مجله البيان (صفحة 2255)

دراسات اقتصادية

الربا والأدوات النقدية المعاصرة

(?)

د. محمد بن عبد الله الشباني

في الحلقة السابقة من هذه الدراسة تمت مناقشة ماهية النقود في الإسلام،

والمواطن الربوية في عمليات العملات الورقية، وفي هذه الحلقة سيتم مناقشة

أدوات الدفع من غير النقود الورقية، ومواطن الربا في هذه الأدوات.

لقد تعددت أدوات الدفع المستخدمة في النظام النقدي المعاصر، كما تعددت

أشكال الوسائل المستخدمة في دفع الالتزامات، وبخاصة بعد ثورة الاتصالات

الإلكترونية، بحيث أصبح العالم مرتبط بعضه ببعض حيث تتم المبادلات التجارية، وسداد الالتزامات في وقت حدوث عمليات التبادل، مهما تباعدت الأقاليم وتعددت

أمكنة السداد، فأصبح من الممكن استخدام بطاقات الصرف الإلكتروني لسداد

الالتزامات في أي مكان في العالم.

أساليب سداد الالتزامات الجديدة:

لا بد من إلقاء الضوء على تلك الوسائل المستخدمة في سداد الالتزامات بدون

استخدام النقود الورقية وتحديد مواطن الربا فيها، وتتمثل هذه الأدوات في الأشكال

التالية:

الشيكات:

تنقسم الشيكات التي يتم تبادلها لسداد الالتزامات إلى نوعين:

النوع الأول: شيكات يصدرها الأفراد على البنوك التي يوجد لديها حسابات

خاصة بهم ويتم الإيداع فيها، و (الشيك) بهذه الصفة هو أمر مكتوب وفق أوضاع

شكلية استقر عليها الصرف، تتضمن أمراً صادراً من شخص (هو الساحب) إلى

شخص آخر (هو المسحوب عليه البنك) : بأن يدفع لشخص ثالث أو لأمره أو

لحامله (المستفيد) مبلغاً معيناً بمجرد الاطلاع [1] ، والشيك إذا كان لأمر ساحبه فهو

ورقة ثلاثية الأطراف، ويشبه عندئذ السّفْتَجَة [2] مع اختلاف بين السفتجة والشيك، من حيث: إن سحب الشيك بدون وجود رصيد للساحب لدى المسحوب عليه يفي

به، يُعتبر جريمة يستحق عليها الساحب العقوبة، وهي عقوبة مقصورة على

ساحب الشيك، والشيك بهذا الاعتبار: هو ورقة تجارية، والتكييف الفقهي للشيك

يرتبط بأن الإيداع في البنك المسحوب عليه من الساحب ليس إيداعاً حقيقة، وإنما

هو صورة من صور الإقراض يترتب عليها انتقال ملكية النقود إلى البنك المودع

لديه، وبهذا يكون السحب على الحساب الجاري في البنك من قبيل تقاضي دين أو

جزء منه، وهذا حق للمقرض: يباشره بنفسه إن شاء، أو بمن ينوب عنه؛ حيث

يتم تظهير الشيك تظهيراً ناقلاً للملكية، أو تظهير توكيل، والذي يقصد منه تمكين

المظهّر إليه من تحصيل قيمة الشيك لحساب المظهِر.

على ضوء ذلك: فإن الشيك يمثل نوعاً جديداً من أساليب سداد الالتزامات

واعتباره صورة من صور وسائل إيجاد النقود الائتمانية من خلال توسيع نطاق نقل

الأموال حسابيّاً بين مختلف الحسابات سواء في البنك الواحد أو فروعه أو بين

مختلف البنوك الأخرى وفروعها.

الشيك وفق أسلوب التعامل به الجاري عرفاً بوصفه أداة للتحويل على مدينه

(البنك) بسداد ما عليه من التزام من وديعته التي لدى البنك جائز شرعاً؛ على

أساس القاعدة الشرعية: الأصل في الأمور الإباحة إلا ما جاء دليل بحرمتها، ولا

يدخل الربا في الشيك نفسه بوصفه وسيلة من وسائل دفع الالتزامات المستحدثة،

أي: إنها تقوم بدور النقود من حيث سداد الالتزام عند شراء سلعة من السلع ... ...

