دراسات تربوية
الاهتمام بدعوة المرأة وتربيتها (1من2)
بقلم: عبد اللطيف بن محمد الحسن
تعاني الصحوة اليوم من ضعف في طاقاتها العاملة المؤهلة التأهيل اللازم، مما يساعد على محدودية الانتشار، ونخبوية العمل، ومن أشد ذلك تَبِعَةً: عدم تكافؤالجهد المبذول لدعوة المرأة وتربيتها مع الواجب تجاهها، وما ترتب عليه من تنحي المرأة عن ميدان الدعوة، وبخاصة في ظل الدور الإفسادي المركّز الموجّه إلى المرأة المسلمة في جل ديار الإسلام لإبعادها عن رسالتها.
التقصير في دعوة المرأة:
إن نظرة في واقع الصحوة اليوم، ومكان المرأة فيه تنبئ عن ذلك دون عناء، ومن أبرز مظاهر ذلك:
1- قلة الطاقات والكفاءات الدعوية النسائية.
2- ضعف الاستفادة من هذا القليل؛ لندرة المبادرات الذاتية المستغلة لتلك
الطاقات القليلة، وإهمالها في غالب الخطط الدعوية.
3- ضعف التكوين الدعوي والتربوي والعلمي لدى الداعيات الموجودات،
وكثير من نساء الدعاة.
4- ضعف استيعابهن لدور أزواجهن الدعوي المنوط بهم شرعاً مما يفضي
إلى شيء من التذمر، وربما الخصام! !
5- تفشي الجهل في الأمور الشرعية لدى غالبية النساء.
6- تأثير الدور العلماني الموجه لإفساد المرأة في الواقع المعاش.
7- ندرة المؤسسات الدعوية النسائية.
8- ضعف المؤسسات النسائية الدعوية القائمة غالباً؛ بدليل ضعف الإنتاج،
وكثرة الوقوع في الأخطاء [1] .
أسباب التقصير:
إن مما سبب إهمال المرأة أموراً عدة، هي في الحقيقة عقبات وعوائق،
يصعب معها القيام بالواجب دون معرفتها وتحليلها، والسعي إلى معالجتها وتجاوزها:
-تسليم المجتمع للموروثات الخاطئة عن المرأة، ونظرته المستنقصة لها،
حيث يعتبرها مجرد أداة لحفظ النسل فقط، وأيضاً بمراعاته للعادات والتقاليد التي
ليس لها أصل في الشرع، والتي تحد من الحركة الدعوية للمرأة.
-عدم اقتناع الرجل بمسؤولية المرأة الدعوية، وذلك عندما يحمّل قول الله
(تعالى) : [وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ] [الأحزاب: 33] ، ما لا يحتمل، ويسيء استخدام
حق القوامة، فيمنع المرأة من الخروج لمصلحة دينها ودنياها، وينسى أن المعاشرة
بالمعروف تستلزم إذنه لها فيما لا محذور فيه ولا ضرر، ويسوء الحال أكثر عندما
يكون أنانياً، أو ضيِّق الأفق، لا يفكر إلا في مصلحة شخصه، وأسوأ من ذلك:
عندما يكون غير مستقيم.
-وبشكل أخصّ، فإن من الأسباب: غياب الأولويات لدى الرجل الداعية
الذي أذهله واقع أمته عن الاهتمام ببيته وأهله، واستُنفِدت طاقته في العمل الدعوي
خارج المنزل، فلم يُبق له شيئاً في ظل تخاذل غيره عن القيام بواجبه، مما أرهق
الداعية وأفقده شيئاً من التوازن الضروري.
-والمرأة ذات دور مؤثر في الموضوع؛ وذلك عندما يضعف مستوى الوعي
عند الملتزمات ويقفن دون مستوى النضج المطلوب، وأيضاً: حين تضعف رغبة
المرأة في التضحية، أو تبالغ في التوسع في المباحات والكماليات، مما يضاعف
جهدها داخل المنزل، وحين تصعب عليها الموازنة بين الحق والواجب، وحين
تفقد شيئاً من الموضوعية والتوازن، فتنسى أن عملها داخل بيتها هو جوهر
رسالتها، وتغفل عن أداء دورها فيه، وأيضاً: حين تجهل ترتيب الأولويات
فترتبط بعمل وظيفي يشغلها عن بيتها، فضلاً عن رسالتها الدعوية داخله وخارجه،
وكذلك حين ينقلب الحياء خجلاً من أداء الواجب، فيصير مرضاً خطيراً يفتقر إلى
العلاج.
