دراسات إعلامية
الاتصال ودوره في النمو الثقافي
(2/2)
أحمد حسن محمد
تناول الكاتب في الحلقة الماضية أهمية (الاتصال) في حياة الإنسان، ثم
تطرق لتاريخ الأقمار الصناعية وأهميتها الاتصالية، ودورها في الاتصال الدولي،
والصعوبات التي تواجهها، ثم تطرق لوسائل الاتصال الإلكترونية وإيجابياتها..
وفي هذه الحلقة يستكمل الكاتب جوانب أخرى من الموضوع.
الاتصال والمستقبل:
على الرغم من التطور الكبير في وسائل الاتصال الذي أعطى مضامين
ووظائف جديدة لعملية الاتصال مما نتج عنه آثار ملموسة في المجتمع البشري
وقضايا التنمية بكل فروعها وتخصصاتها؛ فإن الواقع الملموس يدل على مستقبل
متجدد تنمو فيه عملية الاتصال بصورة أسرع وبطرق أكثر فاعلية؛ وستتعدى
عملية الاتصال الدور الفردي في الإرسال أي المرسل الفرد لتصبح وسائل جديدة
للتفاكر والمشاركة والأخذ والعطاء، أي تتحول وسائل الاتصال إلى مجالات حية
يتعايش فيها الأفراد والجماعات حول عمل مشترك، أو مشروع جامع؛ ومؤشر
ذلك في هذا الاختراع الحديث (إنترنيت) الذي يتيح اتصالاً مزدوجاً لا بين فرد وفرد
فقط بل بين فرد وجماعات، وبين جماعات وجماعات، أي يصبح جامعة أو منتدياً
يلتقي فيه الناس يسمعون ويشاهد بعضهم بعضاً.. كإجراء عملية جراحية يمكن أن
تكون محاضرة لطلاب الطب في أكثر من بلد وأكثر من قطر يشاهدون ويسألون
ويجدون الإجابة، بل ويتعاملون مع المعلومة الجاهزة في الوقت الذي يريدون.
ومما لا شك فيه أن انتشاراً أفضل لثقافات وحضارات ستحقق من خلال هذه
الوسائل بل ومعالم جديدة لمجتمعات إنسانية ستظهر نتيجة هذا النوع من الاتصال.
وحتى تتوفر للباحثين الآثار المترتبة على هذا الاختراع الجديد نرى الاكتفاء
بالإشارة إليه في هذه العجالة استكمالاً للموضوع.
فاعلية الاتصال والنمو الثقافي:
ولم تعد هذه الوسائل الاتصالية قاصرة على نقل الحدث أو المعلومات، ولا
حتى القيام بتفسيرها فحسب، ولكنها تقوم بصنع الحدث نفسه وصياغة القرار الذي
يتعلق بالحدث المعني بما يحمله من قيم وأفكار ومبادئ لها قدرة على الثقافة بمعناها
العام (القيم والمواهب والاتجاهات وأنماط السلوك) .
إن ما توفر للإنسان اليوم من تقنيات حديثة أسهم بصورة فاعلة في ترسيخ
القيم أو زلزلتها مما ساعد في بناء الإنسان أو هدمه. صحيح أن هذه التقنيات أدت
دوراً بارزاً في تقرير التفاهم والتقارب بين الشعوب، ولكنها أيضاً أسهمت في
تشويه كثير من الحقائق حول الآخرين بالتعتيم المتعمد على قضاياهم، وتزييف
الواقع وفق الأهداف والأطماع التي يملكها صاحب الرسالة ... [1] .