وإذا كانت السلعة ذهباً أو فضة مصنعة، فهل يجوز دفع قيمة هذه السلع المصنعة من

الذهب أو الفضة بالشيك، بحكم أن أساس النقود الورقية مرتبط بالذهب من حيث ما

يعرف بالتغطية عند إصدار النقود الورقية أو عملة ورقية أخرى مغطاة جزئيّاً أو

كليّاً بالذهب، أو مربوطة سوقيّاً من حيث التأثير في قيمتها بالذهب مثل الدولار؟

إن الشبه تثار على أساس أن الشيك حوالة على البنك، وبالتالي: فقدان

شرط التقابض في المجلس، وعليه: فلا يجوز شراء الذهب أو الفضة؛ باعتبار

أن هذين المعدنين هما أصل النقدين، وأن النقود الورقية أجناس، والذهب جنس،

والفضة جنس، والعلة الجامعة بينهما هي الثمنية، وبالتالي: فلا بد من التقابض

في مجلس العقد، وعليه: فلا يجوز استخدام الشيك بدلاً عن النقد عن شراء هذين

المعدنين، أما الرأي الآخر: فيرى جواز ذلك؛ حيث إن الذهب والفضة المصنعة

أو التبر لا يعتبرون نقوداً، وبالتالي: فقدوا شرط الثمنية، وإنما يعتبرون سلعة من

السلع، يجوز شراؤها وسداد قيمتها بالشيك الذي يمثل وسيلة من وسائل الدفع

باعتباره حوالة، حيث يجوز أن يحيل المدين على دائنه وهو البنك الذي قام المحُيل

بوضع نقود لديه وديعة مسموحاً للبنك بالتصرف فيها، مع شرط إعادتها أو جزء

منها حسب طلب المودع أو بموجب أمر منه، وهذا الرأي يقوم على ما يراه ابن

القيم (رحمه الله) : بأن النقود هي وسيلة لتقويم السلع، وأن الذهب أو الفضة سواء

أكانا حلية أو سبائك هما سلع خرجت عن طبيعة النقود، وهو رأي سبقت الإشارة

إليه في الحلقات الماضية، ونحن نميل إلى الأخذ به، وعليه: فلا بأس من سداد

قيمة المصوغات والتبر والسبائك من الذهب أو الفضة بالشيكات التي يصدرها

المشتري على البنك الذي أودع لديه ماله.

النوع الثاني: (الشيك السياحي) وهو أسلوب من أساليب السداد الخاصة

بالمسافرين تمكنهم من سداد التزاماتهم المالية التي نشأت خلال قيامهم بالسفر خارج

بلدانهم، ويُعرّف (الشيك السياحي) بعدة تعاريف، منها (?) : (أنه شيك مسحوب

على مراسل البنك المصدر له) ، ومنها: (أنه الشكل المعدل لخطاب الاعتماد

السياحي، ويتميز بقابليته للوفاء لدى البنوك على المستوى العالمي) ، ومنها: (أنه

أحد أنواع الشيكات التي استحدثت لتمكين السياح من الحصول على ما يلزمهم من

نقود دون حاجة إلى حملها معهم والتعرض لمخاطر السرقة والضياع) .

بوجه عام، فإن الشيك السياحي هو: عبارة عن شكل من تلك الصكوك التي

يستخدمها المسافرون أداةً للوفاء، وتتميز بالسهولة من ناحية، حيث تكون مقبولة

في الوفاء، ليس فقط لدى فروع البنك المصدر لها أو لدى مراسليه، وإنما لدى

الأفراد أيضاً، ويقبل هؤلاء تسوية حقوقهم عن طريقها.

فالشيك السياحي هو: صك يحمل اسم شيك لكنه سند محرر في شكل تعهد

بالوفاء.

