دراسات دعوية
نحو برنامج عملي للدعوة بين الأقارب
بقلم: حجاج بن عبد الله العريني
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أنه لما نزل قول الله (تعالى) : ... [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] [الشعراء: 214] أتى النبي الصفا، فصعد، ثم نادى: (يا صباحاه!) فاجتمع الناس إليه، بين رجل يجيء إليه، ورجل يبعث رسوله،
فقال رسول الله: (يا بني عبد المطلب! يا بني فهر! يا بني لؤي! أرأيتم لو
أخبرتكم أن خيلاً بسفح الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟) قالوا: نعم. قال:
(فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) [1] . فها هو محمد المبعوث للناس كافة،
يوجه نداء خاصّاً إلى الأهل والقرابة والعشيرة استجابة لأمر الله (جل وعلا) .
ودعوة الأقارب والأهل والأرحام من الصلة والبر، بل إن الدلالة على الخير
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبر البر والإحسان، والدعاة في جانب
الدعوة العائلية على ثلاثة أحوال إلا من رحم الله:
1- رجل أغلق على نفسه مع مجموعة من الأقارب، انتقاهم بعناية على
أساس التوافق والانسجام أو الاستجابة، وترك البقية بحجة عدم الاستجابة؛ حيث
حاول دعوتهم مرة أو مرتين، وظن أنه معذور بذلك، وهذا ليس أسلوب أهل الجهد
والجهاد في الدعوة.
2- رجل مشغول بأمور دعوية خارج نطاق العائلة، وقد حصل له كثير من
البرود في مواقفه وعلاقته مع الأقارب من الناحية الدعوية، وهذا نسي حقّاً مهمّاً من
حقوق أرحامه عليه، وقصّر كثيراً في دعوتهم.
3- رجل له نشاط دعوي في عائلته، ولكنه نشاط يتم بطريقة عشوائية،
بدون أن يكون هناك تخطيط ومتابعة، ولا شك أن العمل المدروس أكثر ثمرة من
العمل غير المنظم.
مميزات الدعوة العائلية:
إن للدعوة العائلية سمات تتميز بها عن الدعوة العامة، وهذه المميزات تختلف
من عائلة إلى أخرى، ولكنها تجتمع في كونها عوناً للدعاة للقيام بهذا العمل
واستمراره، ومن هذه المميزات:
1- أن عدد الأفراد الذين يتم الاحتكاك بهم في الدعوة العائلية يعتبر عدداً
كبيراً مهما صغرت العائلة التي ينتمي إليها الداعية؛ فإذا نظرنا إلى أي شخص نجد
أن لديه مجموعة كبيرة من الأقارب، يتواصل معهم وتربطه بهم روابط المودة
والرحمة.
2- سهولة الاحتكاك بأولئك الأقارب والوصول إليهم: يزورهم ويزورونه،
ويقابلهم في المناسبات، بل قد يشترك معهم في السكن.
3- الدعوة العائلية تعتبر وسيلة دعوية، يمكن أن تستمر ولا تنقطع لأي
سبب إذا طبقت بطريقة جيدة.
4- الدعوة العائلية إذا أديرت بشكل جيد، فإنها تفيد في شحذ الهمم وتحريك
الطاقات الخاملة عند بعض الصالحين في الأسرة، وتدفعهم للدعوة، وتكون وسيلة
ناجحة بإذن الله للتأثير عليهم.
5- إن الدعوة العائلية تؤدي إلى استقامة الأقارب، والتخلص من المنكرات؛
مما يكون له مردود إيجابي على بيت الداعية وأطفاله.
6- تُيسر الدعوة العائلية التأثير على النساء في المجتمع، وخاصة أن النساء
أقل احتكاكاً بالدعوة ووسائلها، وأيضاً: توفر هذه الدعوة الاحتكاك والتأثير على
الأطفال.
7- من خلال الدعوة العائلية يتم الوصول إلى جميع أفراد المجتمع، حيث إن
المجتمع هو مجموع هذه الأسر.
من الوسائل الدعوية العائلية:
وسائل الدعوة العائلية كثيرة ومتنوعة، وسنشير هنا إلى نماذج منها فقط، ولا
بد أن لكل عائلة ما يناسبها، ثم إن البدء والاستمرار في هذه الدعوة ينتج أفكاراً
وبرامج جديدة ومؤثرة.
