المسلمون والعالم
العلو الكبير
(2-2)
أمريكا ... عالم جديد، لعلو جديد
عبد العزيز كامل
لليهود في هذا العصر هدفان كبيران كانا حلمين قديمين، وهما كما يبدو والله
أعلم قَدَرَانِ مكتوبان على الأمة الغضبية حتى تستكمل معالم العلو الكبير، وربما
الأخير.
فبعد الإفسادين الكبيرين المذكورين في أول سورة الإسراء [1] ، وبعد أن قال
الله تعالى لهم: [وإن عدتم عدنا] [الإسراء: 8] أي لو عدتم إلى الإفساد عدنا
عليكم بالعقوبة [2] ، عاد اليهود إلى الإفساد، فعاد الله عليهم بالعقوبة: مرة على يد
الفرس، ومرة على يد المسلمين في المدينة، ومرة على يد الألمان في العصر
الحديث، وها هم يعودون لعلو آخر كبير كبير، وإفساد في الأرض عريض خطير
يتجلى في الهدفين الكبيرين اللذيْن يسير اليهود نحوهما سيراً حثيثاً، وهما:
أولاً: السيطرة على الأرض المقدسة، ومن ثم على ما حولها.
ثانياً: السيطرة على العالم كله بعد ذلك، وتسييره بعد تسخيره لصالحهم عن
طريق السيطرة على أكبر قوة عالمية فيه.
وقد قام النصارى الإنجليز بدورهم الشرِّير لتحقيق الهدف اليهودي الأول
بمنتهى الدقة والإخلاص؛ فهم أول من زرع نبتهم، وروى شجرتهم، ورعى
ثمرتهم، ثم ترك الإنجليز للأمريكان إكمال الأشواط الباقية في مسيرة الطغيان
اليهودي في أراضي المسلمين.
ومن العجب أن يكون للإنجليز أيضاً (فخر) القيام بالدور الأساس للبدء في
تحقيق الهدف الثاني لليهود وهو السيطرة على العالم؛ فكيف كان ذلك؟
إن طلائع المهاجرين الإنجليز إلى القارة الأمريكية بعد اكتشافها؛ قد
اصطحبوا معهم إبَّان هجرتهم أفواجاً من اليهود للاستيطان في تلك الأرض الجديدة
(أمريكا) ، وهم قد اصطحبوا قبل ذلك موروثاتهم الدينية وترهاتهم العقدية التي تمجد
(الشعب المختار) وتضفي عليه هالة من التقديس الغامض، انطلاقاً من التغيرات
التي أصابت النصرانية على يد (البروتستانت) الذين ينتمي إليهم الإنجليز.
ربما لم تكن النظرة المستقبلية لما يمكن أن يحدث مع اليهود في أمريكا تدور
بخلد أحد من قدامى المهاجرين إلى تلك القارة، ولكن ما حدث ولا يزال يحدث يبرز
حقيقة مفادها: أن اليهود ساروا أو سُيِّروا في طريق جديد من العلو في الأرض
ممتطين فيه ظهور (الجويم) أو (الأمميين) أو الكفار، كما يحلو لهم أن يرددوا.
إنه لأمرٌ لافت جداً أن نرى العلو اليهودي يتكرر في التاريخ مرة أخرى
وبشكل ربما يفوق كثيراً ما كانوا عليه في مرات علوهم السابقة؛ لكونه عالمياً هذه
المرة وذلك بعد أن مُدَّ لهم من قارة (العالم الجديد) حبل جديد، يتمادى غِلَظاً، كي
يتسلقوا عليه إلى قمة العلو بالباطل والغلو في الإفساد.
إسرائيلان ... لا إسرائيل واحدة!
أطلق المهاجرون الأوائل من اليهود على القارة الأمريكية (صهيون الجديدة) ،
وأخلد أكثرهم إلى اتخاذها وطناً دنيوياً ينافس الوطن الديني في الأرض المقدسة التي
لم يكونوا قد عادوا إليها بعد.