يأخذ الشيك السياحي المواصفات والشروط نفسها للشيك العادي الذي يصدره

الأفراد، إلا أنه يختلف عنه في أن من يقوم بإصدار الشيك السياحي يجمع بين

صفة الساحب والمسحوب عليه في الوقت نفسه، وبهذا يأخذ شكل الأوراق النقدية؛

حيث له خصائص أوراق النقد نفسها التي تتميز عن غيرها من الصكوك في: أنها

تصدر في مجموعات، كما تنقسم إلى قطع ذات قيم متساوية، كما أنها تصدر بدون

تحديد مدة معينة لتقادمها، ولكنها تختلف عن الأوراق النقدية من حيث إنها تعتبر

تعهداً بالدفع من جانب البنك المصدر لها مقابل إيداع بعض أوراق النقد، كما إنها

من ناحية التداول تتم على أساس التظهير، أما النقود فهي صكوك للحامل تنتقل من

يد إلى أخرى عن طريق التسليم المادي [4] ، وبالتالي: فإن الشيك السياحي هو

نوع من أنواع النقود الائتمانية يمكن عن طريقه تسوية الالتزامات دون حاجة إلى

الالتجاء إلى الأوراق النقدية.

تتمثل العلاقة في الشيك السياحي في أن لها ثلاثة أطراف: فالطرف الأول:

البنك أو الشركة المُصْدِرة للشيك السياحي، والطرف الثاني: المراسل أو البائع

الذي يتولى بيع هذه الشيكات للجمهور، حيث يعتبر وكيلاً عن المُصْدِر للشيك،

فالمراسل هو وكيل عن الشركة المصدرة لهذا الشيك، فالشيك لديه بمثابة وديعة،

وهو غير ملزم برد الثمن إلا بعد صرفها على المشتري، ويتقاضى البنك المراسل

عمولة لقاء مصارفته لهذه الشيكات، أما الطرف الثالث: فهو المشتري لهذا الشيك، حيث يقوم بدفع مبلغ معين من النقود، إما بالعملة نفسها المصدر بها الشيك أو

بعملة أخرى؛ فالعلاقة بين الشركة المصدرة للشيك السياحي والمشتري علاقة

تصارف، تمت من خلال المراسل الوكيل للبنك المصدر وفق عقد الإصدار الذي

يوقع عليه المشتري لهذه الشيكات، فيما يعرف بطلب الشراء، حيث حددت

التزامات المشتري التي من ضمنها التوقيع على الشيكات المشتراة في المكان

المخصص لحظة الشراء، والالتزام بالتوقيع مرة ثانية عند قبض قيمة الشيك أو

عند تظهيره لشخص آخر لقاء حصوله على سلع أو خدمات، وتنتهي دورة الشيك

السياحي بقيام المصدر الأول بسداد قيمتها لمن يقوم بالمطالبة بالسداد سواء المشتري

الأصلي أو من ظُهِّر له الشيك [5] .

من خلال الاستعراض السابق لطبيعة الشيك السياحي، فإن مجال الخوف من

تحقق الربا هو عند الشراء وعند البيع لهذا الشيك، فمن ناحية: شراء الشيكات

السياحية بقيمة دولارية تدفع عنها ريالات مثلاً؛ ففي هذه الحالة يعتبر الأمر

مصارفة ولا يتم التقابض النقدي، حيث يتم شراء صك ذمة بقيمة عدد من

الدولارات مقابل دفع ريالات وبموجب هذا في أي مكان من الأمكنة لدى مراسليه

(وكلائه) مع قابليته للتظهير، فهو سند دين، وبهذا: فهو لا يعتبر نقداً، ولكنه

بديل عن النقد، وعلى هذا الأساس: يمكن اعتبار تسليم الشيك مقابل العملة التي تم

شراؤه بها: تقابضاً ماديّاً، وعليه: فإذا تم إصدار الشيك بالعملة نفسها، وتم شراؤه

بالعملة المصدر بها، فلا يجوز الزيادة في قيمة الشيك، وما يتم دفعه يمكن تخريجه

على أساس السّفْتَجَة. والسفتجة تعرف: بأنها إعطاء مال لآخر مع اشتراط القضاء

في بلد آخر، والقصد منها: ضمان السلامة من خطر الطريق، فهو يدفع قيمة

الشيك السياحي على سبيل القرض لا على سبيل الأمانة [6] ، لكن في حالة قيام

المشتري بشراء الشيك السياحي بنقد مخالف للنقد الذي صدر به الشيك؛ فلو كان

الشيك مصدراً بالدولارات، وتم دفع قيمة هذا الشيك بالريالات فيمكن تخريج الشيك

على أنه مصارفة، يتم التبادل فيها بين الشيك السياحي والعملة المشتراة به بسعر

صرف العملة الواردة في الشيك السياحي مع العملة المشترى بها، أي: إنه يجب

توافر شرط التقابض في مجلس العقد، أي قبض قيمة الشيك بالعملة المشتراة بها؛

سواء أكان القبض نقداً أو بتسجيل على الحساب مع تسليم الشيك السياحي للمشتري، باعتبار أن الشيك السياحي يتصف ببعض صفات النقود الورقية.