1- أهم وسيلة أو خطوة في الدعوة العائلية، هي: التنسيق، والتخطيط،
وتحديد الأهداف المرحلية، مع بيان الوسائل والطرق، ويبدأ ذلك بالتنسيق بين
مجموعة من الأخيار في العائلة، وإقناعهم بفكرة الدعوة العائلية، ومن ثم: تنظيم
الأفكار ووضع الخطط الدعوية، ويتبع ذلك: التقييم الدوري المستمر لجميع
الأنشطة والبرامج الدعوية لتصحيح الأداء واكتساب مزيد من الخبرة، ولا بد من
التكاتف والتعاون في هذا المجال؛ فاليد الواحدة لا تصفق! .
2- تمثيل القدوة الحسنة في أمور الدنيا والدين؛ فلن يتقبل الناس الدعوة من
شخص فاشل في حياته العملية أو العلمية، أو من شخص لديه قصور ظاهر في
التزامه الشرعي. ولكي يكون الداعية قدوة حسنة مؤثرة: عليه أن يتخذ من
الرسول قدوة له [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] [الأحزاب: 21] .
3- توثيق الصلة مع الأقارب، وكسب مودتهم، وإتقان فن التعامل معهم،
حتى يشعر كل فرد بأن له علاقة خاصة بالداعية، وهذا لا يعني النفاق والابتذال،
ولكن علاقة صادقة، ومودة خالصة، ومبادئ ثابتة.
4- إقامة لقاء دوري للعائلة (شهريّاً مثلاً) ، وذلك لزيادة الألفة والمحبة،
وتوطيد أواصر المودة، وتحقيق صلة الرحم، كما أن مثل هذه اللقاءات توفر وقت
الداعية، حيث يمكنه القيام بواجب صلة الرحم والدعوة في وقت واحد.
5- الاستفادة من التجمعات العائلية، سواء اللقاء الدوري أو المناسبات
الطارئة مع الحذر من المبالغة المنفرة.
ويكون ذلك بعدد من الوسائل، منها:
أ - مساعدة صاحب المناسبة بالسعي في إجراءات ترتيب اللقاء، ودعوة
الضيوف، وكل ما يمكن القيام به من خدمة.
ب- توزيع أي جهد دعوي صالح وموثق، سواء أكان شريطاً، أو كتيباً، أو
ورقة مفيدة، أو فتوى مهمة ... أثناء اللقاء، والحرص على ذلك، والاستمرار
عليه في كل مناسبة.
ج - دعوة بعض العلماء أو طلبة العلم في المناسبات العائلية؛ لإفادة
الحاضرين فيما يهمهم في أمور دينهم ودنياهم [2] ، ويتم التركيز على المواضيع
التي تهم عموم الأسرة.
د - إعداد المسابقات الثقافية المناسبة لجميع فئات العائلة؛ لاستغلال الوقت
بالنافع والمفيد لرفع المستوى الثقافي لأفراد العائلة.
هـ- الحديث عن أحوال المسلمين وأخبار العالم الإسلامي، كما يمكن عرض
بعض أفلام الفيديو التي تظهر هذا الواقع؛ لزرع الإحساس بمآسي المسلمين وحثهم
على دعمهم والدعاء لهم.
و التذكير والحث على مجالات الخير المنتشرة (والحمد لله) : كالمحاضرات، والخطب، والندوات.. والإعلان عنها، والتعريف بالأشرطة الجيدة وأماكن
وجودها.
ز- طبع أسماء وهواتف أفراد العائلة بشكل جذاب وتوزيعها؛ للمساهمة في
صلة الرحم.
ح- استخدام القصص والحكايات الواقعية المؤثرة للدعوة، وقد لوحظ أن هذا
الأسلوب من أقوى أساليب التأثير على الناس وأيسرها، ويمكن الاستفادة من بعض
الكتب التي تحكي هذه القصص، ومن ثم: سردها في هذه اللقاءات.
ط- توقير الكبار وأصحاب الوجاهة في العائلة، وبيان الثمار التي تجنى من
خلال تلك اللقاءات؛ لكسب تأييدهم لمشاريع الدعوة العائلية من بدايتها، وذلك لكي
يُستفاد من مكانتهم في تقوية الدعوة العائلية، أو على الأقل حتى لا يكونوا ...
معارضين لها.
