متابعات
تعقيب وتوضيح..
حول قبائل البورانا
بقلم: د. عبد الرحمن حمود السميط [*]
نشرتم بحثاً طيباً عن قبائل البورانا في العدد (103) ، أهنئ كاتب ذلك البحث، وأرجو أن نرى المزيد من أمثاله، ولكن لي بعض الملحوظات الإضافية:
إن معظم البورانا في إثيوبيا كما ذكر الكاتب من الوثنيين أو النصارى، أما
البورانا في (كينيا) فأغلبهم مسلمون مع جيوب نصرانية نشأت في غفلة من
المسلمين، وخاصة في (مرتي) و (غربة الله) .
والرأي الذي أميل إليه: أن البورانا دخلوا الإسلام حديثاً، ولم يأخذوه بجدية
وعزم؛ ربما لأن من بلّغهم الإسلام لم يكن على قدر من العلم الشامل؛ لذا: نجدهم
نقطة ضعف في مسلمي (كينيا) رغم وجود صحوة إسلامية حديثة في هذه الجيوب.
وقد انتبهت المؤسسات الإسلامية إلى وضع تلك القبيلة منذ أوائل الثمانينيات
الميلادية، وقامت بجهود مختلفة، ونذكر بالخير (المؤسسة الإسلامية) في (أسيولو)
و (المنتدى الإسلامي) في (مرتي) ، وقد بدأت (لجنة مسلمي إفريقيا) في عام 1983 م الاهتمام بالعمل وسطهم، وفي عام 1988م بدأ تطبيق برنامج (قبائل البورانا)
وهو برنامج دعوي تم وضعه خصيصاً لهذه القبائل.
وأذكر نتفاً من هذا البرنامج لفائدة القارئ:
منطقة مدوغاشي:
يسكنها البورانيون والصوماليون، وقد بدأت المنظمات التنصيرية العمل،
ففشلوا فشلاً ذريعاً مع الصوماليين، فبدأ تركيزهم ينْصَب على البورانيين، وبنوا
مركزاً كبيراً جوارهم، وركزوا كل جهودهم على البورانيين، وأشاعوا بينهم أن
الإسلام دين الصوماليين فقط، وحاولوا بذر الفرقة بينهم وبين إخوانهم من
الصوماليين.
كانت خطتنا هناك أن يقوم ممثلنا في (مدوغاشي) (وهو صومالي) بكفالة عدد
من أيتام البورانيين ودفع رسوم الدراسة عن أبنائهم من الطلبة الفقراء (وكلهم فقراء) ، وذبح خروفين من العقائق والنذر التي يتبرع بها المحسنون كل يوم جمعة في
الجانب البوراني، ثم توزيعه بالتعاون مع مشايخ قبائلهم على الفقراء والمعوزين،
كما أقمنا مركزاً إسلاميّاً كبيراً يشمل مدرسة ومسجداً وداراً للأيتام ومزرعة وداراً
لتدريب النساء.. وغيرها، كما تم إعطاء الجانب البوراني اهتماماً أكثر في برامج
إفطار الصائم والأضاحي؛ بقصد تقوية إيمانهم وارتباطهم بالإسلام، وهناك بوادر
خير طيبة نتجت عن تلك الجهود.
منطقة غربة الله:
وهي منطقة قريبة من (أسيولو) كان أهلها كلهم من المسلمين، إلا إنهم ضعفوا
مع الأسف، وتنصر عدد من أهلها بسبب وجود مركزين للنصارى في المنطقة
والإمكانات المالية والبشرية الهائلة التي جندتها الكنيسة لأداء عملها التنصيري.
قامت لجنة مسلمي إفريقيا ببناء مدرسة (عصرية/إسلامية) ، تطورت إلى
مركز إسلامي متكامل يشمل داراً للأيتام ودار تدريب للنساء ومسجداً وقاعة
محاضرات.. إلخ، وعقدت في المنطقة عدة دورات إسلامية للشباب وأئمة المساجد
والطلبة من المنطقة كلها، كما تم دفع رسوم الدراسة عن بعض الفقراء، وكُفِلَ أيتام، ونتج عن هذا: أن أصبحت المدرسة الإسلامية من أفضل (خمس مدارس) في
الإقليم كله، وأنجبت عدداً من النابهين والنابهات (ولله الحمد) ، كما ارتفع مستوى
الإدراك والالتزام بالإسلام في المنطقة؛ مما حدا بعدد من النصارى إلى العودة إلى
فطرتهم، وكان آخرهم القسيس (هارون روبا) ، وهو من كبار قسيسي البورانا،
وكان مسؤولاً عن كثير من كنائس (الميثودست) ، وأسلم مؤخراً نتيجة الصحوة
الإسلامية في المنطقة.
منطقة مويالي ومرسابيت:
أقامت اللجنة معهدين شرعيين، رغم أنهما كانا جزءاً من برنامج (قبائل
الغبرا) إلا إنه تم قبول عدد من أبناء البورانا، وتخرجت الدفعة الأولى من معهد
(مرسابيت الشرعي) بعد أربع سنوات دراسة، مع التطبيق الميداني للدعوة خلال
الدراسة، وختمت بفترة عملية مدتها ستة شهور في التنقل بين القرى للدعوة فيها.
وهناك برامج كثيرة قامت بها لجنة مسلمي إفريقيا كجزء من برنامج (قبائل
البورانا) في كينيا، وكنا نتمنى لو استطعنا تقديم المزيد، إلا إن الظروف المالية
تمنعنا من تنفيذ معظم بنود البرنامج.
ولا يفوتني هنا أن أشيد بما يقوم به عديد من المؤسسات الإسلامية الكبرى،
أو ما يقوم به أبناء القبيلة ممن سرت فيهم روح الدعوة.
ولكن تبقى منطقة قبائل البورانا في إثيوبيا كالأيتام على موائد اللئام، تنتظر
من يسهم في انتشالهم إلى بر الأمان والإيمان بجهود دعوية متميزة لإنقاذهم من
الهجمات التنصيرية.