إن موطن الربا في الشيك السياحي هو: إذا تم شراء الشيك السياحي بالعملة

نفسها المصدر بها الشيك السياحي، وتفاوتت القيمة بين الشيك وما تم دفعة، أما إذا

اختلف نوع العملة المشترى بها الشيك مع العملة المصدر بها، فتنطبق أحكام

الصرف من حيث ضرورة توافر شرط التقابض، وكذلك ينطبق الأمر في حالة بيع

الشيك السياحي أو تظهيره.

بطاقات الائتمان:

بدأ استعمال بطاقة الائتمان بعد الحرب العالمية الثانية، وتقوم فكرة بطاقة

الائتمان على فكرة الشراء على الحساب؛ حيث كان يستعملها أصحاب المتاجر مع

فئة معروفة من عملائهم؛ حيث يسمح لهم بالشراء حاضراً، ثم الدفع في نهاية

الشهر أو بداية الشهر الذي يليه، ثم تطورت الفكرة لدى بعض المتاجر الكبيرة ذات

الفروع المتعددة، فأصدرت بطاقات بلاستيكية تحمل اسم الزبون ورقم حسابه مع

المتجر، ويسمح له أن يشتري على الحساب على أن يتم الدفع بعد إرسال الفاتورة

له، أو يقوم بدفع المستحق عليه على أقساط شهرية، بالإضافة إلى رسوم تحدد

على البطاقة، حيث يتم الاتفاق مع البنوك بإعطائهم ائتماناً على المبالغ المستحقة

لهم لدى الزبائن الممنوح لهم هذه البطاقات، حتى أصبح كل متجر يصدر مثل هذه

البطاقات، فأصبح يتعين على الزبون حمل عدة بطاقات، لكل متجر من المتاجر

التي يتعامل معها بطاقة، لأنه لا يستطيع استعمال بطاقة متجر في متجر آخر،

وهذا أدى إلى ظهور بطاقة واحدة على المستوى القومي تغطي كافة حدود الدولة،

وتقبل في جميع المتاجر في داخل الدولة الواحدة، وبالعمله المحلية، ثم تطور الأمر

بضمان حصولهم على قيمة مبيعاتهم وحسب السعر السائد لعملة كل دولة، بحيث لا

يتحمل التاجر أي مخاطر من تغيير سعر صرف العملة، ويحصل على مستحقاته

بسرعة وبعملته المحلية بدون الدخول في متاهات أسعار الصرف بين مختلف

العملات في دول العالم. [7]

كيفية عمل بطاقات الائتمان:

إن أسلوب عملية التعامل ببطاقات الائتمان يتمثل في تقديم بطاقة الائتمان التي

يتم الحصول عليها، إما مباشرة من المصدِر لها، أو عن طريق البنك الذي يتعامل

معه حامل البطاقة، فعند شرائه لسلعة من السلع أو صرف مبلغ من المبالغ من

خلال أجهزة الصرف الآلي لا يحتاج الأمر إلا إلى إدخال البطاقة في الجهاز الذي

يتولى جميع الإجراءات الخاصة بالسحب وإعطائه إشعاراً بما تم خصمه ودفعه إليه، أو قيام البائع الذي يتولى استلام بطاقة الائتمان الخاصة بالمشتري التي تحمل