وظل الوطنان يتنافسان فيما بعد على جذب اليهود للهجرة حتى أصبحا أكبر
موضعين في العالم يضمان يهود. لقد كان التناقض يبدو صارخاً عندما نسمع عن
عدم رغبة اليهود الأمريكيين في الهجرة إلى الأرض المقدسة كغيرهم، حتى بعد أن
أقيمت فيها دولة لهم بعد غياب أكثر من ألفي عام، ولكن هذا العجب يزول
والتناقض يرتفع عندما نعلم أن من ضمن عقائد اليهود عقيدة تبشر بالسيطرة
اليهودية على العالم كله بعد استكمال السيطرة على الأرض المقدسة في آخر الزمان. جاء في التوراة التي في أيديهم عمَّا يعتقدون أنه ملك آخر الزمان: (يولد لنا ولد، ونُعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفيه ويدعى اسمه عجيباً، مشيراً قديراً، أباً
أبدياً، رئيس السلام لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد) [3] ويذكرون في رؤى دانيال
في حكايته عن هذا الملك: (كنت أرى في الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن
إنسان أتى، وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه، فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً
لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته
ما لا ينقرض) [4] .
إذن، لا بد من تقسيم اليهود للقيام بالمهمتين: مهمة السيطرة الدينية على
(أرض الميعاد) ، ومهمة السيطرة الدنيوية على شعوب العالم.
وقد علم الجميع كيف قام اليهود بمؤازرة من النصارى بالسيطرة على الأرض
المقدسة؛ فهل ينتبه الناس إلى سعيهم الآن للسيطرة على العالم عن طريق السيطرة
على أعظم قوة فيه؟ !
بعبارة أخرى: إذا كانت أمريكا تقود العالم، واليهود يتحكمون أو يكادون في
قيادة أمريكا فهل نحن بعيدون عن عصر العلو الكبير؟ ! لندع الحقائق تتحدث:
نقض المنطق!
مجموع اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية حسب إحصاءات 1992م يبلغ
خمسة ملايين ونصف، ويمثلون بالنسبة لمجموع السكان 2. 4% فقط من إجمالي
عدد الشعب الأمريكي البالغ (257.595.000) نسمة. ويفترض أن هذه الأقلية؛ ... يصعب عليها أن تلفت نظراً، فضلاً عن أن تثبت وجوداً، ولكن الواقع أن هذه
الأقلية التي تمثل مع بقية اليهود ثمانية أجزاء من العشر في المئة تتجه بسرعة نحو
السيطرة على الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم تهدف للسيطرة على العالم.
وسنحاول إيراد إشارات بارزة وخطوط عريضة توضح كيف أن كل خيط من
خيوط التآمر اليهودي يستحيل في أمريكا حبلاً مشدوداً، سرعان ما يتلوى نافثاً
سموم الأفاعي وجراثيم الخراب.
1 - المجال السياسي: لم يعد الدور الذي تقوم به المنظمات اليهودية في
التغلغل في الأوساط السياسية الأمريكية خافياً على أحد؛ فاليهود يتبرعون عادة
بأكثر من نصف الهبات التي تدخل صناديق الحملات الانتخابية، وخاصة للحزب
الديمقراطي الذي وجدوا فيه بوابة ولوج لخدمة المصالح اليهودية، فألقوا بثقلهم خلفه
وأعطوه تأييد أكثر من 90% من مجموع اليهود الأمريكيين. أما الحزب الجمهوري
فقد أصعد اليهود وأنصارهم من النصارى الصهيونيين عدداً من مرشحيه إلى سدة
الحكم وعضوية الكونجرس.
