مجله البيان (صفحة 2800)

الشباب المراهق فى الإسلام (1)

دراسات تربوية

الشباب المراهق في الإسلام

(1من2)

محمد حامد الناصر

المراهقة هي مرحلة الشباب المتدفق، مرحلة عنفوان شباب المستقبل، وهي

مرحلة التطورات السريعة، تطرأ على كيان المراهق كله جسمياً ونفسياً وجنسياً..

وما المراهقة إلا مرحلة من مراحل العمر المختلفة، لها خصائصها ومميزاتها

ومشكلاتها، شأن كل مرحلة كالطفولة أو الكهولة؛ ولذلك لا بد من التعامل مع هذه

المرحلة على أسس علمية مدروسة، بعيداً عن التخبط والارتجال؛ ذلك أن الشباب

أمل الأمة، ومعقد آمالها، هم وقود الحرب والجهاد، وعماد السلم والبناء إذا أحسنّا

إعدادهم منذ وقت مبكر من العمر. ولكن أيّ شباب نريد؟ !

نريد شباباً تقياً ورعاً مجاهداً، يعتز بهويته وانتمائه إلى دينه، وتراث أمته،

وأن يكون معتزاً بأبطال الإسلام، وأعلامه العظام على مر العصور.

نريد شباباً قدوته فتيان الرعيل الأول الذين نشروا هذا الدين، وكانوا نجوماً

مضيئة في دياجير الظلام.

نريدهم كما وصفهم الشاعر بقوله:

شبابٌ ذللوا سبل المعالي ... وما عرفوا سوى الإسلام دينا

إذا شهدوا الوغى كانوا كماة ... يدكون المعاقل والحصونا

وإن جن الظلام فلا تراهم ... من الإشفاق إلا ساجدينا

نريد لشبابنا أن يتجهوا صوب المعالي، وأن يسلكوا سبل الرشاد وأن يديروا

ظهورهم لهذا السيل الغازي من أفكار الحضارة الوافدة..

معنى المراهقة: فما المقصود بالمراهقة؟ وما أبرز خصائصها؟ وكيف

نتعامل مع الشباب المراهق؟

الحقيقة أن هنالك رأيين مختلفين، ونظريتين متباعدتين:

1- معنى شائع عند علماء الغرب تأثر به بعض كتاب العرب.

2- ومعنى علمي يقول به المشتغلون بعلم النفس من المسلمين ومن المعتدلين

الغربيين.

الرأي الأول: يقول به علماء غربيون يرى أن المراهقة فترة من القلق

والاضطراب، والصراع، يمتد من قُبَيْلِ البلوغ وحتى العشرين من العمر، ويرون

أنها فترة حتمية يمر بها كل إنسان، وأنها عاصفة تهز كيان المراهق كله.

وأول من قال بذلك: (ستانللي هول) إذ يرى أن المراهقة هي مرحلة

عواصف وتوتر وشدة، تكتنفها أزمات نفسية، وتسودها المعاناة والإحباط، والقلق

والمشكلات.

ويشبه بعضهم حياة المراهق بحلم طويل في ليل مظلم، تتخلله أضواء ساطعة

تخطف البصر أكثر مما تضيء الطريق، فيشعر المراهق بالضياع ثم يجد نفسه

عند النضج [1] .

إن هذا المفهوم للمراهقة، مأخوذ من دراسات غربية أجريت على مجتمعات

أوروبا وأمريكا، ثم عممت نتائجها على الآخرين، وكأن المجتمع الغربي عيّنة

صحيحة تمثل الإنسان السوي.

ويرى هؤلاء المربون، أنه لا بد من التغاضي عن هفوات المراهقين؛ ريثما

يجتازون هذه المرحلة؛ لأن المراهق عندهم مريض، ولا حرج على المريض.

وعلى ذلك فإن الشاب هنالك لا يحاسب قانونياً خلال هذه المرحلة، أي حتى

يبلغ سن العشرين، أو الثامنة عشرة على أبعد تقدير.