اسمه ورقم حسابه وتوقيعه، حيث يتم إدخال البطاقة في جهاز خاص وكتابة المبلغ

المحدد في نموذج ورقي يقوم المشتري حامل البطاقة بالتوقيع عليه، بما يماثل

التوقيع الذي يوجد على البطاقة، وفي بعض الأحيان: يقوم البائع بالاتصال برقم

معين، ليتأكد من وجود رصيد كافٍ في حساب حامل البطاقة، وبعد إتمام العملية

يسلم البائع المشتريات التي وقع عليها المشتري، ويحتفظ بنسخة منها لديه،

ونسخة ثانية ترسل إلى الجهة المصدرة للبطاقة للقيام بسداد المستحق للبائع، وفي

نهاية الشهر تُرسل فاتورة بها كشف الحساب بجميع المشتريات والمسحوبات النقدية

على عنوان حامل البطاقة حيث يقوم بدفع كامل المبلغ أو دفعه على أقساط شهرية،

ويتم الدفع: إما نقداً، أو بشيك، أو خصماً من الحساب لدى البنك الوسيط في منح

صاحب الحساب لديه هذه البطاقة.

أنواع البطاقات:

تتعدد أنواع البطاقات، ويمكن تقسيمها إلى نوعين:

النوع الأول: بطاقات المتجر التي يمكن استعمالها فقط في تلك المتاجر أو

فروعها المنتشرة في أنحاء البلاد.

أما النوع الثاني: وهو أكثر شيوعاً: فهو البطاقات الشاملة التي لها طبيعة

دولية، مثل بطاقات (أمريكان اكسبرس) و (ميروا) (وماستر كارد) ... إلخ.

كما تنقسم تلك البطاقات من حيث الدفع إلى نوعين:

النوع الأول: يعرف ببطاقة السحب، وهي التي تسمح لحاملها بإمكانية

السحب النقدي من حساب حامل البطاقة، شريطة توفر ما يغطي المبلغ المسحوب

من الحساب وتسديد قيمة المشتريات من البضائع والخدمات لدى نقاط البيع المتوفر

لديها أجهزة الاتصال، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين: قسم خاص بالسحب وتسديد

المشتريات داخل الدولة الواحدة، وقسم يتم السحب فيه خارج الدولة من خلال شبكة

الاتصال العالمية، ويتم القيد على حساب العميل مباشرة، وبعض بطاقات السحب

الدولية التي تصدرها بعض البنوك لا تشترط في حالة السحب من أجهزتها تسجيل

أي عمولة، ولكن في حالة السحب من أجهزة بنوك أخرى يتم تسجيل عمولة سحب

على حساب حامل البطاقة، ولا تستفيد الجهات المصدِرة لهذا النوع من البطاقات

التي لا تحتسب فائدة على السحب عند شراء البطاقة من مراكز البيع في خارج

الدولة أو داخلها من حساب حامل البطاقة، ولكنها تأخذ عمولة على مقدار المباع بما

يعادل أحياناً ما بين 2% إلى 7% من قيمة ما قام حامل البطاقة بشرائه.

النوع الثاني: ما يعرف ببطاقة الائتمان، حيث يمكن لحامل البطاقة السحب

أو الشراء وسداد ما قام بسحبه أو ما قام بشرائه من نقاط البيع على دفعات حسب

رغبته وضمن أقساط شهرية بحد أدنى تحدده الجهة المصدرة للبطاقة، وفي هذه

الحالة: فإن الجهة المصدرة للبطاقة تتقاضى فائدة على الرصيد المتبقي على حامل

البطاقة تتراوح بين 18% إلى 24% سنويّاً.

التكييف الفقهي لبطاقات الائتمان، ومواطن الربا فيها:

على ضوء ما سبق من تحديد لماهية بطاقات الائتمان: فإن هذه البطاقات

تمثل نوعاً جديداً من أساليب سداد الالتزامات وصورة من صور وسائل إيجاد النقود

الائتمانية من خلال توسيع نطاق نقل الأموال حسابيّاً بين مختلف الحسابات للبنك

الواحد أو البنوك المختلفة.