-ومن الأسباب: محدودية بعض الدعوات الإصلاحية، وعجز أكثرها عن
استيعاب المرأة، وعدم مراجعتها لخططها وبرامجها، وضعف التربية المؤدي إلى
ضعف الشعور بالمسؤولية بالشكل المتكامل.
-ومن الأسباب: الكيد الخارجي والداخلي أيضاً المتمثل في الغزو الفكري،
وخاصة الموجه للمرأة، تحت ستار: تحرير المرأة، مما أقصى المرأة عن رسالتها، وشوّه صورة الإسلام في ذهنها، واستخدمها في غير ما خلقت له، ومنها أيضاً
الأوضاع الجائرة في كثير من بلاد المسلمين التي أقصت الرجال عن ميدان الدعوة، فضلاً عن النساء.
-وهناك أسباب أخرى، مثل: صعوبة المواصلات، وهذا أمر يهون؛ إذ لا
مانع من الدعوة داخل البيت، ومع الجيران والزائرات والأرحام، وفي هذه الحال
على ولي المرأة وكل من يعنيهم الأمر احتساب الأجر، وسعيهم في تذليل هذه العقبة.
أهمية إعداد المرأة الداعية:
ثمة أسباب ومسوغات كثيرة تعكس أهمية ذلك، ومنها:
1- أن المرأة أقدر من الرجل على البيان فيما يخص المجتمع النسائي.
2- أن المرأة تتأثر بأختها في القول والعمل والسلوك أكثر من تأثرها بالرجل.
3- أنها أكثر إدراكاً لخصوصيات المجتمع النسائي، ومشكلاته.
4- قدرتها على الشمولية للجوانب الدعوية النسائية، والتمييز بين الأولويات، لطبيعتها ومعايشتها للوسط النسائي.
5- أنها أكثر قدرة وحرية في الاتصال بالنساء، سواء بصفة فردية، أو من
خلال المجامع النسائية العامة، التي يكثر فيها لقاء النساء من خلال قنوات الدراسة
والتدريس والعمل والزيارات وغيرها.
6- أن كثيرات من المسلمات اللاتي يحتجن إلى دعوة وتوجيه وتربية يفتقرن
إلى وجود المحرم الذي يقوم بدعوتهن؛ مما يعني تحتّم قيام بنات جنسهن بهذا الدور
تجاههن.
7- أن وظيفة المرأة التربوية أوسع من وظيفة الرجل؛ لقيامها بالحمل
والولادة والرضاع والحضانة، مما يجعل الأولاد أكثر التصاقاً وتأثراً بها من الأب،
بالإضافة إلى طول ملازمتها للأولاد في البيت، خاصة قبل بلوغ الأبناء وزواج
البنات، مما يمكنها من تنشئة أولادها كما تريد، وبالتالي فقد تضيِّع كثيراً من جهود
زوجها الدعوية، إذا لم تحمل الهمّ الدعوي الذي يحمله، أو تقتنع بجدواه على الأقل، ولعل في قصة امرأة نوح (عليه الصلاة والسلام) وابنه ما يشير إلى هذا (نسأل
الله السلامة) .
8- أن للمرأة تأثيراً كبيراً على الزوج، فصلاحها معين على صلاحه،
وأيضاً فإن ضعف قناعتها بأمر دعوته موهن له كثيراً، وفي قصة طلب زوجة
فرعون الإبقاء على موسى (عليه السلام) ما يؤكد هذا، وكذا قصة إسلام عكرمة
بسبب إلحاح زوجه أم حكيم (رضي الله عنها) [2] .
9- تتميز المرأة بجملة من الصفات والخصائص، تؤكد الأهمية، كما ينبغي
وضعها في الحسبان، ومنها:
أ - رقة العاطفة، والحماس لنشر قناعاتها.
ب - ضعف الإرادة، وسرعة التأثر، وحب التقليد.
ج - ضعف التحمل، والميل إلى الفسحة واللهو.
د - كثرة الإلحاح على الرجل ومراجعته، ومحاولة ثني إرادته، وتغيير
قراره [3] .
آثار قيام المرأة بالدعوة:
-رفع الجهل وإعمال سعة الأفق الفكري، وتوفير كفايات علمية نسائية تكون
مرجعاً للنساء.