وهم يركزون على الكونجرس باعتباره المفتاح المتحكم في المخصصات
المالية الخارجية ومبيعات الأسلحة لمختلف دول العالم؛ فعن طريقه يستطيع اليهود
التحكم في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية. وليس كل أعضاء الكونجرس من
اليهود بداهة، ولكن جُل أعضائه صهاينة، وإن كانوا نصارى ومع هذا، فإن ... 10 % من أعضاء الكونجرس يهودٌ خلَّص، و 8% من أعضاء مجلس النواب من اليهود، ولو قارنا هذه النسبة بنسبة إجمالي عدد اليهود الأمريكيين إلى ... إجمالي الشعب الأمريكي وهي (2.4%) لأدركنا أن اليهود يتصدون للخطاب نيابةً عن شطر كبير من الشعب الأمريكي؛ وبالذات الأغلبية الصامتة، خاصة أن في الولايات المتحدة 38 منظمة يهودية تضم تحت عضويتها نحو 4.5 مليون يهودي أمريكي (أي ما يوازي عدد اليهود في الأرض المحتلة) .
هذه المنظمات النشطة قد جرى توحيدها تحت مظلة واحدة عام 1954م تحت
مسمى: (اللجنة الصهيونية الأمريكية العامة) ثم غُيِّر اسمها إلى (اللجنة الإسرائيلية
العامة) ، وهي المعروفة اختصاراً باسم: (آيباك) وكان الهدف من توحيد تلك
المنظمات ممارسة الضغوط على الكونجرس لحمله على إصدار التشريعات
والقرارات الضامنة لمصالح اليهود داخل الولايات المتحدة وخارجها.
ومن أبرز الشواهد وأحدثها على تحكم اليهود في قرارات الكونجرس
الأمريكي فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية ذلك القرار الذي أصدره الكونجرس في
(24-10-1995م) بإلزام الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية في (إسرائيل)
من تل أبيب إلى القدس، وهو القرار الذي صدر بأغلبية 406 صوت مقابل 17
صوتاً، وأيضاً امتناع الكونجرس مؤخراً عن الموافقة على معاهدة الحد من أسلحة
الدمار الشامل.
ولمنظمة (آيباك) دورها البارز في الانتخابات الأمريكية، فهي وإن كانت غير
مؤهلة قانونياً لتقديم المساعدات المالية المباشرة للحملات الانتخابية إلا أنها تتحايل
على ذلك بتنسيق عملها مع ما يزيد عن 80 لجنة نشاط سياسي منتشرة في أنحاء
الولايات المتحدة؛ وتعمل كلها على حشتد التأييد لكل توجه يناصر اليهود، وبهذا
أصبحت (آيباك) أقوى لجنة سياسية في الولايات المتحدة؛ لأنها تقوم بتنظيم عدة
لجان سياسية مستقلة تابعة لها سراً. وتزودها بالتبرعات التي تُمرر إلى حملات
المرشحين الأكثر استعداداً لخدمة مصالح اليهود، وبهذا نفهم كيف أصبحت الغالبية
الساحقة من أعضاء الكونجرس الأمريكي من المؤيدين علناً لـ (إسرائيل) ولو كانوا
من غير اليهود.
وقد بلغ التغلغل اليهودي في السياسة الأمريكية مداه في عهد الرئيس الحالي
بيل كلينتون؛ فقد أحاط نفسه في الفترتين الرئاسيتين بجَوْقَة من اليهود في أدق
المناصب وأخطر الوزارات؛ فوجوه اليهود الكالحة تطل من شرفات المكاتب
الوزارية والإدارية في البيت الأبيض: ففي الخارجية (مادلين أولبرايت) وفي الدفاع
(وليام كوهين) ومستشار الأمن القومي (صمويل برجر) ووزير الزراعة (دان
جليكمان) والخزانة (روبرت روين) ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (جورج
تنيت) بالإضافة إلى العديد من المستشارين والمساعدين ورؤساء المجالس ومدراء
المكاتب في أنحاء الهيكل التنظيمي الحكومي. على أننا نشير إلى أن من يدعون
أنفسهم: (الصهيونيين المسيحيين) يكملون النقص الذي لم يسده اليهود الخٌلَّص، بل
إن بعضهم أشد صهيونيةً من اليهود أنفسهم.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط بالذات تكوَّن في عهد كلينتون فريق عمل من
الصهيونيين وعلى رأسهم (مارتن إنديك) الصهيوني الشهير الذي يشغل منصب
نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وهو صاحب سياسة
الاحتواء المزدوج، ولا يفوقه في الخبث إلا (دنيس روس) منسق عملية السلام في
الشرق الأوسط.
