في دائرة الضوء
الاستنساخ.. حقيقته وما وراءه
د.محمد بن عبد الله الشباني
مدخل:
حفل المجتمع العلمي مؤخراً بحدث علميٍ خطير هو الاستنساخ الجيني قال
عنه أحد علماء الفيزياء النووية: (جوزيف روتيلان) : إن إطلاق العنان له بدون
ضوابط قد يقود إلى عواقب ومخاطر تفوق أخطار الأسلحة النووية. وقد لقي هذا
الموضوع اهتماماً عظيماً من قِبَلِ كثير من العلماء والمفكرين. وقد كُتِبَ عنه العديد
من الدراسات المختلفة، وعُقِدت حوله كثير من الحلقات العلمية والندوات التي
تناولته بالبحث والدراسة والتحليل.
ولقد ورد للبيان دراستان علميتان مرتبطتان بالمنطلق الإسلامي العقدي
والفكري؛ آثرنا نشرهما معاً في (دائرة الضوء) آملين أن تسهما في التوعية
بالموضوع والتعريف بأبعاده بلا تهاون أو تهويل.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... -البيان-
أولاً: البعد العقدي لعملية الاستنساخ
في الآونة الأخيرة أبرز الإعلام المقروء والمرئي قضية الاستنساخ الجيني وما
توصل إليه العلم البشري، بعد أن أذن الله بذلك، من اكتشاف بعض أسرار الخلق؛
وذلك بمعرفة كيفية استنساخ النعجة (دوللي) ومن قبلها استنساخ عجول في اسكتلندا
من جينات الأبقار.
لقد صاحب نجاح تجربة النعجة دوللي زخم إعلامي أخذ أبعاداً عقدية، وبدا
لكل من كان في نفسه مرض أن يستغل الخبر للترويج للإلحاد، وتضخيم الأمر،
وإظهار الحدث بأنه نوع من تحدي الله في خلقه تعالى الله عما يقول الظالمون علواً
كبيراً فمن ذلك مثلاً مقالة لنزار قباني بعنوان: هل يمكن استنساخ المتنبي؟ التي
نشرتها صحيفة الحياة في عددها الصادر بتاريخ 5 ذي القعدة عام 1417هـ حيث
جاء في تلك المقالة قوله: (ومعناه أن العلماء بدأوا بتحدي السماء..! ومعنى هذا
أيضاً أن الإنسان لم يَعُدْ له رب يؤمن به، ويركع في محرابه، ويصلي له،
ويطلب رضاه وغفرانه.. لأن المختبرات العلمية أخذت مكان الرب) وفي مكان
آخر من مقالته يقول: (كان أسهل على الله أن يستعمل قالباً واحداً لصناعة البشر
مثلما تفعل مصانع البلاط والقراميد والأحذية والملابس الجاهزة؛ ولكن الله فنان
عظيم لا يكرر نفسه! ولا يكرر عباده! ولا يعيد تصاميمه القديمة أبداً! ... ) . إن
هذا الكفر الذي ينشر بين الناس في بلاد المسلمين ليقرأه من قلّت بضاعته في الدين
ممن هو على جرف هارٍ سرعان ما يسقط في هوة الكفر وخاصة في زمن كثرت
فيه الفتن، وتكلم فيه الرويبضة، وأصبح للكفر جولة وصولة ودولة!
إن التصدي لهذا الأمر ينبغي ألا يتجه إلى الحكم الفقهي ومدى جواز وعدم
جواز الاستنساخ فقط، وإنما الأمر يتعدى ذلك إلى النظر إلى الموضوع من جانبه
العقدي، ومدى خطورة العبث الذي ينشر بقصد إضلال الناس وحرفهم بأسلوب
ماكر يتمثل باستخدام العلمية، وما توصل إليه العلم من كشف لأسرار كانت مجهولة؛ لحرف الناس عن الطريق المستقيم إلى الطرق المنحرفة تنفيذاً للمحاولات
المستمرة والدائمة من عدو بني آدم إبليس الذي أخبر الله عنه في آيات كثيرة من
القرآن الكريم، وعمله على إضلال الناس كما في قوله تعالى:
[قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ] [الأعراف: 16] وقوله: [قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ]
[سورة ص: 82، 83] .
