منتدى القراء
بقلم: عبد الهادي الحسيني
إنّ المتأمل في أحوال معيشة النّاس: يجدها تجيش بمعانٍ شتى، وتفور
بانفعالات متنوعة، يستطيع العاقل أن يقبس منها قبسات تعضده في سيره إلى الله
(تعالى) .
فثمة صور من النّدم والتّحسّر تتردّد أصداؤها في حياتنا، فنجد التاجر
يعتصره الندم على فوات صفقة تجارية كانت سترفع أرصدته عالياً، ونجد الطالب
يعض أصبع الندم على ضياع درجات قليلة كانت سترفع معدله الدراسي شيئاً ما،
ونجد الموظف يأكله التحسر أكلاً على فوات فرصة وظيفية كان معلقاً عليها آمالاً
في تحسين حالته المادية! .. وصور وصور أخرى تضج بها حياتنا.. والصبغة
العامة لها: أنها دنيوية بحتة! .
بيد أن هناك صورة مضيئة لامعة لندم مطلوب وتحسر مرغوب، ولا نعجب
لذاك؛ فالأسلاف قد برعوا وبرزوا في كل أمر! .. ندم رائع! .. رائع في هدفه،
رائع في مقصده، رائع في منبعه، رائع في سببه، رائع في كل شيء، وكم هو
رائع أن يحدث ذلك! ، ولعلنا نستمطر ذاكرة صحيح البخاري ليجود علينا بهذه
اللوحة الندمية الرائعة: «قال أنس: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، غبت
عن أول قتال قاتلتَ فيه المشركين، والله لئن أشهدني الله قتالهم ليرين ما أفعل» ..
فقط هكذا! والنتيجة: «فلم تعرفه إلا أخته ببنانه» ! .. أرأيتم الروعة والجمال!
كم هو رائع هذا الندم الفاعل الدافع للعمل، لا ذاك الندم المؤدي إلى ضرب
أخماس في أسداس! ندم دافع للمضي قدماً في دروب الخير المعشوشبة بالأجر،
لا المؤدي إلى اجترار «اللّوّات» [1] .
ندم مبيد للتحسر والقنوط، ندم محفز للعمل، وتحسر مرغوب في عمل أعظم
من العمل الفائت! انظروا لأنس (رضي الله عنه) يمضي سراعاً للعمل المنتج
المثمر لنصرة دين الله بدافع الندم على ما مضى من فوات قربة يتقرب بها للمولى،
وإن كانت تلك القربى روحه التي بين جنبيه! .
فتحول عنده الندم من مجهض للإمكانات والقدرات إلى ندم حافز أو ملهم
لتكرير واستغلال المهام القادمة، وغدا ندمه مُلهباً للحماس المطارد لكل جزئيات
الدعة والسكون في نفسه.
فيا من أَلِفَ العيش في فضاءات السكون والجمود، ويا مَن مضت عليه سنة
الفتور والركود ... قم وانفض أردية الخمول وانهض من حضيض الفتور إلى قُنّة
الفاعلية، ومن مهامة الكسل إلى صدر الإيجابية، وليكن لك من هذا الندم نصيب!
فمتى نهب جميعاً لخدمة أمتنا على كافة الصعد، قائلين: «ليرين الله ما أفعل» ؟