مجله البيان (صفحة 258)

مدى تدخل الدولة فى فرض الضرائب ...

قضايا فقهية

-1-

مدى تدخل الدولة

في فرض الضرائب وتوظيف الأموال

عثمان جمعة ضميرية

مع اتساع سلطات الدولة في العصر الحديث، وتغير بعض الظروف، وتجدد

الحوادث والوقائع، نجد من الواجب دراسة بعض المسائل التي تتصل بحياة الناس

وواقعهم لبيان حكم الإسلام فيها، ومن ذلك ما نجده من تدخل الدولة في ملكيات

الأفراد الخاصة بفرض ضرائب متنوعة وتوظيف الأموال على القادرين من أفراد

المجتمع. فما هو حكم الإسلام في ذلك؟ وما مدى مشروعيته؟ .. هذا ما سنعالجه

في هذا المقال معالجة موجزة مركزة تتفق مع طبيعة المجلة - بإذن الله تعالى.

تعريف الضريبة:

الضريبة عند علماء المالية هي: فريضة إلزامية، يلتزم الفرد بأدائها إلى

الدولة تبعا لمقدرته على الدفع، بغض النظر عن المنافع التي تعود عليه من وراء

الخدمات التي تؤديها السلطات العامة، وتستخدم حصيلتها في تغطية النفقات ... العامة [1] .

حماية الملكية:

والأصل العام والقاعدة المقررة في الشريعة الإسلامية: أن المسلم إذا ما التزم

بدفع الواجبات المالية التي تتعلق بملكية المال الذي بيده، فإنه لا يجوز بعد ذلك

التعرض لما في يده من أموال دون حق، إلا إذا اقتضت ذلك الضرورة والمصلحة

ضمن القواعد الشرعية المقررة؛ لذلك رأينا كثيراً من النصوص الشرعية تتوارد

منددة بالمكوس وأخذ الأموال دون حق، ومن ذلك ما جاء عن عقبة بن عامر -

رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يدخل

الجنة صاحب مكس) [2] ، وعن عبد الله بن عمرو قال: (إن صاحب المكس لا

يُسأل عن شيء، يؤخذ كما هو، فيُرمى به في نار جهنم) [3] .

* وكتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى عدي بن أرطأة أن: (ضع

الفدية، وضعْ عن الناس المائدة، وضع عن الناس المكس، وليس بالمكس، ولكنه

البخس الذي قال الله - تعالى -: [ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تَعْثَوْا فِي

الأَرْضِ مُفْسِدِينَ] [هود: 85] ، فمن جاءك بصدقة فاقبلها منه، ومن لم يأتكِ بها

فالله حسيبه) .

* وكتب أيضاً إلى عبد الله بن عوف القاري أن: (اركبْ إلى البيت الذي

برفح، الذي يقال له: بيت المكس، فاهدمْه، ثم احملْه إلى البور فانسفْه فيه ... نسفاً! [4] .

* ولهذا قال الإمام أبو يوسف القاضي - رحمه الله -: (ليس للإمام أن

يُخرج شيئاً من يد أحد إلا بحق ثابت معروف) [5] ، وقال: (وكل مَن أقطعه

الولاة المهديون أرضاً من أرض السواد وأرض العرب والجبال، من الأصناف التي

للإمام أن يقطع منها - فلا يحل لمَن يأتي بعدهم من الخلفاء أن يرد ذلك، ولا

يخرجه من يد مَن هو في يده، وارثاً أو مشترياً، فأما إن أخذ الوالي من يد واحد

وأقطعها آخر فهذا بمنزلة الغاصب؛ غصب واحداً وأعطى آخر، فلا يحل للإمام،

ولا يسعه أن يقطع من الناس حق مسلم ولا معاهد، ولا يخرج من يده من ذلك شيئاً

إلا بحق يجب له عليه، فيأخذه بذلك الذي وجب له عليه.. والأرض عندي بمنزلة

المال) [6] .

