المنتدى
إبراهيم المشرف
أنت أيها الداعية رأس طبقات المجتمع بنص قول الله تعالى: [ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين] {فصلت: 33} ، وراية الفصائل الإسلامية بقرار: (وذروة سنامه) ، فمهما سمعت من نقد، أو هجوم فابقَ شامخاً لا تهزك الرياح، ولا تنكسك العواصف، بل تزيدك رسوخاً في طريق الدعوة.
وإن ما تشهده الأطروحة الفكرية المعاصرة من دعوة إلى (النقد الذاتي) بكل
صوره ومفرداته يجب فيه أمران:
أولاً: أن لا تخرج عن ميزان: [ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا
تبسطها كل البسط] [الإسراء: 29] وأن تنضوي تحت [اعدلوا هو أقرب
للتقوى] [المائدة: 8] فلا إفراط ولا تفريط.
ولكن الذي نراه أن الورقة النقدية في توسع وثراء، والعمل الدعوي في فقر
وضمور.
ألا فليتق الله كاتب يرمي بسهامٍ طائشة، وعبارات مجحفة حارقة، باسم النقد
الهادف البناء زعموا معرضاً عن المحاسن، غير مقدر للجهود، وربما زين له
الشيطان الجهر بالسوء من القول، تحت مظلة: (الحق أغلى من الرجال) .
لله كم كانوا سبباً في صروح دعوية تقوَّض بناؤها! وكم كانوا سبباً في دعاة
تساقطوا وآثروا السلامة! وكم كانوا سبباً في مشاريع دعوية ذهبت أدراج الرياح!
وكم كانوا سبباً في صرف عامة الناس عن قنوات إرشادية دعوية إلى غير بديل!
بل قد تلقفتهم قنوات الشر الهابطة، كل ذلك [وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا]
[الكهف: 104] .
ثانياً: أن لا يضيق الداعية بذلك ذرعاً؛ ففي كثير من تلك الأطروحات أفكار
هادفة، وأقلام صادقة تحترق للدعوة، وتشعر بآلامها بعاطفة حية، وشعور جياش، غاية مسعاها تصحيح المسيرة وترتيب الأوراق ورص الصفوف؛ فإن خانها
الأسلوب، ولم يسعفها التعبير فلا تثيرنك المواقف، واجعل الحكمة ضالتك،
واستقبلها على الرحب والسعة، فإني أراك طالما احتفيت بأن المؤمن يستفيد من كلٍ
حتى من عدوه، وطالما رأيتك تتغنى:
عِداتي لهم فضل عليَّ ... ومنَّةٌ فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
همُ بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
فإن كان هذا هو منهجك مع نصال شانئة، وأقلام حاقدة تترصد للدعوة،
وتناصبها العداء، فأنت مع أولياء الإسلام وأنصاره أوْلى وأحرى؛ فهلم نفتش عن
تصحيح، ونبحث عن توجيه، ونغض الطرف عن إساءة لأدب النقد، أو خلل في
أخلاقيات الحوار.
ليس الغبي بسيد في قومه ... لكنَّ سيد قومه المتغابي