مجله البيان (صفحة 2544)

دراسات تربوية

الاهتمام بدعوة المرأة وتربيتها (2)

الاهتمام بدعوة المرأة وتربيتها (2من 2)

بقلم: عبد اللطيف بن محمد الحسن

تحدث الكاتب عن أهمية الدعوة في محيط النساء وأهمية أن تقوم النساء

بالدعوة،وبيَّن الضوابط في خروج المرأة الداعية، بعد أن بيَّن العوائق التي قد تقف أمام حركتها في دعوة بنات جنسها، ويواصل في هذه الحلقة بقية الموضوع. ... ... ... ... ... ... ... ...

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... - البيان -

أهداف دعوة النساء:

أعظم معين على بلوغ الأهداف بعد عون الله (عز وجل) هو رسم الخطط

العلمية ووضوحها، وتعيين الوسائل والطرق المعينة على الوصول إليها، ومتابعة

العمل فيها بدقة وجدّ، ولعل أهم الأهداف التي ينبغي للداعية رجلاً كان أو امرأة أن

يهتم بها في دعوته في داخل البيت وخارجه، ما يلي [1] :

أولاً: التربية الإيمانية، ويتحقق هذا الهدف بالعناية بوسائل منها: الوعظ

والرقائق، ودراسة أسماء الله وصفاته وآثارها، وآياته في الكون من خلال الوسائل

المتاحة، ودراسة الآيات والأحاديث ذات الصلة بها.

ثانياً: التأهيل العقدي، بتأصيل عقيدة أهل السنة والجماعة إجمالاً، وتأصيل

القضايا ذات البعد العملي كالشرك، والولاء والبراء، وخطر التشبه بغير المسلمين، وذكر ملامح أهل السنة والجماعة.

ثالثاً: التأصيل العلمي والشرعي، بتنمية حب العلم، والاهتمام به، وحفظ

القرآن الكريم، وبعض الدروس والبرامج العلمية.

رابعاً: التأهيل الفكري، بالتوعية بمعرفة التيارات والأفكار المنحرفة،

وخطط الأعداء الماكرة التي كثيراً ما تخدع المرأة بأنواع من زخرف القول وادعاء

إنصافها وتحريرها. ومن التأهيل الفكري أيضاً: توضيح المفاهيم الإسلامية الغائبة

لدى كثيرات في خضم كثير من المناهج القاصرة والبعيدة عن التأصيل الشرعي في

مناهج مدارس البنات في أكثر ديار الإسلام. والحق يقال: إن تعليم البنات في

السعودية يعتبر نموذجاً طيباً للالتزام الشرعي، ويستحق التقدير.

خامساً: التأهيل الدعوي، ويمكن تحقيقه من خلال: تحميل المدعوين همّ

الإسلام والدعوة؛ بتبصيرهم بأحوال المسلمين وجهود الأعداء، وتكوين الثقافة

الدعوية، وبناء المبادرات الذاتية والمشاركة الفعالة في الدعوة، وتنمية الملكات

التي يُحتاج إليها في الدعوة.

سادساً: تنمية الملكات التربوية، نظرياً وعملياً بالاستفادة من الأخطاء وكيفية

التعامل معها، والاستفادة من التجارب التربوية للآخرين ما أمكن ذلك.

سابعاً: تنمية الملكات الاجتماعية، في التعامل مع الآخرين، بتمثّل القدوة

الصالحة في نفسه، والربط بالقدوات، والتعريف بالحقوق والواجبات، وذكر

النماذج الحيّة من حسن الخلق، وبيان كيفية كسب الآخرين.

ثامناً: بناء الحصانة ضد المنكرات، ويتم ذلك ببيان أضرار المعاصي

وخاصة النسائية وسد ذرائعها؛ بإبعاد وسائلها، وتجنب أماكنها.

تاسعاً: ملء الفراغ بالمباح، واستغلاله بالمفيد، ووسائل هذا كثيرة.

طرق إعداد المرأة للدعوة:

وهو المقصود الأهم من الحديث عن هذا الموضوع، وغير ممكن أصلاً أن

تفي كتابة كهذه المقالة بشيء من هذا، غير أن هذا لا يمنع من إشارة تذكّر بجوانب

من الموضوع، وتفتح الذهن لمداخله، وتبقي العهدة في مراجعة ما كتب في

الموضوع لمباشرة العمل، ومما يعوّل عليه في هذا الصدد: رسالة (المرأة المسلمة

المعاصرة، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة، للدكتور أحمد أبا بطين) [2] .

أسلوب إعداد المرأة للدعوة:

ولإعداد المرأة الداعية طريقان:

الأول: الإعداد النظري، ويشمل الجوانب التالية:

1- الإعداد العلمي: وهو أمر ضروري في جانبين:

أولهما: المادة العلمية التي تدعو إليها، وتريد تعليمها [3] .

