تأملات دعوية
عوامل النجاح في العمل المؤسسي
بقلم: عبد الله المسلم
إن مجرد ممارسة العمل من خلال مجلس إدارة، أو من خلال جمعية
ومؤسسة خيرية لا ينقل العمل من كونه عملاً فردياً إلى عمل مؤسسي؛ فكثير من
المنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية التي لها لوائح وأنظمة، ومجالس إدارة
وجمعيات عمومية - إنما تمارس العمل الفردي؛ فالمنظمة أو الجمعية لا تعني إلا
فلاناً من الناس؛ فهو صاحب القرار.
وحتى يؤتي العمل المؤسسي ثماره المرجوة، وحتى يُجنب آثار العمل الفردي
كان لابد له من مقومات تسهم في إنجاحه، ومن أهم هذه المقومات:
1- أن يكون مصدر القرارات مجالس الإدارة، أو اللجان المخولة، لا أن
يكون القائد أو الفرد هو مصدر القرار، بل إن القائد يستمد صلاحياته من المجلس،
لا العكس، وأن تملك هذه اللجان مراجعة قرارات القادة ونقضها.
2- أن تكون لغة الحوار هي اللغة السائدة، وأن يكون التنازل عن الرأي
الشخصي حين يعارض رأي المجموعة أسلوب العاملين بما فيهم القادة، أما حين
يتمسك الفرد برأيه بحجة اقتناعه به؛ فسوف يفقد العمل المؤسسي قيمته.
ومن أعظم الشواهد على ذلك موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- حين
استشار أصحابه في أُحُد، حين كان رأيه البقاء في المدينة، بل قد رأى -صلى الله
عليه وسلم- رؤيا تؤيد رأيه، لكنه تنازل عن رأيه لرأي جمهور أصحابه، وحين
انتهت الوقعة وتحققت رؤياه.. لم يَلُم أولئك الذين كان رأيهم الخروج.
3- التركيز في جداول الأعمال على المنطلقات والأسس، وعلى الخطوط
العامة، دون المسائل الإجرائية، أو تلك التي يكثر الجدل والخلاف حولها، أو
المسائل الإجرائية التي تحتاج لمجرد قرارات إدارية بحتة فهذه يجب أن تترك
للأفراد.
4- وجود أرضية ومنطلقات مشتركة لدى العاملين، ومن ثم فلابد للمؤسسات
والجمعيات الإسلامية من تحديد ثوابت ومنطلقات أساس في عملها تكون بمثابة إطار
مرجعي للعاملين في هذه القطاعات، وتشكل أصولُ أهل السنة والجماعة أهم هذه
القواعد والأسس.
ثم تكون هناك بعد ذلك منطلقات، ومعالم عامة توجه خط سير العمل تتناسب
مع المرحلة والظروف التي تعيشها المؤسسة، كل ذلك يجب أن يمثل الإطار الذي
ينطلق منه الجميع. أما حين لا تحسم هذه القضايا، أو حين تختلف المنطلقات فقد
لا ينجح العمل المؤسسي في أداء رسالته.
5- الاعتدال في النظرة للأشخاص؛ إذ تسيطر على كثير من مجتمعات
المسلمين نظرة للأفراد مبالغ فيها، وقد تصل الصورة إلى حد الغلو لدى بعض
الفئات المنحرفة، وحتى أهل السنة الذين سلموا من الغلو وتقديس الأشخاص قد لا
يسلم بعضهم من إعطاء هالة لبعض الأشخاص تترك أثرها في مدى استعداد هؤلاء
لمناقشة رأيهم، أو احتمال رفضه مع بقاء الاحترام والتقدير الشخصي؛ فحين يوجد
أمثال هؤلاء في ميادين العمل، فقد يشكلون ضغطاً وتوجيهاً غير مباشر للآراء.
ولعل عمر (رضي الله عنه) فطن لهذا المعنى حين عزل زياد بن ابي سفيان، فقال زياد في ذلك: لم عزلتني يا أمير المؤمنين: ألِعَجْزٍ، أم خيانة؟ فقال عمر:
(لم أعزلك لواحدة منهما، ولكني كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس) [1] . ...