مجله البيان (صفحة 2525)

مقال

الإرهاب مصطلحاً!

بحث في إشكالية تعريف (الإرهاب)

وسر غموض التعريف

بقلم:أحمد بن صالح السالم

مع ما نلحظه فيما يتعلق بمصطلح (الإرهاب) من إجماع دولي على محاربته،

وتخطيط محكم لاقتلاع جذوره ونسف شجرته، نلحظ أيضاً عدم امتلاك أي من هذه

الدول لتعريف واضح ومقبول لهذا المصطلح.

فلماذا بدا مثلاً (الأفغان) ، و (الإيرلنديون) ، و (الكشميريون) إرهابيين في

نظر أعدائهم الروس، والإنجليز، والهنود، بينما لا يعتبرهم آخرون كذلك؟ ! بل

ما هو الأساس الذي اعتمد عليه الصرب المجرمون في وصم (البوشناق) المساكين

بالإرهاب؟ ! .

ومن هنا تتبين أهمية طرح إشكالية تعريف هذا المصطلح، واستجلاء سر

غموضه، بل تعمد أن يكون غامضاً، من أجل أن نصل أخيراً إلى تقدير مدى

إمكانية إقرار المصطلح واستخدامه.

أولاً: إشكالية التعريف:

أ- المعنى اللغوي:

تبين لنا من خلال استقراء المعاجم العربية الأصلية أنها قد خلت من كلمة

(إرهاب) ، وهي كلمة أقرها المجمع اللغوي وجذرها (رهب) بمعنى خاف.

ومصطلح (الإرهاب) ترجمة حرفية للكلمة الفرنسية (Le Terrorisme)

التي استحدثت أثناء الثورة الفرنسية، وهي ترجمة حرفية أيضاً للكلمة الإنجليزية

(Terrorism) ، ويُعْتَقَدُ أن الترجمة الصحيحة للمصطلح الأجنبي هي كلمة

(إرعاب) ، وليس (إرهاب) [1] .

ب- المعنى الاصطلاحي:

من أجل تأكيد أعمق لإشكالية التعريف الاصطلاحي نشير إلى أن كتاباً [2]

أُورد فيه من تعريفات الإرهاب ما يزيد على المائة وضعت من قِبَلِ بعض

المتخصصين بين عامي 1936م 1981م.

ونظراً لحاجة التحليل الذي نحن بصدده إلى بعض التعريفات أثبت منها ما

يلي:

1- يعرّف (جي فاوفيتش) ، الإرهاب بأنه: (الأعمال التي من طبيعتها أن

تثير لدى شخص مّا الإحساس بالخوف من خطر مّا بأي صورة) [3] .

2- أما (ليمكين) فيعرف الإرهاب بأنه: (يكمن في تخويف الناس بمساعدة

أعمال العنف) [4] .

3- ويعرفه (جورج ليفاسير) بأنه: (الاستعمال العمدي والمنتظم لوسائل من

طبيعتها إثارة الرعب بقصد تحقيق أهداف معينة) [5] .

4- أما المشروع الفرنسي المقدم عام 1972م، للأمم المتحدة فيعرف

الإرهاب بأنه: (عمل بربري شنيع) ، في حين وصفته (فنزويلا) بأنه: (عمل

يخالف الأخلاق الاجتماعية ويشكل اغتصاباً لكرامة الإنسان) [6] .

ولكي نتمكن بعد استعراض هذه التعريفات من تحليلها بغرض تحديد درجة

دقتها وقياس مدى إمكانية الاعتماد عليها في عملية وصف وضبط وتحديد ما يمكن

تسميته بـ (العمل الإرهابي) ، فإنه لا بد من إيضاح أركان (الإرهاب) .

ج- أركان الإرهاب:

بعد تأمل ما يسمى بـ (العمل الإرهابي) ، يمكن القول بأنه يقوم على أركان

أربعة هي:

1- القائم بالعمل. 2- الهدف.

3- الوسيلة. ... ... 4- المستهدف.

ولكي يكتسب تعريف (الإرهاب) صفة الدقة، ويحظى بدرجة معقولة من

القبول: فإنه لا بد من قيامه على هذه الأركان الأربعة مجتمعة، مع ضرورة اتكائه

على عقيدة أو إيديولوجية معينة، وذلك لتعذر ضبط الهدف والوسيلة إلا بالاعتماد

على مثل هذه العقيدة أو الإيديولوجية.

وبهذا يتبين لنا عدم دقة أي من هذه التعريفات لعدم اصطباغها بالمقومات

الضرورية السابقة واللازمة لاكتساب صفتي الدقة والقبول.

وفي هذا السياق، ومن أجل تقرير وتأكيد حقيقة مهمة نبادر بطرح السؤال

التالي:

لماذا لم تفلح الدول في بلورة تعريف واضح ومقبول للإرهاب؟

السبب في ذلك يعود إلى تباين وتضارب العقائد أو الإيديولوجيات التي

اعتنقتها الدول وارتضتها مناهج حياتية لها ولشعوبها واتخذتها فلسفة تصدر عنها في

سن تشريعاتها ونظمها، فأدى ذلك التباين والتضارب إلى جعل اتكاء التعريف على

عقيدة أو إيديولوجية بعينها أمراً متعذراً ... فتم الاتكاء على الأخلاق الحضارية

والقيم الإنسانية والمعطيات الواقعية! ! ! .

