مجله البيان (صفحة 2895)

تأملات دعوية

هل نستفيد من التجربة الإيرانية؟

عبد الله المسلم

كان من خاتمة أحداث القرن الهجري الماضي قيام الثورة الإيرانية ونجاحها

في إقامة دولة باسم الإسلام تسعى إلى تطبيقه، وكان لهذا الحدث صيته وأثره على

مستوى العالم أجمع.

ومما لا شك فيه أننا نختلف تماماً مع النموذج والتجربة الإيرانية، ونرى أن

الرافضة لا يمكن أن يمثلوا الإسلام أو يقيموا دولة تتحدث باسمه، وتاريخ الإسلام

مليء بالصفحات السوداء التي سطرها هؤلاء في العداء لأهل ألسنة والتعاون مع

أعداء الإسلام، ونرى أيضاً أن ما يتحدث عنه الرافضة في إطار تصدير الثورة أو

نشر الإسلام إنما هو مصطلح جديد لنشر عقيدة الرفض والطعن في عقيدة الإسلام.

لكن مع براءتنا منهم واقتناعنا بعدم إمكان الالتقاء معهم في منتصف الطريق؛

فما مدى استفادتنا من دراسة تجربتهم؟

لقد رسم هؤلاء برنامجاً ضخماً في الدعوة لنشر مذهبهم وطريقتهم،

واستطاعوا الوصول إلى ميادين جديدة ومناطق شتى فما السر وراء نجاحهم في ذلك؟

لقد واجهوا تحدياً جديداً في صياغة المناهج التربوية والتعليمية؟ فهل بقي

هؤلاء على الإرث العلماني السابق؟ أم استطاعوا رسم خطوات علمية لمنهج

تربوي تعليمي جديد؟ وما الصعوبات والعقبات التي واجهتهم في ذلك؟ وكيف

تعاملوا معها؟

وكيف صاغوا مؤسسات وبرامج إعلام ما بعد الثورة؟ وكيف سدوا الفراغ

الهائل بعد النظام البائد؟ ومؤسسات الدولة كيف بنيت؟ وكيف تمت أسلمتها

وتحويلها إلى مؤسسات تدعم الفكر والتوجه الرافضي؟ ولماذا نرى سفراء تلك

الدولة ومؤسساتها الإعلامية - ظاهرياً على الأقل - واجهة تمثل المذهب،

ونساءهم يتميزن عن بقية المسلمات الدبلوماسيات بالعناية بالحجاب والالتزام به؟

وكيف استطاع هؤلاء بناء المجتمع الحديث على أسس جديدة وقد ورثوا

مجتمعاً مليئاً بالتفسخ والانحلال والبعد عن أخلاق الإسلام وشرائعه؟

وكيف استطاع هؤلاء صياغة خطاب يقوم على أساس ديني ليخاطب المرأة

المعاصرة والشاب والفتاة في وسط الزخم الإعلامي المادي؟

وكيف تعاملوا مع النظام الاقتصادي القائم في مؤسسات الدولة، وقطاعات

المجتمع الاقتصادية الخاصة؟ وهل نجحوا في تخليصها من الربا والفساد

والمعاملات المحرمة في مذهبهم علي الأقل؟

وهل نجح هؤلاء في الحد من المظاهر المخالفة للشرع بإيجاد نظام للحسبة أم

لا؟

والأمر باختصار: أن هؤلاء ورثوا تركة المجتمع العلماني الفاسد ومؤسساته

وصبغوه بالصبغة الدينية، فهل لذلك رصيد؟ أم أنه مجرد طلاء خارجي؟ وما

الصعوبات والعقبات التي واجهتهم وما مظاهر الاخفاق لديهم؟

إننا نفتقر لمعلومات كثيرة عن هذه التجربة، ودراستها - أياً كان موقعها من

النجاح والإخفاق - أمر كفيل بأن يختصر لنا خطوات كثيرة. ولن ننجح في

الاستفادة من هذه التجربة إلا إذا استطعنا إلغاء الربط بين دراسة تجربتهم والاستفادة

من درسهم وبين الرفض لبدعتهم وإنكارها والبراءة منها.

لقد أمرنا القرآن الكريم بأن نأخذ الدرس من سَيِر الآخرين ونعتبر بما هم عليه

وما يبذلون من جهد [ولا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ القَوْمِ إن تَكُونُوا تَاًلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَاًلَمُونَ كَمَا

تَاًلَمُونَ] [النساء: 104] .

وقال معاذ -رضى الله عنه-: (خذ الحق أنَّى جاءك؛ فإن على الحق نوراً) . رواه الحاكم في المستدرك 513/4.

وقال شيخ الإسلام: (.. فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني - فضلاً

عن الرافضي - قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من

الباطل دون ما فيه من الحق) . (منهاج السنة 342/2) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015