-إصلاح السلوك، واختفاء كثير من الممارسات الخاطئة التي أخذت طابع
الظاهرة الاجتماعية في كثير المجتمعات.
-كون الداعية رقيبة على نفسها في حركاتها وسكناتها، مما يقلل متابعة الرجل، وحرصه على ذلك للثقة بها.
-إبراز مكان المرأة في الإسلام وإشعارها بحقوقها وواجباتها؛ لتسعى إلى
أداء الواجب، والمطالبة بالحق الشرعي.
-التوازن في التوجيه، واتحاد الأهداف وتضافر الجهود لتنشئة الجيل المسلم
الصالح.
-سدها ثغرة من ثغرات المجتمع، بوقوفها أمام تيار الفساد الموجه ضد
المسلمين بعامة، والنساء منهن بخاصة.
-إحياء قوة الانتماء للإسلام، بإظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وهي من أعظم شعائره.
-تأمين رافد مالي مهم للدعوة، وهو جانب الإنفاق النسائي في وجوه الخير،
لوفرة ما لديهن عادة، ووجود المال أحياناً من إرث ونحوه، ومن ناحية أخرى:
حفظ مال الزوج من تبديده في الكماليات، للإبقاء عليه معيناً له على الاستمرار في
دعوته [4] .
المرأة المسلمة مدعوّة وداعية:
كل أمر ونهي عام في خطاب الشارع فإنه شامل للذكر والأنثى قطعاً، والمرأة
داخلة فيه بلا شك، وإنما يوجّهَ الخطاب للذكور تغليباً على الإناث، وهذا أمر سائغ
في اللغة، إلا أن هناك أحكاماً لا خلاف في اختصاصها بالرجال.
وبالمقابل فإن الله (عز وجل) ونبيه قد خصّا النساء بأمور دون الرجال، مما
يدل على اعتبار شخصيتها المستقلة عن الرجال، وهذا وذاك يؤكد وجوب التوجه
إلى المرأة بالدعوة والتربية والإصلاح والتوجيه؛ فإنها مخاطبة بدين الله (عز وجل) ، مأمورة بالتزام شرعه، مدعوة لامتثال الأوامر، وترك النواهي.
ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوجه للنساء خطاباً خاصاً بعد حديثه
للرجال، وربما خصهن بيوم يعلمهن فيه دون الرجال [5] .
ويؤكد الوجوب أيضاً: مسؤولية الرجل عن بيته مسؤولية خاصة، قال الله
(عز وجل) : [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ]
[التحريم: 6] ، وقال الرسول: (والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عن رعيته) [6] ، وقد أورد البخاري (رحمه الله) في باب: (تعليم الرجل أَمَته وأهله) حديث أبي موسى (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لهم أجران وذكر منهم: رجل كانت عنده أَمَةٌ فأدبها فأحسن تأديبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران) [7] ، ولا شك أن الاعتناء بالأهل الحرائر في التعليم والتربية آكد من الاعتناء بالإماء.
ويزداد هذا الواجب في حق الداعية؛ لاعتبارات كثيرة لا تخفى، هذا من
ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المرأة مكلفة بالدعوة إلى الله (عز وجل) ، ويستفاد
وجوب الدعوة عليها من أدلة كثيرة منها:
1- عموم الأدلة على وجوب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
كقول الله (تعالى) : [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَاًمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ... ] [آل عمران: 104] ، ونحوه من الآيات والأحاديث.
2- تخصيصها بخطاب التكليف بالدعوة؛ كقوله (تعالى) : [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ
لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ
وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً] [الأحزاب: 32] ، قال ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله
(تعالى) : [وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً] : (أمْرُهن بالمعروف، والنهي عن المنكر) [8]
وهذا خطاب عام لنساء المؤمنين، وقوله (تعالى) : [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... ] [التوبة: 71] ، وهذا دليل على وجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر عليهن كوجوبه على الرجال، حيث وجدت
الاستطاعة، وكذا قوله: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ... ) ، وفيه:
(والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم) ، والراعي: هو
الحافظ المؤتمن على ما وضع عنده، الملتزم صلاح ما قام عليه.
3- بعض الأحوال والقرائن والأحكام الشرعية، نحو:
أ- حرمة الاختلاط بين الجنسين؛ مما يعني وجوب قيام داعيات بين صفوف
النساء.
