رسائل جامعية
الحداثة في العالم العربي
دراسة عقدية
عرض: أحمد سعيد البتاكوشي
قام الباحث الأستاذ (محمد بن عبد العزيز العلي) بإعداد رسالة علمية لنيل
درجة (الدكتوراه) من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين، جامعة
الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكان عنوان أطروحته: (الحداثة في
العالم العربي، دراسة عقدية) ، وقد أجيزت هذه الرسالة سنة 1415هـ، ومنح
الباحث درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى.
وقد أشار الباحث في مطلع رسالته إلى أهم أسباب اختياره هذا الموضوع،
فذكر منها:
1- كثرة المؤسسات التي تعنى بنشر الحداثة، وحرص الحداثيين على الدعوة
إلى مبادئهم.. مما يستدعي كشف مخطاطاتهم وفضح مكائدهم.
2- ادعاء بعض الحداثيين في الدول العربية أن الحداثة خاصة بالأشكال
الأدبية، فلا علاقة لها بالعقائد والأفكار.. فوجب بيان ماهية الحداثة وكذب ذلك
الادعاء وبيان ما ينطوي عليه من أخطاء.
3- جهل كثير من الناس بالحداثة واستغلال هذا الجهل من قبل الحداثيين،
لبَثّ أفكارهم عبر ما يسمونه إبداعاتهم، فلزم فضح أفكارهم وإظهارها للناس.
4- اختفاء كثير من أصحاب الاتجاهات الماركسية والبعثية والعلمانية خلف
شعار الحداثة، وبخاصة بعد كشف زيف تلك الاتجاهات ...
ومن الصعوبة بمكان اختصار مادة الرسالة في سطور؛ لكثافة المادة وطولها
من ناحية، وكثرة تشعبها وتفصيلاتها من ناحية أخرى، ولذا: سأضطر إلى
الإشارة إلى بيان خطوطها العريضة باختصار:
مخطط البحث:
قسّم الباحث رسالته إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، ثم خاتمة.
تطرق في المقدمة إلى أهمية الموضوع والتعريف به، ومنهجه في الدراسة،
وتحدث في التمهيد عن تعريف بالمصطلحات المتعلقة بالموضوع، كالتراث
والتجديد والعصرانية والتنوير والبنيوية، ثم تحدّث عن التجديد الصحيح وضوابطه وتسليط الضوء على التجديد المنحرف وخطورته.
أما الباب الأول: فتناول مفهوم الحداثة ونشأتها ومصادرها، ويشمل ثلاثة
فصول:
ففي الفصل الأول: بيّن مفهوم الحداثة، وحرص على ذكر مفهومها عند
أربابها الغربيين، ثم أتبعه ببيان مفهومها عند أصحابها في العالم العربي، مما يتبين
معه صدورهما من منبع واحد.
وفي الفصل الثاني: تحدث عن جذور الحداثة ومصادرها الفكرية والفلسفية،
وبيّن أن مصادر الحداثة في العالم العربي هي الحداثة الغربية وما صدرت عنها من
فلسفات، وكذا الماركسية والوجودية، ثم ذكر المصادر الباطنية والصوفية، وبيّن
أن كثيراً من الأفكار الحداثية نابعة من ذلك المسلك.
وفي الفصل الثالث: استقرأ الباحث نشأة الحداثة وتاريخها، فتحدث عن
تاريخها ومكان نشأتها في الغرب، ثم فصّل الحديث عن نشأتها وتاريخها في العالم
العربي.
وأما الباب الثاني: فهو حديث عن اتجاهات الحداثة، ودعاتها، ووسائل
نشرها، وفيه ثلاثة فصول:
عَرَض الباحث في الفصل الأول لاتجاهات الحداثة، فعرّف بالاتجاه وأتباعه
في الغرب إجمالاً، ثم تحدث عن أتباعه في العالم العربي.
وذكر في الفصل الثاني دعاة الحداثة ومواقفهم، وقسّمه إلى قسمين: ففي
القسم الأول: تحدّث عن دعاة الحداثة ومنظريها، وفي القسم الثاني: تحدّث عن
بعض الأتباع والغوغاء الذين كثرت مقالاتهم دعايةً للحداثة، وليسوا في مكانتهم
الحداثية كالقسم الأول.
وفي الفصل الثالث: كشف الباحث عن أهم وسائل نشر الحداثة في العالم
العربي، كالصحف والمجلات والكتب والأندية والمؤتمرات والمهرجانات.