الآثار الاقتصادية للضرائب:

وعقد العلاَّمة الاجتماعي ابن خلدون فصلاً في مقدمته المشهورة بعنوان (في

ضرب المكوس أواخر الدولة) بيَّن فيه الأسباب التي تدعو الدولة لفرض المكوس

على الرعية، وآثار ذلك على النشاط الاقتصادي، وعلى الدولة، حيت تكسد

الأسواق لفساد الآمال، ويؤذن ذلك باختلال العمران، ويعود على الدولة - ولا

يزال يتزايد - إلى أن تضمحل [7] .

ثم عقد فصلاً آخر (في أن الظلم مُؤْذن بخراب العمران) ؛ فقال فيه:

ولا تحسبن الظلم إنما هو أخْذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض

ولا سبب - كما هو المشهور - بل هو أعم من ذلك، وكل من أخذ ملك أحد أو

غصبه في عمله، أو طالبه بغير حق، أو فرض عليه حقاً لم يفرضه المشرع فقد

ظلمه.. فلما كان الظلم مؤْذناً بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران كانت

حكمة الحظر (المنع) فيه موجودة، فكان تحريمه مهماً، وأدلته من القرآن الكريم

والسنة النبوية كثيرة، أكثر من أن يأخذها قانون الضبط والحصر ... ) [8] .

الحكم يدور مع علته:

هذا الذي تقدم يبين لنا أنه من الظلم المحرم العدوان على ملكيات الناس

وأموالهم بغير حق ثابت؛ ولهذا جاءت النصوص الشرعية بتحريمه، وتبين أن هذا

الحكم بالتحريم معلَّل بأنه ظلم وعدوان، وهو ما دفع ابن خلدون وغيره إلى القول

بعدم جواز أخذ شيء من المال، وهو ما أقرته الشريعة الإسلامية، لكن إذا زالت

العلة، فلم يعد الأخذ بغير حق، وإنما هو أمر تستوجبه المصلحة العامة، وتضبطه

القواعد الشرعية المقررة - فهل يكون هذا الأخذ أو التوظيف للأموال حراماً؟

نصوص فقهية:

عرض فقهاء الشريعة الإسلامية توظيف الأموال على الأغنياء عند الحاجة وقرروا جواز ذلك، وفيما يلي نصوص عن بعض الأئمة الفقهاء: ... ...

* رأي الغزالي: قال الإمام الغزالي - رحمه الله -: " إذا خلت أيدي الجنود

من الأموال، ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر، ولو تفرق

العسكر واشتغلوا بالكسب لَخيف دخول العدو بلاد الإسلام، أو خِيف ثوران الفتنة

من أهل العرامة في بلاد الإسلام - فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار

كفاية الجند؛ لأنا نعلم أنه: إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشرع دفع أشد

الضررين وأعظم الشرين، وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر

به من نفسه وماله لو خلت خطة الإسلام من ذي شوكة، يحفظ نظام الأمور ويقطع

مادة الشرور. ومما يشهد لهذا: أن لولي الطفل عمارة القنوات، وإخراج أجرة

الطبيب وثمن الأدوية، وكل ذلك تنجيز لتوقع ما هو أكثر منه) [9] .

* رأي الجويني: وقد نص على ذلك أيضاً إمام الحرمين الجويني، وهو

شيخ الغزالي، في كتابه " الغياثي "، فقال: " إذا صفرت يد راعي الرعية عن

الأموال، لحاجات ماسة، فلا يخلو الحال من ثلاثة أنحاء:

الأول: أن يطأ الكفار ديار الإسلام - والعياذ بالله - فقد اتفق حملة الشريعة

قاطعة على أنه يتعين على المسلمين أن يخفوا إلى مدافعتهم زرافات ووحداناً.. وإذا

كان هذا دين الأمة ومذهب الأئمة، فأي مقدار للأموال في هجوم أمثال هذه الأهوال، لو مست إليها الحاجة؟ ! وأموال الدنيا لو قوبلت بقطرة دم لم تعدلها، ولم توازنها، فيجب على الأغنياء في هذا القسم أن يبذلوا فضلات أموالهم، حتى تنجلي هذه

الداهية، وتنكف الفئة المارقة الطاغية.