أما في المجال العسكري والأمني، فمن الحقائق المعلنة أن صهاينة أمريكا
الحكوميين يقدمون لصهاينة (إسرائيل) سنوياً ثلاثة مليارات من الدولارات التي
يدفعها المواطن الأمريكي ضرائب، (1.8) منهتا مساعدات عسكرية، و (1.2)
مساعدات اقتصادية، ولولا هيمنة (الأسياد) اليهود على صناعة القرار في أمريكا
لما سمح المواطن العادي في أمريكا زعيمة (العالم الحر) بأن يُستعبد شعبها، ويدفع
هذه المبالغ الباهظة كل عام من جيبه الخاص، ليست معونات إنسانية لشعب فقير،
ولكنها إتاوات جبرية لمستكبر حقير يريد أن يجتاح بالسلاح حقائق التاريخ
والجغرافيا في أراضٍ مغتصبة.
لم تكتف الولايات المتحدة بالتبرع بتسليح دولة اليهود منذ قامت وإلى الآن
بكل أنواع الأسلحة الحديثة، ولكنها أيضاً تعوضها عما تخسره أولاً بأول؛ وذلك ما
حدث في حرب عام 1973م عندما أقامت جسراً جوياً إلى (إسرائيل) نُقل خلاله 22
ألف طن من العتاد العسكري لتعويضها عما خسرته من الأيام الأولى من تلك
الحرب.
وقد أقامت أمريكا مع (إسرائيل) علاقة خاصة لم تقمها مع غيرها من الدول،
وذلك منذ عهد الرئيس الأسبق (لندون جونسون) في الستينيات الميلادية التي شهدت
بداية الانحياز المطلق لليهود، بدءاً من حرب 1967م. وقفزت تلك العلاقة قفزة
أكبر في عهد الرئيس (رونالد ريجان) الذي وقَّع مع دولة اليهود في سنة 1981م ما
عرف بـ (اتفاقية التعاون الاستراتيجي) التي تحولت عام 1983م من اتفاقية
(تعاون) إلى اتفاقية (دفاع) استراتيجي، وهي التي تم بموجبها التعهد بشراء ما
قيمته 200 مليون دولار سنوياً من السلاح الإسرائيلي، وقد تحولت اتفاقية (الدفاع)
في عهد كلينتون إلى اتفاقية (تحالف) استراتيجي عسكري وأمني جعلت (الصهيوني
الأخير) [5] يقول بعدها: (سوف نساعد الإسرائيليين في صياغة المعاهدات الأمنية
المشتركة التي ستضع أمن (إسرائيل) مع أمن الولايات المتحدة سواءاً بسواء. وقد
كان كلينتون أول رئيس أمريكي يحضر بنفسه اجتماعاً وزارياً في وزارة الدفاع
الإسرائيلية، وذلك في عهد بيريز.
أما في مجال التعاون النووي: فمن الحقائق المعروفة أن الفرنسيين هم أول
من ساعد اليهود على امتتلاك أول مفاعل نووي بتصنيع فرنسي، ولكن ما يخفى
على كثير من الناس أن أمريكا هي التي وفرت لهذا المفاعل مادة نشاطه وبرامج
نظامه وخبرات تشغيله وتقنياته، فإذا كانت فرنسا قد صنعت لهم (المخبز) فإن
أمريكا زودتهم بالطحين والوقود ... والخبازين أيضاً، وكان أول من كشف هذه
التفاصيل الصحفي الأمريكي (ستيفن جرين) في كتابه: (علاقات أمريكا السرية مع
إسرائيل) حيث كشف الحقائق المتعلقة بتسريب الأسرار النووية (لإسرائيل)
وتزويدها باليورانيوم المخصب والمعلومات التقنية، وكشف أيضاً عن تغاضي
الأمريكان الرسمي في عهد (جونسون) عن سرقة الإسرائيليين لكميات من
اليورانيوم عالي التخصيب من شركة المعدات والمواد النووية الأمريكية ما بين
سنوات 1962م، 1965م.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت رقابة على مفاعل (ديمونا) الإسرائيلي
لضبط النشاط النووي ل (إسرائيل) والحد من جموحه، إلا أن هذه الرقابة أُوقفت
منذ عام 1969م.
ومع أن دولة اليهود من الدول القليلة جداً التي لم توقع على معاهدة الحد من
انتشار الأسلحة النووية، إلا أن مجلتس الأمن القومي الأمريكي في عهد نيكسون
أوصى بعدم ممارسة الضغوط عليها لكي توقع على هذه المعاهدة!
وقد أظهرت اعترافات الفني النووي الإسرائيلي (مردخاي فعنونو) إضافة إلى
العديد من الأبحاث والكتب الصادرة بعد تلك الاعترافات أن (إسرائيل) تمتلك ما بين
200 إلى 300 قنبلة نووية، وهذا بلا شك لم يكن ليتم دون علم الأمريكان وتأييدهم، وهو ما يدل صراحة على أن يهود (أمريكا) يقولون بلسان الحال ليهود (إسرائيل) : عليكم بالعرب، وعلينا بالغرب!
وقد صدر في عام 1990م كتاب يتحدث عن فضيحة تستُّر أمريكا على
الأنشطة النووية الإسرائيلية بعنوان: (المحاكمة والخطأ) وصدر بعده كتاب:
(الخيار شمشون) من تأليف (سيمور هيرش) ليكشف الدور الأمريكي في التواطؤ مع
(إسرائيل) في المجال النووي خلال العهود المتوالية للرؤساء الأمريكيين، وكشف
بالإضافة إلى ذلك دور الإدارات الأمريكية المختلفة في منع أو عرقلة أي مشروع
عربي لتملك السلاح النووي، بل ومساعدة الأمريكان لـ (إسرائيل) في ضرب
المفاعل النووي العراقي عام 1981م، عن طريق تزويدها بصور سرية التقطتها
الأقمار الصناعية الأمريكية. وقد أرغم الأمريكيون بضغوطهم الثقيلة على الأمم
المتحدة الدول العربية على التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية،
بعدما حاولت مصر قيادة اتجاه للامتناع عن التوقيع ما لم توقع عليها (إسرائيل) .
من الناحية الاقتصادية: لم يعد سراً أن اليهود الأمريكيين يمسكون بكثير من
مفاتيح خزائن الاقتصاد الأمريكي، ويكادون يصبغون هذا الاقتصاد بصبغة الجشع
اليهودي المالي الاحتكاري.
ويلاحظ خبراء في الاقتصاد أن هناك تحولاً حدث في السنوات الأخيرة في
الرأسمالية الأمريكية؛ حيث انتقلت من التركيز على الصناعة والإنتاج إلى
رأسمالية المضاربات التي يحسن اليهود فنون اللعب والنصب بها في (وول
استريت) حيث يتاجرون بالنقد، ويكسبون منه الملايين على حساب عامة الناس.
واليهود الأمريكان، بما يملكون من ثروات وبنوك؛ يغترفون ثم يغدقون على
إخوانهم الإسرائيليين، بما يجعل من الدولة اليهودية مثالاً شاذاً في الدول [6] ؛ فهي
دولة مهجر للمال والرجال؛ فكما أن شعبها غاصب وافد فاقتصادها مغتصب وافد.