والسداد والسحب من حساب الشخص الذي يجري التعامل به باستخدام بطاقات

السحب الائتمانية جائز شرعاً على أساس القاعدة الشرعية: الأصل في الأمور

الإباحة إلا ما جاء دليل بحرمته، وهو يمثل سحباً وسداداً من وديعته التي لدى البنك، ولا يدخل الربا إلا فيما يعرف ببطاقات الائتمان؛ حيث يتم تسديد ما تم سحبه،

وما تم سداده من قبل البنك المصدر للبطاقة، واحتساب الفوائد على الرصيد غير

المسدد، فهذا يعتبر إقراضاً لمن يحمل هذا النوع من البطاقات الائتمانية، وكذلك ما

يتم تحميله على حساب حامل البطاقة الذي يقوم بالسحب النقدي بموجب بطاقات

الائتمان، كما أن هناك صورة أخرى للتعامل الربوي بالنسبة لمن يحمل بطاقة

الائتمان، حيث يقوم باستخدامها لسداد مشترياته، ويتم القيد الفوري على حسابه،

ولكن مُصدِر البطاقة الذي يقوم بالسداد للبائع نيابة عنه يأخذ نسبة من قيمة ما تم

شراؤه من البائع ما بين 2% إلى 7% من قيمة فاتورة البيع، فإن ما يأخذه البنك

يعتبر رباً؛ لأن ما يتم يشبه الخصم؛ فالبائع يقدم للبنك المصدر للبطاقة فاتورة

الشراء لخصمها لديه، وهو يقبل ذلك من أجل تنمية مبيعاته.

كلمة لمستخدم هذه البطاقات:

ولهذا: فإن مستخدم بطاقات الائتمان، ولو كان لا يدفع هو فائدة على ما يقوم

بشرائه لكفاية رصيده، فإنه يكون متعاوناً على الإثم، من خلال تشجيعه للبنوك

باشتراكه في هذه البطاقات، بجانب ما تسببه هذه البطاقات من محاذير، منها:

1- الإسراف في الاستهلاك؛ فوجود هذه البطاقات يؤدي إلى سهولة الشراء

الفوري والدفع المؤجل، مما يدفع بعض الأفراد إلى الإنفاق بدون حساب؛ حيث لا

يشعر المرء بتلك المدفوعات إلا عندما يتسلم كشف الحساب الشهري ويستحق عليه

الدفع، وهذا قد يقع تحت النهي الذي جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن عبد الله

بن مسعود: (أن رسول الله نهى عن التعقر في المال والأهل) ، كما قد يضطره إلى

دفع فوائد ربوية لعدم كفاية الرصيد عند المطالبة بالسداد.

2- رسوم الاشتراك لبعض بطاقات الائتمان تتراوح حسب نوعية البطاقة:

عادية، فضية، ذهبية من ثلاثمئة ريال سعودي إلى ألف ريال سعودي، بجانب أن

هناك رسوم تجديد سنوية تتراوح ما بين ثلاثمئة إلى سبعمئة ريال، وهذه الرسوم

التي تؤخذ نوع من أكل الأموال بالباطل من قبل مُصْدِري هذه البطاقات.

3- هناك بعض البنوك التي تحاول أن تمارس العمل على ضوء الشريعة،

ولكنها فيما يتعلق ببطاقات الائتمان تتساهل في الممارسة؛ بحكم أنها تقوم بعمل

الوكالة للشركات المصدرة لهذه البطاقات، فتقوم بإشعار عملائها بأن من يستخدم

أجهزة سحبها لا تأخذ عليه عمولة للسحب النقدي، وإذا تم السحب من أجهزة خاصة

ببنوك أخرى، فإنها تأخذ رسماً خاصّاً بالسحب النقدي، أما بالنسبة للشراء من نقاط

البيع: فهذه البنوك لا تأخذ من العميل شيئاً، حتى لو تجاوز ما تم دفعه رصيد

حسابه، لكنها تأخذ من البائع نسبة معينة لقاء سدادها للمشتريات التي تم استخدام

البطاقة المصدرة من قبلها، ولا شك أن ما تأخذه من البائع هو نوع من الخصم

الربوي، لا يجوز أن تمارسه تلك البنوك، وخاصة أنها تحاول أبراز الصورة

الإسلامية للتعامل.

4- العمولات (الربا) على الرصيد الذي لا يستطيع العميل أن يسدده عند

استلامه لكشف الحساب الوارد له من البنك مما يؤدي إلى تراكم الفوائد على الرصيد

حيث تصل نسبة الربا إلى ما بين 18% إلى 24% سنويّاً.