والثاني: أن لا يطأ الكفار ديار الإسلام، ولكنا نحاذر ذلك ونستشعره،

لانقطاع موارد الأموال واختلال الأحوال، فلا يحل تأخير النظر للإسلام والمسلمين

إلى اتفاق استجراء الكافرين، والدفع أهون من الرفع، وأموال العالمين لا تقابل

غائلة وطأة الكفار قرية من قرى المسلمين، فليلحقْ هذا القسم بما تقدم.

وأما القسم الثالث: وهو أن لا نخاف من الكفار هجوماً، لا خصوصاً في

بعض الأقطار، ولا عموماً، لكن الانتهاض للغزو والجهاد يقتضي مزيد عتاد

واستعداد، فللإمام أن يكلف الأغنياء من فضلات الأموال ما تحصل به الكفاية

والغناء، فإن إقامة الجهاد فرض على العباد ".

ثم يضع إمام الحرمين ضوابط لهذا التدخل فيقول:

ليس للإمام في شيء من مجاري الأحكام أن يتهجم ويتحكم، فعل من

يتشهى ويتمنى، ولكنه يبني أموره كلها على وجه الرأي والصواب، في كل باب،

والأمر في أخذ الأموال يجري على هذه الأحوال. فليشر على أغنياء كل صقع بأن

يبذلوا من المال ما يقع به الاستقلال.

فإذا عسر التبليغ إلى الاستيعاب، ورأى في وجه الصواب أن يخصص أقواماً، ثم يجعل الناس في ذل كفئاتٍ، فيستأدي عند كل ملمة من فرقة أخرى وأمة - اتبع في ذلك كله أوامره - واجتنب زواجره. ثم ليكن في ذلك على أكمل نظر، وأسدّ فكر وعبر ... فإذا اقتضى الرأي تعيين أقوام على التنصيص تعرض لهم على التخصيص، ونظر إلى من كثر ماله وقل عياله، وقد يتخير من خيف عليه من كثرة ماله أن يطغى، ولو تُرك لفسد، ولو غض من غلوائه قليلاً لأوشك أن يقتصد [10] .

* رأي الشاطبي: وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله - في كتابه النفيس

(الاعتصام) : إذا قررنا إماماً مطاعاً مفتقراً إلى تكثير الجنود لسد حاجات الثغور ...

وحماية الملك المتسع الأقطار، وخلا بيت المال، وارتفعت حاجات الجند إلى مالا

يكفيهم، فللإمام - إذا كان عدلاً - أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافياً لهم في

الحال إلى أن يظهر مال بيت مال المسلمين، ثم إليه ينظر في توظيف ذلك على

الغلات والثمار وغير ذلك، كيلا يؤدي تخصيص الناس به إلى إيحاش القلوب،

وذلك يقع قليلاً من كثير- بحيث لا يجحف بأحد -ويحصل المقصود.

وإنما لم ينقل مثل هذا عن الأولين؛ لاتساع مال بيت المال في زمانهم،

بخلاف زماننا (زمان الشاطبي) ؛ فإن القضية فيه أحرى، ووجه المصلحة هنا

ظاهر، فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك النظام لبطلت شوكة الإمام، وصارت ديارنا

عرضة لاستيلاء الكفار.

وإنما نظام ذلك كله شوكة الإمام مع عدله، فالذين يحذرون من الدواهي لو

تنقطع عنهم الشوكة - يستحقرون بالإضافة إليها أموالهم كلها - فضلاً عن اليسير

منها، فإذا عورض هذا الضرر العظيم بالضرر اللاحق لهم بأخذ بعض أموالهم،

فلا يتمارى في ترجيح الثاني على الأول، وهو مما يعلم من مقصود الشرع قبل

النظر في الشواهد.

ثم قال: (والملاءمة الأخرى أن الأب في طفله أو الوصي في يتيمه، أو ...

الكافل فيمن يكفله مأمور برعاية الأصلح له، وهو يصرف ماله إلى وجوه من

النفقات أو المؤن المحتاج إليها، وكل ما يراه سبباً لزيادة ماله - مال الطفل أو

القاصر - أو حراسته من التلف جاز له بذل المال في تحصيله. ومصلحة الإسلام

عامة لا تتقاصر عن مصلحة طفل، ولا نظر إمام المسلمين يتقاعد عن نظر واحد

من الآحاد في حق محجوره.