6- الإحسان إلى أفراد العائلة، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم،
ومساعدتهم فيما يحتاجون إليه، وإحياء معالم التكافل الأسري، ويجب على الداعية
أن يُعرَف بالمواقف المشرفة وعلاج الأزمات، وليس فقط بالوعظ والإرشاد،
ويحسن أن يقوم الداعية بتلمس احتياجات أفراد العائلة، والمبادرة بمساعدتهم قبل
أن يُطلب منه ذلك، مع الحذر من التطفل عليهم في أمورهم الخاصة.
7- حصر المخالفات الشرعية الموجودة في العائلة، وذلك للتركيز عليها
وإصلاحها تدريجيّاً بالحكمة والأساليب المناسبة، ويحسن هنا محاولة معرفة أسباب
الانحراف ليسهل العلاج.
8- الاهتمام بالأطفال والمراهقين، فقد قال أحد الحكماء: (أكرم صغارهم؛
يكرمك كبارهم، وينشأ على محبتك صغارهم) ، ويكون ذلك بإعداد أنشطة خاصة
بالصغار والمراهقين، يُراعى فيها سنهم وميولهم، ويمكن القيام بالرحلات وتنظيم
ذلك للخروج بأكبر فائدة.
9- الزيارات المنزلية لأفراد العائلة، وذلك لما فيها من محبة ورفع الكلفة
وتعميق الروابط؛ وهذا مما يغفل عنه كثير من الدعاة لكثرة الأشغال وعدم التفرغ،
مما ينتج عنه وجود حاجز بين الداعية وأفراد عائلته.
10- تقديم الهدايا لأفراد العائلة والتودد إليهم، لما للهدية من أثر عجيب؛
فهي تقرب البعيد، وتؤلف القلوب، وتروض النفوس المستعصية، وتحبب الداعية
إلى الناس، يقول الرسول: (.. وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء) [3] .
11- الاستفادة من بعض العادات والتقاليد الموروثة غير المخالفة للشرع لدى
بعض الأسر واستثمارها في المجال الدعوي، نحو ما ينتشر بين النساء خاصة من
قيامهن بزيارة المرأة التي رزقت بمولود، أو المتزوجة حديثاً، أو القادمة من سفر
بعيد ... أو غير ذلك، وتقدم هدية عينية لهذه المرأة، فحبذا لو أضيف لهذه الهدية
المادية مجموعة من الأشرطة والكتيبات والنشرات الدعوية الصالحة ... وغيرها
مما ينفع المهدى إليه في دينه [4] .
12- الاهتمام بتأمين الدعم المادي لإنجاح المشروع الدعوي العائلي، فبدون
ذلك لا يمكن الاستمرار في إيجاد الحوافز: كالهدايا، وجوائز المسابقات، والتوزيع
الدوري للأشرطة والكتيبات، وهذا الدعم المادي يجب أن يكون مستمرًّا وغير
منقطع طوال العام.
13- شكر كل من أسهم في التواصل في العائلة، أو ساعد في الدعوة تشجيعاً
له للمواصلة وبذل المزيد، وحثًّا لغيره للقيام بدوره.
14- الحرص على إيجاد صندوق للتكافل العائلي، يكون الاشتراك فيه ضمن
أسس متفق عليها، وتكون مهمة القائمين على هذا الصندوق متابعة أوضاع العائلة
واحتياجاتها، مثل:
أ - الشاب الذي يريد الزواج، ومساعدته.
ب - الفقراء في العائلة أو من تحمّل ديناً، ومساعدته بأسلوب يحفظ له
كرامته.
15- الدعاء والتوجه إلى الله وطلب عونه (جل وعلا) ، والدعاء لأفراد
العائلة بالصلاح والهدى، يقول: (دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند
رأسه ملك موكل، كلما دعا بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل) [5] .
أسباب نجاح واستمرار الدعوة العائلية:
هناك بعض الأسباب المؤثرة على تطبيق برنامج الدعوة، يجب أن يأخذ بها
كل من يتصدى للدعوة العائلية، ونورد هنا بعض الأسباب العامة التي يجب أن
يضعها الداعية ضمن خطته الدعوية:
1- الإخلاص لله (تعالى) ، وإيمان الداعية بما يدعو إليه؛ فالدعوة النابعة عن
إخلاص مع القوة والعزيمة والإيمان والاعتماد على الله: لا بد أن تؤثر وتؤتي أكلها، فالإخلاص أمرٌ مهمّ لنجاح الدعوة واستمرارها.