وفي الباب الثالث: تحدّث عن أسس الحداثة وآثارها، ويشتمل على أربعة
فصول، بيّن الباحث في الفصل الأول قول الحداثيين بالصراع بين القديم والجديد،
ووضح في الفصل الثاني قولهم بضرورة التحول والتطور، مبيناً الأمور التي يرون
ضرورة تغييرها وتحويلها، وكشف الباحث في الفصل الثالث عن قولهم برفض ما
هو قديم وثابت، فبيّن ما ينطوي عليه هذا الاتجاه من رفضهم لمصادر الدين
والعقيدة، ورفضهم علوم الشريعة الإسلامية، ورفضهم اللغة العربية.
ودَرَس الباحث في الفصل الرابع آثار انتشار المفاهيم الحداثية في العالم
الإسلامي ووسائل مقاومتها.
ثم ختم بحثه بخاتمة تحدث فيها عن أهم النتائج التي توصل إليها خلال بحث
هذا الموضوع.
قراءة في الرسالة:
وقد أحسن الباحث في دراسة هذا الموضوع الشائك والطويل، وبذل جهوداً
ظاهرة في الكشف عن حقيقة الحداثة وجذورها ونشأتها، كما أبدع في استقراء
وتتبع مناشط الحداثيين ومنابرهم، ووسائل نشرهم الحداثة في العالم العربي.
وتميّزت الرسالة بتوثيق النقول، والدقة في عزوها، حيث رجع الباحث إلى
كتب وكتابات الحداثيين أنفسهم، وتتبع مقالاتهم في مختلف الدول العربية، كما
أورد جملة طيبة من أقوال الناقدين للحداثة من النقاد المختصين الذين درسوها عن
كثب ووضحوا حقيقتها بجلاء.
وقد رجع الباحث إلى ستمئة وأربعين كتاباً، كما تتبع كمّاً هائلاً من أنواع
الدوريات، حيث رجع الباحث إلى ما يزيد عن سبعين عنواناً من صحيفة أو مجلة.
وتتكون الرسالة من أربعة مجلدات، وبلغت صفحاتها ألفاً وستمئة وخمسين
صفحة.
ولا تزال الرسالة بحاجة إلى مزيد بحث وتحرير في بيان الحكم الشرعي تجاه
مقالات الحداثيين وأفكارهم.
ومما يحسن إيراده من هذه الرسالة القيّمة: ما سطّره الباحث في شأن آثار
الحداثة في العالم الإسلامي، فذكر منها:
1-إشاعة الفوضى العقدية والثقافية في العالم الإسلامي.
يقول الباحث: (ولقد تتبعت كثيراً من الصحف والمجلات والأندية
والمهرجانات واللقاءات الأدبية، فتبيّن لي أن أثر الحداثيين جدّ خطير على عقيدة
المسلمين، وذلك: أني رأيت أنهم خدعوا كثيراً من الناس، وبخاصة الشباب، فكم
قرأت وسمعت لشباب صغار جهّال يتجرؤون على نقد أحكام شرعية ولمز العقائد
(الموروثة) والقدح في العلماء، يلمزونهم بوصف (أصحاب الكتب الصفراء)
بزعمهم.
2- إيجاد طبقة معزولة عن المجتمع سياسيّاً وعقديّاً، فالحداثة تتطلع إلى
سلطة فوضوية لا تحرم محرماً، ولا تمنع قولاً أو عملاً مهما كان، بدعوى حرية
المبدع فيما يقول، وفي العقيدة تدعو الحداثة إلى فلسفة وضعية حديثة، غربية، لا
تؤمن بدين ولا تصدر عن أحكام إسلامية (تراثية قديمة) .
3- انخداع بعض المنتسبين للدعوة الإسلامية من العقلانيين وأمثالهم، ببعض
دعاوى الحداثة المتمردة على النصوص الشرعية والالتزام بها، ومن ذلك ما كتبه
(هويدي) في الدفاع عن (أدونيس) .
4- تجرؤ بعض النساء على الأحكام الشرعية بنقدها والخروج عليها،
وحجتهن في ذلك: أقوال الحداثيين وشبههم.. ومن ذلك: رفض الحجاب،
والمطالبة بالاختلاط، والتمرد على الثوابت الإسلامية المحترمة.
5- ومن آثار الحداثة: إعلاء شأن الفرق الباطنية والفلسفية والصوفية
بدعوى الحرية للجميع.