لقد أثر الاتصال في احتكار العملية التعليمية والثقافية، بل أصبح وسيلة هامة
في نشرها بعد استخدام التقنيات الحديثة التي أتاحت الكثير من فرص الحصول على
الأخبار ورؤية البرامج الإعلامية المختلفة، ومعايشة الأحداث المحلية، والعالمية
والاطلاع على المتغيرات الثقافية والسياسية والاقتصادية وآثارها على المجتمعات
المختلفة التي كانت محكومة بقوة وسائل اتصالية تقليدية، حتى كانت القنوات
الفضائية وتقنيات النقل وأساليب النشر مما جعل المجتمع البشري معرضاً للمشاهدة
والاستماع، بل والتحرك إلى مكان الحدث محلياً وعالمياً بصورة سريعة لم تكن
ميسرة من قبل [2] . وهنا قد يقال بأن مثل هذا الجمهور هو من الصفوة القادرة
على امتلاك التقنيات الحديثة أو استخدام وسائل النقل السريعة؛ غير أنه يمكن
القول أيضاً بأن أمثال هؤلاء أنفسهم يعتبرون وسائل اتصالية بما يحملونه إلى
مجتمعاتهم من مؤثرات ثقافية وحضارية، ومثال على ذلك طلاب البعثات الخارجية
إذ لا يعودون من دراساتهم وبعثاتهم بالتخصصات العلمية وحدها بل يعودون بعادات
وتقاليد جديدة قد يجد الكثير منها قبولاً في مجتمعاتهم الأم.
الثقافة والمجتمع:
تعتبر الثقافة هي الصورة الحية للأمة التي تحدد ملامح شخصيتها وتعمل على
ضبط اتجاهات سيرها بل وترسم أهدافها.. وتصدر معالم الثقافة عن ما يسود الأمة
من عقائد ومبادئ ونظم؛ بجانب سيرتها التاريخية ورصيدها المعرفي. وتظل
الثقافة القائمة على هذه الأسس مسايرة للأمة في سيرتها مع حركة الحياة.
وتعتبر القيم السائدة في المجتمع هي محور الثقافة التي تميز هذا المجتمع أو
ذاك، ويوم أن تتمزق هذه القيم أو تضيع في متاهات التغيير والاستلاب الثقافي؛
فإن المجتمع آنذاك يعاني مأساة حقيقية لشعوره بالتمزق وفقدان الهوية، ومن ثم
استسلامه لتيارات غريبة عن أصالته مما يؤدي إلى شعور بالسلبية والضياع وتشتت
الانتماء.
إن تأكيد الأصالة وتحصين الهوية الثقافية والمحافظة على الذاتية الثقافية
للمجتمع المسلم تعتبر أمراً ضرورياً ومتطلباً أساسياً من قادة الفكر والإعلام والتعليم
في الدول النامية على وجه الخصوص، أو على الأقل بالنسبة للدول التي تمتلك
قيماً ومثلاً خاصة قائمة على مفاهيم عقدية راسخة؛ إذ يتطلب المحافظة عليها
وتأكيد فاعليتها في عملية التكوين الذاتي لتحول دون الاجتياح الإعلامي الثقافي الذي
يهدد بقاء هذا المجتمع [3] .
وهنا يعرض لنا تساؤل أساسي: هل للاتصال وحده القدرة المطلوبة على
التأثير؟
صحيح أن لوسائل الاتصال تأثيراً ملموساً على ثقافة الأمم والشعوب، غير
أن هذا التأثير قد يقل إلى درجة كبيرة إذا ما ووجه بعوامل أساسية تحد من قدرته
ونجاحه في تحقيق المضامين التي سعى إليها من خلال عملية الاتصال، ومن هذه
العوامل ما نراه ممثلاً بصورة واضحة في مجتمعاتنا الإسلامية نموذجاً للمجتمعات
التي قد لا يسهل على وسائل الاتصال وحدها أن تحدث فيها التغيير الكلي الشامل
ونذكر منها:
أولاً: قادة الرأي والتوجيه في المجتمع لهم أثرهم في العملية الاتصالية نجاحاً
أو إخفاقاً؛ ولا سيما إذا كانوا ممن يتمتعون برصيد أدبي أو مكانة فكرية وعقدية.