ب- وجود بعض الأحكام الشرعية التي اختصت المرأة بروايتها عن النبي.
ج- صعوبة قيام الدعاة من الرجال بكل ما تحتاجه الدعوة بين النساء؛
لاختصاص المرأة ببعض الأحكام والأعذار الشرعية، التي يصعب إفصاح الرجال
عنها، وتستحيي النساء من السؤال عنها [9] ، إلى غير ذلك من الأمور التي
يصعب القول معها بغير الوجوب.
حقيقة دور المرأة الدعوي المطلوب:
الناظر في دور المرأة المسلمة في هذا المجال يجد أنه كان لدعم عمل الرجل،
ولا يصح بحال أن يستهان بهذا الدور؛ فإن المرأة تمثل السكن النفسي للرجل،
وهي بذلك تؤدي دوراً دعوياً مهماً؛ لأنه لا يستطيع حل مشكلاته الخاصة إذا كان
مشغول البال، فضلاً عن تحمله أعباء الدعوة. وكم عرفت الدعوات أناساً سقطوا
على طريق الدعوة أو ضعف إنتاجهم؛ لهذا السبب.
وموقف خديجة (رضي الله عنها) في مواساة النبي -صلى الله عليه وسلم-
ومؤازرته وعونه: أكبر دليل على الأهمية البالغة لهذا الدور. ولقد تأملت في حال
الصحابة (رضي الله عنهم) وسلف الأمة (رحمهم الله) في انطلاقهم في كل صقع من
الأرض، مجاهدين ودعاة ومربين ... وغياب بعضهم المدد الطويلة فألفيتها تعطي
أوضح دليل على ما كان لنسائهم من دور فعّال في تربية أبنائهم، الذين كانوا على
خطى آبائهم؛ ديناً ومنهجاً وقوة ومَضَاء! ! .
وجُلّ نساء اليوم لا تعي هذا الدور، ولا تفهمه، ومن باب أوْلى لا تقوم به،
فعندما تزف البنت إلى عش الزوجية تظنه مكاناً للراحة والتدليل، وما درت أنه
بداية الكفاح والتضحية والمسؤولية والعطاء الذي تطرق به باب الجنة، إن قامت به
على وجهه.
ولا يقف دور المرأة عند هذا الحد، فإن لها دوراً قوياً مؤثراً في كونها قدوة
حسنة، كريمة الأخلاق، حسنة المعشر، تقضي حوائج الناس، وتشاركهم همومهم
وأفراحهم مع التزام الشرع إضافة إلى الدعوة المقصودة في انتهاز الفرص المناسبة
للدعوة والتوجيه، مع مراعاة أحوال المدعوات والمدعوين من المحارم [10] ، وقد
بلغ نساء السلف في هذا مبلغاً عظيماً.
صور من دعوة المرأة تجلي دورها:
حقاً لقد فهمت المرأة واجبها فبدأت بنفسها، فبادرت بطلب حقها من التعليم
والتربية ولم تبالِ بعد ذلك بما حصلت عليه من متع الحياة الفانية، روى البخاري
عن أبي سعيد (رضي الله عنه) قال: قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال،
فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن..
الحديث [11] .
فكانت ثمرة ذلك الفهم النسوي مع ذلك الاهتمام النبوي صوراً مشرقة، أدعو
المرأة المسلمة إلى الوقوف معها.
فهذه (أم سليم) (رضي الله عنها) تلقن ولدها أنس بن مالك الشهادتين، مع
رفض زوجها مالك بن النضر الإسلام، حتى هلك، فخطبها أبو طلحة وكان مشركاً
فتجعل مهر زواجها الإسلام، فيسلم، فتتزوجه، وتجعل ابنها خادماً لرسول الله -
صلى الله عليه وسلم-، وأم حكيم كانت سبباً في إسلام زوجها عكرمة، وعمة عدي
بن حاتم كانت سبباً في إسلامه (رضي الله عنهم) .
وعَمْرَة امرأة حبيب العجمي توقظ زوجها للصلاة ليلاً، وتقول: (قم يا رجل! فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل
الصالحين قد سارت قدّامنا، ونحن قد بقينا) [12] ، وأسماء (رضي الله عنها) نهت
ابنها عبد الله ابن الزبير (رضي الله عنهما) عن قبول خطة غير مرضية خشية
الموت، مع كبر سنها، وحاجتها لابنها، ومن قبل كان لها موقف في صباها يوم
هجرة الرسول، حين سميت (ذات النطاقين) ، وكانت حفصة بنت سيرين (رحمها
الله) تقول: (يا معشر الشباب! خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني ما رأيت العمل
إلا في الشباب) [13] ، فإذا كان هذا حالهن في دعوة الرجال، فماذا يُظن بدورهن
بين النساء؟ .