إن دولة اليهود تُصنَّف على أنها دولة صناعية، ومع ذلك فإن نسبة الإعانات
للمشروعات الصناعية تصل أحياناً إلى 40% من قيمة الناتج الصناعي، ولذلك فإن
المستوى المعيشي مرتفع جداً بالنسبة إلى ناتج الادخار القومي الذي تسد المعوناتُ
الفجوةَ بينه وبين الاستثمار [7] .
إن مصادر هذه المعونات الاقتصادية لا يمكن حصرها، أو بالأحرى لا يمكن
كشف تفاصيلها على حقيقتها خاصة وأنها تتعلق بسر تضخم الكيان اليهودي، وعلوه
في هذا العصر، وإذا ضربنتا صفحاً عن المعونات الألمانية والإنجليزية والفرنسية
التي ضخت الدم في عروق (إسرائيل) إبَّان نشأتها فإننا لا نستطيع تجاوز التبني
الكامل من الولايات المتحدة لها في مرحلة عنفوانها وفتوتها؛ فأمريكا التي منحت
دولة اليهود بعد أسابيع من إعلانها قرضاً قيمته 100 مليون دولار [8] ، هي التي
حولت القروض في السنوات التي تلت ذلك إلى مساعدات، ثم حولت المساعدات
بدءاً من الثمانينيات إلى منح لا ترد تصل إلى ثلاثة مليارات من الدولارات سنوياً،
وقد أوصلت بعض التقديرات هذه المنح إلى ما بين خمسة ونصف إلى ستة ونصف
من المليارات سنوياً، وتقدر المساعدات التي وصلت إلى (إسرائيل) منذ قيامها بنحو
600 مليار دولار. {جريدة الحياة: 12-12-1999م} .
أما ضمانات القروض التي تطلبها (إسرائيل) فإن الحكومة الأمريكية في حال
الموافقة عليها تُلزم نفسها بسدادها نيابة عن (إسرائيل) ، ولهذا فلا عجب أن نرى
(شامير) يطالب الرئيس (بوش) في أعقاب حرب الخليتج في انتهازية ظاهرة
بضمانات قروض قيمتها عشرة مليارات من الدولارات! وقد حاول بوش أن يظهر
تصلباً واستقلالاً في القرار فرفض هذا المطلب، أو طلب تأجيله، فكان مصيره أن
خرج من أقرب بوابات البيت الأبيض.
والذي أريد قوله هنا: إن أموال اليهود التي تحولها المنظمات اليهودية
الأمريكية [9] ليست هي وحدها التي تخدم مصالح اليهود في (إسرائيل) ؛ ولكن
اقتصاد الدولة الأمريكية نفسه يسخَّر لخدمة هذه المصالح ويوضع رهن إشاراتها.
إنه (حبل) من ذهب يمد شعب السُحت والبُهت بأسباب البقاء.
من الناحية الإعلامية والثقافية: الإعلام الأمريكي يكاد يسيطر على الإعلام
الدولي، واليهود يسيطرون على الإعلام الأمريكي، فبأي حال تجري صناعة
الرأي الأعمى العالمي؟ !
وإذا كان الإعلام الإلكتروني قد زحزح الإعلام المقروء عن مكان الصدارة فإن
الاهتمام قد توجه إلى الشبكات التلفزيونية التي تقرن الصورة بالصوت، والحدث
باللحظة، وتربط اللحظة بالرأي والتحليل، وتربط ذلك كله بالقناعات المملاة
والآراء الموجَّهة.
إن هناك خمس شبكات تلفزيونية كبرى في الولايات المتحدة تبث ما نسبته
95% من مجموع الأخبار المحلية والدولية، وهذه الشبكات الخمس مملوكة ليهود،
أو خاضعة لإداريين يهود، فشبكة (صلى الله عليه وسلمرضي الله عنهS) يملكها (مايكل ايزنار) وهو يهودي،
وشبكة (Nرضي الله عنهC) يرأس قطاع الأخبار فيها (أندورلاك) وهو يهودي، وشبكة
(Cرضي الله عنهS) يرأسها (إيرواير) وهو يهودي، وشبكة (فوكس) وهي أحدث الشبكات
الكبرى في أمريكا يملكها الإعلامي اليهودي العالمي (ميردوخ) .