ولقد ظلت أوروبا نفسها حبيسة الفكر الكنسي قروناً طويلة ترفض أي جديد مهما
كان مقنعاً، وترد علم العلماء؛ لأن رجال الكنيسة لم يقبلوه. وفي المجتمع القروي
مثلاً في كثير من البلاد العربية والإسلامية ما زالت سلطة القبيلة والأب أو الجد
الأكبر تتحكم في كثير من الأمور الاجتماعية للأبناء سواء من حيث الزواج أو
الطلاق، أو حتى اختيار صيغة التعليم والعمل ... وتزداد أهمية قادة الرأي إيجابياً
إذا ما كانوا على بينة واضحة، ويملكون وسائل الإقناع المبرهنة بالعقل والعلم
والحجة وفق أسس وأفكار متفق عليها في المجتمع مع اشتهارهم بالالتزام والصلاح
والقبول؛ وهذا ما يجب أن يكون عليه علماء الإسلام بما يعطيهم قدرة القيادة
الناصحة ضد تيارات الإفساد والتبديل السلبي لما عليه المسلمون الصالحون.
ثانياً: قدرة وسائل الاتصال في المجتمع المستهدف حيث إن هذه الوسائل إنما
تعمل في صراع؛ وكلما توفرت القدرة للوسيلة الاتصالية في التأثير أمكن لها إلغاء
تأثير غيرها على المجتمع.. ومما لا شك فيه أن الوسائل الاتصالية المحلية أقدر
على التعامل مع المجتمع الذي تنطلق منه؛ لقدرتها على استيعاب احتياجاته
ومتطلباته وفهم جذور الثقافة والفكر في هذا المجتمع الذي تنطلق منه؛ فإذا ما
توفرت لها عناصر القوة والتقنية الفاعلة والانتشار والتقبل من جمهور المستقبلين
أمكن لها احتلال الأولوية في عقولهم وأفكارهم؛ مما يصعب معه غزو وسائل
أخرى بأفكار مغايرة؛ ولعل هذا الأمر دعا كثيراً من الدول النامية إلى أن تتنبه إلى
وسائلها الاتصالية وفي مقدمتها وسائل الإعلام. ولتأخذ أولوية في برامج التنمية
المحلية بل وتسارع الكثير منها للاستقلال بأنظمة خاصة تعطيها فضل السبق في
البث، ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الدولي؛ وهذا ما يفسر
انتشار القنوات الدولية في كثير من الدول النامية رغم ما تعانيه بعضها من مشاكل
اقتصادية حادة!
ثالثاً: المستوى التعليمي والثقافي في المجتمع بما يتيح للأفراد قدرة الانتقاء
أمام هذا الكم الهائل من المعلومات والأفكار والثقافات التي تحملها وسائل الاتصال
على اختلاف أنواعها، سواء أكانت على مستوى التخاطب المباشر أو الانتقال أو
الإرسال الإعلامي مما جعل الجمهور المستقبِل هدفاً للعديد من الاتجاهات التي
صنعتها خبرات وقدرات علمية متخصصة؛ حيث لم يعد الاتصال اليومي أمراً
تلقائياً ولا عشوائياً بل قضية تخدمها عقول وأجهزة وقدرات عالية الثقافة متقدمة في
مهاراتها وتخصصاتها؛ وعلى ذلك فإنه لا بد أن يقابلها جمهور على قدر من الفهم
والإدراك للتعامل مع هذه الرسائل، ويملك أداة التمييز والتحري عن كل رسالة:
ماذا يريد؟ ومن يريد؟ ولماذا؟ وبماذا يريد؟ وبذلك يستطيع تصنيفها وفق أسس
فكرية ثقافية، فيأخذ منها على بينة، ويترك ما يتركه على بينة، وصدق الله
العظيم: [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا
الأَلْبَابِ] [الزمر: 9] .
والعالم الإسلامي الذي يقع معظمه ضمن دائرة البلدان النامية، بل معظمها
ضمن البلدان الفقيرة؛ كان أكثر استهدافاً من غيره من قِبَلِ دول الغرب خاصة التي
تسوّدت عالم الاتصال تقنياً وعلمياً وإبداعياً ... وليس من العسير على من يتابع
الأحداث العالمية أن يلمس المواجهة الشرسة بين الغرب بكل اتجاهاته الثقافية
والسياسية للمجتمع الإسلامي في أي بقعة من هذا العالم المعاصر، ولعل هذه
المواجهة كانت نتيجة لما يظنه الغرب من خطر الإسلام على كياناته وأطماعه في
السيادة على دول العالم، ولما أصبح يسمى بالنظام الحديث أو الجديد الذي تنفرد به
إلى حد ما الولايات المتحدة الأمريكية بعد زوال منافستها الأساسية دولة الاتحاد
السوفييتي..
