دراسات في الشريعة والعقيدة
وجوب التثبت في نقل السنة
بقلم: جلال راغون
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أما بعد: فمن البدهيات الشرعية أن السنة النبوية هي المصدر الثاني من
مصادر التشريع الإسلامي. ومن المقرر عند العلماء المحققين أنه لا يجوز
الاستدلال بالحديث في أي مجال من المجالات إلا إذا كان مقبولاً عند المحدثين.
والملاحظ في عصرنا هذا قلة العناية بهذا الجانب بحيث تجد الكثيرين ينقلون
الحديث، ويستدلون به دون معرفة بمرتبته. وبهذا فقد يساهمون في نشر الكذب
على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان الحديث موضوعاً؛ وهم لا يدرون
ذلك.
ونظراً لخطورة هذا المسلك أحببت أن أذكِّر بضرورة التثبت في نقل السنة
انطلاقاً من قوله: (من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . تخريج الحديث:
ورد هذا الحديث عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم حسب ما وقفت عليه: سمرة ابن جندب، والمغيرة بن شعبة، وعلي بن أبي طالب.
أما حديث سمرة بن جندب:
فقد رواه عنه التابعي الجليل عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عيسى الكوفي،
وهو ثقة وقد أخرج له الجماعة [1] .
ورواه عنه الحكم بن عتبة، أبو محمد الكوفي، وهو تابعي ثقة ثَبْتٌ؛ إلا أنه
ربما دلس. وقد أخرج له الجماعة [2] .
ورواه عنه أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج، أبو بسطام الواسطي
ثم البصري؛ وقد خرج له الجماعة أيضاً [3] .
وقد ورد عنه هذا الحديث من طرق، منها:
1- رواية وكيع بن الجراح، أبو سفيان الكوفي، وهو ثقة حافظ أخرج له
الجماعة [4] .
ورواية وكيع أخرجها أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف في كتاب الأدب: ما
ذكر من علامة النفاق [5] .
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أخرجه كل من مسلم في مقدمة صحيح [6] وابن ماجه في مقدمة السنن [7] .
وأبو بكر بن أبي شيبة إمام من أئمة الحديث أخرج له الجماعة ما عدا
الترمذي [8] فهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين، وعنعنة الحكم بن عتيبة لا
تضر؛ لأنه قليل التدليس [9] وروى عنه شعبة وهو أعلم الناس وأحفظهم لحديث
الحكم [10] .
2- رواية أبي داود الطيالسي صاحب المسند، فقد رواه عن شعبة في المسند [11] .
3- رواية محمد بن جعفر، أبو عبد الله البصري المعروف بِغُنْدَر [12] ثقة
مجمع عليه [13] وروايته أخرجها ابن ماجه [14] من طريق أبي بكر محمد بن بشار البصري المعروف ببُنْدار [15] وهو ثقة مجمع عليه [16] . ...
4- رواية الحسن بن موسى الأشيب: أبو علي البغدادي وهو ثقة مجمع عليه [17] . وروايته أخرجها ابن ماجه [18] من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن نمير الكوفي، ثقة مجمع عليه [19] . ... ...
فحديث سمرة بن جندب حديث صحيح أخرجه أبو داود الطيالسي في المسند،
وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، ومسلم في مقدمة صحيحه، وابن ماجه في
سننه. وأخرجه أيضاً الإمام أحمد في المسند [20] وابن حبان في صحيحه [21]
وابن عبد البر في مقدمة التمهيد [22] والطحاوي في مشكل الآثار [23] .
وأما حديث المغيرة بن شعبة:
فقد رواه عنه أبو نصر ميمون بن أبي شبيب الكوفي. وهو صدوق كثير
الإرسال. وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في مقدمة صحيحه،
وأصحاب السنن الأربعة [24] . ورواه عنه أبو يحيى حبيب بن أبي ثابت الكوفي.
تابعي أيضاً وهو ثقة كثير الإرسال والتدليس. أخرج له الجماعة [25] .
ورواه عنه كل من شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري أبو عبد الله الكوفي
أمير المؤمنين في الحديث مجمع عليه [26] .
