افتتاحية العدد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن
اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد:
مرت على أمتنا الإسلامية في العقود الأخيرة أحداث جسام في شتى أقطارها،
وقد عانى بعض المسلمين من تلك الأحداث الكثير من الأذى والاضطهاد والتشريد
والقتل والحصار، مما يعرفه القاصي والداني.
ويقف أعداء الإسلام في الشرق والغرب حيال تلك الجرائم موقف المستهتر،
ولو أضير واحد من مواطنيهم لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها بصخب إعلامي كثيف،
فبينما يعاني المسلمون في البوسنة وفلسطين وكشمير وبورما والفلبين والشيشان من
القتل الجماعي، والتطهير العرقي، وتدمير القرى والمدن، نجد أولئك لا تعوزهم
الأعذار الباردة والحجج التافهة؛ بدعوى أن تلك الجرائم شؤون داخلية، أو أن
وراءها نفر من المتطرفين الإسلاميين، أو أن إنقاذ المعتدى عليهم سيرجح كفة
الصراع لمصلحة جهة دون أخرى! أما هيئة الأمم وبطرسها الأرثوذكسي، فهي
تزيد الطين بلة بقرارات مشبوهة وحلول جائرة، يكون المسلمون فيها غنيمة
للمعتدين، وما سلام (دايتون) عنا ببعيد.
إن هناك محاولات قائمة لإجهاض عودة الإسلام، ولكنها بإذن الله ستبوء
بالفشل.
إن أعداء الإسلام يقفون بكل وقاحة دون قيام أي توجه إسلامي يعمل للخروج
على الهيمنة الأجنبية، أو يحاول الاستقلالية وبناء القوة الذاتية للأمة، فيعملون
جاهدين على الإساءة إليه والتخويف من آثار توجهه بصورة فجة.
وحينما نتأمل في قضية (المجاهدين المسلمين) نجد تجسيداً للصورة السابقة،
فحين كان هؤلاء الشباب يَقُضّون مضاجع الجيش السوفييتي، ويخلخلون صفوفه،
ويذيقون قادته الأمرّين، كانوا هم الأبطال، بل الثوار - في عرفهم -! بل كانوا
يُمَدّون بالدعم، ويشجعون على مواصلة المقاومة للجيش الأحمر، الذي كان يقف
بكل غطرسة يتحدى الغرب وجيوشه، ويقف منهم موقف الند، ثم صار ذلك
الجيش أضحوكة العالم، وما لبث أن تداعت أركانه، فخرج يجر أذيال الخيبة
والهزيمة من أفغانستان. نعم، نحن لا نقول: إن المجاهدين الأفغان وحدهم هم
الذين أسقطوا الإمبراطورية السوفييتية؛ لأنها كانت تحمل عوامل فنائها بانحراف
أيديولوجيتها ودكتاتورية قادتها.
وبعد أن أدى المجاهدون دورهم في أفغانستان أصبحوا مغضوباً عليهم،
ومحلاً للاعتقال والقتل بدعوى كونهم إرهابيين ومتطرفين؛ مما أدى إلى ردود
أفعال مأساوية، وكان الأولى تلافيها بالأساليب (الحضارية) التي يدعي هؤلاء تبنيها، وهم الضاربون بها عرض الحائط.
ويتكرر الموقف مع مجاهدي البوسنة، وهم الذين حز في نفوسهم أن يقف
إخوانهم مسلمو البوسنة محرومين من السلاح، يتعرضون للعدوان الصربي
الأرثوذكسي الحاقد في ظل عدم المبالاة الدولية، فتداعى أولئك الشباب لنجدة
إخوانهم، ووقفوا ببسالة للدفاع معهم عن بيضة الإسلام وأعراض المسلمين
وممتلكاتهم، وقدموا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، فيما نحسبهم، ولا نزكي على
الله أحداً.
فماذا يضير الغرب من هؤلاء الفتية، الذين يؤدون واجب الجهاد وواجب
الأخوة الإسلامية [.. وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ..]