لقد أصبحت عملية الاتصال بالنسبة للعالم الإسلامي وفق الحسابات المشاهدة
تمثل جانباً سلبياً خطيراً لكيان هذه الأمة ونموها الثقافي من خلال المشاهد الآتية:
1- إغراق العالم الإسلامي بتدفق مركّز من المعلومات والأفكار الغربية،
وإخضاع مؤسسات التوجيه والتثقيف والإعلام للنموذج الغربي مما يشكّل استعماراً
من نوع جديد بدلاً من الاستعمار العسكري الذي عانته أمم المسلمين سنوات عديدة.. نتج عنه اختلال توازن في التبادل الإعلامي والثقافي كان الخاسر فيه هو عالم
المسلمين.
2- ضرب حصار شديد حول العالم الإسلامي بما يحول بينه وبين الانعتاق
من سيطرة التدفق الغازي؛ إذ تم إغلاق كثير من منافذ الاتصال سواء ما كان منها
اتصالاً حركياً كحصار الطيران، أو حصاراً اقتصادياً مثل سلاح المقاطعة المعلنة
وغير المعلنة، أو قيود السفر والتعسف في منح تأشيرات الدخول للبلدان الغربية،
أو ما كان حصاراً إعلامياً يظل فيه العالم الإسلامي عالة على ما يجود به الغرب من
معلومات أو ثقافات؛ في حين يتم التعتيم الشديد على كل حدث داخل العالم
الإسلامي، ولا ينشر إلا ما يمثل جانباً سلبياً في حياة هذه الشعوب المغلوبة.. بل
أعطى الغرب نفسه حق تفسير الأحداث من وجهة نظر بعيدة عن الحياد، وأصبغ
عليها مسميات لها دلالتها السلبية على كل نشاط إسلامي بما في ذلك مفهوم الشريعة
الإسلامية.
3- استجابة كثير من قيادات العالم الإسلامي لوسائل الضغط الغربي، وتأثر
بعضهم بمضامين الرسالة الصادرة عن بلاد الغرب ودول الاستعمار الحديث؛ مما
كان له أثره الواضح على ما يصدر من قيود على حرية المواطنين في هذه البلاد
الإسلامية بحجة ما يشيعه الغرب عن الإرهاب والأصولية والتطرف الذي لا يصدر
في نظرهم إلا عن مسلم؛ بينما لا يُذكر شيء عن إرهاب إسرائيل وقتلهم وتشريدهم
علناً جموع الشعب الفلسطيني، ولا عن عصابات المافيا أو جيش إيرلندا وما
يقومون به من قتل وسلب وتدمير، أو حتى عن مجازر الصرب لأبناء وبنات
وأطفال المسلمين في البوسنة.
الاتصال والتنمية الثقافية:
لقد اتجهت حركة النمو الثقافي في كثير من بلاد المسلمين نحو النموذج
الغربي نتيجة هذا الانفلات عن قيم وعناصر البناء الإسلامي للفكر والتعامل
الحضاري؛ مما أوجد صداماً حقيقياً بين ثقافة غربية تحملها وسائل اتصال متطورة
يحملها فكر قادر على التعامل مع ما يريده، فضلاً عن صدامه بالإسلام، وبين
أصالة إسلامية لم تجد من يدرك قيمها ومثلها العليا إما جهلاً أو حقداً عليها ...
