الوحدة والائتلاف..
ونبذ الفرقة والاختلاف
د. محمد محمد بدري
في الوقت الحاضر بدأت الصحوة الإسلامية في شتى أنحاء البلاد الإسلامية..
وفي طريق عودة الأمة إلى الله لابد من معالم تبين لها طريق عودتها لتصبح بحق
أمة مسلمة تستحق نصر الله ورضوانه ...
ونحن نعتقد أن منهج أهل السنة والجماعة هو المنهج الصحيح الذي يجب أن
تسير عليه الأمة، ومنهج أهل السنة والجماعة هو الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والالتزام بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله ... عليه وسلم -، وشعارهم الحرص على جماعة المسلمين ووحدة كلمتهم. ...
وإن من أعظم ما أصاب المسيرة الإسلامية الفرقة والتنازع والاختلاف؛
فساحة العمل الإسلامي تغص بجماعات كثيرة واحدة، دعواها واحدة وهي الإسلام
وإعادة مجد الإسلام وأمة الإسلام، ولكنها متنافرة فيما بينها، تتراشق الاتهام ... بل
يصل الأمر إلى الرمي بالمروق من الدين والاتهام بالضلال وهذا هو الخلاف
المذموم الناشئ عن الهوى والتعصب لرجل أو جماعة بدون تعرف على الحق وتبين
له.
والفرقة دائماً بلاء يفسد كل صالح من الأعمال ويقطع عنه أكثر نتائجه،
فكيف إذا تحولت الفرقة إلى تدابر؟ !
إننا جميعاً يجب أن نتعلم أن اختلافنا مع الآخرين لا يعني فقدانهم مقومات
العمل الإسلامي وخروجهم من دائرة المصلحة إلى دائرة المفسدة، كما أن هذا
الخلاف لا يجب أن يعمينا عن إيجابيات الآخرين.
بل يجب علينا الاستفادة من تجارب الآخرين وأن نتعلم كيف نمد معهم جسور
المودة والمحبة ونشاور منهم أهل العلم والخبرة فنكون وكأنما جمعنا علمهم إلى علمنا، وعقلهم إلى عقلنا.
ونحاول إيجاد صيغة للالتقاء والانسجام بين تجمعات أهل السنة والجماعة
العاملة في الساحة الإسلامية بحيث تمضي القافلة المسلمة في طريق واحد نحو
هدفها.
قد يقول البعض إن الاختلاف والتفرق أمر قدري كوني أخبر به النبي -صلى
الله عليه وسلم- في قوله: تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين
وسبعين فرقة، والنصارى على مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة "
وإذن فلا فائدة من العمل على الائتلاف والوحدة! .. ونحن هنا نشير إلى أمر مهم
يجب أن يفهمه المسلم وهو التمييز بين الأمر الشرعي والأمر القدري الكوني، أو
بين ما هو مطلوب منا وما هو واقع بنا فالمطلوب منا هو العمل على الائتلاف وما
هو واقع بنا هو أن الفرقة والاختلاف واقعان لا محالة، فإذا قمنا بما هو مطلوب
منا فسيؤدي ذلك - بإذن الله - إلى تكثير الفرقة الناجية التي قال عنها رسول الله -
صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم
من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» .
وكما قال ابن تيمية - رحمه الله -:
لا يقال: فإذا كان الكتاب والسنة دلا على وقوع ذلك فما فائدة النهى عنه؟ لأن الكتاب والسنة قد دلا على أنه لا يزال طائفة في هذه الأمة متمسكة بالحق
إلى قيام الساعة وأنها لا تجتمع على ضلالة، ففي النهي عن ذلك تكثير لهذه الطائفة
المنصورة، نسأل الله المجيب أن يجعلنا منها (اقتضاء الصراط المستقيم) . ...
ولابد أن نعلم أن هويتنا الحقيقية هي أننا عبيد مملوكون لله، بيده وحده تقلباتنا، وإليه وحده مصيرنا، وله حياتنا ومعادنا.
ونحن نظن أن حضور هذا البعد الإيماني هو الضمانة الحقيقية لشرعية
علاقتنا، والملاذ الأخير لتصفية خلافاتنا، ونزع أغلال قلوبنا. فلنحاول إذا اكتسبنا
معرفة وعلماً ألا نفتقد خلق هذه المعرفة، فلا يصح أن نمتلك الوسيلة ونضيع الهدف
والغاية.
فالعلم إنما يراد لتقع الأعمال في الواقع على وفقه، والعلم يقول لنا: عليكم
بالوحدة ونبذ الفرقة؛ قال - عز وجل -: [واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا
تَفَرَّقُوا] [آل عمران: 103] وذكّرنا - عز وجل - بالحال التي كنا عليها قبل
الإسلام، حين كان الناس قبائل متناحرة يعادي بعضها بعضاً؛ فجاء الإسلام
فأصبحوا إخوة أحبة: [واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً وكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا] [آل عمران:
103] ، ونهانا - عز وجل - أن نسلك مسلك الأمم من قبلنا وهو التنازع
والاختلاف: [ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وأُوْلَئِكَ
لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] [آل عمران: 105] ، وأخبر - سبحانه - أن التنازع والخلاف
يؤدي إلى الفشل وذهاب قوة الأمة: [ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ]
[الأنفال: 46] .
وحينما تريد الحركة الإسلامية أن تقف على قدميها فلابد أن تكون فصائلها
متحالفة مترابطة، والوحدة التي نريدها هي وحدة الطاقات؛ فالبعض يملك القوة
العددية والبعض يملك الكوادر والطرف الثالث يملك المال وآخر يملك طاقة أخرى
وهكذا يمكن أن تتكامل هذه الطاقات وتتعاون في سبيل هدفنا الواحد.
إننا لا نرمي من وراء دعوتنا إلى الوحدة بين فصائل الحركة أن يتنازل
رؤوس الفصائل الإسلامية في الحركة عن أفكارهم الشخصية مادامت معتقدات يشهد
لها الشرع بالقبول، ولا نطلب منهم أن يتخلوا عن مواقفهم، بل نطلب منهم أن
يتقدموا بمجهوداتهم ويساهموا بطاقاتهم في الحركة الإسلامية بحيث ينتظم عمل
الجميع إطار واحد متكامل الأجزاء للانطلاق إلى الهدف المنشود من عودة هذه الأمة
وإحيائها بالتوحيد وبعثها لتقود هذه البشرية من جديد.
نقول للجميع إننا نعمل من أجل دعوة واحدة ونسعى إلى هدف واحد، ونرتبط
بمصير واحد؛ فعلينا أن نعمل في اتجاه واحد وفق منهاج واضح، وأن نتعاون على
البر والتقوى ولا نتنازع فيما بيننا فنفشل ونضعف وتضيع الأهداف التي ننشدها،
وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى.