الافتتاحية
بعد التطوير الجديد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى
آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فانطلاقاً من مسؤوليتنا في أداء رسالتا الدعوية والإعلامية ما زلنا نواصل هذا
الدور؛ فيما قد مناه ونقدمه من دراسات وأبحاث ومقالات نتوخى فيها الفائدة للجميع
وبهذا العدد تدخل به المجلة السنة الثالثة عشر، فنحمد الله ونشكره على ما يسره لنا
من عون وتوفيق ونسأله جل وعلا السداد في القول والعمل.
ومن تحصيل الحاصل تأكيد ما يعانيه العالم الإسلامي من حرب ضروس من
أعدائه الأصليين ممن كفروا به، ومن أعدائه في الداخل من المنتسبين له الذين هم
من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألستنا، لكنهم يعملون بكل وسائلهم الخسيسة وكيدهم
ومكرهم المتمثل في النقد الظالم والتحليل الكاذب والكاريكاتير المسف محاولين
إطفاء جذوة هذا الدين في نفوس أبنائه والمنتمين له، بقصد الهدم والتضليل بغزو
العقول وتغريب الأفكار ليتسنى لهم تحقيق أهدافهم الدنيئة ومقاصدهم المشبوهة
ليصلوا إلى تشكيك الناس بعامة والأجيال بصفة خاصة بعالمية الإسلام وكونه
المهيمن على الشرائع كلها، ولكن الله مخيب آمالهم ومبطل كيدهم و [إنَّ اللَّهَ لا
يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ] [يونس: 81] .
وعلى المنتسبين لهذا الدين والمؤمنين برسالته للناس كافة أن يكونوا على
مستوى التحدي لمقاومة تلك الاتجاهات الظالمة وكشف أولئك الذين يحاربون دين
الله بوسائلهم المعروفة التي يدّعون عن طريقها أنهم أصحاب فكر ودعاة تنوير، وقد
يتبن لنا أنهم مغرضون ومضللون ويكفي لكشف دعاواهم معرفة مواقفهم المتشنجة
من الإسلام باعتباره منهج حياة متكامل لا سيما ونحن اليوم نعيش عصر الإعلام
حتى يكاد أن يصبح العالم قرية كونية تقوم فيها كل الاتجاهات العقدية والفكرية ببث
رسائلها ومنطلقاتها بكل الوسائل المتاحة، بينما بعض الدعاة مشغول بعضهم ببعض
مشككون حتى في النوايا! فهل يصح أن يكون دعاة الإسلام على هذه الصورة؟
وكيف تصبح أمة الدعوة أقل الناس اهتماماً بالوسائل الإعلامية وأفقرهم معرفة
بأصولها الفنية حتى غُزِينا في عقر دورنا، وصرنا مستهلكين وغير مبدعين إلى حد
أن جُلّ وسائل إعلامنا في كثير من البلدان تنقل عن أعدائنا كثيراً مما يبثونه من
زبالات الأفكار؛ وهذا وبلا شك له آثاره الكبرى في جعل أجيالنا مقلدة ومستلبة
الفكر وممسوخة العقول؛ وفي هذا ما فيه من الإفساد والتدمير لكل المتلقين لذلك
الإعلام بكافة وسائله.
وهذا مما جعلنا لم نصل بعد في اهتماماتنا الإعلامية للمستوى المطلوب بما
يتفق ورسالة ديننا الحنيف في البلاغ والدعوة حتى إن جل الإعلاميين الإسلاميين
سواء في أقسام الإعلام بالجامعات أو العاملين في بعض الوسائل الإعلامية منظِّرون
أكثر من أن يكونوا فاعلين ومؤثرين في مجتمعاتهم، وقلّ أن نجد لهم عملاً إعلامياً
متميزاً؛ وهذا له أسباب سبق أن تناولناها أكثر من مرة.
فما أحرانا بأن نكون يداً واحدة على من سوانا وألا ينشغل بعضنا ببعض بالنقد
الجارح والتصنيف الظالم والاشتغال بتوافه الأمور ناسين أو متناسين رسالتنا
الكبرى في التوعية والتوجيه [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً
وَقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] (فصلت: 33) .
ونحن في مجلة (البيان) مع إسهامنا بجهد المقل في هذا المجال ونحن ولله
الحمد منذ العدد الأول الصادر في عام 1406هـ نؤكد وما زلنا ندعو إلى العمل
الإعلامي المتكامل في مجال تبليغ رسالة الإسلام داعين إلى معالم مهمة في الطريق
لأداء هذه الرسالة منطلقين من أسس ثابتة من أهمها:
1- عقيدتنا التي ندين لله بها هي عقيدة أهل الحديث المأخوذة من الوحيين.
2- الأخذ بفهم سلفنا الصالح وتربيتهم بإحسان: نذكِّر بمنهجهم، ونأخذ
بأصولهم بعيداً عن النزعات الحزبية والمنطلقات الطائفية والإقليمية.
3- البحث عن الوسائل الصحيحة التي تخدم عملنا وتصل منهجنا بأساليب
تعتمد العمق في التحليل والوضوح في الرؤية.