لقد تعدى موضوع خبر استنساخ النعجة (دوللي) إلى التحدث عن إمكانية
استنساخ البشر، وإمكانية إعادة الأموات باستنساخهم، وأخذَ الإعلام الذي يهدف
إلى ترسيخ الإلحاد معالجة هذا الخبر ليس بأسلوب عقلي وعلمي وإنما بانتهاج
أسلوب الإيحاء إلى أن الإنسان قد أصبح قادراً على التحكم في حياته وبقائه؛ ولهذا
فإن من الواجب النظر إلى الموضوع من زاوية مدى التأثير على سلامة الاعتقاد
فيما يتعلق بتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
إن الجوانب التي سوف أتطرق إليها في هذه المقالة عن موضوع الاستنساخ
ستنحصر في فهم حقيقة الاستنساخ وفق ما نشر عن ذلك من قِبَلِ المختصين، ثم
مناقشة مدى تصادم عملية الاستنساخ مع حقيقة الخلق التي يتفرد بها الرب المعبود،
وهل تعرض القرآن إلى موضوع ما يحدث الآن من عبث فيما يتعلق بالحيوانات،
وما هو موقف القرآن من إمكانية استنساخ البشر بالحصول على نسخة كاملة لإنسان
حي مرغوب في استنساخه، وهل أسس خلق الإنسان كما حكاها القرآن تماثل أسس
خلق بقية المخلوقات، وهل يتفرد الإنسان بخاصية في الخلق عن بقية المخلوقات؟
لمعرفة حقيقة هذا الأمر الذي صوّره الإعلام في صورة تجلت فيما للإعلام من
دور في قلب الحقائق والعمل على تغيير مفاهيم الناس؛ فالذي تم تصويره حول
إمكانية استنساخ البشر أنه أمر أصبح من شبه المؤكد وإن كان في حقيقته مجرد
خيال علمي وفرقعة إعلامية قصد من ورائها التضليل وزرع الشك في المرتكزات
العقدية للإنسان المؤمن بالله الخالق لكل شيء. لقد كانت ردة الفعل لدى بعض ممن
ينتسب إلى العلم الشرعي بالنظر إلى الموضوع من زاوية مدى تأثير ذلك على
البناء الأسري، وحماية الإسلام للحاجات الخمس، وضرورة حماية الناس من هذا
العبث باعتبار أن ما أشير إليه من إمكانية استنساخ البشر أصبح شبه مؤكد وحقيقة
ثابتة.
الاستنساخ فرقعة إعلامية: إن قضية الضجيج الإعلامي الذي صاحب
قضية استنساخ النعجة (دوللي) هو أسلوب قديم يتبدل ظاهره ولا يتبدل جوهره؛
فقد سبق أن استمر الضجيج ولا زال في بعض الدوائر وإن انكشفت حقيقته وهو ما
يتعلق بنظرية دارْوِن عن أصل الإنسان القردي؛ فكلما اكتشف الإنسان شيئاً من
قدرة الله ذات ارتباط بقضية وجوده وحياته وموته ونشوره وعلاقته بخالقه استُغل
هذا الاكتشاف لإضلال الناس بصدهم عن سبيل الله.
إن أسلوب التكاثر والتناسل الذي أوجده الله على هذه الأرض يأخذ ثلاثة أنواع
هي [1] :
1 - التكاثر اللاجنسي: ويتم التكاثر وفق هذا النوع بالانتشار أو التبرعم أو
التجدد، أي ليس هناك حيوانات منوية أو بويضات مثل حيوانات البرافسيون.
2 - التكاثر الجنسي: ويتم ذلك من خلال اتحاد الحيوان المنوي (المشيج
المذكر) مع البويضة (المشيج المؤنث) ومن اتحادهما تتكون النطفة الأمشاج
(البويضة المخصبة) التي من خلالها يتم الاستنساخ بطريقة الانقسام والتفليج حيث
يتكون الجنين.