وإذا انتقلنا إلى دائرة أوسع وجدنا للمرأة المسلمة دوراً عظيماً في التضحية
والبذل لدين الله (عز وجل) ، فبذلت سمية (رضي الله عنها) نفسها قتلها أبو جهل
لإسلامها، فكانت أول شهيدة في الإسلام، وأنفقت خديجة (رضي الله عنها) مالها،
فكانت أول مناصر للدعوة، وكانت رقية (رضي الله عنها) من المهاجرات إلى
الحبشة أول مرة، وضحّت أم سلمة (رضي الله عنها) بسبب الهجرة كثيراً، ففارقت
زوجها، وأوذي ولدها، حتى جمع الله شملها، وكان لعائشة (رضي الله عنها)
صولات وجولات في العلم والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وحضرت أم عمارة يوم أحد، وابنها معها، وقاتلت دفاعاً عن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، وحضر نساء من المسلمين يوم اليرموك، فرددن المنهزمين إلى
صفوف القتال، وكان لرفيدة الأسلمية وغيرها جهد في معالجة جرحى المسلمين ...
والأمثلة أكثر من أن تذكر.
ضوابط عمل المرأة الدعوي:
الدعوة الموجهة إلى المرأة ينبغي أن لا تخرجها عن فطرتها وأنوثتها؛ وهناك
ضوابط مهمة في هذا الباب يمكن إجمالها فيما يلي:
1 - الأصل: قرار المرأة في البيت، قال (تعالى) : [وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى] [الأحزاب: 33] ، وقال: (المرأة عورة، فإذا
خرجت من بيتها استشرفها الشيطان حتى ترجع) [14] .
2 - للمرأة أحكام خاصة، لا بد من مراعاتها في أي نشاط دعوي يوجه إليها، أو تقوم به، ومن ذلك:
أ - التزام الحجاب الشرعي بشروطه، مع تغطية الوجه والكفين، فالوجه
موضع الزينة، ومكان المعرفة، والأدلة على وجوب ستره كثيرة.
ب - تحريم سفرها دون محرم، قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي ...
محرم) [15] .
ج - تحريم خلوتها بالأجانب، لقوله: (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي
محرم) وفي رواية: (إلا كان الشيطان ثالثهما) [16] .
د - تحريم اختلاطها بالرجال الأجانب، فقد قال للنساء: (استأخرن؛ فإنه
ليس لكنّ أن تَحْقُقْن الطريق، عليكن بحافات الطريق) ، فكانت المرأة تلتصق
بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به [17] .
هـ تحريم خروجها من بيتها إلا بإذن وليها ... إلى غير ذلك من الضوابط
الشرعية التي لا يجوز الإخلال بها.
3 - يضرب أعداء الإسلام على هذا الوتر الحسّاس، ويجعلون مثل هذه
الأحكام مدخلاً لوصفهم الإسلام بإهانته المرأة، فتأثر بذلك بعض دعاة الإسلام،
فحصل لديهم تفلّت في هذا الباب، فيتأكد في حق دعاة أهل السنة: ضرورة
الانضباط في ذلك، وعدم التأثر والانصياع لشهوات المجتمع ورغباته.
4 - الأصل في الدعوة والتصدر للميادين العامة: أنها للرجال، كما كان
الحال عليه في عصر الرسول والقرون المفضلة، وما رواه التاريخ من النماذج
النسائية الفذة لا يقارن أبداً بما روي عن الرجال؛ وذلك مصداق قول النبي: (كمل
من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا: آسية: امرأة فرعون، ومريم: بنت
عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) [18] ،
فطلبُ مساواة المرأة بالرجل في أمور الدعوة ينافي روح الدعوة أصلاً.
5 - ولا يعني هذا الكلام إلغاء دور المرأة وتهميشه وإهماله، بل دورها لا
ينكر، وشأنها له أهميته، لكن مع التزام ما سبق [19] من ضوابط، وللحديث بقية
في العدد القادم إن شاء الله (تعالى)