ويدحض هذا الرأي ما أثبته علم النفس لدى العلماء المسلمين، وحتى

المعتدلين من الغربيين أنفسهم.

بل يدحضه سن التكليف الشرعي عند المسلمين وهو سن البلوغ.

ويسفّه ذلك الرأيَ أيضاً ما قام به فتيان الدعوة الإسلامية من جهاد وبطولات

وتضحيات، فلم يحسوا بمعاناة وتوتر كما يزعم علماء الغرب.

وقد جاء في الحديث الشريف: (رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب

على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم) [2] .

وإن الفتى إذا استكمل خمس عشرة سنة يصبح مكلفاً، وإن لم يحتلم، فتجري

عليه الأحكام من وجوب العبادة وغيرها.

روى نافع عن ابن عمر قوله: (عرضني رسول الله لله يوم أحد في القتال

وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة

سنة فأجازني) [3] .

فهذا هو السن الذي يجعل صاحبه من المقاتلين، ويجري عليه حكم الرجال

في أحكام القتال وغيرها.

الرأي الثاني: وهو المعنى العلمي عند المشتغلين بعلم النفس من علماء

المسلمين، فيعني أن المراهقة، هي فترة تغيرات شاملة وسريعة، في نواحي

النفس والجسد، والعقل والروح لدى الشاب المراهق، وهي فترة نمو سريع في

هذه الجوانب كلها، حتى قيل: (إن المراهقة فترة انقلاب كامل) [4] .

إنها مجموعة من التغيرات التي تحدث في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي

والاجتماعي.. وفيها يحدث كثير من التغيرات التي تطرأ على وظائف الغدد

الجنسية، والعقلية، والجسمية.

إنها ولادة جديدة لشخصية المراهق، حيث تظهر وظائف جديدة، بطريقة

فجائية فتسيطر على سلوك الشاب.

فالمراهقة تعتبر مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرشد، وذلك يعني أن القلق

والاضطراب ليسا حتميين.

(والنمو الجنسي في المراهقة، قد لا يؤدي بالضرورة إلى أزمات، ولكن

النظم الاجتماعية الحديثة، هي المسؤولة عن أزمة المراهقة) كطول فترة التعليم،

وتأخير الزواج ... إلخ) [5] .

ولذلك فإن الأحكام الشرعية لا تعترف بفترة انتقالية بين الطفولة والرشد، كما

يسن في القوانين الوضعية التي لا تعتبر الإنسان رجلاً يطبق عليه القانون قبل

الثامنة عشرة من عمره.

ولا يجوز أبداً تسويغ الانحراف، والتغاضي عن إهمال التكاليف، وإنما تعني

أن فترة المراهقة مرحلة من العمر لها خصائصها التي تميزها جسمياً وجنسياً

وانفعالياً، شأنها شأن كل مرحلة من مراحل العمر [6] .

كيف نتعامل مع الشباب المراهق:

للمراهقة سماتها ومطالبها، وإذا لم تُلَبّ هذه المطالب، فقد يقع المراهق في

اضطرابات مؤلمة، أو يلجأ إلى وسائل غير سوية.

ولذلك فواجب المربي الحكيم أباً كان أو أماً أو مدرساً أن يتفهم حاجات

المراهق، ويوجهه نحو أفضل الوسائل لتلبية هذه الحاجات.

علينا أن نزوده بخبرات ملائمة، ليتخلص من التردد، ويبتعد عن المكابرة

والعناد، ويتعود على احترام رأي الآخرين.

ولعل أبرز مهمات المربي تتلخص فيما يأتي:

1- تربية انفعالات المراهق وترويضها.

2- مراعاة حاجاته الأساسية.

3- معالجة أبرز مشكلاته.