3 - التكاثر العذري: حيث يتم التكاثر من خلال البويضة لوحدها دون تدخل
الحيوان المنوي حيث يتم تكوين جنين كامل، وهذا ما يحدث خلال تكاثر دودة القز
أو النحل وغير ذلك من الحشرات.
وقد تم استخدام هذه الطريقة في التكاثر العذري الاصطناعي، وقد تم تطبيقه
على العديد من الحيوانات وخاصة (الحيوانات اللافقارية) وبعض الحيوانات الفقارية
مثل الضفادع والفئران. أما ما تم من استنساخ النعجة (دوللي) فهو ما يعرف
بالاستنساخ الجيني بالزراعة في بويضة أخرى. ونظرية الاستزراع النووي تقوم
على أساس أن أي خلية في جسم أي كائن حي تحتوي على جميع الجينات
والصفات والشفرات الوراثية الكاملة، وهي توجد في حالتين: الأولى: في حالة
استقرار نهائي وراثي لا يتطلب المرور بمراحل تكوين أخرى؛ حيث يمكن فيما إذا
أتيحت لها الفرصة أن تنمو كخلية أولية وتنتج نسخة كاملة ومتطابقة للكائن الحي
نفسه من جديد، ولكن خلايا الحيوانات المنوية عند الذكر والخلايا المكونة لنويات
البويضات عند الأنثى كلاهما يختلف عن باقي خلايا الجسم في أمرين: الأول: أن
كلاً منهما يحمل صفات وراثية زائدة عما تحمله الخلايا الأخرى وهي الصفات
الخاصة بتحديد النوع (ذكر أنثى) والثاني: أن كلاً منهما في حالة نهائية غير
مستقرة من ناحية الشفرات الوراثية، وتحتاج للمرور بمراحل تكوين أخرى، ولكن
عندما تقوم الحيوانات المنوية باختراق البويضات لتخصيبها يتحدان معاً ويكونان
خلية أولية جديدة، ثم تستكمل باقي المراحل الأخرى.
إن ما حدث في تجربة النعجة دوللي هو ما تم أخذه من خلية في حالة استقرار
نهائي وراثي قام بوضعها في بويضة منزوعة النواة، وتم توحيدهما من خلال
شرارة كهربائية بحيث تم الإعادة إلى الأصل الأول وكأنه حيوان منوي حيث
انقسمت الخلية إلى مراحل هي 24816 وهكذا تم إدخالها في رحم أنثى حيث
استكملت دورتها.
إن دورة البويضة المنزوعة النواة هي إعادة الخلية إلى حالتها البدائية الخاصة
بها حيث تصبح الخلية المنزوعة من الكائن الحي المراد استنساخه بمثابة الحيوان
المنوي الملقح للبويضة. ولكن الاختلاف هو عزل الكروموزومات الخاصة بالخلية
المزروعة في هذه البويضة المنزوعة النواة، وبالتالي فإن ما حدث هو تغيير في
أسلوب التلقيح بأخذ المورثات الخاصة بالشيء المراد استنساخه ثم إكمال دورة
الخلق وفق سنة الله في الإيجاد، فالأمر لا يعدو استغلال ما وضعه الله من سر في
البويضة المخصبة التي تعد بداية تكون أي كائن حي [2] في حدث هو تنبيه الخلية
في الانقسام فقط. فما حدث من فتح الله لهذا الجانب من المعرفة إنما هو تحقيق
لوعد الله في كتابه في قوله تعالى: [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقّ] [فصلت: 53] .