وقد أخرج الإمام مسلم في مقدمة صحيحه [27] روايتهما معاً من طريق أبي
بكر بن أبي شيبة عن وكيع بن الجراح عنهما.
وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين ما عدا ميمون بن أبي شبيب
فإنه صدوق كما تقدم. ولم يصرح حبيب بن أبي ثابت بالسماع في رواية مسلم،
وورد التخريج بذلك في رواية أبي داود الطيالسي في المسند [28] .
وأخرج رواية سفيان فقط من طريق وكيع بن الجراح الإمام أبو بكر بن أبي
شيبة في مصنفه [29] .
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أخرجه ابن ماجه في سننه [30] .
وأخرج رواية سفيان فقط الإمام الترمذي في جامعه [31] من طريق بندار [32] ... عن عبد الرحمن ابن مهدي الإمام الحافظ المجمع عليه [33] ، عن سفيان
الثوري به.
فحديث المغيرة بن شعبة حديث حسن أخرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه،
والترمذي وابن ماجه في سننهما، وأبو داود الطيالسي في مسنده، وأبو بكر بن أبي
شيبة في المصنف، وكذا الإمام الطحاوي في مشكل الآثار [34] .
وأما حديث علي بن أبي طالب:
فقد رواه عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي رواه أيضاً عن سمرة كما تقدم.
ورواه عنه الحكم بن عتيبة الذي تقدم في حديث سمرة.
ورواه عنه كل من الأعمش ومحمد بن أبي ليلى.
أما الأعمش فهو الحافظ أبو محمد سليمان بن مهران الكوفي، وهو ثقة مدلس، وقد أخرج له الجماعة [35] . وروايته عن الحكم بن عتيبة ضعيفة كثيرة الأوهام
كما ذكر ذلك الإمام علي بن المديني [36] .
ورواية الأعمش أخرجها ابن ماجه في سننه [37] من طريق عثمان بن أبي
شيبة [38] أبو الحسن الكوفي وهو ثقة حافظ أخرج له الجماعة ما عدا الترمذي،
وهو صاحب المسند والتفسير وأخو الحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة [39] .
عن محمد بن فضيل [40] أبي عبد الرحمن الكوفي صاحب التصانيف وهو
مجمع عليه، عن الأعمش به.
ومن طريق عثمان بن أبي شيبة به، أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في
زوائد المسند.
وقد صحح هذا الإسناد كل من الشيخ أحمد شاكر [41] رحمه الله والشيخ
شعيب الأرناؤوط [42] حفظه الله وهذا تساهل منهما؛ فإن هذا الإسناد له ثلاث
علل:
الأولى: عنعنة الأعمش وهو مدلس.
الثانية: ضعف رواية الأعمش عن الحكم.
الثالثة: مخالفة الأعمش لشعبة. فالأعمش رواه عن الحكم عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب، فجعله من مسند علي. وخالفه شعبة فرواه
عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب، فجعله من مسند
سمرة. وشعبة كما ذكر العلماء أثبت في الحكم من الأعمش [43] وبذلك تقدم رواية
شعبة عن الأعمش. وقد ذكر الإمام الترمذي في جامعه [44] أن رواية شعبة أصح
عند المحدثين من رواية الأعمش.
وأما محمد بن أبي ليلى فهو أبو عبد الرحمن الكوفي الفقيه قاضي الكوفة،
وهو صدوق سيئ الحفظ جداً، وقد أخرج له الأربعة [45] .
وروايته عن الحكم بن عتيبة أخرجها ابن ماجه في سننه [46] من طريق أبي
بكر بن أبي شيبة عن علي بن هاشم، أبي الحسن الكوفي وهو صدوق يتشيع، وقد
أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم، والأربعة [47] عنه، به.
وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن أبي ليلى. ومتابعة محمد بن أبي ليلى
للأعمش قد ترفع روايتهما إلى مرتبة الحسن لغيره ولكنها شاذة لمخالفتها لرواية
شعبة وهي أصح.
وخلاصة القول: أن هذا الحديث ثبت عن سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة
ولم يثبت عن علي بن أبي طالب. وقد كان الإمام مسلم رحمه الله دقيقاً؛ حيث
أخرج في مقدمة صحيحه حديث سمرة والمغيرة ولم يخرج حديث علي. والله تعالى
أعلم.