ولما كان الإسلام بطبيعته لا يعمل في فراغ بل يعمل من خلال نفس إنسانية
تدرك معاني العبودية لربها، وتميز بين خيرها وشرها؛ وصدق الله العظيم:
[وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ
مَن دَسَّاهَا] [الشمس: 7 - 10] . لذلك فإن ابتعاد المسلمين عن هذه الفاعلية في
كثير من ممارساتهم الاجتماعية والثقافية أوجد هذا الخلل والاضطراب في المجتمع
الإسلامي؛ حيث ظهرت العنصريات وتعددت اللهجات، واختلفت الجماعات حول
الفروع دون الأصول، وظهرت مدارس فكرية أقرب إلى الصراع منها إلى الالتقاء
والتفاهم تغذي بعضها أحياناً مصادر معادية للدين الإسلامي؛ فانحرفت بذلك قدرة
الاتصال، وكادت أن تختفي لغة التفاهم مما أضعف معه مسيرة التنمية الثقافية
المرجوة؛ لضعف وسائل الاتصال البشري بل والتقني والحركي من مواصلات
وهاتف. وظلت المعلومات المثمرة حبيسة مصادرها يصعب الانتفاع بها داخل
المجتمع المسلم؛ فضلاً عن الانتفاع بها خارج المجتمع المسلم.. وفي أحسن
الحالات تظهر فاعلية إيجابية بين الصفوة من الناس؛ بينما عامة المجتمع انشغلوا
في تحصيل القوت اليومي ومصارعة مطالب الحياة وتأمين مستوى معيشي مقبول!
وحتى تستقيم مسيرة التنمية الثقافية في البلاد الإسلامية وفق قواعد الإيمان
وهدي هذا الدين؛ فإنه لا بد من انعتاق وسائل الاتصال وتحريرها من السيطرة
الغربية على المسلمين، وذلك وفق مسارين متوازيين:
المسار الأول: إعادة بناء الاتصال ووسائله في العالم الإسلامي بما يجعله
عاملاً فاعلاً في تنمية ثقافية ومعرفية واعية قائمة على هدي الكتاب والسنة
ومستجيباً لحاجة المجتمع المسلم الحقيقية؛ سواء في المجال الإعلامي أو الاجتماعي
أو الاقتصادي أو السياسي ليقود في النهاية إلى التوافق ووحدة التوجه لدول العالم
الإسلامي وشعوبه، ومن ثَمّ القيام بواجب دعوة كل شعوب العالم إلى هذا الدين وفق
النموذج الأمثل الذي تصل إليه مجتمعات المسلمين باعتبارها الناتج الأفضل للثقافة
الواعية الهادية.
أما المسار الثاني: فيتطلب التصدي لتدفق وسائل الاتصال الأجنبية بما يساعد
على تنقية مضامينها، فيؤخذ الصالح منها ويرد الضار؛ وفق مقاييس شرع الله
وتطلعات الصالحين في المجتمع.
والأمر يتطلب في كلا المسارين الأخذ بأحدث النظم الاتصالية ما أمكن، مع
استثمار العلاقات الإنسانية التي دعا إليها الإسلام لتكون أساساً للتعامل والتخطيط
والتأصيل لعمليات الاتصال في كل وسائلها وأجهزتها.
إن للاتصال بمعناه الواسع الشامل وظيفته الملموسة الظاهرة في التنمية
الثقافية، وصناعة الفكر، وتحديد اتجاهات الأفراد والجماعات إذا ما استطاع
تخطي حواجز الثقافات المحلية للمجتمع المستهدف؛ وقد استفاد الغرب من تقنيات
الاتصال الحديثة على حساب التخلف التقني الذي يعانيه عالم المسلمين؛ فكان تأثيره
واضحاً في تغريب الأمة وتهديد العديد من تراثها العقدي والفكري.. ولولا طبيعة
هذا الدين التي تميزه بالثبات والأصالة والرسوخ والشمول فضلاً عن حفظ الله لها.. لوصلت الأمة الإسلامية المعاصرة إلى مرحلة الفناء لا قدر الله.
ولكنه الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- محفوظ بحفظ الله، ثابت مصدره الثقافي والعلمي؛ وصدق الله العظيم: [إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] [الحجر: 9] .
ولم يعد أمام المجتمع المسلم في عالمنا الإسلامي المعاصر إلا العودة إلى هذا
الدين ومصادره الأساسية من الكتاب والسنة بما يقوده إلى نمو ثقافي يضمن خير
الدنيا وخير الآخرة.