وثانيهما: العلم بالكيفية المناسبة لعرض تلك المادة.

وقد عني الإسلام بإعطاء المرأة حقها في التعليم، مع التزام الضوابط

الشرعية لذلك، والعلم المقصود هنا: ما يفيد المرأة في دعوتها من العلوم الشرعية، والعلوم المساعدة على فهمها، ولا يجوز بحال أن نجعل العلم عائقاً عن الدعوة،

كحال الكثيرين اليوم، فالواجب التوازن، وكل تدعو حسب علمها وقدرتها.

2- الإعداد النفسي: بأن تتوفر في الداعية صفات: الإيمان بالله ورسوله،

والإخلاص، والتفاؤل، والجرأة في الحق، والاعتزاز بالإسلام، والصبر،

ومعرفة حال المخاطبين وبيئاتهم.

وهو إعداد غاية في الأهمية لارتباط وظيفة الداعية بالناس، وهم مختلفون في

أديانهم وثقافاتهم وعاداتهم وأخلاقهم وأهوائهم وأهدافهم.

3- الإعداد الاجتماعي: وهو أن تعيش الداعية الحياة الإسلامية في الأسرة

والمجتمع تطبيقاً عملياً كما تعلمتها نظرياً، وكما تريد للناس أن يكونوا، وذلك

بالتزام دين الله (عز وجل) ، والتخلق بأخلاق الإسلام، وأخلاق الدعاة بخاصة،

وإلا كانت الداعية على هامش المجتمع.

ومن أهم عناصر الإعداد الاجتماعي: الشعور بأن الدعوة حق لجميع الناس

يجب بذلها لهم، والصدق والأمانة والكرم والسخاء في حدود ما تملك، والزهد

والعفة، والحلم والعفو، والرحمة، والتواضع، والمودة والتآلف [4] .

الثاني: الإعداد التطبيقي:

وهو: تهيئة الداعية بالتدريب العملي على فن الإلقاء، والكتابة؛ لنقل دين

الله (سبحانه وتعالى) إلى الناس، عن طريق الخطبة والدرس والمحاضرة والندوة،

والكتابة بأنواعها المختلفة.

وهو أمر في غاية الأهمية؛ إذ الإلقاء والكتابة هما وسيلتا مخاطبة الناس

بالدعوة، وبهما نحصّل الثمرات المرجوّة من الإعداد النظري، فكم من الدعاة مَنْ

يضعف أثره بسبب ضعف إعداده التطبيقي، وقد حصل في هذا الإعداد تقصير

كبير، أسهم في قلة الدعاة المؤثرين.

ويقوم هذا الإعداد على أمرين:

أولاً: فن الإلقاء للمحاضرة أو الدرس أو الندوة، أو الكلمة أو الموعظة أو

الخطبة.. ونحو ذلك.

ويعتمد على عنصرين:

1- إقناع المستمع بمخاطبة عقله بالأدلة والبراهين.

2- إثارة عاطفته وأحاسيسه ومشاعره وهما أساس التأثير.

ولكل نوع من أنواع الإلقاء خصائصه ومميزاته وفوائده وأسسه وطريقته

الخاصة، ويتطلب الإعدادُ لها جانبين:

أ - النظري: بمعرفة أهمية الخطبة مثلاً وأنواعها وصفات الخطيب.

ب- العملي: بالتطبيق والإلقاء أمام النساء في خطبة في المسجد أو المدرسة

أو مجتمع النساء.. مع مراقبة المتدربة، وملاحظتها وتقويم أخطائها شيئاً فشيئاً.

ثانياً: الكتابة وذلك بإعداد البحوث والمقالات والنشرات ... لنشرها في الكتب

والمجلات والصحف التي طالت كل الناس، وأخذت جزءاً كبيراً من أوقاتهم،

ويعتمد أسلوب الكتابة على عاملين:

1- دقة العبارة وسلامتها.

2- قوة إقناع القارئ بالمكتوب: بوضوح الدليل، وقوة الاستدلال، والصدق

والتوثيق.

وتعد الكتابة من أنسب وأهم الوسائل الدعوية بالنسبة للمرأة؛ إذ يمكنها الكتابة

وهي في بيتها، فتستغل بها أوقات فراغها، وتصل بما تكتب إلى جميع طبقات

المجتمع. والكتابة كالإلقاء تتطلب إعداداً نظرياً وعملياً ليس هذا مكان تفصيله [5] .

ميادين دعوة المرأة:

الإنسان مكوّن من روح وجسد، ويمكن تقسيم عمل الداعية بناء على هذا

قسمين:

أولاً: الميادين التربوية: وهي الميادين المتعلقة بتربية الروح وتزكية النفس

وتطهيرها بالإيمان، ويمكن من خلالها مخاطبة عقل الإنسان وروحه، وتتمثل هذه

الميادين في المساجد والمدارس والمؤسسات والجمعيات الدعوية، ونحوها.