درسان مهمان: إن استنساخ الحيوانات ومحاولة العبث بما فتح الله على
إنسان هذا العصر من المعارف والعلوم أمر لا بد من حدوثه لأمرين:
الأول: امتحان البشر من خلال فتنة الغرور بالعلم وتخيله مفتاحاً لسيطرة
البشر على الكون؛ فما يحدث الآن من مقولات حول إمكانية قدرة البشر على تغيير
خلق الله، وبالتالي الحلم بالوصول إلى التحكم في مصير الإنسانية وتحقيق مقولة
الإلحاد بالتطور الذاتي، بجانب ما في ذلك من إقامة الحجة على الناس بما أوتوا من
العلم الذي من خلاله تمكنوا من معرفة بعض أسرار الكون مما أصبح فتنة لهم تحقيقاً
لوعد الله في قوله تعالى:
[أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (?) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَذِينَ
مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ] [العنكبوت: 2-3] .
الثاني: تحقق ما أخبر الله عنه في كتابه بأن الشيطان الذي سلطه الله على
الناس ليكون أداة الاختبار والامتحان لمدى استجابة الإنسان لفطرة الله بالإيمان به؛
حيث أعطي القدرة على إضلال الإنسان، وأنه يعمد إلى ذلك حسب ما أخبر الله
عن ذلك عند محاورته لله في بدء خلق الإنسان في قوله تعالى: [وَلأُضِلَّنَّهُمْ
وَلأُمَنِِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ
الشَّيْطَانَ وَلِياً مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً] [النساء: 119] ومن خلال هذا
الخبر عن الله فيما سيتخذ الشيطان من وسيلة للإضلال نعلم بأنه سيعمد إلى دفع
الناس لتغيير خلق الله في الأنعام فيما لا فائدة ولا منفعة من ورائه.
من صور العبث العلمي: من ذلك ما تناقلته وكالات الأنباء من قيام علماء
أمريكا بزرع مجموعة من خلايا دماغ جيني طائر الفرّي (السمان) في دماغ جيني
دجاجة؛ وكانت النتيجة قيام الدجاجة بالتغريد وتحريك رأسها مثل طائر الفري؛
فهذا نوع إن صح من العبث بما أفاضه الله من علم على الناس [3] .
إن خبر استنساخ النعجة (دوللي) وما أثير حولها من جدل عن إمكانية
استنساخ البشر؛ حيث وصل الأمر بوسائل الإعلام أنها أكدت الأمر وأنه لن تمر
سوى سنوات قليلة للحصول على نسخ بشرية [4] ولكون هذا الأمر له بعدٌ عقدي
حيث إن الإنسان كائن مغاير في جميع صفاته ومكوناته وغاية وجوده عن بقية
المخلوقات؛ فالسؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن استنساخ الإنسان على ضوء ما
ورد في القرآن الكريم، وما هي نظرة القرآن الكريم تجاه خلق الإنسان، وهل
يتعارض وجود نسخ أخرى مكررة لأي إنسان مع مفهوم الجزاء والعقاب للإنسان
يوم القيامة كما أخبر عن ذلك القرآن الكريم أي: من سيقع عليه العقاب: الأصل،
أو النسخ المكررة؟
إن المتمعن في آيات القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف يجد أن أساس
خلق الإنسان يختلف عن بقية المخلوقات الحية الأخرى التي تعيش على الأرض،
وأن الإنسان يتميز بخاصية فريدة عن بقية المخلوقات حيث أخبر الله أنه عندما خلق
آدم فقد تفرد خلقه بأن نفخ فيه من روحه؛ ولهذا أمر الله ملائكته بما فيهم إبليس
بالسجود لآدم، وأنه نفخ فيه من روحه يقول تعالى: [وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي
خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حََمَأٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ] [الحجر: 28، 29] وقوله تعالى: [إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي
خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ ... ] [سورة ص الآيات من 71 إلى 74] . إن ما يثيره
الإعلام المعاصر من إيحاء للناس بأن العلماء أوشكوا على إمكانية إيجاد نسخ بشرية، وأن استعادة الهالكين قد أصبحت قريبة الحدوث [5] إنما هي محاولة الشيطان
الأزلية لإضلال الناس بتزيينه رغبة الإنسان بالعمل على طلب الخلود؛ وذلك
بالبحث عن كيفية تحقيق ذلك بمعرفة سر خلق الإنسان. يقول تعالى: [وَإذْ قُلْنَا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ
وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى
(118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ
أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى] [طه: 116-120] وكذلك الآية 20 من
سورة الأعراف هي في الموضوع نفسه، وبسبب هذه الحقيقة التي يسعى الشيطان
ليضل الناس وفقاً لهذه الرغبة الدفينة يقول الله عن ذلك في القرآن الكريم: [وَإذْ
قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (50) مَّا
أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً]
[الكهف: 50، 51] ففي هذه الآية تأكيد أن الشيطان سوف يسعى إلى دفع الناس
إلى هذا ولكن الله قد حكم أن ذلك لن يتحقق؛ لأن الغاية التي يسعى إليها الشيطان
وأتباعه من البشر هو العمل على نشر الضلال.