فهذه ملاءمة صحيحة، إلا أنها في محل ضرورة، فتقدر بقدرها، فلا يصح

هذا الحكم إلا مع وجودها ... وهذه المسألة نص عليها الغزالي في مواضع من كتبه، وتلاه في تصحيحها ابن العربي في أحكام القرآن. وشرط جواز ذلك كله عندهم

عدالة الإمام، وإيقاع التصرف في أخذ المال وإعطائه على الوجه المشروع) [11] .

* رأي ابن حزم: وممن عرض لهذه المسألة، وأيدها بالنصوص الشرعية

والحجج القوية الإمام ابن حزم في كتابه العظيم (المحلَّى) ، فقال: (وفرض على

الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم

تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين ما يقوم بهم، فيقام لهم بما يأكلون

من القوت الذي لابد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم

من المطر والصيف والشمس وعيون المارة.

برهان ذلك: قول الله - تعالى -: [وآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ والْمِسْكِينَ وابْنَ

السَّبِيلِ] [الإسراء: 26] ، وقال - تعالى -: [وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَاناً وبِذِي القُرْبَى

والْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْجَارِ ذِي القُرْبَى والْجَارِ الجُنُبِ والصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وابْنِ

السَّبِيلِ ومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ] [النساء: 36] ، فأوجب تعالى حق المساكين وابن

السبيل وما ملكت اليمين مع حق ذي القربى، وافترض الإحسان إلى الأبوين وذي

القربى والمساكين والجار وما ملكت اليمين، والإحسان يقتضي كل ما ذكرنا،

ومنْعه إساءة بلا شك.

وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله) [12] . قال أبو محمد (ابن حزم) : ومن كان على فضلة ورأى أخاه المسلم جائعاً عريان ضائعاً فلم يُغثه فما رحمه بلا شك.. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:

(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه..) [13] ، ومن تركه يجوع ويعرى - وهو قادر على إطعامه - فقد أسلمه.

والنصوص من القرآن، والأحاديث الصحاح في هذا تكثر جداً [14] .

ويذهب ابن حزم إلى أن المسلم لا يعتبر مضطراً لأكل لحم الميتة أو الخنزير

وهو يجد طعاماً فاضلاً عن حاجة أخيه، وله أن يقاتل للحصول على هذا

الفضل، فيقول: (ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل لحم خنزير أو ميتة وهو يجد

طعاماً فيه فضل عن صاحبه لمسلم أو لذمي؛ لأن فرضاً على صاحب الطعام إطعام

الجائع فإذا كان ذلك فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى الخنزير) .

وله أن يقاتل عن ذلك، فإن قُتل فعلى قاتله القود، وإن قتل المانع فإلى

لعنة الله؛ لأنه منع حقاً، وهو طائفة باغية؛ قال - تعالى -: [فَإن بَغَتْ إحْدَاهُمَا

عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ] [الحجرات: 9] ، وما

منع الحق باغٍ على أخيه الذي له الحق، وبهذا قاتل أبو بكر الصديق مانع الزكاة [15] . شبهة مردودة:

وعلى هذا لا يحتج على منع توظيف الأموال بما رواه ابن ماجه عن فاطمة

بنت قيس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس في المال حق سوى

الزكاة) [16] ؛ لأنه قد ثبت أن هناك حقوقاً أخرى في المال سوى الزكاة، منها:

النفقات على الأبوين المحتاجين، وعلى الزوجة وعلى الرقيق وعلى الحيوان،

ومنها الديون والأروش (ديات الأعضاء) ، وفكاك الأسير، وإطعام المضطر؛ فإن

هذا قام الإجماع على وجوبه.

والحديث أيضاً معارَض بما رواه الترمذي: «إن في المال حقاً سوى الزكاة» ، ويمكن القول بأنه ليس في المال حق سوى الزكاة بطريق الأصالة، وقد ...

