منتدى القراء
الرد على شاتم الرسول
صلى الله عليه وسلم
بقلم:مبارك عامر بقنه
عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: (يكون دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا
رسول الله صفهم لنا، قال: هم قوم من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا) [1] .
الحديث يخبر عن أمر غيبي، وهو من معجزات الرسول الله -صلى الله عليه
وسلم- الدالة على صدق ما يقوله ويخبر به من أمر الغيب؛ فها نحن نرى اليوم
أُناساً يتكلمون بألسنتنا، ويلبسون زيّنا، ويعيشون بيننا، يدْعون بكل أسلوب وبكل
طريقة إلى القدح في هذا الدين؛ بل والشتم في صاحب هذه الدعوة الخالدة رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-.
بالأمس القريب كان الشتم بلسان أعجمي [2] ، واليوم بلسان عربي [3] ، قد
طرح لباس التقوى، وجلباب الحياء، وجنّد نفسه لمحاربة هذه الدعوة الخالدة، فلا
إيمان يردعه، ولا احترام أو أدب أو حبّاً للرسول يمنعه، ولا خوفاً من عقوبة
يوقفه.
وإنني والله لأعجب أشد العجب؛ كيف يجرؤ مسلم على وجه الأرض أن
يقول: إن محمداً (قد فشل في دعوته) [كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إن يَقُولُونَ
إلاَّ كَذِباً] [الكهف: 5] .
هذا الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي اصطفاه الله، ورفع من قدره،
وجعله خير خلقه.. فاشل؟ ، إن هذا لشيءٌ عُجاب، فوالله ما سمعنا بهذا من قبل،
إن هذا إلا اختلاق، إن كان محمد قد فشل في دعوته، فمن ذا الذي قد نجح في
دعوته إذن؟ ، وتوضيحاً لخطأ وخطر هذه الدعاوى غير المسؤولة، أقول وبالله
التوفيق: إن هذا الكلام الباطل يلزم منه إلزامات كثيرة، أذكر بعضاً منها:
أولاً: القدح في الله (عز وجل) ؛ لأن الله يقول: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ] [الأحزاب: 21] ، فكيف يكون
لنا أسوة في رجل فاشل في دعوته؟ ؛ ثم يكتم الله ذلك ولا يبينه لنا، ولا يعاتب
نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يبين الأسلوب الأمثل في الدعوة، فهذا يخالف
الحق ويخالف قول الله (تعالى) : [يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ] [النساء: 26] .
ثانياً: القدح في الرسول الكريم قدح في عقله وعلمه؛ لأن الغالب أن الفشل
يأتي نتيجة نقص في العقل والعلم، حيث لا يتصرف بحكمة وعلم، ولا يعرف
أفضل الطرق في الدعوة، وعليه: فابتلاؤه (عليه الصلاة والسلام) وتلقيه الأذى من
قومه كان نتيجة عن أخطاء ارتكبها الرسول في دعوته لقومه، وهذا باطل في حقه
لأنه مسدد بالوحيين.
ثالثاً: الطعن في الرسول طعن في الدين، فمن فشل في دعوته يكون فاشلاً
في نقل الرسالة وتبليغ الناس ما أمر الله (عز وجل) ، وهذا خلاف الواقع.
رابعاً: القدح في نجاح دعوته قدح في أصحابه؛ لأن إذا كان صاحب الرسالة
وهو القدوة المتبع قد فشل، فمن باب أولى أن يلحق الفشل بالصحابة والتابعين وكل
من اتبعه.
خامساً: عذر المشركين والكفار بعدم استجابتهم للرسول، حيث إن الرسول
قد فشل بزعمه في إظهار محاسن الإسلام كاملة، ولم يحسن الدعوة، فكان لهم الحق
في عدم اتباعه وهذا لا يقول به مسلم.
سادساً: جهل أمة محمد من عهد الصحابة إلى عهد هذا الرجل، حيث لم
يلحظوا هذه الدعوى حيال الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم يُذكر أن أحداً
من أمة محمد ادعى فشل الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعوته، وإن كان
ما يقول المذكور حق فإنه يلزم من ذلك جهل أمة محمد، أو أنهم قد علموا ذلك ولكن
تواطؤوا على كتمانه.
هذه بعض الإلزامات، والحقائق، التي بعضها يخرِج من الدين، فكيف بها كلها؟ !
وإنني أريد أن أسأل الدكتور: هل ترضى أن يقول لك أحد إنك رجل ... (فاشل) ؟ الجواب: معروف، لأنه ليس هناك أحد يريد أن ينسب إلى الفشل حتى ولو كان فاشلاً، فكيف ترضى بأن ينسب الرسول إلى الفشل؟
ألم تعلم أن الله قد عاتب قوماً رفعوا أصواتهم عند رسول الله وحذّرهم من أن
تحبط أعمالهم، فقال (عز وجل) : [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ
صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا
تَشْعُرُونَ] [الحجرات: 2] ، والله للذي قلت لهو أشد من رفع الصوت عند رسول
الله، أفلا تخشى أن يحبط الله عملك؟ !
وقولك: إنه قد فشل في دعوته، كلام باطل يرده الواقع؛ فلو كان قد فشل في
دعوته لما بَقِيَت إلى هذا الزمان، ولما انتشرت في جميع أنحاء المعمورة، بل إنه
قد تجاوز أتباعه المليار من المسلمين، فهل هذا يسمى فشل! !
ولا يقتضي الأمر من عدم دخول قريش في الإسلام في بداية الدعوة فشل
الرسول في تبليغ الرسالة ودعوتهم إلى الله، كلا والله؛ لأن أساس الدعوة إلى الله
هي البلاغ وليست إلزام الناس وإرغامهم على الدخول في دين الله، وكونهم لم
يستجيبوا للرسول فهذه حكمة الله وإرادته وليس فشلاً من الرسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، ولو كنت تمارس الدعوة إلى الله لعلمت ماذا تعني الدعوة ولما تجرأت
وتفوهت بما تقول، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل.
وفي الختام: لا أريد أن أطيل، فالأمر بيّن ولا يحتاج إلى إطالة، فالعدو
يشهد قبل الصديق ببراعة ونجاح الرسول في دعوته، ولا ينكر هذا إلا معاند، ألم
يأن لهؤلاء أن يحترموا عقيدتنا، وإن يلجموا ألسنتهم عن نبينا، وأن يتركوا الطعن
والقدح في ديننا من خلاله، وليسلكوا باباً آخر للشهرة؟ علّهم يجدون بغيتهم.