2- أن يعمل الداعية بما يدعو إليه، ويبتعد عما ينهى عنه، فليس معقولاً أن
يؤثر في الناس من يقول ولا يفعل، قال (تعالى) : [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ
مَا لا تَفْعَلُونَ (?) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] [الصف: 2، 3] وقد
ورد في الصحيحين أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (يجاء بالرجل يوم القيامة
فيلقى في النار فتندلق أقتابه (يعني أمعاءه) في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ ! أليس كنت تأمرنا
بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن
المنكر وآتيه) [6] .
3- دراسة أي نشاط مقترح للتطبيق على الدعوة العائلية دراسة مستفيضة
لمعرفة إمكانية تنفيذ هذا النشاط؛ إذ لا يكفي أن تكون الفكرة ممتازة وهادفة، بل لا
بد من معرفة إمكانية تنفيذها واستمرارها، عملاً بقوله حينما سُئل: أي الأعمال
أحب إلى الله؟ فقال: (أدومها وإن قلّ) [7] لأن التذبذب وبدء النشاط ثم إيقافه، أو
عدم إخراجه إخراجاً جيداً ومشوقاً: يقلل من استجابة المدعوين إن لم يفقدهم الثقة
والاحترام للبرنامج الدعوي.
4- عدم اليأس أو استعجال النتائج، وضرورة التأني وبعد النظر، وهذا
الأمر يغفل عنه كثير من الدعاة؛ فنجد أحدهم يتعجل النتائج، ويستغرب بطء
استجابة الناس، وينسى قول الله (تعالى) : [وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى
مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً] [الإسراء: 106] فيجب على الداعية أن يكون حكيماً، ولا
يغفل عما أحدثته وسائل الهدم في عقول الناس وأفكارهم، وأن ذلك قد استغرق وقتاً
طويلاً، فلا نستغرب أن نحتاج إلى وقت مناسب لإعادتهم إلى طريق الهداية.
5- الانتباه إلى أن الانفتاح مع العائلة ودعوتها يجب ألا يؤدي إلى مداهنة
الداعية، فيشارك أو يحضر بعض المنكرات التي لا يجوز حضورها، أو يسكت
عن بعض المنكرات التي لا ينبغي له التأخر في إنكارها.
6- أن يعلم الداعية حال من يدعوهم؛ لأن الناس يختلفون في مدى تقبلهم
للدعوة، فمنهم من يرضى بها، ويقبل عليها، ويتفاعل معها، ومنهم من يغلق قلبه
أمامها، ويصم أذنيه عن سماعها، ويرفض أن يتفاعل معها. وكل واحد من هؤلاء
يحتاج إلى معاملة خاصة. وأيضاً: يجب أن يعلم الداعية أن النفس البشرية
لشخص واحد تختلف من وقت إلى آخر، فيجب مراعاة ذلك.
7- أن يعلم الداعية حال المتعاونين معه من الأخيار في العائلة، وأن يكون
خبيراً بهم وبقدراتهم، فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن يوجه كل
شخص إلى ما يمكن أن يبدع فيه.
8- التركيز على بناء العقيدة وتثبيت الإيمان، لأنها الأساس والأهم،
والخطوة الأولى في الدعوة، وذلك عن طريق التركيز على:
أ - مواضيع العقيدة والإيمان، مثل: تعليم التوحيد، ومعنى (لا إله إلا الله
محمد رسول الله) ، والتحذير مما يضاد ذلك، ومثل: اليوم الآخر، والجنة والنار، والخوف من الله، ومحبته، وترسيخ التوحيد بمعانيه الشاملة.
ب - بناء الحصانات الفكرية ضد الشبهات الموجهة للإسلام وبناء الحصانة
ضد الفرق الضالة.
ج - تصحيح المفاهيم في القضايا التي شوهها أعداء الإسلام، وطرح
المفاهيم الغائبة التي يحتاج إليها المسلم.
9- العناية بجانب الوعظ والرقائق، والترغيب والترهيب، وتعظيم الله في
القلوب، وربط المدعوين بالقدوات الصالحة من السلف، وبيان محاسن الإسلام
وجوانب الإعجاز في تشريعه.