يعرض ما يوجب فيه حقاً كوجود مضطر، فلا تناقض بينه وبين الخبر السابق؛

لما تقرر من أن ذلك ناظر إلى الأصل، وهذا ناظر إلى ما قد يطرأ فيوجب حقاً

جديداً [17] .

بين الزكاة والضريبة:

وبناءاً على هذه النصوص أجاز الفقهاء المحدثون فرض ضرائب جديدة عند

الحاجة إلى ذلك، فقد سئل الشيخ أبو الأعلى المودودي - رحمه الله -: ما هي

وسائل الدخل للحكومة الإسلامية، والمعروف عامة أنه لا ضريبة في الإسلام إلا

الزكاة والجزية والخراج؟ .

فقال: (من الخطأ القول: إنه لا يجوز في الإسلام أن نفرض ضريبة لسد

نفقات الحكومة، وكذلك لا يصح أن يقال: إن الزكاة هي ضريبة توضع على

الناس لتسد بها نفقات الحكومة، إنما الزكاة مال من أموال التأمين الاجتماعي.

يؤخذ من الأغنياء ليرد إلى من يستحق من الفقراء.

أما حاجات الحكومة فما هي إلا حاجات الجمهور أنفسهم، فكل ما يطالبون به

الحكومة من واجبهم أن يكتتبوا لها من الأموال ما تحقق به مطالبهم) [18] .

(فلا بد من العناية بفرض ضرائب اجتماعية على النظام التصاعدي - ...

بحسب المال لا بحسب الربح- يعطى منها الفقراء طبعاً، وتجبى من الأغنياء

الموسرين، وتنفق في رفع مستوى المعيشة بكل الوسائل المستطاعة. ومن لطائف

عمر -رضي الله عنه- أنه كان يفرض الضرائب الثقيلة على العنب؛ لأنه ... فاكهة الأغنياء في ذلك الوقت، والضريبة التي لا تُذكر على التمر؛ لأنه طعام الفقراء، فكان أول من لاحظ هذا المعنى في الحكام والأمراء -رضي الله ... عنه -[19] .

الشروط والضوابط:

وبذلك تحدد لنا المجال الذي تعمل فيه هذه النصوص السابقة، ومدى

مشروعية هذه الفرائض أو الضرائب، إلا أن ذلك ليس موكولاً إلى هوى الحكام

وشهواتهم، ليفرضوا على الرعية ما تنوء به الكواهل من الواجبات التي تدخل إلى

خزائن المترفين منهم والمترهلين باسم المصلحة العامة، كما أنه لا يجوز فرض

هذه الضرائب والخزينة في غنى عنها؛ لذلك وضع العلماء شروطاً لابد من توافرها

حتى يصح القول بمشروعية هذه الضرائب، ومن هذه الشروط:

1- أن تكون هذه الضرائب أمراً استثنائياً تدعو إليه المصلحة العامة للمجتمع، وتدبيراً مؤقتاً، حسبما تدعو إليه الضرورة التي تقدر بقدرها، ينتهي ويزول بزوال العلة والحاجة.

2 - أن يكون الحاكم الذي يفرض هذه الضرائب عادلاً، تجب طاعته،

ليكون في هذا ضمان لعدم الظلم والعسف، ولتحقيق العدل.

3 - أن لا يكون هناك في بيت المال والخزينة العامة ما يكفي لسد هذه الحاجات، ولا ينتظر أو يرجى أن يكون شيء من ذلك، نظراً للظروف الطارئة،

وأن يرد الحاكم وحاشيته ما عندهم من أموال فائضة إلى بيت مال المسلمين.

4 - أن يقع التصرف في جباية المال وإنفاقه على الوجه المشروع

5 - كما يشترط أن تكون أحكام الشرع في تلك الحال نافذة كما يجب، وحدوده مقامة كما يرضى، وأن تكون الوظائف في جهاز الحكم بقدر الحاجة، لا تزيد عليها [20] .

هذا ما يسر الله -تعالى- كتابته في هذا الموضوع الذي يتساءل الناس

عن الحكم فيه وللتفصيل والوقائع مجال آخر قد لا يتحمله مقال عاجل أو مجلة ثقافية عامة. والله الموفق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015