[الأنفال: 72] ، ماذا يضير الغرب من وجود أولئك النفر لولا أنه يخشى أن تعود للمسلمين دولتهم في قلب أوروبا التي ظن الغربيون أنهم أجهضوها (بمؤامرة دايتون) . ولاشك أن خوفهم من الجهاد والمجاهدين لخشيتهم من سريان هذه الروح في نفوس المسلمين بالفريضة الكبرى التي وصفها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنها ذروة سنام الإسلام، وحينها فلن يقدم أحد على محاولات إذلال المسلمين ومؤامرات القضاء على قوتهم وجعلهم شعوباً متفرقين لا تجمعهم رابطة العقيدة والعقيدة وحدها.
وبخلاف ذلك ستكون روابطهم قومية ومنطلقاتهم أيديولوجيات منحرفة، فهذا
ولا شك سيؤدي إلى السبات والتبعية والذلة، هذا الموقف لا يخفى على كل مسلم
أنار الله بصيرته بفهم هذا الدين من مصادره الأصيلة (كتاب الله وسنة رسوله -
صلى الله عليه وسلم- بفهم سلف الأمة الصالحين) ومعرفة الواقع على حقيقته.
لكن ما يعجب له كل مسلم أن يقوم بذلك الدور في الإساءة إلى الإسلام ودعاته
ولمجاهديه نفر من أمتنا، هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، لكنهم يعملون بوحي من
أعداء الإسلام والمنضوين تحت لوائهم من رموز العلمانية المعروفين.
إن هؤلاء الشانئين يُعرفون بسيماهم، ويعرفون بلحن القول، ومن عملهم
المتواصل في الإساءة إلى الإسلام ودعاته بمناسبة وبغير مناسبة، وهم الذين يجب
أن يسموا بـ (منافقي العصر) سواء أكانوا من اليسار أو اليمين، ونلمس آثار ذلك
العداء القابع في صدورهم مما يسودون به صحفهم ومجلاتهم من حرب مستمرة ضد
الإسلام والمسلمين، تتمثل فيما يلي:
* دعواتهم المستمرة لمصادرة الرأي الإسلامي ومضايقة دعاته ورميهم كذباً
وزوراً بأنهم متطرفون وإرهابيون.
* التخويف المستمر من كل توجه إسلامي بدعوى أنه ظلامية وانحراف عن
الصواب! بينما يؤيدون كل ناعق من دعاة الباطل.
* العمل المتواصل والتشجيع المستمر لتغريب المجتمعات الإسلامية والدعوة
إلى إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وادعاء أن أي دعوة لتحكيم الشريعة الإسلامية
في الحياة إنما هي في زعمهم تخلف ورجعية.
* حينما عرف الناس حقيقة دعاة الإسلام وكانوا محل ثقتهم وتأييدهم سمح
أولئك المشبوهون لنفرٍ من بني جلدتهم بالحديث باسم الإسلام لهدمه من الداخل.
* الغضب والحزن لفوز أي اتجاه إسلامي، سواءً أكان ذلك في انتخابات
عامة أو نقابية أو حتى تفوق أفراده، وإظهار البغض والحقد الكامن ضدهم بشكل
واضح.
إن الإسلام قادم بإذن الله وبوعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهما
حيكت المؤامرات من الأعداء، والتي ستفشل إن شاء الله؛ فحينما سقطت آخر
خلافة إسلامية يوم انحرفت عن الطريق الصحيح للعقيدة، فأسقطت ببساطة بمؤامرة
محبوكة الأطراف على يد الماسوني (أتاتورك) ، لكن الإسلام يعود اليوم من جديد
لتركيا ويفوز حزب الرفاه الإسلامي الاتجاه بالمركز الأول رغم الحرب الشعواء
ضده.
ورغم تحالف العلمانيين الذين كشروا عن أنيابهم وأبانوا موقفهم العدائي
المكشوف من الإسلام، إلا أن هذا الفوز ولا شك مؤشر على اتجاه وخطوة على
طريق طويل. وتحقيقاً لوعد الله فسيعود الإسلام، ليس إلى تركيا فقط، وإنما إلى
كل ديار الإسلام التي نُحيت فيها الشريعة الإسلامية..
سيعود الإسلام رغم أنف كل (منافقي العصر) من أدعياء العلمانية.
[وَعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ]
[النور: 55] .