*لا يمكن إعادة نسخ الإنسان: -إن إمكانية إيجاد نسخ مكررة للإنسان على
ضوء القرآن الكريم غير ممكنة للأسباب التالية:
1 - إن الله أخبر في كتابه أن نسل الإنسان بعد آدم سيكون من سلالة من ماء
مهين أي من الحيوان المنوي، وبالتالي استحالة أخذ أي خلية أخرى لتحل محل
الخلية التي يحتوي عليها الحيوان المنوي، يقول تعالى في كتابه في سورة السجدة:
[الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ (?) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن
سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ] [السجدة: 7، 8] ومعنى هذه الآية كما أشار ابن كثير في
تفسيره: أنهم يتناسلون كذلك من نطفة تخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهذا التفسير مأخوذ من قول الله تعالى في سورة الطارق: [فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ
خُلِقَ (?) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (?) َخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ] [الطارق:75] وهذه الآيات الواردة عن خلق الإنسان وتكاثره قد حددت بآيات محكمة غير قابلة
للتأويل. وقد أشار الدكتور رأفت الشافعي استشاري أمراض النساء والتوليد إلى
حقيقة هامة في أن ما يقال وينشر عن موضوع أخذ خلية من جسم شخص مّا لتخلط
مع بويضة مزروعة النواة وبعد ذلك توضع في رحم سيدة؛ أي: خروج مخلوق
للحياة من سيدة واحدة دون الحاجة إلى رجل أمر يشبه ما يذاع في أفلام الرسوم
المتحركة، ويدل على صحة ذلك بقوله: إن عملية التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب
الذي يقوم على أخذ بويضة من رحم المرأة ثم تلقح بالحيوان المنوي داخل الأنبوب
حيث يبدأ بعد ذلك تخليق جنين بأطواره الأولى ثم يزرع في رحم المرأة، فإن
حوالي 95% من حالات زرع الأجنة وعملية التلقيح الصناعي لا تنجح [6] فإذا
كان الاستنساخ أصعب من عملية التلقيح الصناعي ونسبة الإخفاق كبيرة وفق طريقة
أسهل ولا تخرج عما أشار إليه القرآن؛ فكيف بأمر مخالف؟ ويؤكد الدكتور
عزالدين فوزي أستاذ أمراض النساء بجامعة عين شمس [7] اختلاف خلق الإنسان عن
بقية المخلوقات بقوله: (إن التكاثر الطبيعي يتم من خلال اتحاد الحيوان المنوي
بالبويضة التي تنمو في الرحم بعد انقسامها. ومن المعروف أن كل خلية في
الإنسان تتكون من 46 كروموزوماً، وهذه الكروموزومات 23 منها في البويضة
و23 في الحيوان المنوي وبعد اتحادها يصبح عددها 46 كروموزوماً، وهذا
الأسلوب في الزواج هو الذي يميز الإنسان عن سائر المخلوقات؛ لذلك فإنه حتى
مع افتراض نجاح هذا الأسلوب في الحيوان فمن الصعب نجاحه مع الإنسان،
خاصة أنه ليست هناك خلية قادرة على الانقسام وتكوين مخلوق جديد سوى البويضة
الملقحة التي تنقسم إلى خليتين أو أربع أو ثمان وأحياناً أكثر) .