هل لاستخدام هذه البطاقات فوائد؟ :

حقق التعامل ببطاقات الائتمان بعض الفوائد، من أهمها:

1- الأمان: فالشخص لا يحتاج إلى حمل مبالغ نقدية كبيرة معه في كل

الأوقات، سواء أكان في داخل حدود بلده أو كان مسافراً في البلاد الأخرى؛ وبذلك

يقل تعرضه للسرقة، أو فقدان ما يحمله من نقود.

2- سهولة إجراء التعاملات التجارية ودفع فواتير الفنادق وإيجار السيارات

وغيرها.

وتحقيق هذه الفوائد وتجنب المحاذير الشرعية من استخدام بطاقات الائتمان

يمكن أن يتحقق إذا اقتصر الفرد على بطاقات السحب فقط، حيث إن هذه البطاقات

تماثل الشيكات من حيث اعتبارها وسيلة لسداد الالتزامات أو للسحب من مال حامل

البطاقة لدى البنك.

سؤال مهم:

والتساؤل الذي يمكن أن يثار فيما لو أخذ البنك عمولة لقاء استخدام بطاقات

السحب سواء على كل عملية سحب أو استفسار، أو عمولة مقطوعة سنوية لقاء

منح حامل البطاقة خدمة استخدام أجهزة الصرف الآلي.

ولا شك أن هناك مصاريف يتحملها البنك لقاء توفير هذه الخدمة سواء ما

يتعلق بقيمة الجهاز أو تكاليف الخطوط الهاتفية المستخدمة من قِبَل هذه الأجهزة،

فهل يجوز أخذ هذه العمولة؟ .

إن الإجابة على ذلك يحددها واقع السوق من ناحية، وواقع أعمال البنوك،

فإذا كانت البنوك تلتزم في أعمالها أحكام الشريعة، وكان توفير هذه الخدمة سوف

يؤدي إلى خسائر يتحملها البنك المصدر لهذه البطاقة، فلا بأس بأخذ عمولة

مقطوعة كأجرة لتوفير هذه الخدمة لمستخدم هذه البطاقة، بشرط عدم ربط هذه

العمولة بالزمن أو بالمبلغ المسحوب، وإنما هي أجرة تدفع للبنك لقاء توفيره لهذه

الخدمة، على أساس أن هذه الخدمة تؤدي إلى تحمل البنك نفقات إضافية، أما

بالنسبة لأخذ عمولة على نقاط البيع التي تستخدم أجهزة الصرف، فهذا لا يجوز

أخذه، لسببين:

الأول: أن البنك لم يتحمل أي خسارة، فالمبلغ تم خصمه من حساب حامل

البطاقة؛ وبالتالي: فأخذ أي عمولة يعتبر أخذاً لأموال الناس بالباطل.

الثاني: أن أخذ عمولة لقاء سداد قيمة ما اشتراه حامل البطاقة من البائع؛

سواء أكانت البطاقة بطاقة ائتمان أو بطاقة سحب دولية، فإن فاتورة البيع التي يتم

الخصم عليها تشبه (الكمبيالة) ، ومن الأمور المتفق عليها: أن ما يؤخذ من خصم

لقاء سداد قيمة الكمبيالة من تاريخ استحقاقها يعتبر ربا، ويسري هذا الحكم على ما

يؤخذ من البائعين؛ حيث يقوم مُصْدِر البطاقة بسداد قيمة ما اشتراه حاملو البطاقات

مقابل الخصم الذي يحصل عليه هو، أي: مُصْدِر البطاقة وليس حامل البطاقة،

وأن ما يعطيه البائع للمُصْدِر هو بمثابة خصم ... فلو لم يقم البائع بهذا الخصم، لما

قام مصدر البطاقة بسداد قيمة ما قام حامل البطاقة بشرائه، فالبائع إنما خضع لذلك

رغبة في زيادة مبيعاته، حيث إن معظم حاملي البطاقات قد لا يكون لديهم الرصيد

الكافي لتغطية مشترياتهم، وبالتالي: فإن عملية البيع التي تتم بين حامل البطاقة

والبائع هي بيع بالأجل، وضمان مصدر البطاقة الائتمانية وقيامه بالسداد بعد خصم

النسبة المقررة مسبقاً لقبول السداد للبائع، ثم مطالبة الحامل بالسداد، سواء بالكامل

أو بالتقسيط لمصدر البطاقة: هو نوع من أنواع بيع الدين بالدين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015