ثانياً: سر غموض المصطلح:

وحتى مع الإقرار بالحقيقة السابقة فإنه يبرز سؤال تعوزه إجابة منطقية مفاده: ألا تستطيع هذه الدول أن تقلل من غموض هذا المصطلح وتظفر بالتالي بتعريف

أكثر دقة وقبولاً وأقرب إلى تحقيق العدل والإنصاف؟

بلى! تستطيع ... بيد أن الكبيرة منها على وجه الخصوص تهدف إلى

ممارسة الإذلال والاضطهاد لأعدائها من خلال المصطلح ذاته، ولا سيما الأعداء

الأيديولوجيين وعلى الأخص الراديكاليين الدينيين (أو بتعبيرهم المتزمتين!) ! .

فأصبحت هذه الدول في جو ضبابية المصطلح لا تتكلف إذا أرادت أن تقضي

على أعدائها (أياً كانوا: شخصاً، جماعةً، حزباً، نظاماً، شعباً) أكثر من أن تشير

ببنانها إلى هذا العدو واصمة إياه بالإرهاب؛ لتنطلق بعد ذلك نحوه بخيلها ورجلها

جيوش العالم التي سبق تجييشها ضد (الإرهاب) دونما تروٍ ولا تثبت، بل ولا

سماعٍ لشاهد آخر! !

ولقد ثبت عن وكالات الاستخبارات الغربية ما يؤكد هذه الحقيقة، فمن ذلك:

ما ثبت عن إحداها قولها: (إن الدوائر الرسمية في الدولة قد تعمد إلى استدراج

(رئيس دولة ما) إلى مغامرة خارجية أو انتقال أعمال إرهابية لتهيئة الأجواء الدولية

لتوجيه ضربة موجعة لهذه الدولة) [7] .

ومما يفيده هذا الاقتباس أن هدف هذه الدول قد يتعدى إلى ما هو أكبر من

تصفية شخص عادي أو القضاء عليه أو حتى جماعة أو حزب.. وبهذا ندرك سر

تعمد الغموض.. فلماذا يعينهم الآخرون على أنفسهم؟ ! .

وإلى هذا الهدف يضاف هدف آخر لا يقل أهمية عنه، بل هو أهم،

ويتلخص في سعيهم الجاد إلى القضاء على الالتزام الصحيح بالإسلام عقيدة وشريعة

ومنهاج حياة وذلك من خلال إقرارهم واقعياً للمعادلتين التاليتين:

إسلام المعتدلين (في نظرهم) الإرهاب

إسلام المتشددين (في نظرهم) الإرهاب

فهم يصفون الإسلام الذي يساوونه بالإرهاب بأنه أصولية وتطرف! ! .

أما الإسلام الذي لا يصح من وجهة نظرهم أن يُربط بالإرهاب فهو إسلام

المعتدلين! !

هذا بالنسبة للدول الكبيرة، أما الصغيرة منها فمعظمها يرمي إلى تحقيق

الهدف الثاني من وراء استخدام هذا المصطلح الضبابي! ! أما الهدف الأول فمتعذر

لهم وممكن عليهم! ! !

ثالثاً: المصطلح: استخدام أم إحجام؟

وفي نهاية الموضوع نأتي إلى السؤال (الثمرة) الذي يُلِحّ على تحرير إجابة

منهجية له وهو:

هل يسوغ لنا استخدام هذا المصطلح بعد الإقرار بهذه الحقائق والتسليم بها؟ !

والجواب: لا يسوغ استخدامه من وجهة نظري لأسباب من أهمها:

1- أن الله (عز وجل) يقول: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا

انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ] [البقرة: 104] .

وأجزم بأن الآثار السيئة المترتبة على إقرار هذا المصطلح واستخدامه أكثر

وأخطر من تلك التي قد ترتبت على قول بعض المؤمنين [رَاعِنَا] وهو ما

سيتضح في النقاط التالية.

2- أننا بإقرار هذا المصطلح واستخدامه قد نمكّن للحاقدين من تنفيذ

مخططاتهم العدوانية.

3- قد يفيد استخدام المصطلح دون تبيين لماهية الإرهاب المُدان من الناحية

الشرعية بأننا نحكم على بعض الأعمال الجهادية بأنها من الإرهاب! .

4- لقد تقرر معنى الإرهاب في كثير من الأحيان عند أولئك بأنه الإسلام!

فهل نُدينه نحن بدورنا! !

5- إن مصطلح (الإرهاب) قد جاء في قوله (جل وعز) : [وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا

اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ

لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ] [الأنفال: 60] .

رابعاً: مصطلحات بديلة:

لغتنا العربية لغة ثرية في كلماتها، دقيقة في معانيها، واسعة في مصطلحاتها، واضحة في لوازمها، وهي مع ذلك لغة تواكب تطورات العصر وتفي باحتياجاته.

وعليه فإن المصطلحات التي يمكن استخدامها كبديل لمصطلح (الإرهاب)

كثيرة في عددها ومتنوعة في أغراضها، فمنها على سبيل المثال: العنف الإجرام العدوان.

وأخيراً:

أؤكد على أولئك الذين لم يقتنعوا بعدُ بعدم تسويغ استخدام هذا المصطلح،

وعلى أولئك الذين اضطرهم السياق إلى التحدث بلغة القوم، أؤكد عليهم جميعاً بألاّ

يستخدموه على نحو يُشعر بقبولهم العام له، أو بانتفاء الإشكالية في تعريفه، وبألا

يستخدموه على نحو يكرس ما لا يجب تكريسه! ! .

والله الموفق،،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015