2 - لقد أشار القرآن الكريم إلى مراحل الخلق للإنسان التي تشبه بقية الخلق
للمخلوقات الأخرى من حيث مراحل نمو الخلايا وحركتها إلى أن يكتمل التكوين
الجسمي ثم يدخل عنصر مغاير في عملية خلق الإنسان التي يتميز بها عن بقية
الكائنات الحية، يقول الله تعالى في سورة المؤمنون: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن
سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً
فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَاًنَاهُ خَلْقاً آخَرَ
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ] [المؤمنون: 12-14] يقول ابن كثير مفسراً لهذه الآية: (ثم جعلناه نطفة: هذا الضمير عائد على جنس الإنسان) كما قال في الآية الأخرى: [وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ] [السجدة: 7] يعني: الرحم معد لذلك مهيأ له إلى
قدر معلوم. فقدرنا فنعم القادرون: أي مدة معلومة وأجل معين استحكم، ونقل من
حال إلى حال وصفة إلى صفة، ولهذا قال هنا (ثم خلقنا النطفة علقة) أي ثم سيرنا
النطفة وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وهو ظهره، وترائب المرأة
وهي عظام صدرها ما بين الترقوه إلى السرة، فصارت علقة حمراء على شكل
العلقة مستطيلة ... ثم استشهد لهذه المرحلة بأحاديث تؤكد تفرد الإنسان عن بقية
المخلوقات بهذه الخاصية: منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن
مسعود عن رسول الله: (إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون
علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح
ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وهل هو شقي أو سعيد.. إلخ)
وحديث حذيفة بن أسيد الفقاري الذي رواه أحمد في مسنده برواية مقاربة
لسابقتها [8] .
إن هذه الأحاديث التي أوردها ابن كثير ورواها أئمة الحديث تؤكد حقيقة تفرد
الإنسان بحقيقة أن كل فرد من أفراده يُنفخ فيه روح مغايرة لروح الحياة التي يشترك
فيها الإنسان مع بقية المخلوقات وذلك بنفخة الملك حيث إن هذه النفخة أمر ضرورة
لتغيير خلق الإنسان من الحيوان ليصبح سميعاً بصيراً ذا عقل وفكر وعواطف وهي
صفات لا توجد إلا في الإنسان؛ ولقد أوضح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ضرورة امتزاج الحيوان المنوي بالبويضة.
3 - تفرد الإنسان عن بقية المخلوقات الأخرى بأن جسده المادي الحي يحتوي
على روح مغايرة في طبيعتها عن الحياة التي يشترك فيها الإنسان مع بقية
المخلوقات الأخرى الحية ولهذا نجد تأكيد هذه الخاصية في القرآن الكريم سواء
عندما تحدث عن خلق آدم عليه السلام أو عند خلق المسيح عليه السلام أو عند خلق
بقيه البشر. لقد حاول العلماء معرفة حقيقة النفس الإنسانية والروح، واختلف فيها
الفلاسفة كما اختلفت الأديان في النظر إلى الروح وحقيقتها، وجاء القرآن الكريم
والسنة النبوية لتقرر حقيقة نفس الإنسان وروحه التي هي جزء داخل في جسمه
وهي في الوقت نفسه مغايرة له. لقد دار النزاع حول حقيقة النفس: هل هي جزء
من أجزاء البدن، أو عرض من أعراضه، أو جسم مساكن له مودع فيه، ذكر ذلك
ابن القيم في كتابه (الروح) ويعقب ابن القيم على الوجه الثالث وهو أن الروح جسم
مخالف بالماهية للجسم المحسوس من الأقوال التي أوردها الرازي بقوله: (وهذا
القول هو الصواب في المسألة وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواه باطلة، وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة) ثم ساق عدداً
كبيراً من الأدلة منها قوله تعالى: [اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي
مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى]
[الزمر: 42] . وبقوله تعالى: [وَهُوَ الَذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ] [الأنعام: 60] ثم ذكر عدداً من الأحاديث الكثيرة الصحيحة حول قبض الأرواح عند الموت وغيرها من الأحاديث التي تؤكد خاصية الروح في الإنسان عن بقية المخلوقات.