إن مهمة المربي تتمثل في تهذيب انفعالات المراهق، فلا تتركه في حيرة من

أمره، بل نشيع في نفسه الطمأنينة، وحب الآخرين وتجاوز مصلحة الذات،

نوجهه نحو حقيقة أن الناس في الإسلام يلتقون على العقيدة في الله، فلا تكون

ذواتهم بارزة، ولا متحفزة لاقتناص المصلحة من الآخرين، وإنما يكون الجانب

البارز هو الحب في الله، والمؤمن يتعامل تعاملاً سوياً مع الآخرين ويستطيع

التلاحم معهم في يسر [7] .

إن حب الذات من أقوى انفعالات هذه المرحلة، ولذلك تأتي أهمية التوجيه

المنظم من الأسرة والمدرسة، حتى يتمكن الشاب من حسن التكيف مع بيئته، وإذا

تهيأ المربي الصالح الذي يساعده على الفهم الصحيح لذاته بأسلوب تربوي لا يشعر

معه بالتدخل المباشر في شؤونه الخاصة، فإن ذلك سيساعده على تخطي هذه

المرحلة في أمان كما يجتنب مخاطرها النفسية كالقلق واليأس أو الحب المفرط

للذات، والغرور والكبر [8] .

كما أن على المربي أن يراعي حاجات المراهق الأساسية:

ومن أبرز هذه الحاجات.. الحاجة إلى الاستقلال، فهو يبحث عن فطامه عن

الإشراف الأسري، وأن يصبج موجهاً لذاته.

ومن ذلك حاجته إلى احترام الآخرين، وإشعاره بمكانته؛ فهو يريد أن يكون

هامّاً، وله موقعه وسط الجماعة. وقد ربى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

أصحابه على ذلك وتعامل مع صغار أصحابه بهذه الروح، كان يجتمع مع أصحابه

سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم وكان عمره آنذاك ست عشرة سنة، وجمع

الأسرى من بني قريظة في دار أسامة بن زيد، وكان أسامة آنذاك فتى صغيراً [9] .

ومن حاجات المراهق الأساسية أنه يهتم بالبحث عن الحق والدين، والمثل

العليا، فلا بد أن يراعي المربي في توجيهاته هذه الناحية، كما أن من حاجاته

الأساسية حاجته الجنسية، التي تظهر بقوة خلال هذه الفترة، وتحصين الشباب

بالدين ووازع التقوى من غض البصر والبعد عن المثيرات هو خير علاج؛ إذ

يسمو المراهق بغرائزه وانفعالاته ويضبطها بضوابط الشرع.

ينبغي على المدرسين والآباء، ألا يفرطوا في بسط حمايتهم على المراهقين

وألا يلجأوا إلى التعنيف على التافه من المخالفات، بل ينبغي أن يمدح التلميذ أمام

زملائه، وقد أظهرت الدراسات الميدانية أن المدح أفضل من الذم في دفع الطلاب

إلى التعلم [10] .

ومن أبرز الطرق النافعة لإشباع الحاجة النفسية لدى المراهق:

تشجيعه على أن يعبر عن حاجاته وألا يعمد إلى تخبئتها.

صرف الطاقة النفسية في وجهات اجتماعية مرغوبة: كأن يشجعه لجلسات

حفظ القرآن في المساجد، وخروجه مع مجموعات المراكز الصيفية المأمونة في

المدارس والجامعات، على أن يكون الموجهون فيها من ذوي الخلق والدين.

تدريب المراهق على قمع بعض الرغبات، دون تخويفه ولا العطف الزائد

عليه حتى لا يتحول العطف إلى تدليل.. وإشغاله بهوايات فنية يتقنها، على أن

تكون مباحة [11] .

نعلّمه أن الحياة ليست كلها مباهج ومسرات، وعليه أن يتعود الصبر

واحتمال المكاره، فيحس بقيمته ويرتقي بمركزه الاجتماعي.. ونربيه على تحمل

شظف العيش فلا نترفه في تلبية طلباته جميعاً، حسنها وسيئها، فينشأ وقد عرف

الجهد والعمل [12] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015