6- تغلغل كثير من الحداثيين في وسائل التربية والتعليم والإعلام في العالم
الإسلامي.. حتى قال (أدونيس) : (كن معي ... وأستطيع أن أجعل مقالاتك تنشر
في أي صحيفة أو مجلة تريدها، ولا تضطرني أن أغلق في وجهك حتى زوايا بريد
القراء في أي صحيفة) .
يقول الباحث: (وقد تتبعت بعض المناهج الدراسية في بعض الأقسام الجامعية وبخاصة في الجزيرة العربية، وتبيّن لي أن كتب الحداثيين تقرر على الطلاب
والطالبات، ووجدت بأيدي الطلاب مذكرات صورت من بعض الكتب الحداثية،
وذكروا أن أساتذتهم قرروها عليهم) .
وأشار الباحث إلى عزمه القيام بدراسة مفصلة وافية عن تلك الآثار.
ثم ذكر وسائل مقاومة الحداثة إجمالاً، ومن ذلك:
تربية الأمة على المنهج العقدي القويم، وغرس منهج أهل السنة والجماعة
في قلوبهم.
تذكير علماء المسلمين بحقيقة مبادئ الحداثة وأهدافها، وفضح أسسها الثائرة
على مصادر الدين.
فضح الحداثة وكشفها على حقيقتها الفكرية ونزع ما تتستر به من ادعاء
للتجديد في الأدب والشعر.
المطالبة بدراسة هذا المذهب في المجامع الفقهية على مستوى كبير، من قِبَل
علماء المسلمين لبيان حكم الإسلام في دعاته ورموزه المعروفين بمواقفهم السيئة.
العمل بشرع الله على كل حداثي يقدح في دين الله (تعالى) وشرعه.
نتائج ما توصل إليه البحث:
انتهى الباحث في دراسته المطولة هذه إلى العديد من النتائج المهمة، التي
منها:
1- الحداثة مذهب عقدي باطني فلسفي يسعى إلى تحديث مصادر التلقي
وصرف النظر عن المصادر الشرعية المعتبرة.
2- الحداثة غريبة على العالم العربي، فهي مستوردة من الحداثة الغربية،
وما صدرت عنه من فلسفات، وبخاصة الماركسية والوجودية.
3- أن الحداثة نشأت في العالم العربي في حدود منتصف القرن العشرين
الميلادي، حيث استوردتها الأقليات النصرانية والباطنية إلى لبنان، ومن ثم: نقلها
أتباع لهم إلى بقية دول العالم العربي.
4- أن للحداثة اتجاهات عرفت بها في أول نشأتها، ثم خف تمسك الحداثيين
بتلك الاتجاهات، لذا: تجد الحداثي يخلط بين أكثر من اتجاه، والمهم عنده هو
الأسس الحداثية التي يتفقون عليها.
5- أن الحداثة تقوم على عقيدة صراع الأضداد، ومبدأ النقيض، فالحداثة
عندهم هي نتيجة صراع الفكر الحديث مع العقائد القديمة.
6- الحداثيون لا يرفضون كل قديم، وإنما يرفضون منه الثوابت والمسلّمات، أما الظواهر الثورية والتمردية كالخوارج، والقرامطة وأمثالهم.. فإنها محترمة
عندهم.
وأخيراً:
فإن كان لنا ثمة ملحوظة على الرسالة: فهي: أنه كان ينبغي العناية بالمادة
الأدبية والنقدية وتقويمها وبيان مدى تناسبها مع مادة البحث، وذلك يعطي للرسالة
قيمة علمية إضافية فوق قيمتها الحالية، ولعل ذلك يتدارك قبل طبعها.
فالرسالة في وضعها الحالي في نظري أقرب ما تكون للموسوعة التي تجمع
كمّاً كبيراً من المعلومات في بابها، إذ ينقصها الدراسة التحليلية والتقويم الأدبي
والنقدي التخصصي، وهو محور مهم في أطروحة علمية تخصصية في هذا
الموضوع.
ولعل القارئ يشاركنا الرأي بأهميته وضرورة تلافي ما عليها من ملحوظات،
وأهمية طبعها ليطلع القراء على حقيقة الحداثيين في تراجمهم، وأبحاثهم،
وأطروحاتهم، وما يحويه ذلك الكم الهائل من انحرافات عقدية وفكرية في ضوء ما
يسمونه إبداعاتهم، وهو في الحقيقة انحرافاتهم الفكرية تحت رداء الأدب والإبداع
الأدبي.