4 - لقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة ما يحدث يوم القيامة من المجادلة بين
المؤمنين في الجنة وقرنائهم في النار، يقول تعالى في سورة الصافات: [فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ
أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ
أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إن كِدتَّ لَتُرْدِينِ]
[الصافات: 5056] فهذه الآيات تشير إلى تأكيد حقيقة تعرّف الأفراد بعضهم على
بعض. يقول الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآيات: هو الرجل المشرك يكون له
الصاحب في الدنيا من أهل الدنيا، فيقول له المشرك: إنك لتصدق بأنك مبعوث من
بعد الموت أئذا كنا تراباً؟ فلما أن صاروا إلى الآخرة، وأدخل المؤمن الجنة،
وأدخل المشرك النار، فاطلع المؤمن فرأى صاحبه في سواء الجحيم) فهذه الآيات
من سورة الصافات تؤكد منافاة إمكانية الحصول على نسخ بشرية؛ فلو قلنا بإمكانية
ذلك فكيف يُعرف الأصل من النسخ؟ ومن سوف يعذب: الأصل أم النسخ إذا ماتت
هذه النسخ؟ فهل تجازى على أعمال من استنسخت منه؟ أم لا؟ وإذا بقيت حية
وارتكبت آثاماً إضافية: فهل يجازى الأصل بما اقترفته النسخ أم لا يجازى؟ ولهذا
فإن عملية الاستنساخ وفقاً لهذه الآيات أمر غير ممكن؛ لأن عملية التعرف كما
أشارت إليها هذه الآيات سيكون أمراً صعباً لعدم إمكانية التميز بين الأصل والنسخ،
ويؤيد هذا الأمر ما جاء في سورة الأعراف حيث وصفت حالة من حالات التخاطب
والمناقشة بين المؤمنين والكافرين ومعرفة الأشخاص من خلال أشكالهم يقول تعالى: [وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ
الجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ
أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ
رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُم قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ]
[الأعراف: 46-48] يوضح ابن كثير رحمه الله معنى الآية فيقول: (يقول الله
تعالى إخباراً عن تقريع أهل الأعراف لرجال من صناديد المشركين وقادتهم
يعرفونهم في النار بسيماهم: ما أغنى عنكم جمعكم أي كثرتكم وما كنتم تستكبرون،
أي: لا ينفعكم كثرتكم ولا جموعكم من عذاب الله بل صرتم إلى ما أنتم فيه من
العذاب والنكال. وقال حذيفة: إن أصحاب الأعراف قوم تكاتفت أعمالهم فقصّرت
بهم حسناتهم عن الجنة، وقصّرت بهم سيئاتهم عن النار فجعلوا على الأعراف
يعرفون الناس بسيماهم) [9] ومن هذه الآيات ندرك أن عملية الاستنساخ كما يروّج
لها الإعلام والذي يقوم على علمية الحصول على نسخة مطابقة للأصل أي تعدد
النسخ للفرد الواحد بأنه يتعارض مع نص هذه الآية التي تؤكد على تمايز الأفراد؛
فإيجاد نسخ من الفرد الواحد يعني وجود أفراد متعددين للفرد الواحد؛ فمن يكون
الأصل؟ ومن يكون النسخة؟
إن عملية استنساخ البشر أمر غير ممكن الحصول مهما حاول المضلون ممن
يريد صرف الناس عن الصراط المستقيم، وإن التجربة التاريخية لنظرية دارون
حول أصل الإنسان وكيف استطاع الملاحدة بما توفر لهم من سيطرة إعلامية أن
يجعلوا أعداداً كبيرة من الناس تؤمن بنظريته حتى كشف العلم مؤخراً زيفها، وإن
الدعاية لتأكيد إمكانية استنساخ البشر والترويج لها تخرج من المشكلة نفسها التي
خرجت منها نظرية دارون، وسيكون المصير واحداً، وصدق الله العظيم: -
[وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً] [الإسراء: 81] .