ثانياً: الميادين الاجتماعية، وهي الميادين المتعلقة بتربية الجسد من ناحية

النمو والسلامة والصحة النفسية والاجتماعية والجسدية وأخذ الزينة، وتبادل هذه

الخدمات بين الناس بما يخدم التربية الروحية؛ لإبراز الشخصية المسلمة، كما أراد

الله (عز وجل) .

وهذان الجانبان الروحي والجسدي مترابطان، وينبغي الوفاء بهما جميعاً

بتوازن؛ لأن تغليب طلروح: رهبانيةٌ، وتغليب الجسد: حيوانيةٌ، وكلاهما مذموم، وكم كانت تلبية الحاجات الجسدية سبباً في إسلام وهداية الكثير، وهو أسلوب

يركز عليه المفسدون وخاصة المنصّرين اليوم؛ لأنه يصةب على الجائع والمريض

والعاري والمشرّد أن يستمع لك ويعي كلامك، بل يكاد ذلك أن يكون محالاً [6] .

وسائل دعوة المرأة:

يمكن للداعية أن تبث دعوتها في الميادين التربوية والاجتماعية من خلال

الوسائل التالية:

1- المنزل: وهو الميدان الخصب، والوسيلة الأبلغ تأثيراً، ولا غرو أن الله

جعل كلاً من الزوجين راعياً في بيته، وسيسأله الله عن أهله وزوجه، وأمرهما

بوقاية الأهل من النار، ومهما حصل من تقصير من أهل المسؤولية في الدعوة من

خلال الوسائل الأخرى، فإن ذلك مما يزيد مسؤولية الأبوين. والأم لها نصيب كبير

كما تقدم والمسؤوليات التي تشارك فيها الرجل كثيرة أهمها: مسؤولية التربية

الإيمانية، والعلمية، والخلقية، والجسمية، والنفسية، والاجتماعية، والجنسية،

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله (تعالى) .

ويتميز المنزل عن بقية الوسائل باجتماع أفراد الأسرة فيه لساعات طويلة،

والتوافق النفسي والاجتماعي بينهم، مما يتيح إمكانية عرض القدوة الصالحة،

والتأثير عبر التوجيه الموزع غير المباشر، والملاحظة المستمرة، والاستفادة من

سائر الفرص والأحوال وتأثير التوجيه والعقاب؛ لكونه بعيداً عن أعين الناس.

2- المجتمع: من خلال الإحسان إلى ذوي القربى والجيران والمحتاجين،

ودعوتهم وتوجيههم، مما يوحي بترابط أفراد الأمة، وكونهم كالجسد الواحد.

3- المدرسة: من خلال استغلال المناهج الدراسية، والأنشطة المدرسية في

توجيه الطالبات، وتربيتهن، والعمل على توجيه المدرسات والعاملات وإصلاحهن.

4- المسجد: حيث يجوز للمرأة الحضور إليه بإذن زوجها، ولا ينبغي له

منعها إذا استأذنته للاستفادة مما يلقى فيه، ومن القدوة الصالحة؛ حيث يرتاد

المسجد النخبة من الناس، وهو مكان مناسب لأنشطة نسائية مفيدة من حلقات تحفيظ

القرآن، وتعليم العلم الشرعي النافع وغيرها.

5- المستشفيات والسجون ومراكز الرعاية الاجتماعية [7] .

وعَوْداً على بدء أقول: إن المقصود بالكلام هو العمل، ولا مكان اليوم

للكسالى ولا النائحين. إن إعداد المرأة ميدانُ تنافُسٍ كبير، تتسابق فيه الأمم

والشعوب والملل والمذاهب.

انظر مثلاً: كتاب (المرأة وبرنامج التثقيف المجالس الحسينية نموذجاً)

لـ (عالية مكي) لترى أن الرافضة ينتقلون من مرحلة النياحة، إلى مرحلة أخرى من البناء والتثقيف والإعداد والتربية؛ ليقينهم أن العواطف لا تجدي شيئاً في عالم الصراع اليوم.

ولقد وعت الصوفية هذه الحقيقة، فسعت إلى إقامة حركة نسائية، امتدت في

بلدان عدة، تقوم بتربية المرأة تربية تتفق مع المنهج الصوفي.

فأين المتحرقون من أهل السنة والجماعة حقاً لواقع المرأة المسلمة حتى لا

تكون صيداً سهلاً للمنصّرين وللرافضة والمبتدعة؟

وبعد: فما زالت المرأة تتطلع إلى المزيد من عناية العلماء والدعاة بها، كما

أن الصحوة تنتظر من المرأة الكثير والكثير من التوجيه والإرشاد السليمين من

الإفراط والتفريط.

وما نيل المطالب بالتمني

والله من وراء القصد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015