 - 149] .

ومن الاستعمال القرآني بمعنى العبادة (الشق المعنوي) قوله تعالى في العمران

الحق: [إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر] [التوبة: 18] ، وقوله

تعالى في العمران الباطل: [ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على

أنفسهم بالكفر] [التوبة: 17] .

ومن الاستعمال بمعنى التشييد والإعمار المادي قوله تعالى: [أجعلتم سقاية

الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله]

[التوبة: 19] ، ومن الاستعمال بمعنى الامتداد الزمني قوله تعالى: [أو لم نعمركم

ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير] [فاطر: 37] قوله تعالى: [يود أحدهم لو

يعمر ألف سنة] [البقرة: 96] .

وأخيرا:

فقد يبدوا استعمال مصطلح (العمران) غربيا ومهجورا، وقد ينظر إلى

مصطلح (الحضارة) من منطلق: خطأ شائع خير من صحيح مهجور، ولكن

مصطلح (الحضارة) أو (المدينة) كان مهجورا أكثر منه، ولم يثبت ويعرف إلا حين

استخرجه من استخرجه ثم استعمله وأكثر الآخرون من استعماله، وهكذا أصبح

متداولا معروفا، ويمكن لمصطلح (العمران) إذا رأى فيه أصحاب الرأي والفكر

صلاحيته لأن يكون مصطلحا لهذا المفهوم أن يفرض نفسه ويأخذ السيرة نفسها

بكثرة استعماله وتدواله أيضا.

أهم مراجع المقال:

الحضارة الثقافة المدنية …دارسة لسييرة المصطلح ودلالة المفهوم.. نصر

محمد عارف.

في معركة الحضارة ... قسطنطين زريق.

معجم علم الاجتماع ... تحرير: دينكن ميتشيل، ترجمة ومراجعة: د.

إحسان محمد الحسن.

الحضارة.. د. أحمد حمدي محمود.

الحضارة.. دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها.. د. حسين مؤنس.

مؤشرات حول الحضارة الإسلامية ... د. عماد الدين خليل.

مصطلحات فكرية.. سامي خشبة.

تأملات.. مالك بن نبي.

مقدمة ابن خلدون.. ابن خلدون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015