فقه الحديث:
لكي نبين المقصود من هذا الحديث النبوي وما يستفاد منه، فلا بد من الإشارة
إلى ما يتعلق بأهم ألفاظه من حيث الرواية واللغة.
ففي معظم طرق هذا الحديث ورد بلفظ: (من حدث عني بحديث) . وفي
رواية أحمد عن سمرة، ورواية أبي داود الطيالسي عن سمرة وعن المغيرة (من
روى عني حديثاً) والمعنى واحد، والمقصود: من نسب حديثاً إلى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم- ونقله عنه بأي وجه من الأوجه.
وقوله: (يرى) يحتمل أن يكون بضم الياء، ويحتمل أن يكون بفتحها. ولم
أقف على ضبط هذه الكلمة من حيث الرواية حسب ما وقفت عليه من طرق هذا
الحديث. وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم [48] أنه
ضبطها بضم الياء وهو المشهور كما قال.
فإذا كانت بضم الياء فمعناها يَظُن. وفعل رأى إذا أريد به الظن فمضارعه
يكون ملازماً للمجهول. فلم يأت مضارع رأى بمعنى الظن إلا مجهولاً [49] أقول
مثلاً: أُرَى زيداً عالماً أي أظنه عالماً.
وإذا كانت بفتح الياء فمعناها علم. فالرؤية القلبية معناها العلم حقيقة وقد
تطلق على الظن مجازاً. وقد جمع الله بين المعنيين في قوله تعالى: [إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ
بَعِيداً (?) وَنَرَاهُ قَرِيباً] [المعارج: 6-7] أي يظنونه ونعلمه [50] .
وساذكر فيما بعد ما يستفاد من الحديث في كلتا الحالتين.
وقوله: (فهو أحد الكاذبين) يحتمل أن يكون بكسر الباء وفتح النون على
الجمع، ويحتمل أن يكون بفتح الباء وكسر النون على التثنية. والطرق التي وقفت
عليها لم يرد فيها تحديد ذلك رواية. وقد ذكر الإمام النووي [51] أنه ضبطه بكسر
الباء وفتح النون على الجمع، وقال بأن هذا هو المشهور. ونقل عن القاضي
عياض قوله: (الرواية فيه عندنا: الكاذبين، على الجمع) [52] .
وذكر النووي أيضاً [53] أن الإمام أبا نعيم الأصبهاني رواه في مستخرجه
على صحيح مسلم عن حديث سمرة بصيغة التثنية واحتج به على أن الراوي له
يشارك البادئ بهذا الكذب. ورواه أبو نعيم أيضاً من رواية المغيرة بالتثنية أو
الجمع على الشك [54] .
والمعنى متقارب ففي حالة التثنية فالمقصود أن الراوي يشارك الكاذب في
كذبه. وفي حالة الجمع فالمقصود أن الراوي أحد الكاذبين.
وفي رواية أبي داود الطيالسي عن سمرة وكذا المغيرة بن شعبة ورد الحديث
بلفظ (الكذابين) بصيغة المبالغة وهي أبلغ في الزجر.
بعد هذا البيان أذكر ما يستفاد من الحديث في ضوء ما تقدم ذكره.
فالكلمة المحورية في هذا الحديث هي قوله: (يرى) :
فإذا كانت بفتح الياء بمعنى يعلم فإن من ينسب حديثاً إلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وهو يعلم أنه كذب ولا يبين ذلك فهو أحد الكاذبين على رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-. وقد أجمع العلماء على أنه لا تحل رواية الحديث
الموضوع إلا مع بيان وضعه. قال الحافظ ابن حجر: (واتفقوا على تحريم رواية
الموضوع إلا مقروناً ببيانه لقوله: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد
الكاذبين) [55] والكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر؛
للحديث المتواتر: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) [56] وبالغ أبو
محمد الجويني والد إمام الحرمين فكفر متعمد الكذب على رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-[57] وتبعه على ذلك طائفة من العلماء منهم الإمام ناصر الدين بن
المنير من أئمة المالكية [58] .
أما إذا كانت بضم الراء بمعنى يظن، فأصل الظن الشك مع ميل إلى أحد
معتقديه [59] والظن شرعاً نوعان [60] : محمود: وهو الذي يستند إلى دليل.
وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن كالقياس وخبر الواحد.
ومذموم: وهو الذي لا يستند إلى دليل وإنما هو مجرد أوهام. وهذا المقصود
في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ]
[الحجرات: 12] واعتبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أكذب الحديث؛ فقد أخرج
الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب
الحديث) [61] قال القاضي عياض معلقاً على هذا الحديث: (وهذا الحديث حمله
المحققون على ظن مجرد عن الدليل ليس مبنياً على أصل ولا تحقيق نظر) [62] .
إذا علمنا هذا فإن من ينقل حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وينسبه إليه وهو يظن أنه كذب فإن كان هذا الظن يستند إلى دليل فيجب عليه أن
يبين ذلك، وإلا كان مساهماً في نشر الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما إذا كان هذا الظن لا يستند إلى دليل؛ ففي هذه الحالة لا يحل له أن ينسب
حديثاً إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يعلم مرتبته؛ إذ قد يكون
موضوعاً وهو لا يعلم. وقد ترجم ابن حبان لهذا الحديث بقوله: فصل ذكر إيجاب
دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى وهو غير عالم بصحته [63] . فتبين
لنا أن هذا الحديث النبوي الشريف يحذرنا من نسبة الحديث إلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- دون تثبت؛ إذ إن من يفعل ذلك فقد يكون من الكاذبين على رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يشعر.
فالواجب على المؤمن أن يتثبت في نقل السنة النبوية. ولنا في الصحابة
رضي الله عنهم الأسوة الحسنة. فهم أول من تثبّت في نقل السنة وقبولها. والأمثلة
على ذلك كثيرة [64] أقتصر على مثال واحد وهو الآتي:
أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من
مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم
يؤذن لي، فرجعت. فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت،
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له
فليرجع) . فقال: والله لتقيمن عليه بينة. أمنكم أحد سمعه من النبي -صلى الله
عليه وسلم-؟ فقال أُبَيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر
القوم، فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك. هذا
لفظ البخاري [65] . وورد هذا الحديث من رواية أبي موسى الأشعري أخرجها
مسلم وغيره؛ ومما جاء فيها قول عمر: (سبحان الله! إنما سمعت شيئاً فأحببت أن
أتثبت) [66] .
ومما جاء في رواية مالك في الموطأ من حديث أبي موسى قول عمر له: (أما
إني لم أتهمك؛ ولكني خشيت أن يتقوّل الناس على رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-) [67] فهذا مظهر من مظاهر تثبت الصحابة في قبول السنة. وعلى هذا
النهج سار التابعون وأتباعهم مما أسهم في ظهور علم يعتبر مفخرة للأمة الإسلامية
ألا وهو علم أصول الحديث الذي يهتم بالأساس بنقد متن وإسناد الحديث لمعرفة ما
ثبت منه مما لم يثبت. فهو بحق ميزان السنة النبوية.
ولكي نتثبت في نقل السنة يتعين علينا دراسة هذا العلم وإتقانه وتطبيقه. بل
ما أحوجنا إلى هذا العلم لنقد الأخبار بصفة عامة، وبذلك نجنب أنفسنا مزالق متعددة.
وخير ما أختتم به هذه الدراسة المتواضعة نص هام للحافظ ابن حجر له صلة
بموضوعنا؛ حيث قال رحمه الله [68] : (سبيل من أراد أن يحتج بحديث من
السنن أو بحديث من المسانيد واحد؛ إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا
الحسن خاصة. فهذا المحتج إن كان متأهلاً لمعرفة الصحيح من غيره فليس له أن
يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته. كما أنه
ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتى يحيط علماً بذلك. وإن كان غير متأهل
لدرك ذلك فسبيله أن ينظر في الحديث إن كان خرج في الصحيحين، أو صرح أحد
من الأئمة بصحته، فله أن يقلد في ذلك. وإن لم يجد أحداً صححه ولا حسنه فما له
أن يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل؛ فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر) . فالتزام هذا السبيل خطوة للتثبت في نقل السنة. وفقنا الله لتحقيق ذلك وللعمل
بسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. آمين والحمد لله رب العالمين.