10- عدم التعالي أو الظهور بمظهر العالم أو الأستاذ، لكي لا يثير المدعوين، وخصوصاً كبار السن منهم، وليحرص الداعية دائماً على عدم إثارة غيرة
الآخرين منه.
11- الحرص على المظهر الحسن، فليس من الدين في شيء أن يكون
الداعية رث الثياب، بل إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يُرى أثر نعمته
على عبده، كما قال: (إن الله يحب أن يُرى أثر نعمته على عبده) [8] .
12- استخدام التوجيه غير المباشر، وعدم المواجهة بالعتاب، بحيث يقوم
الداعية بالتوجيه دون أن يعلم المدعوون من هو المقصود بهذا التوجيه، وهذا منهج
نبوي، حيث كان حين ينكر على أصحابه بعض الأعمال يقول: ما بال أقوام
يفعلون كذا وكذا. وبهذا الأسلوب يتفادى الداعية التصادم أو إثارة الرفض
والاستعلاء لدى المدعو.
13- الصبر وسعة الصدر واحتمال الأذى؛ لأن من يتصدى للدعوة إلى الله
لا بد أن يناله أذى وابتلاء من الله (سبحانه وتعالى) ، وهذا هو طريق الأنبياء
والرسل وكل من قام بهذه المهمة العظيمة، يقول الله (تعالى) : [وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ
مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ]
[الأنعام: 34] فيجب على الداعية أن يستوعب ذلك، ويصبر، ويتسم بطول النفس
وبعد النظر، حتى تتحقق له الغاية المنشودة.
14- الانتباه إلى وسائل الهدم في العائلة، سواء أكانت هذه الوسائل أشخاصاً
أو أجهزة أو غير ذلك، ومن ثم: مقاومتها بالحكمة؛ لأنه بغير ذلك نجد أن ما يبنيه
الداعية في وقت طويل يهدم في لحظات (وليس الذي يبني كمن هو يهدم) .
كلمة أخيرة:
وصية مهمة لك أيها الأخ المبارك حين تختار من يعينك على هذا المشروع
من الأخيار الصالحين في عائلتك، فعليك بمن تتوسم فيهم الشجاعة والكرم، فلا
يستطيع أن يقوم بهذا المشروع إلا من كان لديه إقدام وشجاعة، ولا يستطيع أن
يستمر في هذا المشروع إلا من يكون كريماً، ليس في بذل أمواله فقط في سبيل
الدعوة، ولكن في بذل الأوقات، وهذا قد يكون أهم من الأموال التي يمكن
الحصول عليها من مصادر أخرى، فالبخيل بوقته لا يمكن أن يقوم بعمل قوي ولا
بنشاط دائم مستمر، وهما أصل هذا المشروع الدعوي.
وفي الختام: اعلم أنك من خلال هذا المشروع الدعوي العائلي المبارك لن
تخسر شيئاً قط، بل سوف تستمتع بذلك، وسوف تجد السرور والطمأنينة في قلبك، وهما عاجل بشرى المؤمن، وسوف يهبك الله (تعالى) من السعادة والتوفيق -
حتى في أمورك الدنيوية- ما لا تحتسب، ومع ذلك: فإنه يجب عليك أن تعلم أن
الدنيا ليست هي دار الجزاء، وإنما هي دار الكد، والكدح، والعمل، أما جزاؤك:
فتنتظره في الدار الآخرة عند الله.
ولا يعني هذا أن المهمة سهلة، وأن الطريق معبدة.. لا؛ فإن المهمة صعبة، والطريق وعرة شائكة، والمعركة على أشدها في زمن سادت فيه الشهوات،
وانحرفت الأخلاق، وسيطر على الناس حب الدنيا حتى شغلتهم عن الآخرة وأنستهم
إياها. ولكن مما يشد العزم ويقوي الهمة للقيام بهذا المشروع: استحضارنا لمعية
الله الخاصة بعباده المؤمنين [وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا] [العنكبوت: 69] ، وإيماننا أن الثواب على قدر المشقة، وكلما كان الجهد أكبر، كان الثواب أعظم،
أضف إلى ذلك: ما يحصله الإنسان من سعادة حين يشعر أنه قد تخطى الصعاب
والعقبات وكان له سهم في خدمة هذا الدين.
أسأل الله (تعالى) أن يجعلنا من المصلحين العاملين الموفقين.