ونؤمن بأن (البيان) هي مجلة كل مسلم مهما كان لونه وجنسه وموقعه، ولا
ندعي أنها صوت المسلمين الوحيد، ولا نزدري الأصوات الأخرى في الساحة
الدعوية؛ مع البعد عن التورط في أيِّ حوارات عقيمة أو مهاترات رخيصة، وفي
الوقت نفسه لا نضيق بأي عمل إسلامي صادق أو جهد مشكور.
ولا شك أن العمل الإسلامي لكي يؤدي رسالته ويوثر التأثير الإيجابي
المطلوب في إصلاح الأفراد والمجتمعات يلزمه زيادة على المنطلقات آنفة الذكر أن
يواكب المستجدات في عالم الاتصال، وأن يأخذ بكل السبل المتاحة لأداء دوره
بشكل مقبول. ومن هذا المنطلق عملت (أسرة التحرير) في (البيان) باذلة كل ما في
مستطاعها للاستفادة من المختصين في المجال الإعلامي لإدخال التطوير الذي ترونه
على صفحات هذا العدد، والذي حرصنا فيه أن يكون متناسباً ونهج المجلة مع
الحرص على مسائل مهمة رأينا أهميتها لتواكب هذه الخطوة ومنها:
1- استكتاب الأقلام المشهود لها بالخيرية والسابقة في الدعوة؛ ومن نافلة
القول أن نذكِّر قراءنا الكرام بأن المجلة حينما تفسح صفحاتها لمقالة جيدة أو مفيدة
أو دراسة ما؛ فإن هذا لا يعني بالضرورة تزكية مطلقة لكاتبها في كل الأحوال؛
فإنه ليس من مهام هذه المجلة أن تتحسس عن جوانب شخصيات كُتّابها؛ ولكنها
تهتم في الأساس بسلامة ما ينشر على قرائها وعدم مخالفته للمنطلقات المعتبرة.
2- الالتزام بالوسطية والبعد عن الغلو لقوله تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطاً] [البقرة: 143] .
3- الأخذ بالدليل الشرعي فيما نقدمه بعيداً عن انتحال المبطلين وتأويل
الجاهلين.
إن صلتنا مع قرائنا ولا سيما العلماء منهم والدعاة والمفكرون والكتاب
المتعاونون هذه الصلة قائمة ومستمرة، وسبق أن وضعنا استبياناً بشأن ما يراه
القارئ الكريم من إيجابيات وسلبيات ومقترحات للنهوض بهذه المجلة وجاءت
الإجابات من كافة أنحاء العالم الذي تصله (البيان) ومما زاد في فرحتنا وأثلج
صدورنا أن رأينا توالي وجهات النظر من القراء والقارئات، وسرّنا موقف قطاع
كبير منهم يُؤْثِرُ البيان لتميزها في المنهج وتنوعها في الطرح ومتابعتها لأحوال
المسلمين؛ وكانت الاقتراحات كثيرة جداً، منها:
الاستمرار في التنوع الثقافي القائم، وأهمية الاستفادة من مشاركة العلماء
والدعاة والمفكرين المعروفين على الساحة الإسلامية بالكتابة من قبلهم وإجراء
الحوارات معهم.
أهمية تحسين الإخراج الفني للمجلة والاستفادة من الرؤى الفنية للمختصين
ليجتمع كمال الشكل مع المضمون معاً.
أهمية إعطاء الأسرة بعامة والمرأة بخاصة مجالاً ودوراً أكبر، واهتماماً أعمق
عن طريق استكتاب الأقلام المختصة من الجنسين.
الدعوة لإعادة (البيان الصغير) لدوره الإيجابي في تربية النشء.
أهمية وضع مسابقة بهدف التوعية أولاً، وربط القارئ بالمجلة في الوقت
نفسه ثانياً.
أهمية إطلاع القراء على ما ينشر خارج العالم الإسلامي من مقالات وأبحاث
مترجمة ليطلع القارئ على ما يتناوله الإعلام الأجنبي في مواقفه من الإسلام
والمسلمين وكشفها.
زيادة الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي وبخاصة الساخنة منها، وتسليط
الأضواء عليها بما يوضح حقائقها وخفاياها.
وهناك اقتراحات قد لا تتناسب واهتمام المجلة مثل الدعوة لوضع (كاريكاتير)
و (صفحة للتعارف) و (الجديد في الطب والعلوم) .. ونحن مع احتفائنا بآراء الإخوة
القراء قد وضعنا مرئياتهم نصب أعيننا، وأخذنا بما تيسر منها، ونعمل على
الاستفادة منها مستقبلاً؛ ونعتقد أن التواصل مع القارئ الكريم هدف كبير لكل
مطبوعة وبهذا التفاعل يكون الرقي والتطور نحو الأحسن والأفضل بإذن الله.
هذا هو العدد التطويري بين أيديكم بعد أن بذلنا فيه جهدنا، وما زلنا نواصل
الإلحاح على كثير من الكتاب والعلماء والدعاة للمشاركة بالرأي والكتابة والتوجيه؛
وأملنا كبير بتواصلهم إن شاء الله وسيرى القارئ الكريم في الأعداد القادمة المزيد
من الاستطلاعات والحوارات والندوات والمتابعات بما نعتقد أنه نقلة نوعية لقارئ
المجلة نحو مزيد من التوعية والتوجيه؛ ونحن على أمل بتواصل الجميع لما فيه
الخير والفائدة.