وغير خافٍ أن بضاعة السينما في هوليود من صناعة اليهود، وتظهر بعض
الإحصاءات أن نسبة الكتاب والمنتجين والمخرجين السينمائيين اليهود تعدت
الخمسين بالمائة من مجموع العاملين في هذا المجال، هذا فضلاً عن (نجوم) الفن
والتمثيل والغناء والثراء والبغاء الذين يملؤون أثير الفضاء بظلمات بعضها فوق
بعض، والعجب يزيد عندما نعلم أن ثمانية من ضمن عشر دور سينما كبرى في
الولايات المتحدة يديرها يهود، وأن أكبر خمس شركات إنتاج سينمائي هناك يقوم
على إدارتها يهود. ومن المعلوم أن ما يسمى بـ (صناعة السينما) هو في الحقيقة
تصنيع للأذواق والآراء والتقاليد بمواصفات يهودية، همها السعي لإفساد إنسانية
الإنسان حتى يصير حيواناً ذلولاً خاضعاً للراكبين.
أما في مجال الإعلام المقروء فيكفي أن نعلم أن هناك أكثر من 1500 صحيفة
يومية تطبع أكثر من 55 مليون نسخة يومياً، ومن ضمن هذا العدد يستقل اليهود
بملكية أو إدارة 1100 منها، أما المؤسسات الصحفية الكبرى ذات الصبغة العالمية
فإن الثلاثة الكبرى منها يملكها يهود، وهي صحيفة (نيويورك تايمز) التي يتولى
رئاستها (آرثر أوكس) اليهودي، ويشغل منصب المدير العام (فاكس فرانك) وهو
يهودي، أما مدير التحرير، فهو (جوزيف ليفليد) اليهودي، وصحيفة (الواشنطن
بوست) وهي الجريدة السياسية الأولى في أمريكا تملك (كاترين مائير) اليهودية أكبر
حصة فيها، ويشغل ابنها (دونالد مائير) منصب الرئيس العام لها، أما الصحيفة
الثالثة فهي (دول ستريت جورنال) وهي صحيفة المال والأعمال فتملكها شركة
(داجونز) التي يرأسها (بيتركان) اليهودي، وبالنظر إلى المجلات الأمريكية الكبرى
فإن أوسعها شهرة مجلة (تايم) و (نيوزويك) و (يو إس نيوز) ولليهود صلة قوية
بخيوط ملكيتها وإدارتها جميعاً، علماً بأنها كلها توزع دورياً (8.7) مليون نسخة.
وأخيراً:
نذكِّر بأن يهود الولايات المتحدة الأمريكية يمثلون ما يقرب من 44
% من يهود العالم، وهي نسبة أعلى من نسبة اليهود في (إسرائيل) الذين يمثلون
34% من مجموع يهود العالم، ومع هذا ينظر إلى يهود أمريكا على أنهم يهود
(سوبر) بالنسبة ليهود (إسرائيل) ، ولا عجب فمهمة اليهود الأمريكيين أوسع وأخطر
من مهمة اليهود الإسرائيليين؛ لأن ساحة الإسرائيليين هي عالم العرب، وساحة
الأمريكيين عالم الغرب، بل العالم أجمع. وهذا لا يمنع من تعاونهما معاً لإفساد
الأرض كلها، كما قال سبحانه: [ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب
المفسدين] [المائدة: 64] .
اللهم! إنهم قد عادوا للإفساد كما أخبرت، وعلوا علواً كبيراً كما ذكرت، فعد
عليهم بالعقوبة كما توعدت، وانصر المسلمين عليهم كما وعدت، وسلِّط عليهم
عباداً لك أولي بأس شديد يجوسون خلال الديار، ويمسحون عنا الذل والعار آمين.